في مقابلة أُعدت خصيصًا لبرنامج “المراجعة الدولية“، على قناة “روسيا 24″ الفضائية، استضاف فيودور لوكيانوف، الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، وطرح عليه عدة أسئلة عن وجهة النظر الفلسطينية تجاه الحرب الحالية، لكي يعرفها المشاهد الروسي.
يقول المحاورون الإسرائيليون إن الأحداث التي تجري اليوم في الشرق الأوسط تشكل تهديدًا وجوديًّا لإسرائيل والشعب اليهودي. ما الحالة المزاجية في المجتمع الفلسطيني؟
في رأيي، يجب أن نتحدث عن وجود تهديد وجودي حقيقي اليوم فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني، وخاصة سكان قطاع غزة. وقد أعلن وزير شؤون التراث الإسرائيلي مؤخرًا أن إسرائيل تمتلك مئتي قنبلة نووية، بل اقترح إسقاط إحداها على قطاع غزة.
إن ما يحدث في غزة اليوم مروع، وغير مقبول. منذ أكثر من شهر، يتعرض قطاع غزة لقصف جوي ومدفعي من جانب الجيش الإسرائيلي، ولا يوجد لدى السكان ما يدافعون به عن أنفسهم. لقد أدت الإجراءات الإسرائيلية إلى مقتل 10.322 فلسطينيًّا، من بينهم 6.000 طفل، و2.300 امرأة. ما يحدث في قطاع غزة يتحدى أي تفسير. لقد دمر الجيش الإسرائيلي أكثر من 50% من جميع المباني في غزة، وتعرضت المستشفيات، والجامعات، والمدارس للهجوم. على سبيل المثال، دُمِّرت 230 مدرسة، ولا يبدو أن هناك نهاية لكل هذا الدمار.
والآن يلوح في الأفق تهديد وجودي حقيقي للفلسطينيين، الذين يواجهون التطهير العرقي فيما يبدو تصميمًا من نتنياهو على إجبارهم على الخروج من قطاع غزة بالكامل. أعتقد أنه يتم اليوم ارتكاب ثلاث جرائم حرب ضد شعب غزة: يتعرض الفلسطينيون للإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ويعانون كل المصاعب والحرمان الناجم عن “العقاب الجماعي”. 2.3 مليون شخص لا يحصلون على الماء، أو الكهرباء، أو الوقود، أو الغذاء، أو الدواء. هناك سبعة عشر فريقًا طبيًّا في قطاع غزة، يروي العاملون فيها قصصًا مرعبة عن 130 طفلًا حديث الولادة في الحاضنات قد يموتون في أي لحظة بسبب انقطاع الكهرباء، وعن نساء يضطررن إلى الولادة في الشارع، وعن عمليات جراحية تتم دون تخدير.
بالطبع، أنا لا أقبل قتل أي مدني، سواء أكان إسرائيليًّا أم فلسطينيًّا، ولكن مجرد ملاحظة ما يحدث على الجانب الإسرائيلي، وعدم رؤية الفظائع التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية في غزة، أمر غير مقبول.
ما موقف الفلسطينيين من حماس؟ ومن الناحية الموضوعية، كانت حماس أول من بدأ بأعمال العنف، مما دفع إسرائيل إلى الرد. لقد تبين أنه ليس حماس وحدها هي التي تدفع ثمن هذه الهجمات؛ وإنما المدنيون الفلسطينيون كذلك.
إن إسرائيل لا تعاقب حماس وحدها؛ بل تعاقب الشعب الفلسطيني برمته، وخاصة سكان غزة. إن الحرب التي تشنها إسرائيل هي حرب ضد الناس، ضد السكان المدنيين. واسمحوا لي أن أؤكد- مرة أخرى- أنني لا أوافق على أي شكل من أشكال العنف ضد المدنيين، لكن تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يبدأ في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). في رأيي، كل ما نشهده اليوم هو نتيجة بقاء فلسطين تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي 56 عامًا (احتلال فلسطين هو أطول احتلال في التاريخ الحديث)، والتطهير العرقي الذي بدأ عام 1948، واستمر ما لا يقل عن 75 عامًا.
70% من سكان غزة هم من اللاجئين الذين شرّدتهم إسرائيل عام 1948، عندما سوّت القوات الإسرائيلية 520 قرية وبلدة فلسطينية بالأرض.
انظر فقط إلى مدى اختلاف الموقف تجاه ما يحدث في أوكرانيا وما تواجهه فلسطين اليوم. تلقت أوكرانيا مساعدات مالية وعسكرية بقيمة ضخمة بلغت 224 مليار دولار بحجة أن الشعب الأوكراني يقاتل المحتلين. وفي حالة التصعيد في الشرق الأوسط، زُوِّدَت إسرائيل على الفور بـ14 مليار دولار، أسلحة وسفنًا وحاملات طائرات- كل شيء من أجل دعم الاحتلال. يعلن الغرب أنه يعارض احتلال وضم الأراضي المحتلة في الصراع الروسي الأوكراني، ويسمح لنتنياهو بمصادرة أراضينا، التي يعترف الجميع في المجتمع الدولي بأنها محتلة. إن العالم كله يقول إن الاحتلال غير مقبول، ولكن لم يُبذَل أي جهد لمنع إسرائيل من ارتكاب الفظائع في غزة.
حرفيًّا، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في كلمته، إن ما يحدث في غزة غير مقبول. ومع ذلك، أصبح قطاع غزة مقبرة للأطفال. المستشفيات تتحول إلى مقابر والعالم يراقب بصمت، وتواصل الولايات المتحدة دعم إسرائيل بكل الموارد المتوافرة لديها.
هل يعتقد الفلسطينيون أن حماس، التي تعارض إسرائيل اليوم، تمثل مصالحهم وآراءهم؟
حماس جزء من البنية السياسية الفلسطينية. لاحظ أنه يجب التمييز بين النضال من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية والتحرر من الاحتلال الإسرائيلي ودعم حماس بوصفها قوة سياسية. كان من المفترض أن نجري انتخابات في عام 2021، وهو ما لم تسمح إسرائيل بإجرائه في نهاية المطاف. وبالمثل، رفضت “الدولة الديمقراطية الكبرى” الولايات المتحدة دعم الانتخابات في فلسطين. ولو جرت الانتخابات، بحسب استطلاعات الرأي العام، لما حصلت حماس ولا فتح على الأغلبية المطلقة، وسوف يُنشَأ ما يشبه الديمقراطية التعددية في فلسطين، حيث يكون للقوى السياسية الصغيرة صوت ومكان في النظام.
لكن الواقع هو أن إسرائيل وحلفاءها يمنعون إجراء أي انتخابات؛ لأنهم لا يريدون الوحدة الفلسطينية. إن المبدأ الاستعماري القديم المتمثل في “فَرّقْ تَسُد” قيد الاستخدام، وقد وصل الأمر إلى حد أنهم يريدون فرض الوضع الاستعماري عمليًّا على غزة، وفصلها مرة أخرى عن الضفة الغربية، وهذا أمر غير مقبول.
بالنظر إلى الصور المروعة لما يحدث، قد يظن المرء أن الحلول السياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي التي تناولناها سابقًا مستحيلة، أو غير قابلة للتطبيق في المستقبل. كيف ترى نتيجة الأحداث؟ ما نوع المخطط السياسي الذي يخدم مصالح الشعبين الفلسطيني واليهودي، والذي يمكن أن ينجح؟
لكي تجد حلًا؛ عليك أولًا الانتباه لسبب المشكلة. بصفتي طبيبًا، سأخبرك أن المريض يمكن أن يموت إذا نظرنا عند التشخيص إلى الأعراض فقط، متجاهلين سبب المرض. سبب المرض في حالة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. في عام 1948 ظهرت إسرائيل على خريطة العالم وفقًا لقرار الأمم المتحدة، وكان ينبغي أن تكون هناك دولة فلسطينية بجانب إسرائيل، لم يسمح لها، مع ذلك، بالوجود الكامل، واحتلت إسرائيل نصف الأراضي التي كان ينبغي أن تكون تابعة لفلسطين. وفي عام 1967، دخلت إسرائيل حربًا أخرى، واحتلت بقية فلسطين.
في رأيي أن هناك ثلاثة حلول للصراع يمكن أن تضع حدًّا للاحتلال الفلسطيني، والتطهير العرقي، ونظام الفصل العنصري:
أولًا: إنشاء دولتين، وهو أمر ليس من السهل تنفيذه بعد ثلاثين عامًا من وجود السكان اليهود في الضفة الغربية. وإذا تمكن المجتمع الدولي من إيجاد وسيلة للضغط على إسرائيل لحملها على نقل المستوطنات اليهودية، فقد يصبح حل الدولتين ممكنًا، وهذا من شأنه أن يكون أسهل طريقة.
ثانيًا: يمكن النظر في خيار وجود دولة واحدة يعيش فيها الشعبان اليهودي والفلسطيني بسلام، ويتمتعان بحقوق متساوية، كما كانت الحال قبل مجيء الحركة الصهيونية، واعتماد وعد بلفور الذي أصدره البريطانيون، وبموجبه أعطت القوة الاستعمارية قوة دافعة لتفاقم العلاقات بين اليهود والفلسطينيين.
أخيرًا: الطريق الثالث هو ما يحاول نتنياهو القيام به اليوم، وهو حل المشكلة الفلسطينية من خلال التطهير العرقي، وفي المقام الأول في قطاع غزة، وهذا حل فاشي حقيقي، ولن يؤدي إلى القضاء على المشكلة. وأؤكد لكم أننا نحن الفلسطينيين، خاصة بعد ما فعله الإسرائيليون في غزة، لن نقبل أبدًا أن نعيش مثل العبيد في ظل نظام الاحتلال الإسرائيلي.
ما رأيك في فكرة وضع غزة تحت الحماية الدولية، التي تحظى بشعبية كبيرة اليوم في الولايات المتحدة وأوروبا، ألا يمكن أن تكون حلًا للمشكلة؟
نحن لسنا بحاجة إلى حماية جديدة. لقد حاولوا بالفعل تنفيذ فكرة مماثلة عام 1917، عندما جاءت بريطانيا العظمى إلى المنطقة، بصفتها قوة استعمارية، وبدأت بالسيطرة على الوضع هنا، وهذا لم يؤدِّ إلى أي شيء جيد. لن يوافق أحد على فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية؛ ومن ثم فإن هذا الحل ليس له مستقبل.
وأشك في أن تنجح إسرائيل فعليًّا في تدمير حماس كما يدعي المسؤولون. إنه أمر صعب جدًّا. حماس حركة مقاومة وليست دولة. في عام 1967، هزم الجيش الإسرائيلي قوات ثلاث دول عربية في ستة أيام، واحتل أراضيها، التي كانت مساحتها أكبر بثلاث مرات من أراضي إسرائيل. واليوم، لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من فرض سيطرته على قطاع غزة الصغير لمدة 32 يومًا.
أعتقد أن كل هذا الحديث عن المحميات هو مجرد وسيلة أخرى يستخدمها بعض ممثلي المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، لمنع الشعب الفلسطيني من إعمال حقه في تقرير المصير، والاستقلال، والسلام العادل والدائم.
ما ورد في المقابلة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.