الصراع بين روسيا وأوكرانيا على وشك أن يدخل عامه الثالث، وليس لدى حلف شمال الأطلسي أي خطط لإنهاء إراقة الدماء هناك، وأحدث الأدلة هو تصريح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، الذي قال فيه إن الغرب يجب أن يكون مستعدًا “لمواجهة تستمر عقودًا” مع روسيا. وقبل يومين فقط من نشر تصريحات ستولتنبرغ، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أول مقابلة له مع وسيلة إعلام غربية منذ عامين: نحن مستعدون للحديث.
ليس من الضروري أن يكون المرء خبيرًا جيوسياسيًّا حتى يتمكن مِن معرفة مَن يمنع الصراع من الوصول إلى نهايته. وقال ستولتنبرغ لصحيفة “فيلت أم زونتاج” الألمانية، في مقابلة نشرت في 10 فبراير (شباط)، إن الغرب لا يسعى إلى الحرب مع روسيا، لكن يتعين علينا “أن نعدّ أنفسنا لمواجهة قد تستمر عقودًا”. خطاب منافق مثل الولايات المتحدة، التي تواصل القصف هنا وهناك وهي تقول إنها لا تسعى إلى الصراع! وقال شين يي، الأستاذ في جامعة فودان، إن “ما قاله ستولتنبرغ، في جوهره، هو دعوة للتعبئة للحرب، ومحاولة لإثارة مناخ يشبه الحرب لتعزيز مصالح الناتو المكتسبة خلال الصراع الروسي الأوكراني”.
ما الفائدة؟ في البداية، يحتاج حلف شمال الأطلسي إلى تأمين أهميته في الوجود. بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق، كانت هناك شكوك مستمرة بشأن وجود الناتو ووظيفته؛ ومن ثم فهو يواصل البحث عن أعداء جدد لنفسه. وعلى هذا، فقد أصبحت روسيا، باعتبارها العدو الحالي لحلف شمال الأطلسي، حجر الزاوية في وجود حلف شمال الأطلسي اليوم، ثم يتعلق الأمر بالمال. تشبه المنظمة متعهد دفن الموتى، أو صاحب متجر التابوت والنعش، الذي لا يجني أي أموال في وقت السلم. باعتباره متعهد دفن الموتى، يحتاج حلف شمال الأطلسي إلى الصراع وسفك الدماء من أجل تحقيق مكاسب. وقال الخبراء إن الحلف ينشر الخوف والذعر من أجل ضمان استمرار الدول الأعضاء في المساهمة بالتمويل العسكري.
وقال بوتين إن روسيا لم ترفض ولا ترفض المفاوضات. ومن ناحية موضوعية، فإن موسكو ليست مهتمة بالوقوع في فخ حرب طويلة الأمد وشاملة، حيث سيتعين على روسيا والغرب أن يتعايشا في نهاية المطاف؛ لذلك عندما تكون روسيا في موقف تكتيكي وإستراتيجي مناسب، فإنها تكون مستعدة لإرسال إشارة التفاوض والحوار إلى خصومها. ومن ناحية أخرى، في مواجهة الصراعات والألعاب الجيوسياسية، أظهر بوتين تعديلات وطريقة أكثر مرونة مقارنة بتلك التي اتبعها الغرب وحلف شمال الأطلسي.
فهل يستمع إليه الناتو؟ بالكاد. ويؤدي ستولتنبرغ الدور بوصفه ممثلًا لفرع الناتو في البنتاغون في ظل إدارة بايدن. من المؤكد أن إدارة بايدن لا تريد أن ترى أوكرانيا فاشلة في عام الانتخابات، وإلا فإن الصراع سيصبح عقبة رئيسة أمام إعادة انتخاب بايدن. من ناحية أخرى، يدفع دونالد ترمب من أجل عودة محتملة إلى البيت الأبيض، وكان يتحدى بايدن باستمرار بشأن قضية روسيا وأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي.
تعد الانتخابات الأمريكية من أكثر العوامل المؤثرة في المدة التي سيستمر فيها الصراع، بالنظر إلى السياسات الأوكرانية المختلفة التي ينتهجها المرشحون الرئاسيون الرئيسيون. إلى حد ما، يمكننا أن ننظر إلى مقابلة بوتين مع تاكر كارلسون على أنها حوار بين بوتين وترمب، الذي وصف الناتو في أوقات مختلفة بأنه “عفا عليه الزمن”، حسبما قال لو شيانغ، وهو زميل باحث في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية.
قال ترمب- يوم السبت- إنه سيشجع روسيا على “فعل ما تريده بحق الجحيم” لأي دولة في الناتو لا تدفع ما يكفي في تجمع حاشد في كونواي بولاية ساوث كارولينا. وشدد ترامب على أن “الناتو تم تفكيكه حتى مجيئي”. وسرعان ما رد البيت الأبيض، ووصف تصريحات ترمب بأنها “مروعة ومضطربة”، وأشاد بجهود بايدن لتعزيز التحالف. وبغض النظر عما إذا كان بايدن أو ترمب هو من سيقرر السياسة المتعلقة بأوكرانيا، فلا يمكن لأحد أن ينكر خطورة حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة على أوروبا. بايدن يستغل أوروبا، وترمب لا يبالي إذا اندلعت حرب أخرى في القارة، وأوكرانيا ليست الدولة الوحيدة التي تنزف. وكلما طال أمد الصراع؛ زاد احتمال أن يصبح عبئًا على الولايات المتحدة.
ومع ارتفاع أسعار الطاقة والصناعة والسلع الأساسية، فإن الناس في مختلف أنحاء العالم سوف يتضررون في نهاية المطاف. وربما تكون الولايات المتحدة قد حققت مكاسب مؤقتة من مبيعات الأسلحة والطاقة، ولكن في الأمد البعيد، قد يفقد الدولار الأمريكي نفوذه تدريجيًّا، وسوف تتفكك هيمنة الولايات المتحدة. وقال سونج تشونغ بينغ، الخبير العسكري الصيني والمعلق التليفزيوني، لصحيفة جلوبال تايمز، إنه لن يكون هناك فائز على الإطلاق في هذا الصراع. إن الاستماع إلى متعهد دفن الموتى وتلقي الأوامر منه ليس في مصلحة أوروبا، وإن تحمّل الدول الأوروبية مسؤولية الدفاع عن نفسها، وصنع السلام مع روسيا، وتحقيق التنمية السلمية والمشتركة هو أمر مهم.
المصدر: صحيفة غلوبال تايمز