مختارات أوراسية

العجز الأمريكي يسلط الضوء على جمود النظام العالمي القائم


  • 24 أكتوبر 2023

شارك الموضوع

تحاول وسائل الإعلام الأمريكية- حاليًا- ربط الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بصعود الصين. في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز، بعنوان “انقسامات عالمية جديدة في الأفق في حين يذهب بايدن إلى إسرائيل وبوتين إلى الصين”، تقارن- مقارنة مباشرة- بين زيارة الرئيس جو بايدن لإسرائيل وزيارة الرئيس فلاديمير بوتين للصين.

أعربت كثير من وسائل الإعلام والباحثين الأمريكيين عن أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يوفر فرصًا جديدة للصين وروسيا “لإصلاح النظام الدولي القائم”. ومن وجهة النظر الصينية، فإن الأمر الأكثر جدارة بالمقارنة هو أنه عندما اندلع الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ذكر تقرير صادر عن لجنة مكونة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، عيّنها الكونغرس الأمريكي، أن الولايات المتحدة يجب أن تكون مستعدة لردع وهزيمة الصين وروسيا في وقت واحد. وفي الوقت الحالي، فإن الولايات المتحدة “غير مستعدة” لمواجهة التحديات الوجودية المحتملة في الفترة من 2027 إلى 2035، وما بعدها.

إن الأسباب الكامنة وراء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني معقدة جدًّا. ومع ذلك، فمن المسلم به حاليًا على نطاق عريض أن تهميش القضية الفلسطينية من جانب الولايات المتحدة والقوى الأوروبية هو عامل رئيس في اشتعال الصراع، لا سيما أن الولايات المتحدة وأوروبا أضعفتا كثيرًا قدرتهما على دعم النظام العالمي القائم.

لقد بُني النظام العالمي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية من جانب الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، في المقام الأول، لكن هذا النظام يحتوي بطبيعته على تضارب مصالح جيوسياسية؛ فهو في الأساس عبارة عن توزيع للسلطة والمصالح بقيادة الولايات المتحدة، ومن الطبيعي أن يتأثر- تأثرًا مباشرًا- بالتغيرات السياسية والاقتصادية الداخلية في الولايات المتحدة، والدول الأوروبية.

فمن مؤتمر مدريد في أكتوبر (تشرين الأول) 1991، إلى توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، حتى الجهود التي بُذلت في ظل إدارة ترمب للتوفيق بين العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، لم تسلط العملية برمتها الضوء على التناقضات المتأصلة التي لا يستطيع النظام القائم حلها فحسب؛ ولكن أيضًا احتمال تسبب هذه التناقضات في اشتعال الصراع.

إن صعود القوى الناشئة يشكل تحديًا للبنية القائمة للسلطة السياسية والاقتصادية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة. وفي الشرق الأوسط، تجد الولايات المتحدة صعوبة متزايدة في السيطرة على القوى الإقليمية المختلفة. إن محاولاتها استخدام قوتها المهيمنة لتعزيز نفوذها تعمل- في الأساس- على تقويض البنية التي تسعى إلى الحفاظ عليها، كما يتجلى في فشل سياسة الولايات المتحدة في العراق، و”مبادرة الشرق الأوسط الكبير”.

لقد أدت التغيرات التي طرأت على السياسة الداخلية، والهياكل الاقتصادية في الولايات المتحدة وأوروبا، وخاصة الاستقطاب السياسي، إلى انخفاض القدرة على الحسم السياسي في الحكومات الحالية. ولم تعد الولايات المتحدة وأوروبا تمتلكان القدرة نفسها على التوسط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كما كانت الحال من قبل، حتى لو كانت الحكومات الحالية لديها الرغبة في القيام بذلك؛ ولهذا السبب، فإن زيارة الرئيس جو بايدن لإسرائيل لم تسفر عن أي نتيجة سلمية ذات معنى.

ولقد اشتدت الصراعات الجيوسياسية القائمة ضمن النظام الحالي بسبب تغير ديناميكيات القوى العظمى، وكان الصراع بين روسيا وأوكرانيا مثالًا بارزًا. وبينما تركز الولايات المتحدة وأوروبا على التعامل مع روسيا، فإن الهجوم الذي شنته حماس يخدم في التذكير بأن الشرق الأوسط يشكل أيضًا معقلًا للصراع الجيوسياسي. بالإضافة إلى ذلك، تتشابك مصالح الولايات المتحدة وأوروبا تشابكًا عميقًا في هذه المنطقة.

لقد وصل التاريخ إلى نقطة تحول في نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، وسوف تتسم هذه الفترة بالاضطرابات، وسوف تعود الصراعات القديمة إلى الظهور بطرائق مختلفة. وقد ذكر عالم السياسة الصيني تشنغ يونغ نيان أنَّ “النظام القديم” يتفكك.

وهذا لا يمكن تفسيره بصعود الصين فقط. وتنظر الولايات المتحدة إلى الصين باعتبارها منافسًا رئيسًا لمصالحها الإستراتيجية؛ مما يظهر غطرسة واشنطن وجهلها على مستوى جيوسياسي عالمي أوسع وأطول أمدًا. فهل يمكن الحفاظ على هذا النظام من خلال دفع الصين إلى الأسفل، واحتوائها وتقييدها؟ إن الحفاظ بقوة على النظام القائم من خلال الوسائل الإستراتيجية التقليدية هو أحد الخيارات، لكن تعديل النظام الحالي بعقلية أكثر انفتاحًا لتسهيل التواصل والتعاون بين القوى العالمية والإقليمية الكبرى، وبين دول الجنوب والشمال، وكذلك بين القوى الناشئة والقوى العظمى القديمة في بناء نظام جديد، هو خيار آخر.

والسؤال الحاسم هنا هو: كيف تستجيب الولايات المتحدة والغرب لهذه التغيرات؟ هل هم على استعداد للتخلي عن السلطة؟ وهل هم على استعداد كافٍ لهذا التحول في السلطة؟ إن تجدد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يشكل تحديًا خطيرًا لهيمنة الولايات المتحدة، ونظامها المهيمن.

المصدر: جريدة غلوبال تايمز الصينية


شارك الموضوع