أبحاث ودراسات

فرصة لإعادة تشكيل العلاقات الدولية

انتخابات تايوان 2024


  • 15 يناير 2024

شارك الموضوع

توطئة:

عندما يشعر خبراء السياسة الخارجية بالقلق بشأن الكيفية التي يمكن أن تبدأ بها الحرب العالمية، فإنهم غالبًا ما يضعون تايوان على رأس القائمة، إذ يعد مصير تايوان أحد أكبر الأمور المجهولة في عشرينيات القرن الحالي، وهي الدولة ذات الديمقراطية الحديثة التي تضم نحو 24 مليون نسمة، مع متوسط دخل سنوي أعلى من نظيره في أجزاء من أوروبا، وتعاملها كثير من الدول، ومنها الولايات المتحدة، على أنها دولة مستقلة تقريبًا، دون الاعتراف بها رسميًّا على هذا النحو.

وفي الأيام الأخيرة من الحملة الانتخابية في البلاد، التي أُطِّرَت على أنها خيار بين الحرب والسلام، أو الديمقراطية والاستبداد، كان من الممكن أن يؤدي التحذير من غارة جوية على مستوى البلاد بسبب إطلاق قمر صناعي من الصين إلى إثارة الذعر، وبدلًا من ذلك، أدى التنبيه الرئاسي الثنائي اللغة إلى إثارة الارتباك والغضب، بسبب الخطأ في ترجمة الكلمة الصينية التي تعني (قمر صناعي) إلى (صاروخ) باللغة الإنجليزية، حيث سارع السياسيون المعارضون إلى اتهام الحكومة بالترويج للخوف قبل أيام من الانتخابات التي ستكون لها آثار بعيدة المدى خارج تايوان.

في الثالث عشر من يناير (كانون الثاني) الجاري، توجهت الجزيرة إلى الانتخابات الرئاسية الأكثر مراقبة، والمتنازع عليها منذ أول انتخابات ديمقراطية آسيوية في عام 1996، في سياق التحذيرات المتبادلة بين واشنطن وبكين من التدخل في الانتخابات التايوانية[1]، حيث مَثَّل فوز “لاي تشينغ تي” المرة الأولى في تاريخ تايوان الديمقراطي التي يُنتخب فيها حزب سياسي لولاية ثالثة في السلطة، إشارة قوية إلى أن تكتيكات الصين القوية في عهد “شي جين بينغ” فشلت في إقناع الناخبين في تايوان بالتخلي عن الحزب الديمقراطي التقدمي؛ ما يطرح عددًا من التساؤلات المحورية التي يتمثل أبرزها في: كيف يمكن فهم سياق العملية الانتخابية في تايوان في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية؟ هل نجحت الصين في تغيير مسار الانتخابات الرئاسية في تايوان؟ وهل تبحث الولايات المتحدة عن ساحة جديدة لبسط النفوذ بعد فشلها في غزة[2]؟ وما دلالات التصريحات العدائية بين الصين وتايوان والولايات المتحدة بعد فوز “لاي” في انتخابات 2024؟ وكيف سيكون رد الفعل الصيني بعد فوز الحزب التقدمي الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية؟

متغيرات العملية الانتخابية في تايوان

تعاني تايوان حالة استقطاب عميقة، ولكنها تسعى- على نحو فوضوي- إلى عملية ديمقراطيتها الجديدة نسبيًّا، فموسم الانتخابات في تايوان مزيج من أحداث الحملات الانتخابية الصاخبة، والأخبار الكاذبة، والفضائح السياسية التي غالبًا ما تلقي بظلالها على المناقشات السياسية الجادة والمعقدة عن هوية تايوان ومكانتها في عالم لا يعترف بها، والتهديد الوجودي الذي تمثله الصين.

وفي ضوء هذا، أصبحت الحملة الانتخابية الأخيرة واحدة من أكثر الحملات إثارة للجدل في الديمقراطية التي تشهدها البلاد منذ 26 عامًا، حيث كافحت الأحزاب الرئيسة للمضي قدمًا على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية العميقة التي تعد المحرك الأول في تلك العملية، حيث تنافَسَ في الانتخابات الجارية ثلاثة مرشحين؛ هم: “لاي تشينج تي”، عن الحزب الديمقراطي التقدمي[3]، وهو نائب الرئيس الحالي، و”هو يو يي”، عن حزب الكومينتانغ المحافظ، وأخيرًا  “كو وين جي، مؤسس حزب الشعب التايواني.

مثَّل الحزب التقدمي الديمقراطي، وحزب الكومينتانغ (KMT) الحزبين الرئيسين في تايوان منذ أوائل التسعينيات. والحزب الحاكم، الحزب الديمقراطي التقدمي، بقيادة “لاي تشينج تي”، نائب الرئيس السابق، وصفه المسؤولون الصينيون بأنه مدمر السلام، ونشروا معلومات مضللة عنه، حيث أشارت الصين إلى أن “لاي” دمية أمريكية، وأن انتخابه قد يتسبب في ركود بعد العقوبات التجارية الجديدة على تايوان، مع أنه على مدى السنوات الثماني الماضية التي أدار فيها الحزب الديمقراطي التقدمي تايوان لم يمثل قطيعة مع الصين. فضلًا عن هذا، ارتكز “لاي” في حملته الانتخابية على رسالة معتدلة نسبيًّا، ويحاول اجتذاب الناخبين الذين يفضلون الاستقلال الكامل، وأولئك الذين يفضلون الوضع الحالي.

أما حزب الكومينتانغ[4] المحافظ، بقيادة “هو يو يي”، ضابط الشرطة السابق، وعمدة مدينة تايبيه الجديدة، فيُنظر إليه- منذ فترة طويلة- على أنه نخبوي، وله قاعدة ناخبين واسعة، ومع أنه لا يريد إعادة التوحيد مع الصين، فإن موقف حزب الكومينتانغ كان تصالحيًّا، حيث روج لفكرة مفادها أن إقامة علاقة أوثق مع مزيد من الحوار والعلاقات الاقتصادية هي أفضل وسيلة للحفاظ على السلام، كما جادل “هو” بأن انتخاب “لاي” يخاطر بحرب مع الصين. وعلى النقيض من ذلك، وعد “هو” بتعزيز الجيش التايواني، وبناء علاقات أوثق مع بكين؛ ومن ثم كانت الصين تطمح إلى رحيل الحزب الديمقراطي التقدمي، وتولي حزب الكومينتانغ السلطة؛ لأن بكين ترى أن إقناعه ربما يكون أكثر سهولة في الانضمام سلميًّا إلى البر الرئيس للصين.

أما المرشح الثالث فكان “كو وين جي”، الجراح السابق الذي فاز في سباق عمدة تايبيه عام 2014، على الرغم من عدم وجود أي خبرة سياسية سابقة له. وفي عام 2019، أسس “كو” حزب الشعب التايواني، الذي حاول توجيه السخط تجاه الحزبين الرئيسين، إذ صور نفسه على أنه تكنوقراط فعال؛ لذا سعى أن يفوز في الانتخابات الرئاسية الحالية رغم فرصته الضعيفة.

ومع أن المحدد الصيني يلوح في الأفق بشأن تأثيره في العملية الانتخابية، فإن القضايا الداخلية تشكل محور اهتمام الشعب التايواني؛ لذا فإن الشغل الشاغل للناخبين هو الاقتصاد، ويعكس هذا حقيقة تدهور الأحوال المعيشية للشعب التايواني؛ إذ ارتفعت الأجور الحقيقية بمعدل 1% فقط على مدى العقد الماضي، ولا يزال السكن الميسر بعيد المنال لكثير من الشباب؛ ومن ثم ألقت أحزاب المعارضة باللوم على الحزب الديمقراطي التقدمي في سوء الإدارة الاقتصادية، وحملت الحزب مسؤولية نقص الخدمات والسلع الأساسية في البلاد خلال السنوات الأخيرة.

بناءً على هذا، تعد المخاوف الاقتصادية[5] نقطة ضعف لـ”لاي”؛ لأنه يشغل منصب نائب الرئيس، ومن ناحية أخرى، ربما تكون أكبر ميزة له هي تصرفات الصين الأخيرة، بعد أن أصبحت أكثر تهديدًا تجاه تايوان، لا سيما عقب إرسال طائرات وبالونات وقمر صناعي بالقرب من الجزيرة، حيث تعدّ بكين تايوان مقاطعة، وتعهدت- منذ فترة طويلة- بإعادة توحيدها مع الصين، ولم تستبعد استخدام القوة لتحقيق هذا الهدف، وهو الاحتمال الذي يهدد بإدخال المنطقة، وربما العالم، في صراع، وهو ما استغله المرشحون الثلاثة في وعودهم الانتخابي، لكن فوز “لاي” بالسلطة كشف عن رفض الشعب التايواني الانضمام إلى الصين على حساب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها أبناء تايوان.

محددات الدور الصيني في انتخابات تايوان

مع أن الحزب الشيوعي الصيني[6] استهدف تايوان عقودًا، فإن التدخل أصبح أكثر تعقيدًا في السنوات الأخيرة، حيث أدركت الحكومة الصينية أن العداء العلني يمكن أن يؤدي إلى تفاقم المشكلة. وبدلًا من ذلك، اختار الحزب الشيوعي الصيني زيادة مستويات التضليل، وخطاب التهديد، حيث صوروا هذه الانتخابات- وفقًا لتصريحات الرئيس الصيني “شي جين بينغ”- على أنها سلام مع حزب الكومينتانغ، أو حرب مع الحزب الديمقراطي التقدمي.

بالإضافة إلى هذا، كانت هناك أيضًا علامات على تدخل غير تقليدي من جانب بكين، فبموجب قوانين مكافحة التسلل، اعتقلت السلطات التايوانية مؤخرًا 200 من زعماء الأحياء المحليين الذين تمت دعوتهم للقيام برحلات مدفوعة الأجر إلى الصين، حيث اشتبهت السلطات التايوانية في أن هذه الرحلات كانت تهدف إلى التأثير في القادة المحليين لحشد الأصوات لمرشحي حزب الكومينتانغ الموالين لبكين.

أمضت بكين عقودًا لإبعاد الناخبين التايوانيين عن المرشحين الرافضين للانضمام إلى البر الرئيس، والتوجه نحو مرشحين أكثر ودية، من خلال عمليات الصين المعلوماتية، فخلال الانتخابات البلدية عام 2018، استخدمت الصين مئات من “مزارع المحتوى” لإنتاج معلومات مُضللة رقمية تهدف إلى إيذاء المرشحين الذين تراهم بكين أقل ودية. وفي عام 2016، عندما كانت رئيسة تايوان “تساي إنج وين[7]“، الأقل تأييدًا لبكين، متقدمة في استطلاعات الرأي، ضربت الصين الموقع الإلكتروني لحزبها بهجمات تصيد ورموز خبيثة، واستأنفت الحملة الإعلامية الصينية العدوانية هجماتها على وسائل التواصل الاجتماعي المدعومة من الحزب الشيوعي الصيني على تايوان في انتخابات 2020 ضد تساي، لكنها فازت بأغلبية ساحقة.

يأتي ما سبق في إطار سعي الصين- منذ فترة طويلة- إلى ضم الجزيرة، حيث تُعدّها مقاطعة، وتعهدت بإعادة توحيدها مع البر الرئيس، واتخذ التهديد بالضم في السنوات الأخيرة منحى أكثر عنفًا، حيث أجرت الصين تدريبات عسكرية عدوانية بالقرب من الجزيرة. فضلًا عن هذا، استخدمت بكين التدريبات العسكرية، والإكراه الاقتصادي، والحرب المعرفية، والعزلة الدبلوماسية؛ للضغط على تايوان وشعبها للاستسلام دون قتال، وقبول الضم؛ مما أدى إلى تصعيد التوترات بين واشنطن- الحليف الوثيق لتايوان- وبكين.

الأمر الخطير في التدخل الصيني المباشر وغير المباشر أنه أصبح مصدر قلق عميق للشعب التايواني؛ ما جعل الصراع بين الصين وتايوان ينتقل من المستوى الدولي إلى المستوى الشعبي؛ لذا انضم الآلاف من التايوانيين إلى مجموعات الدفاع المدني[8]، ومن خلال التكنولوجيا دُرِّبَ الجيش المحلي، كما دعم هذا التوجه تطوير المستثمرين خطط طوارئ لمواجهة التهديد الصيني للبلاد.

حرب التصريحات بعد نتيجة الانتخابات التايوانية

أعربت الخارجية الصينية عن أن هناك خطرًا شديدًا قد يترتب على إشعال “لاي تشينغ تي” للمواجهة والصراع عبر المضيق بعد فوزه في الانتخابات، وتقلق بكين من اتخاذ الاختيار الصحيح على مفترق طرق العلاقات عبر المضيق. وردًا على هذا، دعت تايوان الصين إلى احترام نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها “لاي تشينغ تي”، الذي تعهد بحماية الجزيرة- المتمتعة بحكم ذاتي- من تهديدات بكين وترهيبها، ومواجهة الواقع، والتخلي عن قمع تايوان؛ من أجل عودة التفاعلات الإيجابية عبر المضيق إلى المسار الصحيح.

أما الخارجية الروسية فأكدت أن موقف روسيا بشأن تايوان لم يتغير، حيث يعترف الجانب الروسي بوجود صين واحدة فقط في العالم، وأن تايوان جزء من الصين؛ لذا تعارض روسيا انفصال تايوان بأي شكل من الأشكال، لكن موسكو- على الجانب الآخر- تدعو القوى الخارجية إلى الامتناع عن الاستفزازات بعد نتائج الانتخابات في تايوان.

غير أن التصريح الأبرز جاء من الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي هنأ “لاي تشينغ تي” بفوزه في الانتخابات. وفي المقابل، أكد بايدن أن واشنطن لا تدعم استقلال الجزيرة، ولا تعترف بتايوان دولة مستقلة؛ بل إنها ترى أن جمهورية الصين الشعبية[9] هي الممثل الشرعي الوحيد للصين، لكنها (أي واشنطن) ملزمة بتقديم مساعدات عسكرية كبيرة للجزيرة، وترفض تغيير الوضع الراهن فيها بالقوة، ما يعني أن حكومة بايدن لن تتخذ أي خطوات مباشرة في صراع الصين وتايوان.

تداعيات الصراع الجيوإستراتيجي الدولي في تايوان

قطعت واشنطن علاقاتها الرسمية مع تايوان عام 1979، بعد أن حوّلت اعترافها الدبلوماسي من تايبيه إلى بكين، ومنذ ذلك الحين، حافظت الولايات المتحدة على علاقات غير رسمية وثيقة مع تايوان، وهي ملزمة- بموجب القانون- بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها، لكنها ظلت- فترة طويلة- غامضة- بشكل متعمد- بشأن ما إذا كانت ستهب للدفاع عن تايوان في حالة وقوع هجوم صيني أم لا؟

في عهد الرئيس الحالي جو بايدن[10]– وسلفه دونالد ترمب– كثفت الولايات المتحدة دعمها ومبيعات الأسلحة لتايوان، وصرح بايدن أيضًا- في مناسبات متعددة- أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا غزتها الصين؛ مما أثار تساؤلات عما إذا كانت الولايات المتحدة تبتعد عن سياستها الطويلة الأمد المتمثلة في الغموض الإستراتيجي بشأن تايوان، أم أن هذه التصريحات تندرج ضمن التصريحات الشكلية في سياق الصراع الأبدي بين الصين والولايات المتحدة؟ غير أن تلك الخطوات العدائية لبايدن أثارت غضب بكين، التي حذرت من أن قضية تايوان هي الخط الأحمر الأول الذي لا ينبغي تجاوزه في العلاقات الصينية الأمريكية.

لكن المثير في الوقت الراهن هو أن انتخابات تايوان تأتي في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة تحقيق الاستقرار في العلاقات المتوترة مع الصين، ومنع المنافسة من التحول إلى صراع، إذ تصر واشنطن على أنها لا تفضل أي مرشح رئاسي في تايوان، وصرح بايدن بأنه حذر “شي”- صراحة- من التدخل في الانتخابات خلال قمتهما في سان فرانسيسكو في نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم، غير أن مكتب التمثيل الأمريكي في تايبيه أعلن إرسال وفد من الحزبين في الرابع عشر من يناير (كانون الثاني) الجاري، حيث يسعى بايدن إلى أن يُظهر للصين أنه لن ينحرف عن سياسة واشنطن المستمرة منذ سنوات لدعم تايوان، فضلًا عن حرمان الجمهوريين المعارضين من فرصة انتقاده لاستسلامه للصين، خاصة مع اقتراب السباق الرئاسي الأمريكي المقبل.

وفي هذا السياق، راقبت الولايات المتحدة[11] تطورات العملية الانتخابية باهتمام كبير، إذ يعني استعادة الحزب التقدمي الديمقراطي السلطة، أن العلاقة بين تايوان والولايات المتحدة سوف تزداد قوة، في مقابل تدهور العلاقات بين تايوان والصين، حيث كانت قضية تايوان أكبر نقطة خلاف في محاولات تهدئة التوترات بين بايدن وشي منذ أن تولى بايدن السلطة، حيث تقول الصين إنها مسألة داخلية، وتتهم الولايات المتحدة بالتدخل. في مقابل، هذا تصر الولايات المتحدة على أنها تدعم تايوان ضد محاولات الصين للسيطرة عليها؛ لذا لا تعد الانتخابات الرئاسية لتايوان وحدها ما يحدد مستقبل البلاد، بل إن انتخابات الولايات المتحدة، في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، حدث مفصلي لدى زعماء تايوان الجدد، وسكان الجزيرة الذين يبلغ تعدادهم 24 مليون نسمة، لمعرفة مَن الرئيس القادم لأكبر حلفائها في المنطقة؛ ما سيؤثر- بدوره- في قوة تايوان في مواجهة الصين.

الخاتمة

شهدت الانتخابات الرئاسية التي عُقدت في تايوان، في الثالث عشر من يناير (كانون الثاني) الجاري، سباقًا ثلاثيًّا معقدًا بين مرشح الحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم “لاي تشينج تي” وأعضاء المعارضة “كو وين- جي” من حزب الشعب التايواني، و”هو يو يي” من حزب الكومينتانغ المحافظ، فاز به “لاي” وحزب الديمقراطي التقدمي، وهو ما من شأنه أن يعيد تشكيل العلاقات الدولية، خاصة العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين، وحتى الأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادي على نطاق عريض، بعد الوعود الانتخابية بشأن مستقبل تايوان وعلاقتها بالصين.

كان العالم يراقب ليس فقط مَن سيفوز في الانتخابات، بل كيف ستستجيب الصين لنتائج الانتخابات في تايوان، خاصة بعد أن وصف “شي جين بينغ” توحيد تايوان مع البر الرئيس[12] بأنه حتمية تاريخية، ولا بد من تحقيقه بالقوة إذا لزم الأمر؛ لذا سيحاول الحزب الديمقراطي التقدمي بعد فوزه في الانتخابات، استعادة الاتصال مع الصين بشكل أكثر جدية، غير أن رد الفعل العدائي من جانب الصين سيكون مؤكدًا. والسؤال الوحيد هنا هو عن الشكل الذي قد يتخذه هذا الرد، ففي المرة الأخيرة التي وصل الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم إلى السلطة عام 2020، قطعت بكين معظم الاتصالات مع تايبيه، وزادت كثيرًا الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية على الجزيرة في السنوات التالية، مما أدى إلى تحول مضيق تايوان إلى واحدة من نقاط التوتر الجيوسياسية الرئيسة في العالم؛ ومن ثم يرجح أن تصعد الصين إجراءاتها العدائية، لا سيما على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، ضد تايوان خلال الفترة المقبلة.

فعلى المدى القريب، يمكن لبكين أن تستخدم أقصى قدر من الضغط لتحديد شروط السنوات الأربع المقبلة من المفاوضات عبر المضيق، وقد يتضمن الضغط خطابًا دبلوماسيًّا مكثفًا ينتقد إدارة الحزب الديمقراطي التقدمي المقبلة، وعقوبات اقتصادية ضد الصادرات المستهدفة، فضلًا عن زيادة استخدام الأدوات العسكرية في المناطق الرمادية[13] التي تتخذها الدولة، والتي لا ترقى إلى مستوى الحرب المفتوحة، وهو ما استخدمته الصين- بشكل متزايد- في السنوات الأخيرة في كل من بحر الصين الجنوبي وتايوان، وقد تعطي بكين رد فعل أقوى من ذلك، إذا ألقى “لاي” خطاب تنصيب في مايو (أيار) لا يلبي مطالب بكين؛ ما ينذر بصراع جيوإستراتيجي عنيف إن لم تحتوِ القوى الإقليمية والدولية ذلك الصراع.

لكن الجانب المطمئن لبكين أنه على الرغم من فوز “لاي” في الانتخابات الرئاسية، فإن الحزب الديمقراطي التقدمي لم يحصل على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية؛ ما قد يؤدي إلى طريق مسدود كبير في صنع السياسات، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الخلافية، وأبرزها مستقبل استقلال تايوان عن الصين، ما يعني أن “لاي” لن يكون متخذ القرار الأول في مستقبل الجزيرة.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع