مقالات المركز

ثبات في السيادة ودعوة لوقف الإبادة في غزة

الموقف الأردني من التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران


  • 25 يونيو 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: europarl

شهد الإقليم تطورات عسكرية خطيرة نتيجة التصعيد المتبادل بين إسرائيل وإيران، وهو ما عرّض أمن دول الجوار، وعلى رأسها الأردن، لأخطار مباشرة وغير مباشرة، وظهر الموقف الأردني بثباته ووضوحه، حيث أعلن الأردن على لسان الملك عبد الله الثاني أن المملكة ليست طرفًا في هذا الصراع، ولن تُجَرّ إليه تحت أي ظرف.

وفي ظل التصعيد العسكري المتسارع، أكد الملك أن الأردن لن يكون ساحة حرب لأي طرف، ولن يسمح بتهديد أمنه واستقراره وسلامة مواطنيه، وشدد جلالته على ضرورة الوقف الفوري والعاجل لهذا التصعيد الخطير، داعيًا إلى العودة إلى الدبلوماسية بوصفها خيارًا لا بديل عنه لضمان أمن المنطقة واستقرارها. كما أشار الملك إلى أهمية تعزيز التماسك الداخلي، وتوجيه مؤسسات الدولة للعمل على تخفيف تداعيات التوتر الإقليمي، خاصة على المستويين الاقتصادي والإنساني، وجدد التأكيد أن السبيل الوحيد لتحقيق السلام في المنطقة يمر عبر حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وإنهاء المأساة في غزة.

ومنذ بداية التصعيد، تعرض المجال الجوي الأردني لانتهاكات متكررة من طائرات مسيّرة وصواريخ انطلقت من الأراضي الإيرانية باتجاه أهداف إسرائيلية. هذه الأجسام الطائرة، مع أنها ليست موجهة إلى الأردن، فإن احتمالات انحرافها وسقوطها في مناطق مأهولة داخل المملكة كانت عالية، كما حدث بالفعل في إربد والأزرق والجيزة والموقر، حيث تسببت في أضرار مادية وإصابات بشرية.

وعليه، اتخذت القوات المسلحة الأردنية موقفًا حازمًا، تمثّل في رفع درجة الجاهزية على مدار الساعة، واعتراض كل جسم يخترق الأجواء الأردنية، سواء أكان صاروخًا أم طائرة مسيّرة. وأكدت قيادة الجيش أن هذا القرار دفاعي بحت، يهدف إلى حماية حياة المواطنين وممتلكاتهم، ولا يمثل انحيازًا لأي طرف في الصراع.

وأكد الأردن -عن طريق جميع المستويات الرسمية- أنه ليس في حالة حرب لا مع إيران ولا مع إسرائيل، وأن هذه الحرب لا تمثله، بل إن استمرار الصراع في الأجواء، وعلى حدود المملكة، يمثل تهديدًا مباشرًا للسيادة الوطنية، ومحاولة لجرّ الأردن إلى معركة لا تخصه.

وشددت الجهات الأمنية على أن تجاهل الأجسام الطائرة في الأجواء الأردنية قد تستغله أطراف النزاع سياسيًّا، وهو ما يرفضه الأردن تمامًا، معتبرًا أن احترام السيادة الجوية هو مبدأ لا يقبل التفاوض.

ورغم انشغال العالم بالمواجهة الإيرانية- الإسرائيلية، لم يغب عن الأردن البوصلة المركزية للصراع في المنطقة، وهي القضية الفلسطينية، فقد جدد الملك -في أكثر من مناسبة- أن جذور الأزمة في المنطقة لن تُحل إلا بإنهاء الاحتلال، ووقف الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في غزة، وقد أكد ذلك على نحو مباشر أمام البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية الأسبوع الماضي، وأكد أن الأردن يرفض استغلال التصعيد الإقليمي لتهميش المأساة المستمرة في القطاع، مطالبًا بوقف إطلاق النار، وفتح ممرات إنسانية لإغاثة أكثر من مليوني إنسان محاصرين، أغلبهم من الأطفال والنساء.

يرى الأردن أن التهدئة الحقيقية تبدأ من غزة، وليس من الجبهات الجانبية، وأن الاستقرار الإقليمي لن يتحقق إلا بحل شامل وعادل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

لم تقتصر تداعيات التصعيد الإيراني الإسرائيلي على الجوانب الأمنية والسياسية فحسب؛ بل امتدت لتطول الاقتصاد الأردني، لا سيما قطاع السياحة الذي يُعد من أعمدة الدخل القومي في المملكة، فللمرة الأولى منذ سنوات، اضطر الأردن إلى إغلاق مجاله الجوي مرتين كإجراء احترازي، ورغم إعادة فتحه لاحقًا، فإن ذلك تم وسط إجراءات حذرة، وتدابير أمنية مشددة.

انعكست هذه الحالة من التوتر الإقليمي على حركة السياحة في الأردن مباشرة، إذ شهد القطاع تراجعًا حادًّا في أعداد الزوار، وإلغاء عدد كبير من الحجوزات الفندقية، بالإضافة إلى تباطؤ ملحوظ في حركة الطيران السياحي، مع تعليق عدد من شركات الطيران العالمية رحلاتها إلى المنطقة.

وقد أشارت الجهات المختصة إلى أن نسب إلغاء الحجوزات السياحية راوحت بين 70% و100% للحجوزات الفورية، ما يعكس حجم التحدي غير المسبوق الذي يواجه هذا القطاع الحيوي، والذي يوفّر فرص عمل لآلاف المواطنين، خاصة في المحافظات التي تعتمد على النشاط السياحي اعتمادًا كبيرًا.

بموازاة جهوده الميدانية والدفاعية، كثّف الأردن تحركاته الدبلوماسية على المستويين الإقليمي والدولي بهدف احتواء التصعيد الخطير في المنطقة، وتركّزت الجهود الأردنية على ضرورة إنهاء التوتر، والعودة إلى مسار المفاوضات بوصفه السبيل الوحيد لحماية المنطقة من الانزلاق نحو مواجهات أوسع.

ودعت الدبلوماسية الأردنية إلى إطلاق حراك إقليمي ودولي فاعل لوقف التدهور، لا سيما بعد الهجوم الأمريكي الأخير على منشآت نووية في إيران، مشددة على أهمية تبني مسارات سياسية تؤدي إلى اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني، ومعالجة أسباب الصراع بما يتفق مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

كما أكدت أهمية التكاتف الدولي لوقف العدوان الإسرائيلي على إيران، وإنهاء العدوان على قطاع غزة، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى أكثر من مليوني إنسان محاصرين، يعانون كارثة إنسانية غير مسبوقة.

وكان الملك جدد التأكيد أن الدبلوماسية واحترام القانون الدولي هما السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار، وأن الأردن لن يسمح بانتهاك سيادته أو تهديد أمنه، مؤكدًا أهمية منع أي محاولة لجرّ المملكة إلى الصراع.

في ظل هذه التطورات، يحث الأردن المجتمع الدولي على عدم الانجرار وراء الصراعات الثانوية، والتركيز على الكارثة الإنسانية في غزة، التي خلفت عشرات آلاف الشهداء والجرحى، وتهجير مئات الآلاف في ظل حصار وتجويع ممنهجين.

إن الموقف الأردني اليوم هو امتداد لمواقف تاريخية ثابتة، حافظت على التوازن بين حماية السيادة الوطنية، ودعم القضية الفلسطينية، ورفض الإبادة، والتمسك بالحوار سبيلًا وحيدًا لتسوية النزاعات.

إلى جانب التهديدات العسكرية، يواجه الفضاء العربي -لا سيما الأردني- حربًا من نوع آخر، تتمثل في سيل المعلومات المضللة التي تُضخّ عن طريق ما يُعرف بـ”الذباب الإلكتروني”، إضافة إلى مواقع مأجورة تسعى إلى اختراق الوعي الجمعي، خدمةً لأجندات خارجية، وهذا الخطر الرقمي بات يوازي في تأثيره الخطر العسكري؛ لما له من قدرة على زعزعة الثقة بالمؤسسات الوطنية، وتشويه الحقائق، وإثارة الفوضى والبلبلة في الرأي العام، وتظهر الحاجة إلى رفع الوعي الرقمي، وتحكيم المنطق والعقل في تلقي المعلومات، والاعتماد على المصادر الرسمية والموثوقة.

وبكل تأكيد، يقف الأردن اليوم أمام امتحان صعب في بيئة إقليمية متفجرة، لكنه يثبت -مرة تلو الأخرى- أن الأمن الوطني لا يتعارض مع الثوابت القومية، وأن الحياد لا يعني الصمت أمام الإبادة، بل هو دعوة صادقة لعقلنة الصراعات، وتركيز الجهود نحو تحقيق سلام عادل وشامل يبدأ من فلسطين. وكما تصدى الجيش العربي الأردني للصواريخ والمسيرات الإيرانية التي تعبر من مجاله الجوي، فإنه لم يسمح قط لإسرائيل باستخدام مجاله الجوي بأي شكل من الأشكال ضد إيران، وبذلك أكد موقفه السيادي، ورؤيته العاقلة القائمة على الخبرة والحكمة والمعرفة التاريخية بطبيعة هذا الصراع الصعب.

لا يترك الأردن تحت قيادة الملك عبد الله الثاني، وولي العهد الحسين بن عبد الله، فرصة أمام أي محفل دولي إلا ويذكر العالم بأن أصل الداء من إرهاب، وعدم استقرار، وتنامٍ للنفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة، دافعه الرئيس عدم إيجاد حل للقضية الفلسطينية. كما أن السياسة الخارجية الأردنية قائمة على مبدأ ثابت لم يتغير -ولن يتغير- بشأن هذه القضية المركزية، وفي مقدمتها الرعاية الهاشمية الشريفة للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس؛ لأنها الطرف الوحيد الذي يمتلك القدرة والشرعية التاريخية والدينية التي تكفل حرية العبادة لجميع الأطراف، وهو ما يتجسد واقعًا في الأردن الدولة الوحيدة المستقرة في منطقة المشرق العربي المضطرب، التي تتميز بالتنوع العرقي والديني، وتمنح الحرية للأطراف كافة.

لا يفوتني في نهاية هذا المقال تأكيد أهمية دور الرباعية الدولية في حل القضية الفلسطينية، وحث الأردن الدائم على إعادة تفعيل دورها، حيث تمتلك علاقات مميزة مع جميع أطرافها، لا سيما الاتحاد الروسي، الذي تطورت العلاقات معه في السنوات الأخيرة تطورًا لافتًا، وصولًا إلى إلغاء تأشيرة الدخول لتنشيط السياحة والاستثمار بين البلدين، ويعوّل الأردن على الدور الروسي لصنع توازن في عملية التسوية، خاصةً مع الانحياز الأمريكي المتزايد إلى إسرائيل على حساب الفلسطينيين.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع