مختارات أوراسية

انتقال أرمينيا وأذربيجان من المفاوضات إلى الاتهامات


  • 29 يناير 2024

شارك الموضوع

يبدو أن المفاوضات بين أرمينيا وأذربيجان قد وصلت إلى طريق مسدود. وفي الوقت نفسه، تنتقل أطراف الصراع تدريجيًّا من مناقشة مبادرات حفظ السلام إلى الاتهامات المتبادلة. بالإضافة إلى ذلك، لا ينطبق هذا الوضع المتأزم فقط على المطالبات الإقليمية، التي اعتادها الجميع منذ فترة طويلة.

وخلال زيارة إلى جورجيا، قال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان: “إنه يأمل مواصلة المفاوضات بعد الانتخابات الرئاسية في أذربيجان”. ووفقًا له: “فإن هذا ضروري من أجل وضع اللمسات الأخيرة على مشروع معاهدة السلام على أساس المبادئ المتفق عليها بالفعل”. أكد رئيس الحكومة الجورجية إراكلي غاريباشفيلي- مرة أخرى- أن تبليسي “مستعدة للإسهام في تعزيز الاستقرار الإقليمي، وحسن الجوار”. وقال الرئيس الجورجي: “إننا نتابع الحوار الجاري بين أرمينيا وأذربيجان بتفاؤل وأمل”.

في غضون ذلك، أشار وزير الخارجية الأذربيجاني جيحون بيراموف إلى أنه “سيُعقد اجتماع لجان ترسيم الحدود في الأيام المقبلة”. وأضاف الدبلوماسي: “إن رسم الحدود بين الجمهوريتين يعد عنصرًا مهمًّا في العلاقات الأرمينية الأذربيجانية”. وقال بيراموف أيضًا: “إن باكو تلقت في أوائل يناير (كانون الثاني) مجموعة من المقترحات لمعاهدة السلام من يريفان، ويعمل الجانب الأذربيجاني على ذلك، وسيقدم الرد قريبًا”.

يبدو أنه لا يوجد سبب للقلق. ومع ذلك، ومن أجل تعزيز الثقة، قررت السلطات الأرمينية أن تنقل إلى زملائها الأذربيجانيين جميع خرائط حقول الألغام الموجودة لديهم في قره باغ/ أرتساخ. وللقيام بذلك، يجرون دراسة استقصائية لجميع المسؤولين السابقين في جمهورية أرتساخ، المعلنة من جانب واحد. وردًا على ذلك، ذكر بيراموف “أن أرمينيا نفت تمامًا في السابق وجود خرائط للألغام، ولكن تبين أن خرائط الألغام التي قدمت لنا فيما بعد عديمة الفائدة”. وقال الوزير: “إن الادعاءات بأن أرمينيا لا تعرف موقع الألغام التي زرعتها ادعاءات سخيفة”.

وقيّمت وزارة الخارجية الأرمينية رد فعل باكو بأنه محاولة لإبطال جهود أرمينيا لبناء الثقة، وخلصت الوزارة إلى أن “باكو تحول خطوة يريفان الإيجابية إلى سبب للتصعيد والخطاب السلبي”.

وفي الوقت نفسه، لا يمكن القول إن الجانب الأرميني لا تصدر عنه تصريحات استفزازية. على سبيل المثال، طالب أرمين جيفورجيان، عضو الوفد الأرميني إلى الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، إسرائيل بتوضيح الفرق بين حماس وأذربيجان، وقد حدث هذا بعد يومين من تجميد باكو تعاونها مع الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، بشكل فاضح.

بالإضافة إلى ذلك، كجزء من المفاوضات، بدأ الطرفان بالحديث عن مطالبات كل منهما للآخر التي تؤثر في الأسس الأساسية لأرمينيا وأذربيجان. على سبيل المثال، تطالب باكو أرمينيا بإزالة ذكر كاراباخ من إعلان استقلالها. لا تحب يريفان أن أذربيجان لا تطلق على نفسها أنها الوريث الشرعي لجمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفيتية، بل خليفة جمهورية أذربيجان الديمقراطية (التي كانت موجودة من عام 1918 إلى عام 1920، وتضمنت جزءًا كبيرًا من أرمينيا الحديثة).

يعتقد رئيس المركز التحليلي للبحوث والمبادرات الإستراتيجية (ACSIS)، هايك خالاتيان، أن السلطات الأرمينية “تحاول التوقيع على الأقل على نوع ما من الاتفاقية مع أذربيجان بأي ثمن، وقد قدمت بالفعل تنازلات غير مسبوقة بشأن قضية ناغورنو كاراباخ. هذا، وتتعرض النخبة الحاكمة لانتقادات شديدة داخل الجمهورية بسبب ذلك، لكن باكو لا تزال غير مهتمة بصنع السلام. وبدلًا من ذلك، يريد الجانب الأذربيجاني الحفاظ على إمكانية ممارسة ضغط قوي على أرمينيا”.

الآن، تطرح باكو شروط السلام التي تعني- في الواقع- الاستسلام الكامل ليريفان، وتحييد العامل الأرميني في جنوب القوقاز. حتى السلطات الحالية في أرمينيا ليست مستعدة للقيام بذلك؛ لذلك، من ناحية، تعمل باكو على تخريب عملية التفاوض، ومن ناحية أخرى، تعمل بنشاط على تهيئة الظروف لتصعيد جديد على الحدود. وبحسب خالاتيان، فإن أذربيجان “تكتسب الثقة بقدراتها من خلال رؤيتها لحجم المشكلات الخطيرة في علاقات يريفان مع موسكو، وعدم رغبة الغرب في الانتقال من التصريحات التي تدين باكو إلى الضغط الحقيقي عليها”.

على العكس من ذلك، يعتقد عالم السياسة الأذربيجاني إيلغار فيليزادي أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة “يمنعان تطبيع العلاقات الأرمينية الأذربيجانية”. على سبيل المثال، “تحولت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا إلى منصة مناهضة لأذربيجان، واتهمت الولايات المتحدة باكو بانتهاك الحريات الدينية”.

كما أضاف فيليزادي: “الجانب الأرميني يرفض المفاوضات في موسكو؛ لأنه يريد التحدث فقط عندما يكون هناك ضغط أحادي الجانب على باكو؛ ونتيجة لذلك، انهارت عملية السلام. في الوقت نفسه، مع الحفاظ على النهج الحالي، لن يتمكن الغرب من إعادة أرمن كاراباخ إلى أراضيهم. تحاول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إقناع يريفان بأنهما أفضل من روسيا؛ لأنهما يصدران تصريحات صارمة. وهكذا، تحاول واشنطن وبروكسل طرد موسكو من جنوب القوقاز، وتساعدهما يريفان على ذلك، دون أن تفهم أن النظام العالمي في نهاية المطاف لا ينبغي أن تحدده قوى خارجية، بل دول المنطقة؛ ونتيجة لذلك، فإن هذا سينتهي بشكل سيئ لأرمينيا”.

كانت علاقات موسكو ويريفان قد شهدت توترًا غير مسبوق، منذ تولي رئيس الوزراء الحالي نيكول باشينيان، عام 2018.

الكاتب: أرتور أفاكوف

المصدر: صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا الروسية

ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع