أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أن إدارته “اختارت رسميًّا تصميمًا معماريًّا” لنظام الدفاع الوطني ضد الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، المسمى “القبة الذهبية”، الذي تعتزم تطويره بوصفه استجابة ضرورية “للتهديدات” القادمة من دول أخرى. وتُناقَش حاليًا حزمة موازنة أمام الكونغرس توفر تمويلًا مبدئيًّا قدره 25 مليار دولار لهذا المشروع “المتطور تقنيًّا”.
ووفقًا لتقييم غير سري صادر عن وكالة الاستخبارات الدفاعية الأمريكية، فإن الجيش يتوقع مواجهة “تهديدات صاروخية” تتزايد من حيث “المدى والتعقيد خلال العقد المقبل”، مع الإشارة تحديدًا إلى أن “الصين وروسيا تطوّران مجموعة من أنظمة الإطلاق الجديدة بهدف استغلال الثغرات في الدفاعات الأمريكية الحالية ضد الصواريخ الباليستية”.
ومن بين الدول الأخرى التي أدرجتها الولايات المتحدة ضمن قائمة “التهديدات” كوريا الديمقراطية الشعبية (كوريا الشمالية) وإيران.
ومع أن الأراضي الأمريكية لم تتعرض لأي هجوم من دولة أجنبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن تضخيم هذه “التهديدات” أصبح ممارسة تقليدية لدى البنتاغون -إن لم يكن لدى مجمّع الصناعات العسكرية برمته- بغرض تأمين التمويلات.
ويُدرك أعضاء الكونغرس ذلك جيدًا، لكنهم لا يمانعون المضي قُدمًا فيه؛ لأنهم غالبًا ما ينتمون إلى دوائر مصالح مستفيدة -على نحو مباشر أو غير مباشر- من هذه الصفقات التمويلية.
وتبقى الصين الدولة الوحيدة بين الدول الأربع التي يصورها الخطاب الأمريكي “تهديدًا”، ولديها مصالح اقتصادية وتجارية كبيرة ومشتركة مع الولايات المتحدة؛ لذلك يجب على الإدارة الأمريكية أن تدرك مدى الضرر الذي تُلحقه بعلاقاتها مع الصين في كل مرة تلجأ فيها إلى خطاب “التهديد الصيني” الزائف لتبرير ما هو في الحقيقة عملية اختلاس لأموال دافعي الضرائب من جانب دوائر المصالح.
ويُعد نظام “القبة الذهبية” مشروعًا عالميًّا متعدد المستويات والمجالات في مجال الدفاع الصاروخي، ويمضي بعيدًا عن هدف “الدفاع” المزعوم، إذ تسعى الولايات المتحدة من خلاله -على نحو معلن- إلى توسيع قدراتها القتالية في الفضاء الخارجي، بما يشمل تطوير ونشر أنظمة اعتراض مدارية.
ويحمل هذا النظام، الموصوف زورًا بأنه دفاعي، دلالات هجومية واضحة، وينتهك مبدأ الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي كما هو منصوص عليه في معاهدة الفضاء الخارجي. ومن المتوقع أن يشكّل هذا النظام مكوّنًا أساسيًّا في درع الفضاء الأمريكي الذي يُستخدم وسيلة للترهيب الإستراتيجي ضد بقية العالم، مسرّعًا بذلك مسعى الولايات المتحدة نحو استعمار الفضاء الخارجي، وتحويله إلى ساحة ممتدة لمنافساتها الجيوسياسية.
وكما حذرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، يوم الأربعاء، فإن هذه الخطوة الأمريكية من شأنها أن تزيد خطر تحويل الفضاء إلى ميدان للحرب، وتدفع نحو سباق تسلّح جديد.
إن تطوير الصين قدراتها الدفاعية الوطنية يهدف إلى حماية مصالحها الجوهرية، والحفاظ على السلام على المستويين الإقليمي والعالمي. أما الولايات المتحدة، فهي مَن حدّدت الصين بوصفها أكبر “تحدٍ إستراتيجي” لها، وتتصرف على هذا الأساس. ومع ذلك، لا تزال الصين تنظر إلى الولايات المتحدة بوصفها شريكًا؛ ولذلك مارست قدرًا كبيرًا من ضبط النفس تجاه استفزازاتها المتكررة تحت مظلة ما يسمى “استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ”.
وتتخذ الصين جميع الإجراءات الضرورية لحماية أمنها، دون أن يكون أي من التقدّم الذي تحقّق في هذا المجال موجّهًا ضد الولايات المتحدة.
سواء أتعلّق الأمر بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، أم الفضاء السيبراني، أم الفضاء الخارجي، أم منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإن الصين دائمًا ما تقترح على الولايات المتحدة تعميق التعاون وتعزيز التواصل في هذه القطاعات الإستراتيجية؛ لأن ذلك يخدم المصالح المشتركة للجانبين، ويخدم العالم بأسره كذلك.
لا يمكن كبح مسيرة تطوّر الصين، ولا يمكن فصلها عن العالم، بما في ذلك عن الولايات المتحدة. وإذا ما دفعت واشنطن بقوة نحو احتواء الصين، ومحاولة عزلها عن المجتمع الدولي، فإنها في الواقع تعرقل نموّها، وتُعرّض نفسها للعزلة.
وكلما روّجت الولايات المتحدة لسياسات العزلة، والأحادية، والهيمنة، زادت بذلك المساحة التي تتاح أمام الصين لتعزيز التعاون، وتكريس التعددية، وتشجيع التعلّم المتبادل، والمساعدة المشتركة على المستوى العالمي.
ينبغي للولايات المتحدة أن تتقبّل الحقيقة التي أصبحت واضحة أكثر من أي وقت مضى: لن تصبح أي دولة أكثر أمنًا من خلال جعل الآخرين أقل أمنًا.
المصدر: صحيفة الصين اليومية (China Daily) الصينية