مقالات المركز

القمة العربية الروسية.. الأهداف والعوائق


  • 24 ديسمبر 2023

شارك الموضوع

عُقدت قبل أيام القمة العربية الروسية، في مدينة مراكش المغربية، وهذه القمة تعد بدعًا واستثناء لما سبقها من القمم العربية الروسية، التي كان آخرها سنة 2019، وتوقفت بسبب فيروس كورونا، ويتجلى هذا الاستثناء في السياق الذي يسير فيه العالم الآن، والتحولات الطارئة عليه، بداية من الحرب الروسية الأوكرانية، وصولًا إلى أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، والعدوان الإسرائيلي على غزة.

وهذه القمة، وإن كان ظاهرها اقتصاديًّا، لكنها تنطوي على أبعاد سياسية، وذلك لما يقتضيه التعامل الاقتصادي من توافق سياسي؛ ومن هنا فإنه لا يمكن خلو نية  طرف من طرفي هذه القمة من رغبات سياسية، ومكاسب دبلوماسية يصبو إلى تحقيقها من هذه القمة، ويظهر هذا ويستبين من خلال ما جاء على لسان الوزراء من: “ضرورة تعزيز أمن الدول، واحترام سيادتها على أراضيها ومواردها الطبيعية، ووقف القتال، وتعزيز فرص الحل السياسي، ورفض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول، ودعم جهود الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في هذا الشأن”.

الأهداف السياسية التي تصبو إليها الأطراف من خلال هذه القمة

العالم العربي على ما يعتريه من أسباب الضعف، فإنه- في نهاية المطاف- قوة عالمية وفاعلة، ولا يمكن- بحال من الأحوال- الاستهانة بها، أو التقليل من تأثيرها، والعالم الغربي يحس في نفسه آثار هذا التأثير، وتلك القوة، ولأجل هذا  يرى في الأزمة العالمية، والتغيير الذي يحصل الآن دوليًّا، فرصة يمكن استغلالها  لأجل وضع قدمه على الطريق العائد به إلى مجده التليد، وأيام عزه القديم، ولأجل هذا نرى أن أغلب دوله، أو قل إن شئت أكثرها تأثيرًا، وقفت موقف الحياد من الحرب الروسية الأوكرانية، وتحاول جهدها أن تحافظ على توازنها في علاقاتها مع روسيا والغرب، وهذا الحياد هو حياد إيجابي؛ وذلك لأنها تعمل من وراء هذا على الانحلال من الهيمنة الأمريكية، والسيطرة الغربية.

كما قلت في مقالات قديمة، وفي مقال نشر قبل أيام تحت عنوان: الهجوم الروسي المضاد.. هل تذهب روسيا إلى اجتياح أوكرانيا؟، تدرك أن حربها مع الغرب، لن تكسب في ساحة القتال؛ وإنما سيحسمها قدرتها على التوسع في المنطقة العربية والإفريقية، بما يخول لها الالتفاف على العقوبات، والانفلات من الحصار؛ ولهذا كان لها موقف مشرف في العدوان على غزة، جعل الرأي العام العربي والإسلامي أكثر قبولًا لروسيا من ذي قبل.

فهذه القمة هي “فرصة مهمة لتأكيد توازن العلاقات العربية مع الأطراف الدولية من ناحية، والانفتاح- بشكل أكبر- على الشراكة مع روسيا في المجالات كافة، ومن ناحية أخرى تعزز مكانة روسيا وحضورها في المنطقة العربية وإفريقيا، رغم الحصار الذي فشل الغرب في فرضه على موسكو”.

لهذا فإن ما ينطوي عليه المنتدى العربي الروسي، هو أوسع وأشمل من التبادلات التجارية، والأرباح الاقتصادية؛ وإنما له ارتباط وطيد بالتغييرات التي تحدث الآن على الساحة الدولية؛ ولهذا فإن هذه القمة ليست كأخواتها.

العوائق التي تقف في وجه المنتدى العربي الروسي

منذ الأيام الأولى “للعملية العسكرية الروسية الخاصة”، كما يحب الروس تسميتها، كنت أمني النفس أن تبدأ الدول العربية بالمصالحة الداخلية بين الأطياف المتباينة في كل قطر من أقطارها، وذلك لما كشفت عنه من رغبة أقطاب عالمية في الظهور، مما سيؤدي- بالضرورة- إلى صراعات على مناطق مختلفة من العالم، وأهم تلكم المناطق هي المنطقة العربية، ولذلك توحدها ولو بالحد الأدنى، سيضمن لها مكانًا تحت الشمس، في النظام العالمي الجديد قيد التشكل.

ومن الأمور التي قد تعوق مخرجات المنتدى العربي الروسي أن الدول العربية ليست على قلب واحد، وأدل الأدلة على هذا، وأكثرها وضوحًا، هو الأزمة المغربية الجزائرية، والخلاف بشأن عودة سوريا إلى الحضن العربي، ومحاولة إبعاد مصر عن الدور الذي يمكنها أن تضطلع به في الأزمة السودانية، وهذه الملفات تحضر فيها روسيا حضورًا قويًّا.

وهذه العوائق تجعل تطبيق مخرجات القمة العربية الروسية أمرًا صعبًا، وإن كان غير ممتنع، ولهذا كان يجب تخصيص مجال لهذه العوائق، والبحث فيها، وعن حلول لها، وألا يتم القفز عليها، إلا إن كان هناك شيء يحضر له في الكواليس، وفي اللقاءات الثنائية.

الاستنتاجات

– لا يمكن- بحال من الأحوال- عزل هذه القمة عن سياقها العالمي والأحداث المتغيرة الطارئة، فهي ليست مجرد منتدى اقتصادي؛ وإنما هي محاولة من طرفيها للتوسع الإستراتيجي.

– لا يمكن أن نبخس هذه القمة حقها، أو نهون من دورها والرسائل المرسلة من ورائها، وأنها وسيلة من وسائل الضغط في وجه التحالف الغربي الداعم لأوكرانيا وإسرائيل، لكن هناك عوائق كبيرة تقف أمام العمل بمخرجاتها.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع