مختارات أوراسية

أحداث غزة ومعيار القصاص في الشريعة الإسلامية


  • 25 أكتوبر 2023

شارك الموضوع

في مقابلة أُعدت خصيصًا لبرنامج “المراجعة الدولية“، على قناة “روسيا 24” الفضائية، استضاف فيودور لوكيانوف، الخبير القانوني الروسي ليونيد سوكيانين، للحديث عن الصراع في فلسطين المستمر منذ عدة عقود، حيث أدى الصراع الحالي إلى مستويات غير مسبوقة من مشاعر اليأس والغضب. تحدث سوكيانين، المتخصص في الشريعة الإسلامية، عن نظرة الإسلام إلى القصاص والعفو، والجوانب الشرعية والأخلاقية للقصاص، وما الأهم: (العرف أم القرآن)؟ كما تحدث عن جوهر الإسلام السياسي.

القصاص في الشريعة الإسلامية

تحدث أشياء فظيعة على المستوى الإنساني البحت، ولو لم يتم أخذ العامل السياسي في الحسبان. هل هناك أي فكرة أكثر أو أقل رسوخًا في الإسلام عن ماهية القصاص، بالمعنى القانوني أو الأخلاقي؟ وهل هناك فهم لتناسُب هذا القصاص؟

نعم، هناك هذا المفهوم، وهو واضح تمامًا. إذا لجأنا إلى الشريعة، أي إلى القرآن الكريم، كتاب الإسلام المقدس، وكذلك إلى الأحاديث المنسوبة إلى النبي محمد، فسنجد كثيرًا من الأحكام التي صيغت بوضوح إلى حدٍ ما. تتعلق معظم الأوامر القرآنية بالله، الذي يحاسب أو يعاقب أولئك الذين يرتكبون المعاصي، أو يضلون الناس عن الطريق الذي رسمه. كما أن هناك أحكامًا موجهة إلى الناس، وهي تستند- على وجه التحديد- إلى أنه في حالة الاعتداء على حياة الناس، أو شرفهم، أو كرامتهم، يتبع ذلك تحمل المسؤولية والعقاب من خلال القصاص، وذلك وفق عدد كبير من الشروط.

أحد الأحكام الرئيسة للقرآن: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم). في هذا الموقف، يتم تسليط الضوء على أمرين.

أولًا: من الممكن ارتكاب نوع من العنف، واستخدام القوة ضد الجاني فقط إذا بادر باستخدام العنف أولًا ضدك، أي يكون ردًّا على العنف، من باب الدفاع عن النفس. هذه نقطة مهمة جدًّا.

ثانيًا: هناك عنصر التناسب. لاحظ: “بمثل ما اعتدى عليكم”، التي فسرها الفقهاء المسلمون “بالطريقة نفسها”، على أنها تناسب.

 إذا أخذنا أحداث اليوم، من وجهة نظر حماس، هل الفلسطينيون مسؤولون؟

بالتأكيد. وإذا أخذنا فترة تاريخية ما، فإن الأسباب التاريخية لهذا الصراع، تلك الظواهر التي حدثت وقت إنشاء الدولة الإسرائيلية، وحتى قبل ذلك، ويراها الفلسطينيون عنفًا استخدمته المنظمات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، التي كانت تتشكل من اليهود الذين تلقوا الدعم من عدد من الدول، وخاصة بريطانيا العظمى. لقد جاء هؤلاء اليهود إلى هذه الأراضي، ولم يكتفوا بشراء الأراضي فحسب؛ بل طردوا الفلسطينيين منها. المشكلة معقدة جدًّا، وقابلة للنقاش، من بدأ هناك بالعنف؟ ومن رد عليه؟ لكن هذا مسجل بوضوح في أذهان الفلسطينيين. لقد أصبحوا ضحايا للاحتلال، لقد طردوا من أراضيهم، فشعروا بالإهانة، والتعدي، والضرر، وهذا يمنحهم سببًا للاعتقاد بأنه يمكنهم الرد على ذلك في أي وقت.

المغفرة أو العفو، هل منصوص عليه في الإسلام مثل القصاص؟

نعم بالتأكيد. وإذا نظرنا إلى أحكام القرآن؛ سيتبين لنا أن في أكثر من عشر سور من القرآن ما يقرب من خمس عشرة آية تتحدث عن المغفرة والعفو. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإسلام، مثل أي دين سماوي آخر، يستهدف- في المقام الأول- وجوب العفو عن المخالفين، وهو ما يتكرر في القرآن دائمًا.

في حالة القتل أو الأذى الجسدي، بمَ توصي الشريعة؟

أولًا: يمكنك الرد بالطيقة نفسها، ولكن لا تطبق هذه العقوبة بنفسك؛ وإنما من خلال قرار المحكمة.

ثانيًا: يمكنك استبدال عقوبة الإعدام في حالة القتل؛ من خلال الحصول على أموال الدية.

ثالثًا: يمكنك أن تغفر للقاتل دون مقابل، وفي هذا الإطار يقول القرآن إن أفضل شيء بالطبع هو المسامحة والعفو.

من الواضح أن هذا أمر إلهي موجه إلى الناس، لكننا نفهم أن الطبيعة البشرية تختلف من شخص إلى آخر؛ أولًا: ليس من السهل على الانسان أن يغفر. ثانيًا: رد فعل المجتمع الذي تعيش فيه. في أغلب الأحيان، لسوء الحظ، لا يُنظر إلى هذا على أنه عمل من أعمال الرحمة؛ بل على أنه مؤشر على الضعف الذي دفع المرء إلى التخلي عن حقه في القصاص، لكن النبي محمد قال: “ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”، ولكن مرة أخرى هذا هو المثل الأعلى الديني، الذي لا يستطيع الناس دائمًا اتباعه. أستطيع أن أستشهد بعدد من أحكام القرآن، التي تنص على أنه حتى إذا تعرضت للإهانة، أو تعرضت لأضرار، أو أصبحت ضحية للعدوان، فمن الأفضل أن تسامح الجاني، وهذا موجود بالتأكيد، وهناك كثير من هذه التوجيهات.

الإسلام السياسي- كما هو معروف- أيديولوجيا سياسية

الإسلام السياسي أيديولوجيا سياسية كما هو معروف، يدعي أتباعها أنهم يهتدون بالقرآن، ولكن في الواقع، ربما هناك بعض الدوافع الأخرى!

بالطبع هذا صحيح. والحقيقة هي أن المسلمين يعيشون في نظام معقد إلى حدٍ ما، ومتناقض أحيانًا، من القواعد الاجتماعية التي يتبعونها. المسلمون لا يتبعون فقط الأحكام القرآنية والإسلامية بشكل عام، ولكن أيضًا تقاليد وعادات محلية. بالإضافة إلى ذلك، أظهر علماء الإثنوغرافيا والمؤرخون جيدًا أنه إذا كانت الشريعة تسمح- من الناحية النظرية- بأي عرف لا يتعارض معها، لكن في الواقع تسود العادات في كثير من الأوقات على الشريعة، وقد تبدو أنها لا تخالفها؛ ولذلك، غالبًا ما تُتَّبَع العادات. والعادات، أي العرف، تقوم بالطبع على مبدأ الانتقام. المثال الأكثر وضوحًا الذي يعرفه الجميع هو ما يسمى بالثأر.

الثأر هو عادة منتشرة على نطاق عريض، بالمناسبة، يحاربها الإسلام بشراسة منذ قرون، لكنه لا يستطيع هزيمتها، بل كانت هناك دول صدرت فيها قوانين خاصة لمقاضاة مرتكبي أعمال الثأر، لكن لا شيء يساعد على توقفها؛ فهذه عادة راسخة جدًّا.

أما فيما يتعلق بالسياسة، فنحن نفهم جيدًا أن أي حكومة، وأي شخصيات سياسية، لا تسترشد ببعض الأحكام العَقَدية فحسب، بل أيضًا بكيفية إدراك المجتمع لخطواتها. إن تصرفات السياسي الذي يظهر الليونة، ويتبع طريق الرحمة، سيُنظر إليها على أنها مؤشر ضعف. ويجد الساسة أنفسهم معتمدين على هذا النظام الإحداثي، حيث تؤدي العادات والتقاليد- مع الأسف- دورًا رائدًا فيما يتعلق بظاهرة الانتقام.

ما ورد في الحوار يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير


شارك الموضوع