تقدير موقف

العلاقات الروسية الإيرانية.. شراكة طويلة أم تقارب مرحلي؟


  • 1 يناير 2024

شارك الموضوع

استدعت إيران- السبت الماضي- سفير روسيا لديها، وسلمته رسالة إلى موسكو، تضمنت احتجاجًا على ما جاء في البيان الختامي للقمة العربية الروسية، التي انعقدت في مدينة مراكش المغربية، حيث دعا البيان إلى حل سلمي للنزاع بين إيران والإمارات بشأن الجزر المتنازع عليها في منطقة الخليج العربي، وهذا التصعيد الإيراني ضد روسيا هو الثاني في أقل من خمسة أشهر، وذلك بخصوص الأمر نفسه.

وباعتبار التعاون والتقارب الحادث بين إيران وروسيا، يستغرب هذا التصرف الإيراني، وهذا التصعيد الذي بلغ مبلغ استدعاء السفير الروسي.

ولكن بالنظر إلى العلاقات الإيرانية الروسية من قبل بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، سيظهر جليًّا أن هذا التصعيد ليس بدعًا ولا استثناء، وإنما التقارب بين الدولتين هو الاستثناء.

تهميش روسي للرؤساء الإيرانيين

للرئيس الروسي فلاديمير بوتين أسلوبه في إرسال الرسائل والكشف عن المواقف، وأسلوبه مع الرؤساء الإيرانيين، حين يزورون موسكو، يدل على أن العلاقات الروسية الإيرانية لم تكن على وفاق، وأن الطرفين كانا على غير سواء في تعاملهما مع الأحداث.

ومن هذه الأساليب التي كان الرئيس بوتين يعمد إليها للكشف عن رأيه في إيران، ما فعله مع الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، حين عمد بوتين إلى عدم استقباله، وترك ذلك للموظفين، وتكرر الأمر مع الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، حيث تركه ينتظر طويلًا،  ثم استقبله على طاولة كبيرة طويلة يجلس كل واحد منهما على أحد طرفيها، وقد تناولت صحف كثيرة آنذاك ذلك التصرف.

وفي الأشهر الأولى لبداية الحرب الروسية الأوكرانية، زار وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إلى إيران، وبعيدًا عما نتج عن تلك الزيارة، وما تولد عنها، ومدى نجاحها وتوافق أطرافها، بعيدًا عن كل هذا وغيره مما يدور في فلكه، فإن الذي أثارني ولفت انتباهي هو ما فعله الشخص المكلف بالبروتوكول، وهو يرافق وزير خارجية روسيا الاتحادية ليقدمه إلى الرئيس الإيراني إبراهيم  رئيسي، حيث إن الشخص المكلف بتطبيق البروتوكول أشار بيده إلى الموضع الذي لا يجب على الوزير الروسي تجاوزه حفاظًا على مسافة الأمان بينه وبين الرئيس الإيراني، وفي هذا إهانة لروسيا، ووزير خارجيتها.

وهذا التصرف لا علاقة له بتدابير كورونا، وإلا لطبق البروتوكول نفسه مع رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، في زيارته بعد أيام من زيارة لابروف لإيران؛ وإنما كان هذا التصرف ردة فعل عما صدر من الرئيس الروسي تجاه حسن روحاني وإبراهيم رئيسي حين زارا روسيا، كما أشرنا في الذي سلف من هذا المقال.

وهذه التصرفات من كل واحد من الطرفين تجاه الآخر، إنما تدل على عمق الخلاف بينهما، وتباعد وجهات نظرهما، حيث يعمد كل منهما إلى إهانة الآخر، والحض من قدره، والتقليل من قيمته.

الضرورة المحوجة

عملت الحرب الروسية الأوكرانية على تغيير الكثير على الساحة الدولية، فتقاربت أطراف وتباعدت أخرى، وتقوت علاقات وضعفت أخرى، ولو على مستوى ظاهر الأمور، وقد حملت الضرورة المحوجة والمصلحة الحاضرة على حدوث تقارب روسي إيراني، على الرغم من الخلافات العميقة بينهما، فلولا الضرورة المحوجة، التي فرضتها الحرب، لم تكن العلاقات الثنائية بينهما لتتقوى، فحاجة روسيا إلى أسواق جديدة تهرب بها من الحصار المفروض عليها، وحاجة إيران إلى ورقة ضغط تلعب بها أمام الغرب، أدتا إلى هذا التقارب الذي لولاهما لما حدث أي تقارب بين الطرفين؛ نظرًا إلى عمق الخلاف، وطول مدته، وهذا ما يفسر تعمد إيران التصعيد مع روسيا كلما سنحت الفرصة، إلى درجة استدعاء السفير، والاحتجاج.

استنتاج

إن الخلافات الروسية الإيرانية، والتصعيد الإيراني، ليس وليد لحظة؛ وإنما هو ضارب في العمق، وإنما توارى عن الأنظار للضرورة المحوجة التي دعت إليها الحرب الروسية الأوكرانية، والحاجة الملحة التي فرضتها الأحداث الدولية والتغيرات، وهذا التقارب لا يرقى أن يكون تقاربًا إستراتيجيًّا، وإنما هو تقارب مرحلي، تفرضه الظروف، ولن يدوم طويلًا.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع