اندلعت حالة عدم الاستقرار الدائمة في السياسة الداخلية النيبالية مرة أخرى عندما سحب الحزب الشيوعي النيبالي (UML) دعمه للحكومة السابقة بقيادة بوشبا كمال داهال “براتشاندا” من الحزب الشيوعي النيبالي (الماوي)، لكن نيبال دشنت مؤخرًا حكومتها الرابعة بمجموعات مختلفة من الأحزاب منذ الانتخابات البرلمانية أواخر عام 2022، وأدى رئيس الحزب الشيوعي النيبالي (الماركسي اللينيني الموحد) “كيه بي شارما أولي” اليمين الدستورية رئيسًا للوزراء، وانضم الحزب الشيوعي النيبالي وحزب المؤتمر النيبالي، وهما اثنان من أكبر الأحزاب السياسية في البلاد، إلى تشكيل حكومة جديدة.
إن التغييرات المتكررة في السياسة الداخلية النيبالية لا يمكن أن تضمن مسارًا ثابتًا لسياستها الخارجية. وفي الوقت نفسه، ليس من المتوقع تضرر العلاقات الثنائية؛ لأن الهند جارة مباشرة وقريبة، كما سيكون على الحكومة النيبالية الجديدة بقيادة “أولي” وضع الأساس لإحياء سياستها الخارجية ودبلوماسيتها فيما يتعلق بنيودلهي. ومن خلال تسريع التعاون الاقتصادي الجاري، ومعالجة الخلافات السياسية، والتعامل مع الاختلافات الإستراتيجية الشاملة، يمكن لنيبال الاستفادة من علاقاتها الثنائية مع الهند لتحقيق المكاسب التنموية التي تأملها.
ومع تطلع نيبال إلى إعادة بناء اقتصادها، واستعادة التوازن في علاقاتها الإقليمية، تصبح الهند شريكًا مهمًّا. فالهند هي أكبر شريك تجاري لنيبال، وأعلى استثمار أجنبي مباشر وسياحة. كما أن تعميق تعاون نيودلهي مع جارتها المباشرة، وتوجيه العلاقات نحو أفضل مصالحها أمر مفيد؛ لأن الدول الأخرى تتنافس على توسيع نفوذها في الجوار. للقيام بذلك، سيتعين على كاتماندو ونيودلهي إحراز تقدم ملموس في مجالات التعاون القائمة مثل الطاقة الكهرومائية، وحل المشكلات في علاقتهما الثنائية، بما في ذلك تجنيد جنود غوركا النيباليين في الجيش الهندي، والنزاعات الإقليمية، وتحديد سبل جديدة للتعاون لتعزيز العلاقات.
إن المياه تشكل أحد الأصول الإستراتيجية التي تمتلكها نيبال. وبوصفها من أسرع الاقتصادات نموًّا في العالم، فإن الهند لديها احتياجات ضخمة من الطاقة؛ ومن ثم فإن توليد الطاقة الكهرومائية يشكل مجالًا رئيسًا للتعاون المتبادل بين البلدين. وخلال الزيارة الأخيرة التي قامت بها وزيرة الخارجية النيبالية أرزو رانا ديوبا إلى نيودلهي، أعلن الجانبان أن الهند سوف تستورد (251) ميغاوات إضافية من الكهرباء من نيبال، وهو ما يعادل نحو (1000) ميغاوات من إجمالي تدفقات الكهرباء من نيبال إلى الهند. والمشروعان الرئيسان المشتركان للطاقة الكهرومائية بين البلدين هما مشروع أرون 3 بقدرة (900) ميغاوات، ومشروع كارنالي بقدرة (900) ميغاوات.
وبالإضافة إلى ذلك، وقعت الدولتان مذكرة تفاهم لتطوير مشروع فوكوت- كارنالي بقدرة (480) ميغاوات، ودخلتا في اتفاقية لتطوير الطاقة لبناء مشروعات الطاقة الكهرومائية في أرون بقدرة (669) ميغاوات. ومع ذلك، فإن كثيرًا من هذه المشروعات تعاني التأخير. الواقع أن مشروع بانشيشوار المتعدد الأغراض ظل معلقًا عقودًا من الزمان بسبب الخلافات بين الجانبين بشأن طرق التنفيذ. ويتعين على كاتماندو التحقيق في التأخير في هذه المشروعات والتصرف بشأنها، وإعطاء الأولوية لإكمالها، وخاصة أن الهند قد لا تكون لديها الرغبة في شراء الكهرباء من نيبال في الأمد البعيد بسبب تركيزها المتزايد على الطاقة الشمسية محليًّا. ويتمثل تحدٍّ آخر في عزل المشروعات عن التأثير الجيوسياسي -على سبيل المثال، أعربت الهند عن مخاوفها بشأن شراء الكهرباء المنتجة من مشروعات الطاقة الكهرومائية النيبالية التي تتمتع باستثمارات صينية مباشرة.
إن أحد رموز الروابط التاريخية بين الهند ونيبال هو أن المواطنين النيباليين يخدمون في الجيش الهندي. ومع ذلك، فإن تجنيد هؤلاء الجنود النيباليين من قبيلة غوركا في الجيش من خلال مخطط أجنيباث الجديد توقف منذ عام 2022. وقد عارضت نيبال الأحكام الجديدة التي من شأنها أن تؤدي إلى تقصير مسيرة الجندي المهنية، مما يزيد تعقيد سيناريو البطالة الشديد بالفعل في البلاد. كما تشك نيبال في أن الجنود المتقاعدين مبكرًا قد يكونون عرضة للإغراء من جهات فاعلة غير حكومية. تريد كاتماندو أن يتم التجنيد وفقًا للأحكام المنصوص عليها في اتفاقية الثلاثية لعام 1947 بين الهند ونيبال والمملكة المتحدة.
منذ عام 2020، انخرطت نيبال والهند في خلاف يتعلق بأراضي كالاباني وليبوليك وليمبيادورا. ونشرت نيبال خريطة سياسية تحتوي على هذه الأراضي ردًا على نشر الهند خريطة جديدة عام 2019 توضح أن كالاباني من أراضيها، وكذلك افتتاحها طريقًا يربط ليبوليك بالتبت في عام 2020. هذه المناطق الإستراتيجية، التي تشمل تقاطع نيبال والهند والصين، تخضع للسيطرة الهندية، ولكن نيبال تطالب بها باعتبارها ملكًا لها.
وبينما تتطلع نيبال والهند إلى إعادة بناء علاقتهما، فإن السياحة قد تكون مجالا ناضجًا لتعزيز التعاون؛ فالسياحة قطاع رئيس في نيبال، حيث تسهم بنحو (7%) من الناتج المحلي الإجمالي، وقد يكون عدد سكان الهند الضخم هدفًا مثاليًّا للسياحة. ونظرًا إلى أن البلدين يشتركان في رابطة ثقافية وثيقة، فإن نيبال قادرة على بذل مزيد من الجهود لجذب الهنود من خلال تطوير المواقع الثقافية والدينية الرئيسة في جميع مقاطعاتها السبع. وفي هذا الصدد، تحتاج كاتماندو أيضًا إلى الضغط على نيودلهي على نحو أكثر صرامة للتخفيف من ترددها في فتح طرق جوية جديدة.
يتعين على كاتماندو ونيودلهي معالجة بعض التحديات الشاملة لعلاقتهما الناجمة عن الخيارات الإستراتيجية والأيديولوجية لكل جانب. فمن ناحية، تهدد السياسة الداخلية غير المتوقعة وغير المستقرة في نيبال بالتأثير في أهداف سياستها الخارجية؛ فقد خدمت حكومات متعددة تتألف من تشكيلات مختلفة من الأحزاب في البلاد منذ ديسمبر (كانون الأول) 2022. ويؤدي عدم الاستقرار السياسي إلى إعاقة التقدم، حيث قد تعيد الحكومات الجديدة ذات التوجهات الأيديولوجية المختلفة تقييم التعاون القائم، في حين يساعد الاستقرار السياسي على النمو الاقتصادي. ولضمان تحصين العلاقات الإقليمية لنيبال ضد تقلبات الاضطرابات الداخلية، ينبغي للأحزاب السياسية النيبالية أن تتوصل إلى إجماع بشأن السياسة الخارجية للبلاد، وهذا من شأنه أن يضمن قدرة البلاد على تحقيق رؤيتها الاقتصادية، وسياستها الخارجية، بما في ذلك التفاوض على القضايا السياسية والتنموية والتجارية مع الهند، على الرغم من التغيير في الحكومات.
وعلى الجانب الهندي، يتعين على نيودلهي أن تستثمر بجدية في تحسين صورتها في نيبال بوصفها جارة “متدخلة”، ولا يزال دورها في الضغط على الحكومة النيبالية والأحزاب السياسية لمنع إقرار دستور نيبال في عام 2015، والحصار الاقتصادي الذي فرضته على البلاد بعد ذلك، حاضرًا في الذاكرة العامة النيبالية. كما يجب أن يكون هناك احترام متبادل في علاقات الهند مع نيبال، مع كونها الجارة الأكبر والأكثر قوة والأكثر ثراءً، وهذا من شأنه أن يساعد تدريجيًّا في تعزيز صورتها في الدولة الواقعة في جبال الهيمالايا.
من الناحية الجيوسياسية، اتبعت نيبال تاريخيًّا سياسة عدم الانحياز للحفاظ على سيادتها واستقلالها، وهذا يفسر علاقاتها الودية مع كل من الهند والصين. على سبيل المثال، تعد نيبال جزءًا من مبادرة الحزام والطريق الصينية. ومع ذلك، فإن الأحزاب السياسية المختلفة في نيبال لديها وجهات نظر مختلفة بشأن الهند والصين، مما قد يؤدي إلى الاقتراب على نحو مفرط من أحد الشريكين، وتعقيد العلاقات مع الآخر. يجب على نيبال أن تضمن ألا تأتي علاقاتها مع الصين على حساب العلاقات مع الهند والعكس. وسيكون الحفاظ على هذا التوازن الدقيق ضروريًّا لتحقيق أهدافها التنموية والاقتصادية.
إن التحديات المحتملة في الأمد القريب قد تشكل ديناميكيات التعامل بين “مودي” و”أولي”، فخلافًا للهند، حيث تولى “مودي” القيادة عشر سنوات بالفعل، كان منصب رئيس الوزراء في نيبال أشبه بلعبة الكراسي الموسيقية؛ فقد اتهم “أولي” الهند بمحاولة الإطاحة به من السلطة في المرة الأخيرة التي تولى فيها منصبه. ولكن مع وضع الأهداف المحلية لنيبال في الحسبان، فمن الأفضل لـ”أولي” أن يتعاون مع “مودي”، ويمضي قدمًا بعيدًا عن الماضي، مستخدمًا الزيارات المتبادلة على مستوى رؤساء الوزراء لتسوية أي مشكلات. وعلى الجانب الهندي، فإن العامل الذي ينبغي مراقبته هو ما إذا كان وضع حزب بهاراتيا جاناتا ومودي داخل الحكومة الائتلافية سيؤثر في السياسة الخارجية الهندية أم لا، وخاصة تجاه نيبال.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.