مقالات المركز

العلاقات الهندية- الباكستانية بعد أزمة باهالغام


  • 12 يونيو 2025

شارك الموضوع

تشكل العلاقات بين الهند وباكستان واحدة من أكثر العلاقات تعقيدًا وتوترًا في العالم، حيث تتأثر بعوامل تاريخية، سياسية، وجيوسياسية، مع قضية كشمير في صميم الصراع. أزمة باهالغام في أبريل (نيسان) 2025، التي أعقبت هجومًا إرهابيًّا أودى بحياة 26 سائحًا، وتصاعدت إلى مواجهات عسكرية جوية وصاروخية غير مسبوقة، كشفت عن هشاشة التوازن بين البلدين. تاريخيًّا، شهدت العلاقات الهندية- الباكستانية عدة أزمات عسكرية، مثل حروب 1947، 1965، و1971، وأزمة كارجيل 1999، وغارات بالاكوت 2019.

كل هذه الأحداث تؤكد أن التصعيد العسكري، رغم فعاليته في بعض الأحيان كأداة ردع، يحمل مخاطر كبيرة، خاصة في ظل القدرات النووية لكلا البلدين. كشفت أزمة باهالغام عن تفوق باكستان النوعي في بعض الجوانب العسكرية، مثل أنظمة الرادار وصواريخ جو- جو؛ مما أجبر الهند على طلب وساطة أمريكية. هذا الدرس يعيد إلى الأذهان أزمة 2019، عندما أدت غارات بالاكوت إلى إسقاط طائرة هندية وأسر طيارها، مما أحرج نيودلهي؛ لذا فالدرس المستفاد هو أن الهند بحاجة إلى تقييم دقيق لقدراتها العسكرية مقارنة بالخصم قبل اتخاذ خطوات تصعيدية، مع الأخذ في الحسبان التداعيات الدبلوماسية والاقتصادية.

على مدى عقود، أصرت الهند على حل النزاعات مع باكستان ثنائيًّا، رافضة تدخل أطراف ثالثة. ومع ذلك، كشفت أزمات مثل كارجيل وبالاكوت، وأخيرًا باهالغام، أن هذا الموقف قد لا يكون مستدامًا في مواجهة التصعيد السريع، واضطرت الهند في عام 2025 إلى قبول الوساطة الأمريكية بعد الرد الباكستاني القوي؛ مما يعكس تغيرًا في الإستراتيجية التقليدية. هذا يعيد إلى الذاكرة اتفاقية طشقند 1966، التي توسط فيها الاتحاد السوفيتي، واتفاقية سيملاج 1972، التي أكدت الحلول الثنائية لكنها لم تمنع الصراعات اللاحقة؛ ما يُشير إلى أن الهند قد تحتاج إلى مرونة أكبر في قبول التدخلات الدولية، خاصة عندما يكون التصعيد نوويًّا محتملًا.

تاريخيًّا، استفادت باكستان من دعم قوى خارجية، مثل الولايات المتحدة في الحرب الباردة، والصين على نحو متزايد منذ التسعينيات. في أزمة باهالغام، أدّت الصين دورًا حاسمًا من خلال تقديم دعم سياسي وعسكري غير مباشر، وقد أظهرت طائرات (JF-17) الصينية-الباكستانية، وأنظمة الدفاع الجوي (HQ-9) فاعلية ملحوظة؛ مما عزز مكانة باكستان عسكريًّا. وهذا الدعم يشبه ما حدث بأزمة كارجيل، عندما ساعدت الصين باكستان لوجستيًّا؛ ما يعني أن الهند بحاجة إلى مواجهة ليس فقط باكستان، بل أيضًا شبكة حلفائها، خاصة الصين، التي تستخدم باكستان أداةً لموازنة الهند.

تظل كشمير السبب الرئيس للتوتر بين الهند وباكستان. إلغاء المادة رقم (370) عام 2019، التي منحت كشمير وضعًا خاصًا، زاد التوترات، حيث رأت باكستان ذلك تهديدًا لمصالحها، وهجوم باهالغام، الذي وقع في كشمير، أعاد إشعال الاتهامات المتبادلة بالإرهاب العابر للحدود؛ مما يعكس فشل الجهود السابقة لتهدئة الوضع، ما حتّم أن تكون هناك إستراتيجية هندية تجاه باكستان تعالج جذور الصراع في كشمير، سواء من خلال الحوار، أو من خلال إجراءات بناء الثقة، لتجنب تكرار الأزمات.

كشفت أزمة باهالغام عن تحول في التوازن العسكري بين الهند وباكستان. رغم التفوق العددي للهند، أظهرت باكستان قدرات تكنولوجية متقدمة، مدعومة بالصين، خاصة في الحرب الجوية، وأنظمة الدفاع الصاروخي، وأدى إسقاط طائرات رافال إلى إحراج الصناعات العسكرية الغربية، وأثار تساؤلات عن فاعلية الأسلحة الهندية. هذا الوضع يفرض على الهند إعادة تقييم إستراتيجياتها العسكرية، مع التركيز على التحديث وتنويع مصادر الأسلحة، بما في ذلك تعزيز الإنتاج المحلي من خلال مبادرة “صنع في الهند”.

عززت الأزمة الاستقطاب الإقليمي، حيث أصبحت الهند أكثر انحيازًا إلى التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة، في حين تعمقت الشراكة بين باكستان والصين. وعززت الوساطة الأمريكية العلاقات الهندية- الأمريكية، لكنها أثارت قلق الهند من تقارب محتمل بين واشنطن وإسلام آباد. في المقابل، عززت الصين استثماراتها في باكستان، خاصة عبر ممر الصين-باكستان الاقتصادي. هذا الاستقطاب يعني أن أي تصعيد مستقبلي قد يتجاوز البلدين ليشمل قوى عظمى؛ مما يزيد تعقيد الأزمات.

أزمة باهالغام أكدت أن الحلول الثنائية أصبحت أقل جدوى في ظل التدخلات الدولية. قبول الهند الوساطة الأمريكية يشير إلى تحول في السياسة الخارجية الهندية، التي كانت ترفض تدويل قضية كشمير. هذا الوضع الجديد يفرض على الهند إعادة صياغة نهجها الدبلوماسي ليشمل التفاعل مع القوى الدولية، مع الحفاظ على استقلالية قرارها. تواجه الهند ضغوطًا داخلية متزايدة لاتخاذ مواقف صلبة تجاه باكستان، مدفوعة بالخطاب القومي. في الوقت نفسه، الضغوط الخارجية، خاصة من الولايات المتحدة والأمم المتحدة، تدفع نحو ضبط النفس لتجنب حرب نووية. هذا التوازن الدقيق يشكل تحديًا جديدًا لصناع القرار في نيودلهي، الذين يجب أن يجدوا طريقة للجمع بين الرد الحاسم والدبلوماسية الفعالة.

السياسة المستقبلية الهندية تجاه باكستان قد تُركز على التصدي للتفوق التكنولوجي الباكستاني، ويجب على الهند تسريع تحديث قواتها المسلحة. وتحتاج الهند إلى استثمار أكبر في الذكاء الاصطناعي، والحرب السيبرانية، وأنظمة الدفاع الجوي. كما يجب تنويع مصادر الأسلحة لتقليل الاعتماد على الواردات الغربية، مع تعزيز الشراكات مع دول مثل إسرائيل وروسيا. برنامج (Make in India) يمكن أن يؤدي دورًا رئيسًا في تطوير أسلحة محلية، مثل صواريخ براهموس، وطائرات تيجاس.

بالإضافة إلى التعامل مع التدخلات الدولية، يجب على الهند تبني دبلوماسية استباقية، حيث يمكن للهند تعزيز تحالفاتها ضمن “الكواد” لمواجهة النفوذ الصيني، مع الحفاظ على علاقات متوازنة مع روسيا لمنع تقاربها مع باكستان. كما يجب على الهند الاستفادة من المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة، لعرض قضيتها ضد الإرهاب العابر للحدود، مع تقديم أدلة موثوق بها لكسب الدعم الدولي. ورغم التوترات، يمكن للهند استكشاف إجراءات بناء الثقة مع باكستان لتقليل أخطار التصعيد. وقد اقترحت باكستان تحقيقًا دوليًّا في هجوم باهالغام، وهو عرض رفضته الهند. في المستقبل، يمكن للهند النظر في آليات مشتركة لمكافحة الإرهاب، مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية، أو إنشاء خط ساخن عسكري لمنع سوء التفاهم.

ولا يمكن تحقيق استقرار طويل الأمد دون معالجة قضية كشمير. بدلًا من التركيز على الأمن فقط، يمكن للهند الاستثمار في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كشمير لكسب دعم السكان المحليين، كما يمكن استكشاف حوار غير رسمي مع باكستان بشأن إدارة المناطق المتنازع عليها، مع التركيز على نزع السلاح على طول خط السيطرة. وللحد من تأثير الصين في باكستان، يجب على الهند تعزيز شراكاتها الاقتصادية والعسكرية مع دول المنطقة، مثل بنغلاديش وسريلانكا، لخلق توازن إقليمي، لا سيما أن ممر الصين- باكستان يشكل تهديدًا إستراتيجيًّا للهند، مما يتطلب استجابة دبلوماسية واقتصادية قوية. كما يمكن للهند الضغط من خلال “الكواد” لتقييد استثمارات الصين في المنطقة.

تظل العلاقات الهندية- الباكستانية تحديًا معقدًا يتطلب نهجًا متعدد الأبعاد يجمع بين القوة العسكرية، الدبلوماسية الذكية، ومعالجة الجذور التاريخية للصراع. دروس الماضي، مثل أخطار التصعيد، وأهمية الدعم الدولي، تشكل دليلًا للهند في مواجهة الوضع الطبيعي الجديد، الذي يتميز بالاستقطاب الإقليمي، وتراجع الحلول الثنائية. في المستقبل، يجب على الهند تعزيز قدراتها العسكرية، وتبني دبلوماسية استباقية، واستكشاف إجراءات بناء الثقة مع باكستان، مع التركيز على معالجة قضية كشمير، ومواجهة النفوذ الصيني. من خلال هذا النهج الشامل فقط يمكن للهند تحقيق استقرار إقليمي يخدم مصالحها الوطنية، ويقلل أخطار الحروب المستقبلية.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع