تقارير

العلاقات الهندية- التركية.. البحث عن قنوات للتواصل


  • 7 نوفمبر 2023

شارك الموضوع

تقاسمت الهند وتركيا وجهة نظر أيديولوجية مشتركة منذ بداياتهما. في عام 1921، حين أطلق غاندي حملة مقاطعة اقتصادية للبريطانيين من خلال اعتصام سلمي، أيدته حركة الخلافة- التي ضمت طيفًا عريضًا من المسلمين الهنود- ودعت إلى عودة الخليفة كحاكم للعالم الإسلامي مِن تركيا. وسّع غاندي دعمه لحركة الخلافة لضمان وحدة أكبر بين الهندوس والمسلمين الهنود.

خلال السنوات الأولى من استقلال الهند، أشرف جواهر لال نهرو على نشوء دولة اشتراكية وعلمانية، مثل نظيرتها التركية. وعلى نحو مماثل، ركزت السياسة الخارجية التي تنتهجها تركيا الكمالية (نسبة إلى المؤسس مصطفى كمال أتاتورك) على مبدأ “السلام في الوطن، السلام في العالم”، الذي ظهر صداه في سياسة عدم الانحياز التي اتبعتها الهند.

وعلى الرغم من الأيديولوجيا السياسية المشتركة، فإن صعود حزب العدالة والتنمية، بزعامة رجب طيب أردوغان، وحزب بهاراتيا جاناتا، بزعامة ناريندرا مودي، أدى إلى توسيع الفجوة السياسية بين البلدين. وكانت الأسلمة المتنامية داخل المجتمع التركي، التي حفزها توجه أردوغان في السياسة الخارجية “الإسلاموية الشاملة”، وانتقاد تركيا للهند بعد إلغائها المادة الـ(370) من الدستور، التي كانت تكفل الحكم الذاتي لكشمير وجامو، إلى جانب قرار أنقرة رفع علاقتها مع إسلام آباد إلى شراكة إستراتيجية، عوائق إضافية أمام العلاقات التركية- الهندية.

وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، انتقد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في خطابه أمام الجمعية العامة الهند؛ لفشلها في بناء علاقات مع باكستان، وإرساء “سلام وازدهار عادل ودائم في كشمير”. وردَّ وزير الشؤون الخارجية الهندي س. جايشانكار بلقاء نظيره القبرصي إيوانيس كاسوليدس، وتضمن جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أعقب ذلك التوحيد السياسي لقبرص، والذي لا يزال قضية مثيرة للجدل بالنسبة لتركيا.

وجاء الاجتماع الثنائي بين الهند وقبرص في أعقاب اجتماع جايشانكار مع كاسوليدس، الذي يُزعم أنه يهدف إلى تحريض تركيا التي تعرضت لانتقادات بشكل روتيني بسبب احتلالها غير القانوني لشمال قبرص. بالإضافة إلى ذلك، جاء الاجتماع الهندي القبرصي وسط النزاع الحدودي الأخير بين أرمينيا وأذربيجان بشأن منطقة ناجورنو كاراباخ، وطالبت الهند بإنهاء الأعمال العدائية من جانب أذربيجان المدعومة من تركيا، ووسّعت الهند أيضًا علاقاتها الدفاعية مع أرمينيا. وتصاعدت حدة النقد التركي للحكومة الهندية بسبب التمييز ضد المسلمين الهنود، فيما استمر الدعم الضمني الذي تقدمه تركيا للمنظمات السياسية الإسلامية الهندية المتطرفة، مثل الجبهة الشعبية الهندية؛ مما أدى إلى زيادة حدة الاستقطاب، وصولًا إلى تدهور العلاقات بين الهند وتركيا؛ لذا كان لقاء مودي وأردوغان، خلال قمة منظمة شنغهاي للتعاون، مهمًّا وسط التوترات القائمة بين البلدين. وخلال هذا الاجتماع، أعاد الزعيمان تقييمًا شاملًا للعلاقات الثنائية بين الهند وتركيا، وناقشا سبل تعميق التعاون الاقتصادي. كان الاجتماع مهمًّا؛ لأنه عُقد بعد ثلاث سنوات من إلغاء رئيس الوزراء مودي زيارته الثنائية الأولى المستقلة إلى أنقرة عام 2019 للاحتجاج رسميًّا على دعم أنقرة الصريح لباكستان بشأن قضية كشمير في الأمم المتحدة.

ومع ذلك، لكي تأخذ العلاقات مسارًا سليمًا؛ سيتعين على تركيا عدة أمور:

  • تخفف من انتقاداتها للهند بشأن قضية كشمير.
  • تنفصل عن باكستان، وتدير علاقاتها مع الهند باستقلال.
  • التمييز بين الهند وباكستان في أجندة سياستها الخارجية، وأن تتعامل معهما بوصفهما كيانين مستقلين.
  • حساب الفوائد وفرص الاستثمار في علاقتها مع الهند، من خلال محور اقتصادي أولًا، وعدم صياغة نهجها تجاه السياسة الداخلية الهندية.

وعلى نحو مماثل، تبنت أنقرة موقفًا محايدًا بشأن الجدل الدائر في الصين بشأن سكانها من الأويغور، وسوف يتعين على تركيا أن تتبع مبدأ المعاملة بالمثل مع الهند، والامتناع عن الإشارة المباشرة إلى كشمير. وعلى نحو مماثل، يتعين على الهند أن تحافظ على موقف محايد فيما يتصل بقضايا شمال قبرص، وناجورنو كاراباخ؛ من أجل بناء الثقة مع تركيا.

هذا سيمكن الهند أن تعمل مع تركيا للحد من مساعداتها العسكرية لباكستان، وضمان عدم استضافة الأراضي الباكستانية للإرهاب ضد الهند. وفي هذه العملية، يمكن لتركيا أن تسعى للحصول على الدعم الهندي، والخروج من قائمة البلدان المشكوك في تمويلها للإرهاب، الذي يمكن أن ينعش الاقتصاد التركي المُتعثر. ومن المتوقع أن تزيد المشاركة الهندية- التركية اقتصاديًّا، وتأخذ منحى العلاقات الهندية مع بلدان الخليج العربي، لا سيما المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة.

ومؤخرًا، استخدمت نيودلهي الاقتصاد باعتباره حجر الزاوية في سياستها الخارجية، وتمكنت من بناء تحالفات اقتصادية، مثل (I2U2) مع إسرائيل، والولايات المتحدة، والإمارات العربية المتحدة، وهو ما قد ترغب تركيا في الانضمام إليه لتوسيع قاعدتها الاقتصادية، لا سيما أن التجارة الثنائية بين الهند وتركيا زادت من ثمانية مليارات دولار إلى عشرة مليارات دولار بين عامي 2018 و2021. ومن المتوقع إذا تحسنت العلاقات أن تكون هناك اتفاقية تجارة حرة، أو اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة بين البلدين.

كما تنظر تركيا إلى الهند على أنها بوابة توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع شركاء تركيا الآسيويين، ومنهم رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)؛ فالعلاقات الاقتصادية بين الهند وتركيا من شأنها أن تمكن كلا الطرفين من تعميق وجودهما الاقتصادي في الشرق الأوسط وآسيا بشكل مستقل عن النفوذ الدبلوماسي الباكستاني، ويمكن أن يترجم هذا التعاون إلى تقارب دائم على المستوى المتعدد الأطراف، فالوجود الهندي الحالي في هذه المنتديات يمكن أن يفيد تركيا؛ لأن نيودلهي يمكن أن تعمل كوسيط محايد بين أنقرة والقوى الأخرى، لا سيما في الشرق الأوسط.

تركيا والهند الآن في مرحلة بناء العلاقات الدبلوماسية، وهي مرحلة حرجة يجب فيها تجنب إثارة القضايا الجدلية لكلا البلدين، وبناء الثقة المشتركة، وتعميق المشاركة الاقتصادية الثنائية والمتعددة الأطراف. ليس من الواضح متى تنتهي هذه المرحلة، لكن العلاقات التركية- الهندية آخذة في التحسن، وتأخذ مسارات دبلوماسية لتضع نهاية للحروب الكلامية، والبيانات التصعيدية بين الطرفين. لا شك أن هناك عاملًا مُفسدًا، وهو باكستان، وهي دولة لا يمكن محوها من تلك المعادلة، وستعمل إسلام آباد دائمًا لإبعاد الحلفاء الأقوياء عن الهند، فيما سيكون على الأخيرة تقديم تنازلات أو امتيازات للتعامل مع أي بلد “إسلامي”؛ لمحاولة تغيير الصورة السلبية عن السياسات القومية المتطرفة للحزب الحاكم في نيودلهي حاليًا.


شارك الموضوع