يقف الشرق الأوسط عند مفترق طرق حرج في أعقاب الضربات غير المسبوقة التي شنّتها إسرائيل على إيران منذ يوم الجمعة، والتي أشعلت دورة خطيرة من التصعيد والردود المتبادلة، وأثارت مخاوف متزايدة من اندلاع حرب إقليمية شاملة. وقد جاء رد الصين على هذه الأزمة سريعًا وحاسمًا، إذ عكست المكالمات الهاتفية الأخيرة بين وزير الخارجية الصيني وانغ يي ونظيريه الإيراني والإسرائيلي التزام بكين الثابت بتهدئة الوضع، وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة.
تُدين الصين -على نحو قاطع- الإجراءات العسكرية الأحادية التي اتخذتها إسرائيل، والتي تُعد انتهاكًا صارخًا لسيادة إيران، وللقانون الدولي، فالضربات التي استهدفت منشآت نووية، وأهدافًا عسكرية، والتي جاءت في توقيت يتزامن مع محادثات الولايات المتحدة وإيران في سلطنة عُمان، تُقوّض الجهود المبذولة لحلّ الملف النووي الإيراني بالطرق السلمية، كما تشكّل سابقة خطيرة في العلاقات الدولية.
إن هذا التصعيد، الذي تعود جذوره إلى عداءات تاريخية طويلة الأمد، وتشابك معقد في المعادلات الأمنية، يُنذر بالانزلاق نحو حرب إقليمية واسعة النطاق، بما قد يخلّف تداعيات إنسانية كارثية، وآثارًا اقتصادية عالمية جسيمة. وقد زادت الأوضاع تأزمًا بالتنسيق المسبق بين إسرائيل والولايات المتحدة قبل الضربة، وبالتهديدات العلنية التي أطلقتها واشنطن ضد طهران.
إن الوضع الراهن يفرض تحركًا دوليًّا عاجلًا، يتّسم بأقصى درجات ضبط النفس، والعودة إلى مسار الدبلوماسية. وبوصفها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن الدولي، تُعرب الصين عن دعمها الكامل لجميع المبادرات الرامية إلى وقف التصعيد الفوري، والعودة إلى الحوار. ويجب على كل من إسرائيل وإيران الاستجابة لنداء المجتمع الدولي بوضع الدبلوماسية في صدارة الخيارات، عوضًا عن اللجوء إلى الوسائل العسكرية التي لا تُنتج إلا مزيدًا من التوتر، متجاهلة بذلك التعقيدات الإثنية والطائفية والجيوسياسية التي تعصف بالمنطقة، فالتاريخ أثبت أن السلام الدائم لا يتحقق إلا من خلال عمليات سياسية شاملة جامعة.
وخلال الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس الأمن يوم الجمعة، أعرب ممثلو الصين وعدد من الدول الأخرى عن إدانتهم للهجمات الإسرائيلية على إيران، مؤكدين أن استهداف المنشآت النووية السلمية أمر غير مقبول. وقد برز توافق دولي واضح على أن السبيل الوحيد نحو أمن دائم لأي طرف إنما يمر من خلال الدبلوماسية، وليس عن طريق القوة. وفي هذا الإطار، حثّت الصين جميع الأطراف على تجنّب الاستفزازات، وجددت دعمها لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.
تدعو الصين إلى تبني مقاربة أمنية شاملة تأخذ في الحسبان الهواجس المشروعة لجميع الأطراف، مؤكدة التزامها الراسخ بنظام عدم الانتشار النووي، وبالحفاظ على السلم الإقليمي، ومعلنة استعدادها لتقديم الدعم اللازم لضمان التوصل إلى حل دبلوماسي، فالمطلوب في هذه اللحظة الحرجة هو الحوار والدبلوماسية الجماعية لتفكيك الأزمة المتفجرة.
وينبغي للمجتمع الدولي أن يتكاتف من أجل صون استقرار الشرق الأوسط قبل أن يتحول إلى برميل بارود.
ومهما كان حجم التعاطف الذي نالته إسرائيل في أعقاب هجوم حركة حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فإنه قد تلاشى تمامًا بعد اجتياحها العسكري لقطاع غزة، وما خلّفه من كارثة إنسانية غير مسبوقة في هذا الجيب الفلسطيني المحاصر. غير أن إسرائيل، بدلًا من كبح جماح آلة الحرب، تبدو اليوم كمن يسعى إلى إشعال مواجهة مع إيران.
ومع أن الولايات المتحدة تحاول، ظاهريًّا، النأي بنفسها عن العدوان الإسرائيلي الأخير، فإن عليها أن تمارس ضغطًا فعليًّا على تل أبيب من أجل وقف أفعالها المتهورة فورًا. وإذا ما استمر الصراع، فإن واشنطن ستجد نفسها، عاجلًا أو آجلًا، منخرطة في حرب مفتوحة ضد إيران، وهو ما يُنظر إليه على نطاق عريض بوصفه أحد أهداف إسرائيل من هذا التصعيد.
إن التصرفات الإسرائيلية الطائشة تُعد انتهاكًا جسيمًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وللقواعد الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تستمر في توفير الغطاء لها؛ فالشرق الأوسط، الذي يعاني بالفعل أزمات متراكمة، لا يحتمل مزيدًا من التورط في دوامات صراع جديدة بسبب العدوان الإسرائيلي المنفلت من الضوابط. والدول التي تمتلك أي قدر من التأثير على إسرائيل، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تتحمل مسؤولية تاريخية في أن تقوم بدور الحاجز الواقي لضمان امتثال إسرائيل لميثاق الأمم المتحدة. كما أن على مجلس الأمن الدولي أن يستخدم كل الأدوات المنصوص عليها في ميثاقه من أجل توجيه اللوم لإسرائيل، ووضع حد لسلوكها الخارج عن القانون.
وفي مكالمته الهاتفية مع وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر يوم السبت، شدد الوزير وانغ يي على أن الشرق الأوسط لا يمكن أن يظل رهينة دائمة لصراعات لا تنتهي، وأنه لا يجوز لإسرائيل أن تعيش في حالة دائمة من القلق والخوف.
وأشار إلى أن الجهود الدبلوماسية لحل المسألة النووية الإيرانية لم تُستنفد بعد، وأن الأمل لا يزال قائمًا للتوصل إلى تسوية تفاوضية، داعيًا تل أبيب إلى التمسك برؤية الأمن المشترك.
ومع استمرار هشاشة الوضع في الشرق الأوسط، فإن الجهود الدبلوماسية المنسقة، وعلى رأسها التحركات الصينية، تبقى ضرورية لنزع فتيل هذه الأزمة الشديدة الاشتعال والقلق.
المصدر: صحيفة الصين اليومية (China Daily) الصينية