مقالات المركز

بنغلاديش في ضوء إستراتيجية مثلث الموت الصيني حول الهند


  • 6 أبريل 2024

شارك الموضوع

مؤخرًا، افتتحت رئيسة وزراء بنغلاديش قاعدة الغواصات ذات الفتحات الست التي بنتها الصين بقيمة 1.2 مليار دولار، والتي أطلق عليها اسم “شيخة حسينة”. ويبدو أن هذا المشروع جزء من برنامج “هدف القوات 2030” التابع للجيش البنغلاديشي، وهو خطة دفاعية طموحة حُددت الخطوط العريضة لها عام 2009، وتسعى إلى توسيع القوات المسلحة في البلاد وتحديثها. يمكن للميناء أن يستوعب (6) غواصات و(8) سفن حربية في وقت واحد. وتظهر الصورة بناء الحوض الجاف للقاعدة، الذي من المفترض أن يكون لصيانة الغواصات.

وتمتلك البحرية البنغلاديشية غواصتين محولتين من طراز (35G) من طراز (Ming) صينية، وغواصة من طراز (Kilo) هندية، لكن مِن غير الواضح هل ستتمكن السفن البحرية الصينية من استخدام هذه القاعدة في المستقبل أم لا، ولكن يزيد هذا مِن مخاوف الهند، حيث إن القاعدة تقع مباشرة على مصب خليج البنغال. وستكون الغواصات التي تديرها بحرية جيش التحرير الشعبي الصيني- المعروفة أيضًا باسم (PLAN)-  قريبة بشكل خطير من مراكز للقيادة التابعة للبحرية الهندية.

خليج البنغال هو الأكبر في العالم، ويقع بين الهند شرقًا وإندونيسيا غربًا، في حين أن بنغلاديش وسريلانكا وميانمار هي الدول الساحلية. إن الأهمية الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية التي تتمتع بها المنطقة تجتذب قوى كبيرة في الشرق والغرب (الصين، واليابان، والهند، والولايات المتحدة، بل حتى روسيا). ويقع خليج البنغال على قمة خطوط المواصلات البحرية التي تربط الصين واليابان وكوريا بالشرق الأوسط وإفريقيا، ويمر عبر هذه الممرات نصف التجارة العالمية. وأدرجت وزارة الدفاع الأمريكية  كلًا من بنغلادش وميانمار في قائمتها للمواقع التي من المحتمل أن تسعى فيها بكين إلى إنشاء منشآت عسكرية في الخارج.

يتمتع خليج البنغال بمنفذ مياه ضحل ومحصور إلى المحيط الهندي، وهو ما يتطلب قدرة عالية على المناورة من الغواصات قبل أن تتمكن من النزول تحت سطح الماء، وهذا يجعلها عرضة للهجمات، ويمكن أن تغرق بسهولة في حالة نشوب صراع؛ لذلك، قد لا يكون من الممكن للبحرية البنغلاديشية استخدام الرصيف لوقوف الغواصات القادرة على الهجوم. ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن بنغلاديش، التي حصلت على غواصتين من الصين، يمكن أن تحصل على مزيد منها في المستقبل، وتسمح لجيش التحرير الشعبي الصيني باستخدام المنشأة تحت غطاء عمليات مكافحة القرصنة.

وأكد المسؤولون البنغلاديشيون أن الأفراد الصينيين يشاركون أيضًا في تدريب غواصاتهم على كيفية تشغيل الغواصات والقاعدة الجديدة. وأشارت رئيسة الوزراء حسينة أيضًا إلى أنه يمكن استخدام المنشأة “كنقطة خدمة للسفن التي تبحر في خليج البنغال”، وهي إشارة محتملة إلى أن جيش التحرير الشعبي الصيني قد يصل يومًا ما إلى الميناء. أما الصين فقد أبقت تفاصيل المشروع طي الكتمان لأنها لا ترغب في استعداء الهند، التي أثارت مرارًا تحذيراتها بسبب الوجود العسكري المتزايد للصين، وأقامت بنية تحتية عسكرية في منطقة هيمنتها.

وقعت الصين وبنغلاديش اتفاقية تعاون دفاعي للتدريب العسكري والإنتاج الدفاعي عام 2002، وأعلنت الحكومة الصينية أن العلاقات مع دكا وصلت إلى مستوى “شراكة تعاون إستراتيجية”. وتعد بنغلاديش ثاني أكبر عميل دفاعي للصين بعد باكستان. واشترت دكا (17%) من صادرات الدفاع الصينية بين عامي 2016 و2020، وسمحت اتفاقية التعاون الدفاعي لبكين بتنمية الحكومات المتعاقبة في دكا كمشترين محتملين للأسلحة، وزادت الصين باطّراد العناصر المدرجة في قائمة تصدير الأسلحة إلى بنغلاديش.

منذ عام 2002، برزت بنغلاديش بوصفها عنصرًا مهمًا في سياسة الصين في جنوب آسيا. وفي حين تحتاج دكا إلى التكنولوجيا الاقتصادية والتجارية والصناعية لمعالجة مشكلات البطالة، نجحت بكين في إقناع دكا بزيادة مخزونها العسكري، خصوصًا في ظل التوترات البحرية مع ميانمار. وبالفعل تمكنت دكا بفضل الدعم الصيني في تجاوز نزاعاتها البحرية مع ميانمار عام 2012، ومع الهند عام 2014.

وسمحت لها التسويات الناتجة بزيادة مطالبتها السيادية على المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى نحو ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة تعادل تقريبًا كتلة أراضيها. وقد زودت بكين القوات البنغلادشية بطرادات مِن طرازات (BNS Prottoy) و(BNS Shadhinota)، وأنظمة صواريخ مضادة للسفن وأرض جو. وبينما كانت الهند بطيئة في اقتراح آلية للتعاون مع بنغلاديش، سارعت الصين إلى توفير المعدات العسكرية والبحرية لمساعدة دكا في الدفاع عن مواردها البحرية المكتسبة حديثًا. وترى الصين أيضًا إمكانات ضخمة في تسليح جيش بنغلاديش على طول ساحل أراكان، ومعالجة التوترات الناشئة عن مستوطنات الروهينجا غير القانونية.

فيما يتعلق بالهند، فإن وجود الغواصات الصينية الصنع في خليج البنغال، بطريقة ما، يجعلها مسطحًا مائيًا مزدحمًا جدًا فيما يتعلق بالأنشطة تحت الماء. كما أنه يضفي الشرعية على الوجود الصيني بأكثر من طريقة، وذلك يعقد الأعمال العسكرية الهندية تحت الماء. ولا تشكل الغواصتان الموجودتان لدى البحرية البنغلاديشية تهديدًا كبيرًا للهند، حيث تحاصر نيودلهي دكا من ثلاث جهات، ولها مصلحة إستراتيجية كبيرة في خليج البنغال، لكن الغواصتين جاءتا وعلى متنهما مسؤولون صينيون لتدريب الطاقم البنغلاديشي، وتعريفه بالسفن. كما ستحتاج قاعدة الغواصات إلى الصيانة والدعم التشغيلي من أفراد صينيين، ويشكل قربها من القيادة البحرية الشرقية للهند، حيث غواصتها النووية المحلية قيد الإنشاء، سببًا للقلق.

ولقد سعت الصين منذ فترة طويلة إلى الوصول إلى خليج البنغال وبحر العرب بسبب جغرافيتها البحرية المحدودة وغير المواتية، خاصة على طول غرب المحيط الهادئ. ويتم تسهيل مهمة بكين كثيرًا، في وقت سابق من جانب ميانمار، والآن من جانب بنغلاديش. وقد شكلت المواني الثلاثة التي تديرها الصين في جنوب آسيا (شيتاجونج في بنغلاديش، وهامبانتوتا في سريلانكا، وجوادر في باكستان) “مثلث الموت” الذي يحيط بالهند، ومن الممكن أن تضر إستراتيجية نيودلهي للحفاظ على الهيمنة الإستراتيجية في ساحتها الخلفية، تلك الإستراتيجية التي باتت ترى أن سريلانكا وبنغلاديش وباكستان دول تابعة للصين بحكم الأمر الواقع؛  لأنها قامت بتأجير الأراضي لبكين، وهذا الأمر يشبه الخنق للهند.

الآن، الهند بحاجة إلى تخصيص مزيد من الموارد لحماية الطرق البحرية الحيوية، وبالفعل في عام 2019، فتحت ائتمانًا بقيمة 500 مليون دولار لبنغلاديش، وأبدت دكا اهتمامًا بشراء معدات عسكرية من نيودلهي، وشمل ذلك مركبات ذات أغراض خاصة صالحة لجميع التضاريس، وطائرات هليكوبتر، وعقد صيانة لمعدات روسية المنشأ مثل طائرات الهليكوبتر من طراز (Mi-17-1V)، وطائرات أنتونوف (An-32)، وطائرات (MiG 29) النفاثة. وفي حين تحتاج نيودلهي إلى أن تكون ذات فائدة لدكا في برنامج “هدف القوات 2030” الذي تتبناه الأخيرة، فمن المهم إقناع المؤسسة السياسية في بنغلاديش بأنه من غير المجدي الدخول في سباق تسلح غير ضروري في المنطقة.

اليوم، وبعد أكثر مِن نصف قرن على ما يسمى حرب التحرير البنغلادشية، يبحث جيل جديد من بنغلاديش يضم ناخبين شبابًا عن فرص العمل، والتقدم الاقتصادي، والاستقرار السياسي. وتقدم الصين النموذج التجاري المثالي، لا سيما في ضوء خطتها الطويلة الأجل لتنمية دول جنوب آسيا؛ لذا فإن هذا يزيد الضغط على الهند من أجل أن تقيم اتصالات مع جميع شرائح المجتمع البنغلاديشي وقواه السياسية لإقناعهم بضرورة التركيز على القضايا التي تؤثر في الحياة اليومية للمواطنين، بدلًا مِن صفقات الأسلحة، لا سيما أن التقدم الاقتصادي لبنغلاديش يعتمد على المشروعات الإقليمية، ودمج الأيدي العاملة البنغلادشية في الأسواق العالمية السريعة النمو؛ لذا قد تمثل الإستراتيجية الصينية للحزام والطوق مصدرًا مُلهمًا للشعب البنغلاديشي، وبالمثل قد تكون مشروعات مثل بهارات مالا، وساجار مالا الهندية، فرصة للتعاون مع دكا، ومنع تحول إستراتجيتها العسكرية على نحو عدائي؛ للحفاظ على استقرار جنوب آسيا؛ لذا لا بد من توسيع المشروعات الاقتصادية الاقليمية على الساحل الشرقي، واحتواء ميانمار وبنغلاديش، وتفعيل دور رابطة حافة المحيط الهندي (IORA)، وإطلاق عدد من المبادرات على غرار مبادرة خليج البنغال للتعاون الفني، والاقتصادي، المتعدد القطاعات.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع