مؤخرًا قُتل ثلاثة جنود أمريكيين في غارة جوية بطائرة بدون طيار استهدفت موقعًا أمريكيًّا صغيرًا في الأردن. وتعهدت الولايات المتحدة بالانتقام من الجناة، وشنت بالفعل ضربة أخرى في العراق، مستهدفة المسلحين المزعومين المدعومين من إيران في البلاد. ونُفّذت هذه الهجمات من القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، وهي هجمات غير شرعية، وغير قانونية بموجب القانون الدولي.
وتسلط هذه القضية الضوء على حقيقة مفادها أن القوات الأمريكية ليست فقط غير آمنة في المناطق الساخنة، مثل الشرق الأوسط الآن، بل إن وجودها أيضًا يعد عدائيًّا بطبيعته. ويجب على واشنطن الالتزام بالقانون الدولي، واحترام الإرادة الشعبية الساحقة لدول مثل العراق وسوريا؛ بالانسحاب من المنطقة. لكن واشنطن تجاهلت هذه الدعوات حتى الآن، وبررت وجودها في سوريا بأنه ضروري لمحاربة الإرهاب، على غرار وجودها في العراق. وقد أُنشئت كلتا المنشأتين العسكريتين لعمليات مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.
ومع ذلك، والآن بعد هزيمة التنظيم الإرهابي في المنطقة، لا يوجد سبب مشروع للولايات المتحدة للإبقاء على وجودها، وطالبت سوريا واشنطن بسحب قواتها، قائلة إن “احتلال القوات الأمريكية أجزاءً من الأراضي السورية لا يمكن أن يستمر”. ولقد صوت البرلمان العراقي باستمرار لسنوات على طرد القوات الأمريكية، وقال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في 10 يناير (كانون الثاني) إن بغداد تريد انسحابًا “سريعًا ومنظمًا” للقوات الأمريكية المقاتلة من العراق، لكن الولايات المتحدة رفضت هذه المطالب؛ فهي لا تعترف بشرعية الحكومة السورية المعترف بها من جانب الأمم المتحدة، ولم تكن مجموعات العمل الأمنية العراقية الأمريكية المختلفة مثمرة بشأن هذا البند من جدول الأعمال. ولقد قال كثير من المراقبين بصوت عالٍ فيما يتعلق بالسبب المحدد لبقاء القوات الأمريكية أنه: لاحتواء إيران، والاستعداد لحرب محتملة، ولكن من المهم أن ندرك أن الولايات المتحدة لا تملك القدرة على الانتصار في هذه الحرب.
في أغسطس (آب) 2023، توصلت دراسة أجرتها الكلية الحربية العسكرية- استنادًا إلى الدروس المستفادة من الصراع في أوكرانيا- إلى أن الجيش الأمريكي المكون بالكامل من المتطوعين لن يكون قادرًا على الصمود في وجه خصم كبير. “لقد توقع المخططون الطبيون أن يشهد مسرح العمليات الجيش معدلًا مستدامًا يبلغ نحو (3600) ضحية يوميًّا، بدءًا من أولئك الذين قتلوا في أثناء القتال إلى أولئك الذين أصيبوا في أثناء القتال، أو الذين يعانون من مرض أو إصابات أخرى غير متعلقة بالمعركة”. ومع معدل استبدال متوقع بنسبة (25) في المئة، ستتطلب الولايات المتحدة (800) جندي جديد كل يوم. وفي السياق، تكبدت الولايات المتحدة نحو (50) ألف ضحية خلال عقدين من القتال في العراق وأفغانستان. وفي العمليات القتالية الواسعة النطاق، يمكن أن تواجه الولايات المتحدة العدد نفسه من الضحايا في أسبوعين، حسب الدراسة.
فضلًا عن ذلك، فإن المؤسسات المتعددة الأطراف والحكومية الدولية تشهد تحولًا خطيرًا في السلطة بعد القرار المؤقت الأخير الذي أصدرته جنوب إفريقيا عن محكمة العدل الدولية، الذي دعا إسرائيل إلى الحد من الخسائر في صفوف المدنيين في غزة، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية. ومع أن هذا القرار غير ملزم بوضوح (سحبت الولايات المتحدة وحلفاؤها المساعدات الحيوية من غزة، ولم يتراجع الهجوم الإسرائيلي، وتجاهلت الولايات المتحدة قرارات المحكمة الدولية)، فإنه لا يزال يتحدث عن توزيع القوة العالمية، سواء الناعمة أو الصلبة، والميل بشدة نحو الجنوب العالمي. وفي هذا الصدد، فإن الهيكل الأمني الحالي في العالم يمر بلحظة اضطراب خطير بسبب الأحداث الجارية في غزة. ويجب على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يتحرك لتصحيح التصرفات غير القانونية التي تقوم بها الولايات المتحدة. لقد حان الوقت لكي تدرك واشنطن أهمية التمسك بالقانون الدولي، واحترام سيادة الدول. إن القوات المسلحة الأمريكية غير مرحب بها في الشرق الأوسط، وإذا كانت حكومة الولايات المتحدة “لا تسعى إلى الصراع” حقًّا كما تزعم، فيتعين عليها أن تسحب قواتها من الشرق الأوسط.
المصدر: صحيفة غلوبال تايمز الصينية
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.
