أبحاث ودراساتالقضايا الاقتصادية

الغاز الآسيوي والنفوذ الإسرائيلي في الاتحاد الأوروبي


  • 18 نوفمبر 2023

شارك الموضوع

يتأكل الدعم الشعبي في الغرب، لا سيما في الاتحاد الأوروبي، لإسرائيل على خلفية حَربها على قطاع غزة، ويتعرض المسؤولون على رأس الاتحاد لانتقادات شديدة لدعمهم المُطلق للعمل العسكري الإسرائيلي، لا سيما رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، لكن ما الأسباب التي تجعل سياسات الاتحاد الأوروبي شبه معزولة عن تأثيرات الشارع الأوروبي؟ مِن المُحتمل أن تقدم القراءة في سياسات إسرائيل الخارجية، وخاصةً في مجال الطاقة، تفسيرًا لأهمية تل أبيب بوصفها مطورًا مركزيًّا لحقول الغاز الغنية في البحر الأبيض المتوسط.

الغاز الإسرائيلي نقطة مركزية في سياسة أمن الطاقة الأوروبية

ينبع اهتمام الاتحاد الأوروبي بالغاز الإسرائيلي من الحاجة إلى تنويع مصادر الغاز على خلفية الحرب الروسية- الأوكرانية. ومع انخفاض حجم واردات الهيدروكربون من روسيا على خلفية العقوبات الغربية (في عام 2021، بالإضافة إلى الهيدروكربونات الأخرى، اشترى الاتحاد الأوروبي 155 مليار متر مكعب من الغاز من روسيا، التي تمثل 40% من استهلاكها السنوي) أصبحت إسرائيل أحد الموردين المحتملين للغاز.

خلال عام 2022، استُخرج الغاز من حقل غاز كاريش؛ ونتيجة لذلك، أصبح لدى إسرائيل فائض من الغاز يصل إلى 10 مليارات متر مكعب سنويًّا، بالإضافة إلى زيادة الفائض فور زيادة استخراج الغاز من حقل غاز ليفياثان من (12) مليار متر مكعب حاليًا إلى (21) مليار متر مكعب سنويًّا. ويعتمد هذا على ما إذا كان ستُنشَأ بنية تحتية جديدة لنقل الغاز، وهذا بدوره قد يتم تسهيله من خلال إنشاء منشأة عائمة للغاز الطبيعي المسال، أو خطوط أنابيب جديدة بالقرب من حقل الغاز هذا. بالإضافة إلى ذلك، يجري العمل على إطلاق عملية استخراج الغاز من حقلي أوليمبوس وإيشاي. والحقل الأخير مجاور لحقل أفروديت القبرصي، وتجري المفاوضات بشأن معايير استغلاله المشترك. بالإضافة إلى ذلك، تزايدت المناقصات الغربية للتنقيب عن احتياطيات جديدة من الغاز في المياه الإسرائيلية، وكان الدافع وراء هذا القرار هو ضرورة دعم أوروبا في جهودها الرامية إلى تنويع مصادر الغاز.

بذلت المفوضة الأوروبية للطاقة كادري سيمسون جهودًا لشراء الغاز الإسرائيلي عندما أجرت محادثات مع الوزيرة الإسرائيلية كارين الهرار. ونظرًا إلى عدم توافر خيارات أخرى في الوقت الحالي، سيُسال الغاز المخصص للتصدير إلى أوروبا في محطات الغاز الطبيعي المسال المصرية في دمياط وإدكو، لكن سعتها مجتمعة لا تتجاوز (17) مليار متر مكعب. وينتقل الغاز من إسرائيل إلى النظام المصري من خلال خط أنابيب عسقلان- العريش، وأيضا من خلال خط الغاز العربي الذي يمر عبر الأردن، وتبلغ قدرتها الإجمالية من (7) إلى (10) مليارات متر مكعب فقط. وفيما يتعلق بنية زيادة صادرات الغاز إلى أوروبا عبر مصر، فقد وُضعَت خطط لبناء خطوط أنابيب جديدة برعاية مجموعة عمل ثلاثية بين الاتحاد الأوروبي ومصر وإسرائيل.

ويرى الاتحاد الأوروبي أن الإطلاق المخطط لاستيراد الغاز الإسرائيلي في خريف عام 2022 هو أول نتيجة ملموسة للسياسة الأوروبية لأمن الطاقة بعيدًا عن روسيا، حيث باعت تل أبيب نحو 10 مليارات متر مكعب من الغاز إلى الاتحاد الأوروبي سنويًّا، وذلك يعادل مضاعفة حجم صادراتها من الغاز. وتشجع سياسة أمن الطاقة للاتحاد الأوروبي الشركات الأوروبية على الاستثمار في التنقيب عن الغاز الإسرائيلي، وتمويل الأنشطة البحثية التي تركز على تقليل الانبعاثات، وإزالة الكربون، والتعاون في مجال تكنولوجيا الهيدروجين والطاقة الخضراء، وكفاءة الطاقة. وسيُباع الغاز الإسرائيلي إلى الاتحاد الأوروبي بما يتماشى مع أهداف تحويل الطاقة الخاصة بالأخير، الذي ينظر إلى الغاز بوصفه وقودًا انتقاليًّا قبل أن الانتقال إلى مصادر طاقة أخرى سيؤدي فيها الشرق الأوسط دورًا محوريًّا مهمًّا، لا سيما في مجالات الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح (تمتلك مصر والأردن والمملكة العربية السعودية الإمكانات الأكبر في هذا الصدد)، وربما أيضًا الهيدروجين، وفي هذا السياق، تتولى إسرائيل المساهمة بالتكنولوجيا، وتكون نقطة التصدير إلى الاتحاد الأوروبي.

انعكاسات الحرب على قطاع غزة على أمن الطاقة الأوروبي

لقد أصبحت هشاشة أمن الطاقة الإسرائيلي أكثر وضوحًا مع الحرب. وفي أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، دعا المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الدول الإسلامية إلى “وقف تصدير النفط والسلع الأخرى إلى النظام الصهيوني”؛ لإجبار إسرائيل على “الوقف الفوري لقصف غزة”. وأدلى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بتصريح مماثل تقريبًا خلال زيارته الأخيرة لأنقرة.

لذا منحت الحكومة الإسرائيلية في (29-30) أكتوبر (تشرين الأول) مناقصة لشركة الطاقة البريطانية بريتيش بتروليوم (BP)، بالتعاون مع شركة النفط الحكومية الأذربيجانية (SOCAR)، للقيام بأعمال التنقيب في المنطقة الاقتصادية الخالصة لإسرائيل من البحر الأبيض المتوسط، لتوسع الشركة الأذرية طبيعة أعمالها في خارج أذربيجان، وعدم حصرها في تركيا، وتدخل مرحلة جديدة لا تعتمد فيها على الإنتاج فقط؛ ولكن تشغيل الحقول الإسرائيلية.

التقارب الإسرائيلي- الأذري- الأوروبي يحيّد أي خطوة تصعيدية من الجانب التركي، حيث اكتفى الرئيس رجب طيب أردوغان بالخطاب المُناهض للعمل العسكري الإسرائيلي في غزة، مع استمرار تدفق جميع الواردات التجارية والطاقة من خلال المواني التركية إلى إسرائيل، لكن القلق الإسرائيلي والأوروبي يتزايد من أي اضطراب في سلاسل التوريد هذه في ظل استمرار الحرب الروسية- الأوكرانية.

لذا لم يكن اختيار أذربيجان محض مصادفة، أو لميزة تجارية، فالشركة الأذرية تُعاني ديونًا كبيرة، وليس لديها خبرة كافية في مجال الصناعات التحويلية الهيدروكربونية، ولا تملك تكنولوجيا خاصة بها، لكن يبدو أن الإدارة الإسرائيلية تدرك أهمية أذربيجان في الوقت الحالي. ونلخص الرؤية الإسرائيلية كالتالي:

  • أذربيجان حليف قوي لتركيا، ويمكنها أن تمتص أي إجراءات مُضادة من أنقرة، أو تؤخرها على الأقل، حيث تعد البوابة الأذرية هي مفتاح العالم التركي للسياسة التركية التي تريد توسيع نفوذها الاقتصادي في آسيا الوسطى.
  • تمثل أذربيجان قاعدة مُتقدمة للعمل العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي ضد إيران، ومن خلال تدعيم العلاقات الاقتصادية، بعد أن قدمت تل أبيب ما يكفي من الأسلحة لصالح باكو في حربها على أرمينيا، يُدمَج أمن الطاقة الإسرائيلي والأوروبي بالتبعية مع باكو لضمان ولائها المُطلق في هذه الحقبة المُضطربة في الشرق الأوسط، خاصةً أن أذربيجان تريد أن تمد جسور العلاقات مع الغرب لموازنة النفوذ الروسي والتركي بعد نهاية حربها في ناغورنو كاراباخ، والأهم تطوير اقتصادها الهيدروكربوني الذي يفتقد التكنولوجيا اللازمة لتصبح باكو قوة عسكرية واقتصادية نافذة في القوقاز، ومنطقة بحر قزوين.
  • تعزيز مكانة إسرائيل لدى الاتحاد الأوروبي لا يتوقف على غاز شرق البحر المتوسط، بل تريد تل أبيب- بشكل عكسي- بناء نفوذ سياسي وعسكري واقتصادي في أذربيجان، حيث وقع الاتحاد الأوروبي مذكرة تفاهم مع باكو لمضاعفة حجم واردات الغاز الأذري إلى (20) مليار متر مكعب سنويًّا بحلول عام 2027، وهذا يُعطي لإسرائيل دورًا حيويًّا في سياسة أمن الطاقة الأوروبي؛ بوصفها تحمي مصدر طاقة عالي القيمة من خطر روسيا وإيران.

وإذا تمكنت إسرائيل من العمل كمورد للغاز ومشارك في مشروعات الطاقة بين الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط والقوقاز، فإن هذا سوف يؤدي إلى تجاوزها أي نقد شعبي غربي. بالإضافة إلى ذلك، تحظى السياسات الإسرائيلية بمزيد من دعم الولايات المتحدة؛ لأنها تتعارض مع مصالح روسيا وإيران. ومن خلال هذا تضمن تل أبيب وجود القوة العسكرية لحلف شمال الأطلسي إلى جانبها في أي تصعيد عسكري مُحتمل مع إيران، أو مع حزب الله اللبناني، من خلال تسويق أن أي عمل عدائي لا يستهدف إسرائيل في ذاتها بسبب الاحتلال، أو سلوكها العدواني مع دول الجوار؛ ولكن لأن تلك القوى تستهدف أحد أعمدة البنية الاقتصادية لأمن الطاقة الأوروبي.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع