إستراتيجيات عسكريةمختارات أوراسية

القوة العسكرية للصين تجعل أصحاب النيات الخبيثة يشعرون «بالتهديد»


  • 24 أكتوبر 2023

شارك الموضوع

قدمت وزارة الدفاع الأمريكية تقريرها السنوي إلى الكونجرس عن “التطورات العسكرية والأمنية المتعلقة بجمهورية الصين الشعبية” (تقرير القوة العسكرية الصينية) يوم الخميس. منذ عام 2000، ووفق المطلعين على العلاقات الصينية الأمريكية، يُصدر البنتاغون هذا التقرير كل عام؛ لجمع بعض المعلومات العامة بشكل أساسي، ومنها التقارير الإعلامية ذات المصادر المجهولة، بالإضافة إلى “مجموعة من نظريات التهديد الصيني السنوية”؛ في محاولة لطلب التمويل من الكونغرس، وخداع الحلفاء لشراء أسلحة أمريكية. ونتيجة لذلك، يمكن للمرء أن يتخيل مستوى الاحترافية في هذا التقرير.

يُمكن تقسيم تقرير القوة العسكرية الصينية إلى ثلاثة أجزاء: الجزء الأول يقيّم القدرات العسكرية الحالية للصين دون أي أساس حقيقي، والثاني يبالغ- بانتقائية- في الأنشطة العسكرية للصين خلال العام الماضي، والجزء الثالث يشوه ويتكهن بالنيات العسكرية للصين. ويتضمن تقرير هذا العام قسمًا إضافيًّا؛ وهو الشكوى من “رفض” الصين الاتصالات العسكرية مع الولايات المتحدة.

ومن خلال الجمع بين هذه العوامل، تحاول الولايات المتحدة اختلاق صورة مرعبة للصين، التي تتزايد قوتها العسكرية بسرعة، وسلوكها العسكري الذي أصبح أكثر عدوانية، و”طموحاتها العسكرية” غير الشفافة بالقدر الكافي، لكن كل التكهنات والافتراءات الخبيثة بحق المؤسسة العسكرية الصينية الواردة في التقرير، بعيدة- كل البعد- عن واقع الوضع العسكري في الصين، ولكنها- بدلًا من ذلك- تمثل انعكاسًا للمؤسسة العسكرية الأمريكية نفسها.

يركز تقرير البنتاغون دائمًا على تحديث الصين قدراتها النووية، ويقدم تكهنات وتعليقات لا أساس لها بشأن الوضع في مضيق تايوان. ومن الجدير بالذكر أن تقرير هذا العام يزعم أن وزارة الدفاع تقدر أن الصين امتلكت أكثر من (500) رأس نووي تشغيلي بدءًا من مايو (آذار) 2023، وهي في طريقها إلى زيادة الأعداد المتوقعة، ومن المحتمل أن تمتلك أكثر من (1000) رأس نووي تشغيلي بحلول عام 2030. وفي تقرير عام 2020، قدمت وزارة الدفاع أول تقدير علني لها للرؤوس الحربية النووية الصينية، وقالت إن ترسانتها النووية تزيد قليلًا على (200) رأس. وفي ثلاث سنوات فقط، تضاعف عدد الرؤوس الحربية النووية الصينية في التقرير الأمريكي. إن المنطق السليم يقتضي أن تقرير الولايات المتحدة لم يظهر الدقة المطلوبة فيما يتصل بقضية حيوية مثل هذه، ويعتمد العدد المحدد على أهداف البنتاغون وواشنطن في أوقات مختلفة.

ويتعين على الولايات المتحدة أن تفهم نقطتين: النقطة الأولى أن الصين تتبنى الفكر الإستراتيجي المتمثل في الدفاع النشط، ويشكل نشر القوات النووية جزءًا من إستراتيجيتها الدفاعية. ومع ذلك، بغض النظر عن عدد الرؤوس الحربية النووية التي تمتلكها الصين، أو مدى قوة قدراتها الدفاعية، فإنها لن تصبح أدوات عنيفة للصين للسيطرة على العالم، كما هي الحال مع الجيش الأمريكي. وبدلًا من ذلك، فهي ضمانة قوية للصين لحماية سيادتها الوطنية، وأمنها، ومصالحها التنموية، فضلا عن السلام الإقليمي والعالمي. والنقطة الثانية هي أن تطوير قوة الدفاع الصينية له وتيرة ثابتة خاصة به، فهو لا يستهدف أي دولة محددة؛ ولكنه يحمي- بقوة- سيادة الصين، وأمنها، ومصالحها التنموية. وما دامت الصين لم تتمكن من تحقيق إعادة توحيد شطري البلاد، وما دامت القوى الخارجية مستمرة في التدخل بلا ضابط أو رادع، فإن الصين لن تتوقف عن تعزيز قدراتها الدفاعية.

بالإضافة إلى ذلك، لاحظ الكثيرون أن تقرير هذا العام يسلط الضوء على ما يسمى بالسلوك العملياتي العدواني والخطير لجيش التحرير الشعبي في العامين الماضيين، حتى إن البنتاغون عرض مقاطع فيديو وصورًا لطائرات عسكرية صينية “تعترض طائرات عسكرية أمريكية تحلق في المجال الجوي الدولي بمناورات خطيرة”، زاعمًا أن الطائرات الصينية اعتمدت إجراءات أكثر خطورة، وعدوانية، واستفزازية، تجاه الولايات المتحدة وحلفائها في المجال الجوي لبحر الصين الشرقي، وبحر الصين الجنوبي. ومع ذلك، فإن ما لم يذكره البنتاغون قط هو أن ما يسمى بالمجال الجوي الدولي، يقع- في المقام الأول- على طول ساحل الصين، حتى إن بعض الطائرات الأمريكية تقتحم المياه الإقليمية للصين، في حين لم تقع أي من هذه الحوادث على طول الساحل الأمريكي. ألا يجعل هذا الأمر واضحًا بالفعل؟ إذا أردنا عكس هذا الوضع، حيث تسبب البالونات المدنية إحساسًا بأزمة وشيكة في واشنطن، فمن المرجح أن يكون رد الفعل من الجانب الأمريكي أكثر قوة بكثير، وأبعد من مجرد ما يسمى “الاعتراضات الخطيرة” إذا ظهرت السفن الحربية، أو الطائرات الصينية في المياه الدولية، والمجال الجوي خارج خليج سان فرانسيسكو.

لقد أصبحت الولايات المتحدة- صاحبة أقوى قوات مسلحة في العالم- واحدة من أكثر المؤيدين لما يسمى بنظرية “التهديد العسكري الصيني”، وهي نظرية مؤامرة في ذاتها. فإذا لم تكن لدى الولايات المتحدة نيّات سيئة تجاه الصين، ولم تكن لديها الرغبة في التدخل في جهود إعادة توحيد الصين، ولم تكن لديها أي نية للصراع أو القمع، فإنها ما كانت لتتصور هذا “التهديد” القوي من جانب القوات المسلحة الصينية. وفي العام الماضي، أوضحت التصرفات التي قامت بها المؤسسة العسكرية الأمريكية مَن الذي يشكل التهديد المتصاعد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ حقًا، ومَن الذي يشكل التحدي الأكبر للسلام والاستقرار في تلك المنطقة.

وفي الوقت نفسه تقريبًا الذي صدر فيه التقرير، تعرض عدد مِن القواعد العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط لهجمات متتالية، وأصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تحذيرًا عالميًّا نادرًا، يشير إلى احتمال وقوع هجمات إرهابية، أو مظاهرات، أو أعمال عنف ضد المواطنين والمصالح الأمريكية. وتشير كل هذه العوامل إلى أن الخطر الحقيقي الذي يواجه الولايات المتحدة لا ينبع- في الواقع- من التحدي المتخيل لموقعها القيادي من جانب الصين؛ بل إنه ينشأ من تدخلاتها المفرطة، والرد السلبي الناتج عن خلق التوتر، والتحريض على الحرب على نطاق عالمي، وهذا هو ما تحتاج الولايات المتحدة حقًا إلى الاهتمام به، والتأمل فيه.

المصدر: جريدة غلوبال تايمز الصينية


شارك الموضوع