مختارات أوراسية

القصف الإسرائيلي لمستشفيات غزة لم يعد يراعي الحد الأدنى من الإنسانية


  • 14 نوفمبر 2023

شارك الموضوع

ذكّرت هيئة التحرير لصحيفة غلوبال تايمز (Global Times) الصينية الرسمية، العالم في افتتاحيتها، بما يحدث من قصف إسرائيلي وحشي ممنهج للمستشفيات في غزة، وعدم مراعاته للحد الأدنى من الإنسانية، وضرورة عدم التزام الصمت تجاه هذه الممارسات البربرية.

العالم أجمع يشهد كابوسًا إنسانيًّا يتكشف في قطاع غزة: “مستشفى الشفاء، أكبر مستشفى في غزة، يتعرض للقصف والمحاصرة بالدبابات، وانقطع مؤقتًا عن العالم الخارجي”. ونتيجة لنقص الوقود، يستمر عدد الوفيات بين المرضى المصابين بأمراض خطيرة والأطفال المبتسرين في الارتفاع، ولم يعد المستشفى يعمل كمستشفى. في 13 نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت دبابة إسرائيلية تقف أمام بوابة قسم العيادات الخارجية، وأوقفت جميع المستشفيات في شمال غزة خدماتها تقريبًا. وقد تجاوز عدد القتلى الحالي في فلسطين 11 ألف شخص، 40% منهم تقريبًا من الأطفال. وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن طفلًا يموت كل 10 دقائق. وبغض النظر عن كيفية تبرير الأطراف المتحاربة لأفعالها، فإن هذا المشهد سيصبح ندبة لا تُمحى في تاريخ الحضارة الإنسانية.

زعمت إسرائيل أنها لا تستهدف المرافق الطبية، وأن مقر حماس يقع في مخابئ تحت مستشفى الشفاء، واتهمت حماس باستخدام المرضى والطواقم الطبية “دروعًا بشرية”، لكن حماس نفت هذا الادعاء. وفي غياب أدلة ملموسة، وفي ظل القوة العسكرية الإسرائيلية الساحقة، اخترقت الصور المتعلقة بمستشفى الشفاء الحصار، وانتشرت في جميع أنحاء العالم، وقد أدى ذلك إلى تدفق التعاطف الدولي مع المدنيين في غزة، ودعوات قوية لوقف فوري لإطلاق النار. ومع أن التمييز بين الصواب والخطأ في الحرب يشكل تحديًا في بعض الأحيان، فإن التوازن الأخلاقي يكون واضحًا عندما يصل الوضع في غزة إلى هذه النقطة. إن إصدار حكم أخلاقي في هذا الشأن ليس بالأمر الصعب.

وبغض النظر عن الأقوال والأفعال، فإن المبادئ الأساسية المنصوص عليها في القانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والاتفاقيات المختلفة، يجب ألا تكون غير واضحة، أو تحيد عنها. إن المبدأ الأساسي المتمثل في ضرورة حماية الجرحى والمرضى والمدنيين، والعاملين في المجال الطبي، وسيارات الإسعاف، ومرافق الرعاية الصحية، هو المعيار الأوضح والأكثر أساسية، وهو أيضًا الحد الأدنى للحضارة الإنسانية. ومن يتطرق إلى هذه النتيجة، مهما كانت الأسباب، فإن طبيعة السلوك تخضع لتغيير جذري.

وبحسب إدارة الصحة المحلية، يضم مستشفى الشفاء أكثر من 600 مريض، من بينهم 40 طفلًا خديجًا في الحاضنات. وبسبب شلل معدات المستشفى، يضطر الأطباء إلى نقل الأطفال المبتسرين من الحاضنات، ولفّهم بورق الألومنيوم، ووضعهم بجوار الماء الساخن لإبقائهم على قيد الحياة.

لا شك أن هذه التفاصيل والصور الصادمة قد خلقت رأيًا عامًّا مناهضًا لممارسات إسرائيل، وضغطًا أخلاقيًّا على الأطراف المتصارعة. كانت هناك عدة حوادث في تاريخ العالم، حيث غيّرت صورة واحدة مسار الحرب. والآن، كل ثانية تمر في أزمة مستشفيات غزة تعني خسارة في الأرواح، وهناك حاجة ملحة إلى تعبئة وتنظيم دعوات دولية لوقف إطلاق النار، والسلام على نطاق أوسع.

ومع ذلك، فمن المؤسف أن نرى أن الولايات المتحدة وأقرب حلفائها الغربيين لا يزالون يحتفظون حاليًا بموقف غامض. فمن ناحية، يصرون على عدم “وقف إطلاق النار فورًا” باسم ما يسمى بالحرب على الإرهاب، مشددين على “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”، مع أن هذه الهجمات تجاوزت نطاق “الدفاع عن النفس” بكثير. ومن ناحية أخرى، وتحت ضغط قوي من الرأي العام الدولي والأخلاق، فإنهم يدلون بتصريحات مثل: “لا نريد أن نرى معارك بالأسلحة النارية في المستشفيات”، لكن الكارثة الإنسانية في غزة صدمت المجتمع الدولي بأسره، وكانت تصريحات واشنطن ذات الصلة حتى الآن اعتيادية، بل روتينية. ومما لا شك فيه أن صوتها العالي الداعم “لحق” إسرائيل “في الدفاع عن النفس”، ومعاملتها غير الرسمية للأزمة الإنسانية، يشكلان تناقضًا صارخًا؛ مما يجعل الناس يرون- بوضوح- “النظام الدولي القائم على القواعد” المزعوم.

لم يعد السؤال هو ما إذا كان ينبغي وقف الكارثة الإنسانية المتصاعدة في قطاع غزة أم لا، بل كيفية منع هذه المأساة. ومن الواضح أنه ما دام القصف المدفعي مستمرًّا، فإن المعاناة هناك سوف تتفاقم، ولا ينبغي أن يكون من الصعب على المجتمع الدولي التوصل إلى إجماع أساسي بشأن هذه المسألة. وفي مواجهة الكارثة الإنسانية، فإن الاختيار بين السعي وراء المصلحة السياسية الذاتية، أو التمسك بالأخلاق والضمير، لا يشكل اختبارًا للأطراف المتصارعة فحسب؛ بل إنه يشكل أيضًا اختبارًا للدول الغربية التي تقودها الولايات المتحدة، التي تدعي أنها تعطي الأولوية لحقوق الإنسان.


شارك الموضوع