تقدير موقف

العلاقات النيبالية- الصينية.. تعاون رابح لكل الأطراف


  • 25 مارس 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: orfonline

قام رئيس الوزراء النيبالي “كيه بي شارما أولي” بزيارة رسمية إلى الصين، وهي أول زيارة ثنائية له إلى الخارج بعد توليه منصب رئيس الوزراء للمرة الرابعة. وقد حظيت زيارة “أولي” إلى بكين بأهمية شديدة؛ لأنها كسرت التقليد الراسخ الذي مارسه رؤساء الوزراء النيباليون بزيارة الهند أولًا، كما أنه وقع اتفاقية إستراتيجية مهمة مع الصين لتعزيز مبادرة “الحزام والطريق”. ويأتي قرار “أولي” زيارة الصين في سياق التعاون المتنامي بين بكين وكاتماندو في كثير من القطاعات السياسية، والاقتصادية، والثقافية.

خلال زيارة “أولي”، وقعت الدولتان اتفاقية إطارية بشأن مبادرة “الحزام والطريق”، التي أشاد بها القادة في كلا البلدين بوصفها علامة فارقة في التعاون الثنائي. وبينما انضمت نيبال رسميًّا إلى مبادرة “الحزام والطريق” في عام 2017، فإن هذه الاتفاقية الجديدة تحدد (10) مشروعات ستُنفذ في إطار المبادرة، وتحدد طرق التمويل. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذا الإجماع الثنائي بين الصين ونيبال، لا تزال مبادرة “الحزام والطريق” تقسم السياسة الوطنية النيبالية بشأن قضية الديون والقدرة على السداد. وفي أعقاب توقيع الاتفاقية، احتج عليها كثير من قادة حزب المؤتمر النيبالي الحاكم؛ بحجة أنها تتعارض مع سياسة الحزب المتمثلة في عدم قبول أي قروض لتنفيذ مشروعات مبادرة “الحزام والطريق”. ومن ناحية أخرى، دعمت الأحزاب الشيوعية في البلاد اتفاقية إطار مبادرة “الحزام والطريق”؛ بحجة أنها ستوفر فوائد اقتصادية لنيبال.

إن التوترات بشأن مبادرة “الحزام والطريق” ترجع إلى بعض الاختلافات الأيديولوجية بين الأحزاب السياسية في نيبال بشأن رؤاهم للسياسة الخارجية النيبالية، وخاصة مواقفهم تجاه الصين. قبل عام 2008، عندما أُلغي النظام الملكي الذي حكم نيبال فترة طويلة، رأت بكين أن النظام الملكي شريك مؤسسي موثوق به في معالجة مخاوفها الأمنية. في أعقاب إلغاء النظام الملكي، اتخذت الأحزاب السياسية في نيبال مواقف متناقضة بشأن القضايا المتعلقة ببكين. في سبتمبر (أيلول) 2020، على سبيل المثال، عندما ظهرت تقارير تفيد بأن الصين شيّدت البنية التحتية على الأراضي التي تطالب بها نيبال، أصدرت الحكومة النيبالية التي يقودها الشيوعيون آنذاك بيانًا على الفور يفيد بعدم وجود نزاعات حدودية مع الصين. ومع ذلك، في العام التالي، اتخذت حكومة جديدة بقيادة زعيم حزب المؤتمر النيبالي “شير بهادور ديوبا” موقفًا أقوى بشأن النزاع. كما تجلت هذه الاختلافات الحزبية في كيفية تعامل الأحزاب السياسية النيبالية المختلفة مع أنشطة المجتمع التبتي في نيبال، ومواقفها من مبادرة “الحزام والطريق”.

وعلى ما يبدو استجابة لهذه المواقف الأيديولوجية، عملت الصين على جمع الأحزاب الشيوعية المتعددة في البلاد لتشكيل تحالف قوي، وتأمين مصالحها. وقد تضمن هذا الجهد كثيرًا من التفاعلات والزيارات بين الأحزاب الشيوعية في البلدان لتبادل الدروس بشأن قضايا مثل حوكمة الحزب، والإدارة الحكومية. ويبدو أن مثل هذه التبادلات شجعت بدورها الأحزاب الشيوعية في نيبال على تعزيز التحالف الوثيق مع الصين. ولم يقتصر التعاون السياسي بين البلدين على الحوار على المستوى الحزبي؛ بل كانت هناك أيضًا مبادرات تعاون بين البرلمانين والهيئات القضائية في البلدين، بما في ذلك من خلال مجموعة الصداقة البرلمانية لتعزيز التبادلات الثنائية.

وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، عززت الصين أيضًا الروابط الثقافية مع نيبال في مجالات متعددة. وعلى وجه الخصوص، تنظر الصين إلى اللغة باعتبارها عائقًا رئيسًا أمام توسيع نفوذها في نيبال؛ ولذلك فهي تركز على توفير فرص الوصول إلى دورات اللغة الصينية في البلاد. وخلال زيارة “أولي” الأخيرة للصين، وقعت الدولتان مذكرة تفاهم لتعيين مدرسين متطوعين للغة الماندرين في نظام المدارس العامة في نيبال. بالإضافة إلى ذلك، تعمل الصين أيضًا على الترويج لأفلامها وفنونها وثقافتها في نيبال من خلال وسائل مختلفة. على سبيل المثال، في التاسع من يناير (كانون الثاني) من هذا العام، احتفلت نيبال بيوم الفيلم الصيني الأول لتعزيز التبادل الثقافي بين صناعتي السينما النيبالية والصينية. كما وصل الانخراط في مجال التعليم إلى آفاق جديدة في السنوات الأخيرة، فقد وقعت جامعات صينية مختلفة مذكرات تفاهم مع جامعات رئيسة في نيبال، مثل جامعة تريبهوفان، وجامعة السنسكريتية، وجامعة لومبيني البوذية . وبالمثل، زادت الصين أيضًا المنح الحكومية للطلاب النيباليين.

تقليديًّا، كانت الولايات المتحدة واليابان من اللاعبين المهمين في القطاع الزراعي في نيبال، ولكن في السنوات الأخيرة، كثفت الصين مشاركتها مع نيبال في هذا القطاع. وصدرت نيبال بعض الخضراوات إلى قطر بدعم من مؤسسة الصين للتنمية الريفية. وعلى نحو منفصل، عرضت الصين أيضًا المساعدة في بناء مصنع للأسمدة الكيماوية في نيبال في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، وهي مبادرة رئيسة كانت قيد المناقشة في البلاد منذ ما يصل إلى أربعة عقود. إذا نجح هذا المشروع فسيساعد كثيرًا على تعزيز الاكتفاء الذاتي الاقتصادي في نيبال؛ إذ تستورد حاليًا أسمدة بما يقرب من (300) مليون دولار أمريكي كل عام.

ومن شأن هذا الاستثمار الصيني أن يشكل دفعة كبيرة؛ لأن الزراعة تظل ركيزة أساسية للاقتصاد النيبالي، إذ تسهم بنحو (24%) من الناتج المحلي الإجمالي، وتوظف (61%) من القوى العاملة. ومع ذلك، تستورد نيبال كثيرًا من غذائها، وخاصة من الهند، وتستمر واردات الغذاء في الزيادة باستمرار. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أثر تغير المناخ في إنتاجية قطاع الزراعة في نيبال بسبب الجفاف المطول، والفيضانات، والانهيارات الأرضية. ومن الممكن أن تساعد الاستثمارات والتكنولوجيا الصينية على مواجهة بعض هذه التحديات.

تاريخيًّا، كانت الهند أقرب شريك تنموي إلى نيبال، لكن نفوذ الصين في البلاد نما بسرعة في السنوات الأخيرة. وتظل نيبال ساحة معركة للنفوذ بين الهند والصين والولايات المتحدة إلى حد ما؛ بسبب موقعها الجغرافي في جنوب آسيا، وهي على استعداد للاستفادة من كل هذه الأطراف. وفي ظل هذه الظروف، يتعين على الحكومة والأحزاب السياسية في نيبال أن تتعامل مع السياسة الخارجية بنظرة واضحة وعملية، تهدف إلى استخدام هذه المنافسة الجيوسياسية المتنامية من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في نيبال.

وبسبب موقعها الجغرافي، أصبحت نيبال الآن عالقة بين ثلاث قوى كبرى تتنافس على النفوذ، وهي الصين، والهند، والولايات المتحدة. ويتعين على كاتماندو أن تتعامل بحذر في علاقاتها الثنائية مع كل من هذه القوى؛ لأن مصالحها تكمن في إشراك كل هذه القوى. وفي حين تتلقى نيبال المساعدة والاستثمار من هذه القوى الثلاث، كانت الهند تقليديًّا الشريك الأكثر نفوذًا. وبدءًا من منتصف يوليو (تموز) 2023، من حيث إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في نيبال، تحتل الهند المرتبة الأولى بحيازات تبلغ (750) مليون دولار أمريكي، تليها الصين بحصة (260) مليون دولار أمريكي. وعلى نحو مماثل، من بين مليار دولار أمريكي تدين بها نيبال للدائنين الثنائيين، تمثل اليابان والهند معًا أكثر من (700) مليون دولار أمريكي، وتحتل الصين المرتبة الثالثة. كما تدعم الولايات المتحدة نيبال من خلال المساعدات الإنسانية، وبرامج الحد من الفقر، والمبادرات الرامية إلى تعزيز الحكم الديمقراطي، وتعزيز الفرص الاقتصادية، ومكافحة تغير المناخ.

وفي هذا السياق، يشكل الانخراط المتزايد مع الصين تطورًا إيجابيًّا لنيبال؛ لأنه لا يجلب الأموال والتكنولوجيا والمعرفة الصينية فحسب؛ بل يساعد أيضًا على تنويع شركاء كاتماندو. والواقع أن تنويع الشركاء التجاريين كان المحرك وراء اتفاقية العبور الموقعة مع الصين في عام 2016، وهي من الجهود المبكرة التي بذلها “أولي” للحد من الاعتماد على الهند من خلال التحول إلى الصين. وفي إطار مبادرة “الحزام والطريق”، تحث الصين نيبال بالفعل على اختيار المشروعات الصغيرة بدلًا من المشروعات الكبيرة، وتعمل نيبال والصين الآن على وضع خطة مدتها خمس سنوات لمشروعات التنمية الصغيرة في المناطق الحدودية مع الصين. وستكون هذه المشروعات مماثلة لمشروعات التنمية الصغيرة التي تُنفذ بالفعل مع الهند. وعلى هذا، فإن نيبال تستطيع أن تحقق مكاسب كبيرة من خلال إقامة علاقات متوازنة مع الصين، وهي العلاقات التي لا تعرض علاقاتها مع الهند أو الولايات المتحدة للخطر. وإذا تمكنت الحكومة النيبالية والأحزاب السياسية في البلاد من إعداد خريطة طريق واضحة للتعامل مع القوى الكبرى الثلاث، فإن المنافسة المتزايدة بينها سوف تكون قادرة على الاستفادة منها في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في نيبال.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع