مقالات المركز

العلاقات الروسية الهندية


  • 16 يوليو 2024

شارك الموضوع

تتميز العلاقات الروسية الهندية بخصوصية فريدة تعود جذورها إلى فترة الاتحاد السوفيتي، وتشكل جزءًا من التحولات الجيوسياسية التي تسعى إلى تحقيق عالم متعدد الأقطاب، بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية الاقتصادية والسياسية التي تتجلى عبر الدولار الأمريكي، وقضايا أخرى محددة. كان الاتحاد السوفيتي من أوائل الدول التي دعمت استقلال الهند عند تأسيسها كدولة ذات سيادة، وفي غضون سنوات قليلة أصبحت موسكو الشريك الأساسي للهند في تطوير علاقاتها الثنائية، واستمرت روسيا في الاضطلاع بدور محوري في هذا السياق حتى اليوم. أحد أبرز الأمثلة على قوة العلاقات الروسية الهندية هو إرسال أول رائد فضاء هندي إلى الفضاء على متن مركبة سوفيتية، حيث لم يكن هذا الإنجاز مجرد دليل على التعاون الفضائي بين البلدين؛ بل أكد قوة العلاقات الثنائية التي تتجاوز التوقعات. تتجلى العلاقات الروسية الهندية في مجالات عدة، منها الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، ويشمل التعاون الاقتصادي بين البلدين مجالات الطاقة والتكنولوجيا؛ مما يعزز مكانة هذه العلاقات بوصفها عاملًا إستراتيجيًّا في تشكيل مستقبل النظام الدولي.

تحتل العلاقات الروسية الهندية مكانة مميزة في سياق النظام العالمي المتعدد الأقطاب، وتعزيز التعاون بين موسكو ونيودلهي يعد جزءًا من التحولات الجيوسياسية التي تهدف إلى تقليل الهيمنة الأمريكية. وتعد الهند وروسيا شريكين إستراتيجيين يسعيان إلى تعزيز علاقاتهما الثنائية في مجالات متنوعة، مثل الاقتصاد، والطاقة، والدفاع، والتكنولوجيا. هذا التعاون الثنائي لا يعزز العلاقات بين البلدين فقط؛ ولكنه يسهم أيضًا في إعادة تشكيل النظام العالمي على نحو أكثر توازنًا وعدالة.

التحليل الإستراتيجي للعلاقات المستقبلية

تعد الهند قوة صاعدة وركيزة أساسية في النظام الدولي المتعدد الأقطاب، وقد ارتفعت أهميتها لروسيا، خاصة بعد تدهور العلاقات بين موسكو والغرب. يقدر القادة الروس موقف الهند المستقل والمتوازن في القضايا الدولية، وجهودها المستمرة لحل الأزمات بطرق دبلوماسية. يشكل التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا العالية جزءًا رئيسًا من العلاقة، حيث يسعى البلدان إلى تطوير مشروعات مشتركة تعزز قدراتهما في هذه المجالات الحيوية. ومن الأمثلة على ذلك التعاون في مجال الطاقة النووية، والتكنولوجيا الفضائية، وهو ما يعكس عمق العلاقات الثنائية.

تحليل اتفاقيات التعاون

تشمل الاتفاقيات بين روسيا والهند مجموعة واسعة من المجالات، أبرزها التعاون في مجال الطاقة النووية، وتطوير التكنولوجيا العالية. على سبيل المثال، هناك اتفاقيات لتطوير مشروعات مشتركة في مجال الطاقة النووية السلمية، وهو ما يسهم في تعزيز أمن الطاقة لكلا البلدين. كما أن هناك تعاونًا في مجال الفضاء، حيث أرسلت روسيا أول رائد فضاء هندي إلى الفضاء، مما يعكس عمق التعاون العلمي والتكنولوجي بين البلدين. هذه الاتفاقيات تعكس التزام البلدين بتعزيز شراكتهما الإستراتيجية، وتطوير علاقاتهما في مجالات حيوية.

التحليل الاقتصادي

تعد الهند أحد أكبر شركاء روسيا التجاريين في آسيا، حيث تشمل التجارة بين البلدين مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات. ورغم التحديات التي تواجه التجارة العالمية، مثل العقوبات الاقتصادية، والتوترات الجيوسياسية، فإن التجارة بين روسيا والهند شهدت نموًّا ملحوظًا. يتمثل التحدي الرئيس في العقوبات الغربية على روسيا، التي تؤثر في التجارة بين البلدين، لكن الجهود المستمرة لتطوير آليات دفع بديلة، والتجارة بالعملات المحلية تسهم في التغلب على هذه التحديات. بالإضافة إلى ذلك، يسعى البلدان إلى تعزيز تعاونهما في مجالات التكنولوجيا العالية، والصناعات الدفاعية؛ مما يعزز من قدراتهما الاقتصادية.

الوضع السياسي الحالي

في سياق التوترات الجيوسياسية الراهنة، تحتفظ الهند وروسيا بعلاقات مستقرة ومتميزة. رفضت الهند الانضمام إلى العقوبات على روسيا، وأكدت استعدادها لمواصلة الحوار، وتعزيز التعاون. يقدر القادة الروس موقف الهند المستقل والمتوازن في القضايا الدولية، ويعمل البلدان على تعزيز علاقاتهما الثنائية في مختلف المجالات. يعد التعاون في مجالات الدفاع والطاقة والتكنولوجيا العالية جزءًا رئيسًا من العلاقة، حيث يسعى البلدان إلى تطوير مشروعات مشتركة تعزز قدراتهما في هذه المجالات الحيوية.

زيارة مودي إلى موسكو

رحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في مقر إقامته في نوفو أوغاريوفو خارج موسكو خلال زيارة مودي الأخيرة إلى موسكو، وذلك قبل المحادثات الرسمية في الكرملين. لدى استقباله مودي، عانقه بوتين، ورحب به “صديقًا عزيزًا”، قائلًا إنه “سعيد جدًّا” برؤيته، وذلك حسبما نقلت وكالة رويترز عن وكالة تاس الروسية. ونقلت تاس عن بوتين قوله “محادثاتنا الرسمية ستعقد غدًا، ويمكننا اليوم في هذه الأجواء المريحة والهادئة مناقشة القضايا نفسها، ولكن على نحو غير رسمي”. وخلال اللقاء، قدم بوتين الشاي والفواكه والحلويات لمودي، ورافقه في جولة بالأراضي المحيطة بمقر إقامته في عربة صغيرة. كما زار بوتين ومودي الإسطبل الملحق بمقر إقامة الرئيس، وشاهدا عرضًا للخيول، بحسب وكالات الأنباء الروسية الرسمية. وتأتي زيارة مودي إلى موسكو وسط مخاوف أعربت عنها وزارة الخارجية الأمريكية بشأن علاقة الهند مع روسيا في ضوء الحرب الروسية في أوكرانيا.

رفضت نيودلهي إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا إدانة صريحة، واختارت بدلًا من ذلك التركيز على الحوار والدبلوماسية. ومن بين أهم أولويات مودي خلال زيارته لموسكو إصلاح الاختلالات التجارية للهند مع روسيا، وإطلاق سراح الهنود الذين شاركوا في القتال خلال الحرب في أوكرانيا. وقد زادت الهند مشترياتها من النفط الروسي الرخيص إلى مستويات قياسية؛ مما يعكس العلاقات الوثيقة بين البلدين منذ الحقبة السوفيتية.

توجت هذه الزيارة بإعلان برنامج ثنائي حتى عام 2030، يشمل تعزيز التعاون في مجالات الصناعة، والتجارة، والزراعة، والغذاء، والطاقة، والتكنولوجيا الفائقة، والتوقيع على اتفاقية مع صندوق الاستثمار المباشر بشأن البرامج التعليمية، والاعتراف بمؤهلات المتخصصين. كما اتُّفِقَ على تحفيز الإنتاج المشترك في الهند لقطع الغيار اللازمة لصيانة الأسلحة الروسية الصنع، والتعاون في تطوير محركات الصواريخ وإنتاجها واستخدامها.

ومع أن تعزيز العلاقات الثنائية المتعددة الأوجه بين موسكو ونيودلهي شكّل الصبغة الأساسية للقمة، فإن عددًا من المراقبين الروس شددوا على أنها حملت رسائل سياسية بالغة الأهمية. وبرأي محلل الشؤون الدولية ديمتري بابيتش، فإن هذه القمة تُعد انهيارًا لآمال الولايات المتحدة في أن يصبح الصراع مع أوكرانيا سببًا لتفاقم العلاقات بين روسيا والهند. في حديثه إلى “الجزيرة نت”، قال بابيتش إن الأمر الأكثر إثارة للخوف للأمريكيين هو وجود دليل إضافي على أن سياسة “فرّق تسد” التي استعاروها من البريطانيين أصبحت تعمل بشكل أقل، وإن نفوذ واشنطن- التي كانت ذات يوم القوة المهيمنة الوحيدة- يتراجع باستمرار.

الهند أكدت للعالم- من خلال هذه القمة ونتائجها- أن علاقتها مع روسيا مهمة جدًّا، خاصة أنها حجر الزاوية في السياسة الخارجية والنظرة الهندية للجغرافيا السياسية العالمية. من جانبه، قال مدير مركز التنبؤات السياسية دينيس كركودينوف- للجزيرة نت- إن موسكو مهتمة بإظهار استقلال سياستها الخارجية عن بكين؛ لأن الحديث عن “جريها” وراء المصالح الصينية أصبح منتشرًا على نطاق عريض في الغرب، ومن الطبيعي أن يكون الكرملين منزعجًا من هذا الأمر.

زيارة رئيس وزراء الهند، التي لها تاريخ طويل من العلاقات المعقدة مع الصين، هي أفضل وسيلة لإثبات عدم التبعية من الجانبين، سواء من روسيا للصين أو الهند للغرب، مشيرًا إلى أن نيودلهي لا تطلب الإذن من أحد بشأن كيفية التصرف على الساحة الدولية، “وهذا أمر نادر في عصرنا”. ولفت المتحدث إلى أن القمة تصب كذلك باتجاه توفير خريطة طريق، وتخطيط إستراتيجي روسي هندي، يمنح قوة إضافية لقمة “بريكس” التي ستُعقد في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل في قازان.

الاستنتاجات

تعد العلاقات الروسية الهندية شراكة إستراتيجية متعددة الأبعاد تعود جذورها إلى فترة الاتحاد السوفيتي، وتشمل التعاون في مجالات الدفاع والطاقة والتكنولوجيا. تعزز هذه العلاقات من مكانة البلدين على الساحة الدولية، وتسهم في تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب. زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى موسكو تأتي في سياق تعزيز هذه الشراكة رغم التحديات الدولية. من بين التحديات الرئيسة التي تواجه العلاقة بين البلدين العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، التي تؤثر في التجارة بين البلدين، وتدفعهما إلى تطوير آليات دفع بديلة، والتجارة بالعملات المحلية لتجاوز هذه العقبات.

في السياق الجيوسياسي، تضطلع الهند وروسيا بدور حيوي في تحقيق التوازن في النظام الدولي. تعزز علاقاتهما المتينة استقلال السياسة الخارجية لكل من الهند وروسيا عن التأثيرات الخارجية، خاصة في ظل التوترات مع الغرب والصين. ويأتي تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين في وقت تسعى فيه الهند إلى تقليل اعتمادها على الأسلحة الروسية من خلال تطوير صناعتها الدفاعية الخاصة، مما يسهم في تعزيز قدراتها العسكرية والاقتصادية.

كما أن العلاقات الهندية الروسية تسهم في تحقيق نظام عالمي أكثر توازنًا وعدالة من خلال تعاونهما في المنظمات الدولية، مثل بريكس، ومنظمة شانغهاي للتعاون؛ مما يعكس التزامهما بتعزيز التعاون الدولي، وتحقيق الاستقرار العالمي. زيارة مودي إلى موسكو تبرز أهمية هذه العلاقات، وتشدد على استمرار التعاون الوثيق بين البلدين في مواجهة التحديات الدولية، وتطوير شراكتهما الإستراتيجية لتحقيق أهدافهما المشتركة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع