مقالات المركز

الهند وعوائق تكرار النموذج الصيني


  • 15 ديسمبر 2024

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: sputniknews

إن السياسات الأمريكية، ومنها ضوابط التصدير الأكثر صرامة، والتعريفات الجمركية الأعلى على السلع الصينية، صُممت للحد من نمو الصين وإنفاقها على التقدم التكنولوجي. وقد أسهمت هذه التحركات في تفتيت سلاسل التوريد العالمية؛ مما دفع الشركات المتعددة الجنسيات إلى البحث عن بدائل للتصنيع الصيني. ونتيجة لذلك، تأثرت الأسواق العالمية بزيادة التكاليف، وتأخير الإنتاج.

 أما في الهند، فإن هذا الوضع يطرح تحديات وفرصًا في الوقت نفسه؛ ففي حين تواجه الهند اضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، ويتعين عليها أن تحذر من احتمال إغراق الأسواق الهندية بمنتجات الصين، فإنها تتمتع أيضًا بفرصة لتضع نفسها لاعبًا رئيسًا في المشهد الصناعي المتغير، ومِن المتوقع أن تعمل نيودلهي على تعزيز قدراتها التصنيعية المحلية، وخاصة في الصناعات العالية التقنية، والاستفادة من التحول العالمي بعيدًا عن الصين.

مع عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، من المرجح أن تشتد الحرب التجارية مع الصين، ويمكن أن يؤدي هذا إلى ضرورة تنويع الاستثمارات خارج ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومن المُتخيل أن تصبح الهند خيارًا جذابًا للشركات التي تسعى إلى تحويل التصنيع بعيدًا عن الصين، ولكن على عكس بعض البلدان في جنوب آسيا -فيتنام وتايلاند وكمبوديا وماليزيا- لم تحقق الهند نجاحًا كبيرًا في الاستفادة من الإمكانات الكاملة لإستراتيجية “الصين زائد واحد” حتى الآن. وقد أصبحت فيتنام وتايلاند وكمبوديا وماليزيا من الدول الأكثر استفادة من هذه الإستراتيجية؛ لأن عوامل مثل العمالة الرخيصة، وقوانين الضرائب، وخفض التعريفات الجمركية، وتوقيع اتفاقيات التجارة الحرة، أدت دورًا حاسمًا في مساعدة هذه الدول على توسيع حصصها التصديرية.

إن كثيرًا من الدول، منها الولايات المتحدة واليابان وأستراليا -وهي كلها أعضاء في مجموعة الأمن الرباعية- تريد أن تنجح الدولة الأكثر سكانًا في العالم لأسباب يمكن إرجاعها إلى أمل بسيط واحد: بناء بديل مُنافس للصين، لكن نيودلهي بحاجة إلى جعل بيئة الأعمال أسهل وأكثر شفافية لجذب الاستثمار المباشر الأجنبي. وقد طلب وزير الخارجية الياباني يوشيماسا هاياشي “التعاون لتحسين بيئة الاستثمار”، خلال زيارة للهند شملت اجتماعًا مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي.

ولكي تنجح الهند تحتاج إلى بدء تخفيف الضرائب، حيث أن أكثر من (85٪) من فئات التعريفات الجمركية تقع على الإلكترونيات، بالإضافة إلى أن رسوم الهند أعلى من كل من الصين والمكسيك وتايلاند وفيتنام، بالإضافة إلى العمليات المعقدة للحصول على تصاريح العمل، وضرائب الاستهلاك التي يمكن أن تلغي فوائد اتفاقيات التجارة الحرة، والقيود التي تفرضها الكيانات الأجنبية على استخدام الأراضي، وضعف قوانين الملكية الفكرية، بالإضافة إلى ان تعقيدات السياسة الداخلية تجعل إزالة هذه العقبات بطيئة ومعقدة.

وإذا كانت الهند راغبة في بناء صناعة قوية لتصنيع أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات، فيتعين عليها أن تحول تركيزها بسرعة؛ فبدلًا من التركيز على السوق المحلية، يتعين عليها أن تصبح قادرة على المنافسة إقليميًّا، وأن تكون مدفوعة بالتصدير، وهذا يعني الاعتراف بأن فيتنام، وليس الصين، هي أكبر منافس لها، وكان آخر تذكير بهذا تم من خلال حديث السفير الأمريكي لدى الهند إريك جارسيتي لغرفة التجارة الهندية الأمريكية من أجل جعل بيئة الأعمال أكثر سهولة وشفافية، لوقف خسارة الاستثمار المباشر الأجنبي. وأشار جارسيتي إلى أن خفض الرسوم الجمركية على الواردات ينبغي أن يكون على رأس القائمة، وأضاف: “إنك لا تفرض ضرائب علينا، ولا تحمي السوق؛ ما تفعله هو تقييد للسوق”.

وبالفعل خفضت الحكومة الهندية التعريفات الجمركية على مجموعة من المكونات المستوردة، منها أغطية البطاريات والعدسات والهوائيات والأجزاء الميكانيكية، إلى (10٪) من (15٪). وتدفع الولايات المتحدة باستمرار لفتح الأسواق، وتسهيل الإجراءات على الشركات الدولية، لا سيما أن كثيرًا من الأطراف الدولية ينظر إلى القاعدة الصناعية الهندية الصاعدة باهتمام. وتحصل نيودلهي على قدر كبير من الاستثمارات الخارجية، لكن بعض الشركات الكُبرى، مثل مجموعة فوكسكون للتكنولوجيا، فضلت إنشاء مصنعها الجديد في فيتنام وليس الهند، كما أن الأخيرة تواجه منافسة كبيرة من المكسيك وتايلاند وإندونيسيا وجمهورية التشيك على تأمين تمويل إضافي لبناء سلاسل التوريد لشركات تصنيع أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات.

وتقدم أغلب الدول مزيجًا مماثلًا من الحوافز لجذب المستثمرين، وتشمل هذه الحوافز الإعفاءات الضريبية، والمناطق التجارية الحرة أو الصناعية المخصصة، والمرافق المخفضة مثل المياه والكهرباء، والأراضي المجانية، والالتزامات بتوفير العمال، ولكن الهند -عكس منافسيها- تفرض ضرائب استيراد أعلى، وهو ما يحفز الشركات في البلاد على استهداف السوق المحلية، ولكنه يجعلها أقل قدرة على المنافسة في سوق التصدير. ويبدو أن سياسة “صنع في الهند” التي أطلقتها حكومة مودي قبل عقد من الزمان قد حققت النتيجة المرجوة في البداية؛ فقد رفعت الحكومة التعريفات الجمركية على المنتجات المصنعة المستوردة، وهو ما حفز شركات، مثل فوكسكون وبيجاترون كورب، على توسيع عملياتها داخليًّا لتجنب تلك الرسوم.

إن هذا النجاح المبكر يشكل إشارة كاذبة؛ فالتصنيع في الهند من أجل الهند وحدها ليس مجديًا، ولا يمكن أن يُقارن بالصين، التي تضم أكثر من مليار مستخدم للهواتف الذكية، فالسوق المحلية وحدها لا تكفي لدعم سلاسل توريد الإلكترونيات الضخمة والمعقدة؛ ولذلك فكثير مما يُصنع في الصين يُصدَّر، وكلما أدركت نيودلهي أنها تتنافس على الاستثمار لدفع عجلة التصنيع إلى التصدير، وأن بيئة الأعمال الخاصة بها لا تقارن جيدًا بالمنافسين الإقليميين مثل فيتنام؛ تمكنت من العمل على نحو أسرع لتمهيد مسارها كقوة صناعية دولية، والإشارة الأكثر وضوحًا التي يمكن للهند أن تقدمها للمستثمرين الأجانب بأنها جاهزة هي إلغاء التعريفات الجمركية لتنمية الأعمال التجارية.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع