في هذا البحث، أقدم خلاصة الدراسات الخمس السابقة عن تركيا، التي سعيت من خلالها إلى تعريف القارئ العربي المهتم بالشؤون التركية بتاريخ الترك، وعلاقتهم بالعرب. في البحث الختامي، أركز على مصطلح بدأ بالتداول منذ أكثر من عقدين؛ ألا وهو “العثمانيون الجدد”، والمقصود بهم حزب العدالة والتنمية بقيادة الثلاثي رجب طيب أردوغان، وأحمد داود أوغلو، وعبد الله غول.
يُعتقد عربيًّا على نطاق عريض أن أردوغان إخواني، ويبالغ البعض بوصفه المرشد الحقيقي للتنظيم الدولي للجماعة. ولفهم طبيعة هذه العلاقة بعيدًا عن الاستقطاب السياسي؛ علينا شرح طبيعة الإسلام التركي فكريًّا، والانتقال إلى الحديث عن شقه السياسي؛ ولذلك أنصح مَن لم يطلع على المقال الأخير بالعودة إليه؛ ليتمكن من فهم أكثر عمقًا لهذه المسألة.
كما أسلفنا، الإسلام السياسي التركي مختلف جذريًّا عن نظيره العربي؛ فقد بدأت أولى إرهاصاته مع بديع الزمان النورسي فور سقوط الدولة العثمانية، لكنه تراجع فيما بعد عن العمل السياسي، واختزل نشاطه في العمل الديني الدعوي، ولم يكن للإسلام السياسي أي وجود حتى وصول عدنان مندريس، التتري الأصل، إلى رئاسة مجلس الوزراء عام 1950، وبدئه حركة إصلاحات سياسية واقتصادية، مستفيدًا من مشروع مارشال اقتصاديًّا، ومبدأ ترومان عسكريًّا لحماية تركيا من المد الشيوعي، ومع انتهاء المعونات الاقتصادية الأمريكية، وبدء تراجع الأوضاع المعيشية للشعب، قاد مجموعة من الضباط الشبان الذين تلقوا تعليمًا عسكريًّا في الولايات المتحدة، يوم 27 مايو (أيار) 1960، أول انقلاب عسكري في تاريخ الجمهورية التركية، بقيادة العقيد ألب أرسلان ترك. ورغم غموض أسباب هذا الانقلاب، ووجود كثير من الفرضيات والنظريات حوله، فإن أحد أسبابه كانت تخفيف القيود العلمانية القسرية المجحفة التي اتخذتها الحكومة التركية منذ زمن أتاتورك، وعودة الأذان مرة أخرى باللغة العربية. كان هدف مندريس من هذه الخطوات التصالح مع الهوية الإسلامية للشعب؛ لمواجهة تنامي قوة التيارات الاشتراكية بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية؛ ولذلك قدّم هؤلاء الضباط أنفسهم في بيان الانقلاب على أنهم “حماة” للنظام العلماني، وللتحالف مع الغرب، وموالون لحلف الناتو وبغداد. ويحظى مندريس بتقدير من التيارات الإسلامية التركية حتى الآن، مع أنه لم يكن منتميًا إلى أي تيار إسلامي، لكنه مثّل أول محاولة -كما يعتقدون- لاستعادة الهوية الإسلامية للأتراك، بغض النظر عن دوافعه.
بعد إعدام العسكريين مندريس في 17 سبتمبر (أيلول) 1961، لم يكن هناك أي وجود لتيار الإسلام السياسي، حتى أسس نجم الدين أربكان حزب النظام الوطني بالتحالف مع الحركة الدينية النورسية، ويمكن التأريخ لتيار الإسلام السياسي من عام 1970، وهو عام تأسيس الحزب.
لم يكن لدى أربكان أي علاقة مع جماعة الإخوان المسلمين، حيث كانت حياته ودراسته بين تركيا وألمانيا، والحركة الإسلامية التركية فكريًّا ليست بحاجة إلى استيراد أفكار من تنظيم خارجي؛ فلديها مواردها الفكرية الدينية المستمدة من الحركة النورسية، وحركات صوفية تمتد بطول البلاد وعرضها، وتاريخ سياسي مجيد للأتراك ممثلًا في الدولة العثمانية، وسلفها الدولة السلجوقية، وأيديولوجيا الخلافة الإسلامية التي كانت إسطنبول مقرها، والتي أصبحت اللقب الأول لسلاطين بني عثمان منذ تولي عبد الحميد الثاني قيادة السلطنة عام 1876، في حين كان تنظيم الإخوان في ذلك الوقت شبه منهار، ولم يعد إلى الحياة من جديد إلا في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، بعدما تلقى دعمًا قويًّا من الرئيس المصري الأسبق السادات.
أصبح للحركة الإسلامية التركية آباء ثلاثة مؤسسون: بديع الزمان النورسي، الأب الروحي للإسلام الدعوي، وفتح الله كولن، الأب الروحي للإسلام الاجتماعي، ونجم الدين أربكان، الأب الروحي للإسلام السياسي، والأخير يستغل جمهور كلتا الحركتين، وأتباع الطرق الصوفية، والجمهور التركي المحافظ للتصويت له، وقد دخل في عدة صراعات مع جناحي النظام العلماني الأتاتوركي المتشدد في الجيش والقضاء، وتعرض حزبه الأول للحل بعد تأسيسه بتسعة أشهر، وأسس بدلًا منه حزب السلامة الوطنية عام 1972، ليدخل -للمرة الأولى- حزب ذو توجه إسلامي البرلمان، بل يصبح شريكًا لحزب الشعب الجمهوري العلماني، الذي أسسه أتاتورك، في حكومة ائتلافية عام 1974م، وتولى أربكان منصب نائب رئيس مجلس الوزراء.
عام 1980، قاد قائد الجيش التركي كنعان إيفرين انقلابًا عسكريًّا، أدى إلى تعطيل الدستور، وحل حزب أربكان الثاني، والزج به في السجن، وتجميد الحياة السياسية، وفقدان الإسلام السياسي أي ممثل له على الساحة السياسية التركية، لكن، مع وصول تورغوت أوزال، ذي الأصول الكردية لرئاسة مجلس الوزراء عام 1983، انتهجت تركيا على يديه سياسة جديدة منفتحة على الشرق والعالم الإسلامي، حيث كان أوزال متدينًا، وينتمي إلى الطريقة الصوفية النقشبندية، وروي أنه كان يصلي في القصر الرئاسي بعد وصوله إلى الرئاسة سرًّا، فقد كان شديد الحذر والدهاء في تعامله مع العسكريين، وقد عوض وجود أوزال غياب الإسلام السياسي لكونه أول زعيم تركي يدرك استحالة الاندماج مع الغرب، ويبدأ عمليًّا إعادة النظر في تلك النظرية التي تبنتها الجمهورية التركية منذ قيامها عام 1923 بالتوجه صوب الغرب، وأن العالمين العربي والإسلامي يعيشان حالة من التخلف والرجعية، ولا يوجد شيء يمكن لتركيا أن تجنيه من العلاقة معهما.
تطورت تركيا اقتصاديًّا في عهد أوزال، وقام بعدة زيارات هي الأولى لمسؤول تركي رفيع المستوى لبلدان عربية وإسلامية، وانتهج سياسة اقتصادية ليبرالية تحررية، وقد أدت هذه السياسة إلى تلقيه دعمًا غربيًّا، إذ كان الجيش التركي محافظًا من الناحية الاقتصادية، ومتوجسًا مرتابًا من الانفتاح على الخارج والاستثمارات الأجنبية، كما جمعته علاقة صداقة وطيدة مع مؤسس حركة “الخدمة الإسلامية” فتح الله كولن، وسمح للأخير بنشاط أكبر لحركته داخل تركيا، ودخول كثير من أفراد الحركة مؤسسات الدولة، ومع النجاحات الاقتصادية التي تحققت تراجع دور الجيش، وبدأ أوزال حركة انفتاح سياسي أدت إلى عودة أربكان مرة أخرى إلى العمل السياسي، وأسس حزبه الثالث (الرفاه) وصولًا إلى تشكيله حكومة ائتلافية برئاسته مع حزب الطريق القويم العلماني بزعامة السياسية التركية الشهيرة ذات الأصل البوسني تانسو تشيلر، عام 1996.
يدين الإسلام السياسي بالفضل من بعد مندريس لرئيس مجلس الوزراء، الرئيس التركي تورغوت أوزال، ورغم عدم انتماء كلا الزعيمين إلى الحركة الإسلامية فإن سياسات الأول التصالحية مع الهوية الإسلامية، وسياسات الثاني الاقتصادية ونجاحه فيها، وانفتاحه على العالمين العربي والإسلامي، وتخفيفه قيود الجيش على التيار الإسلامي، كان لها بالغ الأثر في تمكينه لاحقًا؛ ولذلك قرر الرئيس التركي السابق عبد الله غول عام 2012 فتح تحقيق في ملابسات وفاة أوزال عام 1993، التي يعتقد البعض أنها نتيجة لتسميمه؛ لرفض الجيش مجمل سياساته، وسعيه إلى إيجاد حل للأزمة الكردية، وبالفعل فُتِحَ قبره وشُرِّحَ جثمانه، وثبت أن جسده احتوى على كميات كبيرة من السم، لكن المحققين لم يتمكنوا من تحديد ما إذا كانت هذه الكميات دُسَّت له على نحو متعمد، أم أنها نتيجة لتراكمات زمنية طويلة. وقد سعى الإعلام الموالي لرجب طيب أردوغان، إلى استغلال هذه الحادثة، ونتائج التحقيق التي ظهرت أخيرًا، وشعبية أوزال الكبرى، في التلميح بدور لجماعة كولن في قتله؛ لموقفها المتشدد تجاه القضية الكردية، وليستغلها أردوغان في صراعه مع كولن لتشويه صورته.
في انقلاب عسكري أبيض سمي “انقلاب المذكرة”، التي تقدم بها قادة أركان الجيش التركي، واتهموا فيها أربكان بالسعي إلى تقويض النظام العلماني للجمهورية التركية، وعلى إثره، قدم استقالته من الحكومة عام 1997، وحُظِرت مشاركته وحزبه في العمل السياسي خمس سنوات، لكن الحزب أعاد تشكيل نفسه باسم جديد (حزب الفضيلة) عام 1998، وحقق نتائج جيدة في انتخابات برلمان 1999، ونجح أحد شبابه في انتخابات بلدية إسطنبول المدينة الأكثر أهمية في تركيا، وهو رجب طيب أردوغان.
يمكن اعتبار أربكان ثوريًّا ذا توجه قومي تركي إسلامي، إذ كانت له مواقف واضحة بالعداء مع إسرائيل، وسعى أكثر من مرة إلى قطع العلاقات معها في أثناء وجوده بالمعارضة، وكذلك دعا إلى علاقات أكثر قوة ومتانة مع العرب والعالم الإسلامي، وأسس عام 1997 مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية، التي ضمت إلى جانب تركيا كلًّا من: مصر، وإيران، وباكستان، وبنغلاديش، ونيجيريا، وماليزيا، وإندونيسيا، لكن سياساته الاقتصادية لم تكن موفقة، ولم يتمكن من تحقيق أي نجاح يذكر، وغلبت عليه الشعارات أكثر من الأفعال، ولمّا لم يجد لديه أي شيء حقيقي يقدمه للمواطن التركي توجه نحو استخدام الدين على نحو فج في الدعاية السياسية، وأصبحت سياساته أكثر اضطرابًا وتضاربًا، فعقد اتفاقية تعاون أمني وعسكري مع إسرائيل ليُطمئن الغرب والجيش، ثم بعد دخوله السجن وحظر ممارسته العمل السياسي، دفع الحزب إلى مواجهات إعلامية أضرت بصورة الحزب والتيار الإسلامي، مثل إصراره على دخول النائبة مروة قاوقجي بالحجاب للبرلمان، وهو ما يخالف النظام القانوني التركي آنذاك، وهيّج الرأي العام ضد الحزب، إلى جانب إدارته للحزب على نحو استبدادي من داخل محبسه، وفرضه شخصية محمد رجائي قوطان على شباب الحزب ليكون رئيسًا له، في حين كان المرشح المنافس الشاب عبد الله غول، وكان لمجمل هذه السياسات الأثر في وحدة الحزب من الداخل بجانب صدور قرار من المحكمة الدستورية التركية بحل الحزب عام 2001، فاتجه شبابه إلى الانشقاق وتأسيس حزب العدالة والتنمية في العام نفسه، مقابل إعادة أربكان حزبه -كالعادة- باسم جديد، وهو حزب السعادة.
في عام 2010، اتهم أربكان حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان بإغراق البلد في الديون، وزيادة نسبة الفقر والبطالة، وأن ما يدعون أنها تنمية ما هي إلا خدعة كبرى، ووصل به الأمر أن اتهم أردوغان بالخداع، وتلقيه دعمًا صهيونيًّا.
الإسلام السياسي التركي نشأ وترعرع، وخاض تجربته من داخل تركيا، وعبر واقعها وظروفها، وإرثها التاريخي والقومي، ومفكريها السياسيين، وطبيعة التدين والفهم التركي للإسلام، وتأثيرات الخارج فيه محدودة وطفيفة جدًّا، ولا تعدو كونها تأثيرات عامة فيما لا خلاف عليه عند الحديث عن وحدة الأمة الإسلامية، وخلق تعاون مشترك معها، وهي أمور لا يشاطر الإسلاميون فقط فيها بعضهم بعضًا؛ بل كثير من التيارات السياسية من جميع الأيديولوجيات الفكرية، وهو أمر مختلف تمامًا عن الإسلام السياسي العربي، غير المهتم بقضايا الداخل، وغير المدرك لها في كثير من الأحيان، والمعتمد في خلق تصوراته على نظريات أكثر من انغماسه بالواقع لاستخلاص النظريات، وأنا شخصيًّا -كما أسلفت- أعتقد أن تأسيس الإخوان المسلمين كان نتاج مجموعة من أفكار الإسلاميين غير العرب، مثل جمال الدين الأفغاني، وأبي الأعلى المودودي، وبعض النخب التركية العثمانية التي فرّت من تركيا إلى القاهرة، بعد سقوط السلطنة العثمانية، وما حسن البنا إلا واجهة شابة نشطة، كانت معبرة عن أفكارهم.
الإسلام السياسي التركي لم يتورط -ولو لمرة واحدة- في أي عمليات اغتيال، أو استخدام للعنف والإرهاب، أو مهاجمة الدولة وكياناتها على الرغم من حالة العداء والصراع الشديد معها، وهو ما يختلف تمامًا عن تجربة الإسلام السياسي العربي، الذي مارس -باعتراف الإخوان- الاغتيالات السياسية، وبرر في أحيان كثيرة العنف ضد الدولة، وتعد جماعة الإخوان الأب الروحي لكل حركات الإسلام الجهادي وصولًا إلى تنظيم “داعش”، الذي تربى خليفته المزعوم أبو بكر البغدادي في كنفها بشهادة الدكتور يوسف القرضاوي نفسه، فلو لم يتورط الإخوان في العنف مباشرة، فإن أفكارهم كانت تشكل التربة الخصبة للثائرين داخلها بانتهاج العنف، ومنظّرهم وقائدهم الفكري، ومن يرونه رجلًا عظيمًا ذا مكانة كبرى، مثل سيد قطب، القائد الأعلى لكل عمل إرهابي مسلح، ولم يحدث أن تبرأت الجماعة من أطروحاته عن المجتمع الجاهلي، باستثناء المرشد الثاني المستشار حسن الهضيبي في كتابه “دعاة لا قضاة“، الذي لا يعد مرجعية يعتد بها داخل الجماعة، التي ترى أنه لم يكن إخوانيًّا بالمعنى الحقيقي، ومثلت فترة قيادته للجماعة مرحلة مضطربة كانت بحاجة إلى قيادة، بغض النظر عن مدى تمثيلها لأفكارها، وصراعه مع أقطاب الجماعة معروف للجميع.
الإسلام السياسي التركي قومي تركي قبل أن يكون إسلاميًّا، والإسلام هو جزء من قوميته، وأحد روافد القومية التركية، وشكل العصبية الفكرية أو الأيديولوجية بالمفهوم الحديث لنهضة الترك، وقيادتهم للعالم الإسلامي زمن السلاجقة، وزعامتهم العالمية في الحقبة العثمانية؛ ولذلك فإن الإسلام يخدم تركيا وقوميتها، وليس العكس، فالإسلام السياسي التركي أكثر اتساقًا مع هويته وذاته التركية، في حين أن الإسلام السياسي العربي يحتقر فكرة القومية العربية، ولا يؤمن بها إطارًا جامعًا ثقافيًّا، وجغرافيًّا، وفكريًّا لشعوب المنطقة، ويراها دعوة جاهلية لا بد من التبرؤ منها، وقد حاول بعض دعاته ممن كانت لهم خلفيات قومية أو اشتراكية، ولم يكونوا منذ نشأتهم الأولى جزءًا من الإسلام السياسي، عقد مصالحة بين العروبة والإسلام، وتبيان ألا وجه للتعارض بينهما، مثل فهمي هويدي، والمستشار طارق البشري، ومحمد عمارة، ومحمد سليم العوا، أو من خلال كتاب قوميين بالأساس، أو ذوي توجه قومي يرون الإسلام جزءًا من القومية، ولا يمكن اختزاله في حزب أو جماعة دينية، مثل المستشار عبد الرزاق السنهوري، وعصمت سيف الدولة، وجمال حمدان، ومؤسس حزب البعث المسيحي ميشيل عفلق، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل، ورفضها التيار الإسلامي عامةً، والإخوان المسلمون خاصةً، فالقومية في اعتقادهم دعوة جاهلية، والوطن حفنة من تراب لا قيمة له، وهو ما يختلف جذريًّا عن مفهوم الإسلام السياسي التركي للقومية التركية، التي عززها الإسلاميون أكثر من العلمانيين، إذ أسس أردوغان عام 2009 مجلس التعاون للدول الناطقة بالتركية (CCTS)، وعزز دور المنظمة الدولية للثقافة التركية (TÜRKSOY)، أي “الأصل التركي”، التي أسسها أوزال عام 1992، إذ ضم إليها أردوغان في عام 2013 ست جمهوريات فيدرالية روسية من ذوي أصول تركية (ألطاي، وتتارستان، وتوفا، وياقوتيا، وخقاسيا، وباشكورستان)، وجمهورية قبرص الشمالية، ومنطقة الحكم الذاتي غاغاوزيا في جمهورية مولدوفا. الجدير بالذكر أن هذه الشعوب الأعضاء بالمنطقة (مسلمون، وأرثوذكس، وبوذيون، وشامانيون)؛ بمعنى أن القومية هي الإطار الأعلى، وليس الدين؛ لأن التركية هي الجامع المشترك فيما بينهم، ويرأس كلتا المنظمتين مسؤول تركي؛ فالهوية القومية لدى الإسلام السياسي التركي واضحة ولا لبس فيها، في حين نجدها مضطربة على أحسن تقدير، وغير موجودة في غالب الأحيان لدى الإسلام السياسي العربي.
الإسلام السياسي التركي حريص كل الحرص على كيان الدولة التركية، وقوتها، وامتلاكها جيشًا قويًّا، ولم يسعَ -ولو لمرة واحدة- إلى هدم الدولة وبنائها من جديد لتصبح مناسبة لمعاييره، أو إلى مهاجمة الجيش والدعوة إلى إسقاطه؛ فقوة الدولة ومؤسساتها جزء لا يتجزأ من عقيدته، ورغم وجود صراع معها فإنه يراعي أن هذا الصراع سياسي، وليس وجوديًّا، وأن الدولة ومؤسساتها وجيشها كيانات مقدسة واجبة الاحترام والتقدير، في حين أن أول ما يبدأ به الإسلام السياسي العربي هو تدمير كل الإرث القومي، والتاريخي، والسعي إلى تحطيم مؤسسات الدولة، وهذا ما جعل الغالبية تخشاه، وتحوّل إلى قوة معطلة لأي عملية تحول ديمقراطي في العالم العربي.
الإسلام السياسي التركي عملي، وبعد تطوره أصبح يدرك أن العلمانية بمفهومها السليم في صالحه وليست ضده، وأن العلمانية تعني أن الدولة تعتز بقيمها، وهويتها، ودينها، ولكن دون إقصاء لأي طرف، ودون تبني الدولة أفكارًا غيبية. وكما سبق أن أسلفنا، تحالف مع امرأة وجعلها نائبة لرئيس مجلس الوزراء، وأيد تانسو تشيلر لقيادة الدولة التركية؛ فلدى التيار الإسلامي التركي مرونة، وقدرة على التعامل مع الواقع، ويمكننا فهم هذا الأمر من تتبعنا سيرته، وظروف نشأته، وتطوره، والأزمات التي أدت إلى تجديد نفسه، وانتهاجه سياسة أكثر انفتاحًا وواقعية، في حين أن الأزمات تؤدي إلى مزيد من التطرف لدى الإسلام السياسي العربي؛ فالأزمة تدفع الإخوان -على سبيل المثال- إلى منهج سيد قطب بدلًا من حسن البنا، أو حسن البنا بدلًا من عمر التلمساني، أو ابن تيمية وفتاواه بدلًا من أفكار ابن رشد، أما إذا وصل إلى السلطة فطبيعة عمله السرية، وعدم قدرته على العمل تحت الأضواء تجعله مربكًا مرتبكًا غير قادر على الإدارة، ويثير شكوك الآخرين وريبتهم؛ ولذلك فهو تيار يشبه كل النظم السياسة المغلقة، غير قابل أو قادر على تطوير نفسه؛ بل إن تطويره يعني -بكل بساطة- انهياره وتفككه؛ ولذلك فإن سبيله الوحيد في مواجهة الأزمات هو مزيد من التطرف والانغلاق، ورفع شعار المظلومية.
الإسلام السياسي التركي ركز على الفرص التي تبدو صغيرة، وغير مهمة للسلطة العسكرية، فكان ينشط داخل النقابات، والبلديات، والاتحادات الطلابية، ويستغل هذه الفرص لتأهيل كوادره، وتعلم كيفية إدارة الدولة، والقدرة على التفرقة بين النظريات والواقع، وتعديل سياساته وتصويبها، والعمل بهدوء بعيدًا عن الدعاية في تقديم خدمات، وإصلاح حقيقي يمنح الآخرين الثقة بقدرته على إدارة الدولة، وقد ظهر ذلك جليًا في قدرة أردوغان على إدارة بلدية إسطنبول بكفاءة، وعندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، قدّم في الشهر الأول بعد انتخابه (350) مشروعًا، وشرع في تنفيذها فورًا، في حين أن الإخوان -على سبيل المثال- يستغلون هذه الفرص لتقديم برنامج دعائي تعبوي لأنفسهم، مبني على الشعارات، أو تقديم الرشى الانتخابية، واستغلال فقر المجتمع بتحولهم إلى جمعية خيرية، ولكن فعليًا ليس لديهم برنامج، أو مشروع عملي يقدرون على القيام به، ولا حتى تقديمه نظريًّا ويكون قابلًا للنقاش بعقلانية، وعندما وجدوا أن هناك حاجة إلى برنامج كهذا -لاستنزاف الدعاية الدينية أغراضها- قدموا ما يسمى “مشروع النهضة“، وهو عبارة عن “مشروع” -إن جاز تسميته بذلك- مكون من عبارات فارغة من أي مضمون، ولا يخرج عن نطاق الدعاية، ولم يصمد في النقاش العام أمام أقل المختصين كفاءة، حتى اضطر نائب المرشد العام خيرت الشاطر إلى القول إن المشروع مجرد “أفكار عامة”، وليس “مشروعًا للتنفيذ”.
الإسلام السياسي التركي استعان بكل المختصين، وفي المجالات كافة، ومن كل التيارات السياسية، وبغض النظر عن أيديولوجياتهم الفكرية، وقدموا أنفسهم على أنهم حزب سياسي، وليسوا جماعة دينية، وأن تنافسهم مع الآخرين قائم على مشروع اقتصادي، وسياسي داخل نطاق الدولة التركية، وأنهم جزء من الجمهورية، ويحترمون رموزها، وعلى رأسهم أتاتورك، حتى إن أردوغان نفسه قال “نحن أحفاد أتاتورك“، كما أن الإسلاميين الأتراك لم يدخل في لعبة صراع الهوية، وتحالفوا في المرحلة الانتقالية مع جميع الأحزاب، وتعاونوا معها، وضم حزبهم في صفوفه يمينيين، وقوميين، وليبراليين، في حين أن أول ما يسعى إليه الإسلام السياسي العربي هو الانتقام من خصوم الماضي، وإدخال المجتمع في حالة صراع على شخصيات تاريخية، وتفجير صراع الهوية ليغلب على أي حوار اقتصادي وسياسي؛ وذلك لعدم قدرتهم على مجاراة خصومهم في هذه المجالات؛ ومن ثم فإن الحل الوحيد لديهم هو التسويق لأنفسهم على قاعدة نحن نمثل الإسلام مقابل من يرفضونه، وقد أدى هذا الاستخدام المفرط للخطاب الديني إلى كراهية كثير من الشباب للدين نفسه.
يمكن، وبكل سهولة، لتيار الإسلام السياسي العربي، وللإخوان المسلمين على وجه الخصوص، التآمر على دولهم، وضرب وحدتها الداخلية، والعمل مع أنظمة إقليمية ودولية لهدم تجربة الحكم القائمة فيها؛ نتيجة خلافهم السياسي معها، في حين يستحيل أن يفعل هذا الأمر التيار الإسلامي التركي، وطيلة فترة اضطهاده من الجيش التركي، ومؤسسات الدولة والقضاء، لم يخرج الإسلاميون الأتراك من تركيا، أو يحرّضوا من المهجر على بلدهم، أو يسعوا إلى الانتقام من الجيش، مع أن القمع الذي تعرضوا له لا يقارن -بأي شكل من الأشكال- بما حدث في أشد النظم العربية قمعًا ودموية.
ظهر مصطلح “العثمانية الجديدة” عام 1974 عندما قررت حكومة الائتلاف الوطني بين حزب الشعب الجمهوري العلماني الأتاتوركي برئاسة بولنت أجاويد، وحزب السلامة الوطنية بزعامة نجم الدين أربكان، نائب رئيس مجلس الوزراء آنذاك، بالتعاون مع جنرالات الجيش التركي، غزو شمال قبرص، وإعلان استقلالها عن الجمهورية القبرصية، وزيادة التدخلات التركية في شؤون بعض البلدان التي كانت تحت الحكم العثماني، وبها أقليات مسلمة من أصول تركية، أو ممن اعتنقوا الإسلام في أثناء هذه الحقبة، مثل بلغاريا ورومانيا، وقد استخدمت اليونان، وقبرص، وهذه البلدان الأوروبية الشرقية، هذا المصطلح للدلالة على أن الجمهورية التركية التي أعلنت حيادها، وتبرؤها من الإرث العثماني، تعود من جديد إلى السياسة العثمانية الاستعمارية، بتوافق بين العلمانيين، والإسلاميين، والجيش.
تبدو العلاقة بين الإسلام السياسي التركي ممثلًا في رجب طيب أردوغان، والإسلام السياسي العربي ممثلًا في جماعة الإخوان المسلمين ملتبسة، ليس لدى خصوم هذا التيار فحسب؛ بل لدى كثير من شباب الإخوان والمتعاطفين معهم، وإن شئنا أن نسمي هذه العلاقة عمليًّا، ومن خلال السرد التاريخي لكلتا الحركتين، فيمكن أن نصفها بأنها “علاقة تخادم” بين الطرفين، فليس هناك رابط فكري، أو تجربة، أو سياق تاريخي واحد يجمع بينهما سوى التعاطف الطبيعي، وحرارة المشاعر التي توجد بين التيارات الأيديولوجية في العالم، كما هي حال الليبراليين، والاشتراكيين، والقوميين، ولا يعني هذا وجود تنظيم سياسي واحد، أو جماعة تربط بينهم، وهذه العواطف توجه غالبًا إلى الجمهور، ولا تعبر بالضرورة عن مصالح مشتركة، أو تبعية طرف للآخر على مستوى القيادات.
استخدم الإخوان المسلمون حزب العدالة والتنمية وشخصية أردوغان في ممارسة الدعاية السياسية من خلال ادعاء وجود رابط أيديولوجي وتنظيمي مع التجربة التركية، والاستفادة من نجاحها في إسقاطها على أنفسهم، وأن ما تحقق في تركيا هو ما ينتظر البلدان العربية إذا قررت الشعوب انتخابهم، أما المجتمع الدولي فأرادت القول له إن وصول حزب ذي توجه إسلامي إلى السلطة في بلد من أعتى البلدان العلمانية، يؤكد نظريتنا بأن ضمان استقرار هذه البلدان، وحصولكم على مصالحكم، لا يمكن أن يتحقق إلا من خلالنا نحن، وليس من خلال النظم التقليدية، وأننا لسنا ضد إسرائيل، ولا الغرب، ولا السوق الحرة، وقد وصل “رفاقنا” الإسلاميون إلى السلطة في تركيا بدون انقلاب عسكري، مثل تجربة الإخوان في السودان، وبدون حرب أهلية، مثل طالبان في أفغانستان، ولا ثورة سيطروا فيها على السلطة بمفردهم، كما سبق أن حدث في إيران، ولكن من خلال عملية سياسية ديمقراطية سلمية، وهو ما نسعى إليه إذا قدمتم لنا الدعم والمساندة.
عندما تولى أردوغان السلطة في تركيا، كانت البلاد تعاني آثار الأزمة الاقتصادية لعام 2001، وبحاجة إلى استثمارات أجنبية، وزيادة دخل الدولة من العملات الأجنبية، ورفع معدلات التصدير إلى الخارج، لكن معضلة المنتج الصناعي التركي تكمن في كونه “أغلى من الصيني، وأقل جودة من الغربي”؛ وعليه، فهو بحاجة إلى أسواق جديدة تحكمها العاطفة تجاه تركيا لتشتريه، وهذه السوق الضخمة العدد، التي تمتلك فائضًا كبيرًا من الأموال نتيجة ارتفاع أسعار النفط بعد حربي أفغانستان والعراق، ويمكن بالعاطفة اجتذابها إلى تركيا ومنتجاتها، والاستثمار والسياحة فيها، العالم العربي الضعيف، والمستهلك لكل شيء، ولتحقيق هذه الأهداف تحتاج تركيا إلى خطوات عمل كثيرة، وهنا برز دور أردوغان الكاريزمي القيادي، وخطاباته الحماسية، وأحمد داود أوغلو بأفكاره وأطروحاته الأكاديمية، وعبد الله غول بوجهه المريح، ولغته العربية، وخبرته بالعمل عدة سنوات في المملكة العربية السعودية، وشكّل هذا الثلاثي إستراتيجية جديدة لتحركات تركيا الخارجية، وتوجهها نحو الشرق، كرسها أوغلو في كتابه الشهير “العمق الإستراتيجي“، الذي تحدث فيه عن عمق تركيا الإستراتيجي الحقيقي تجاه العالمين العربي والإسلامي، بجانب سياسة “صفر مشكلات” مع الجيران، وتوقيع اتفاقيات تجارة حرة مشتركة مع كثير من البلدان العربية، وحرية التنقل بلا تأشيرة دخول، وتزامن ذلك مع غزو درامي تركي من خلال الدراما التاريخية، التي تداعب نوستالجيا زمن “العظمة الإسلامية” المتصورة، ممثلة في الدولة العثمانية، ودراما رومانسية تمثل طبقات تركيا العليا لتعطي انطباعًا ساحرًا للمشاهد العربي عنها، وتدفعه إلى السفر إليها للسياحة والاستثمار، وشراء عقار، وربما الإقامة فيها. باختصار، أجادت تركيا استخدام القوى الناعمة في التسويق لنفسها، في حين فشل العرب في ذلك.
كانت السياسة التركية تجاه العرب في الفترة من عام 2002 إلى عام 2011 قائمة على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومنح التجارة والاستثمار الأولوية، والحديث عن فلسطين وقضيتها ودعمها، وهو ما لم يكن العرب معتادين سماعه من الساسة الأتراك، والمحافظة في الوقت نفسه على علاقات وثيقة مع الغرب وإسرائيل، وكان الإخوان مفيدين جدًّا لتركيا في ذلك الوقت، حيث الأموال الضخمة في الخليج يمتلكها كثير من أتباعهم والمتعاطفين معهم، وروّجوا بنشاط للسياحة في تركيا، وتنمية التجارة معها؛ ومن ثم نشأت العلاقة التي استفاد منها كلا الطرفين، دون وجود رابط أيديولوجي، أو تنظيم سياسي واحد بينهما.
اعتمدت السياسة التركية على إحياء التاريخ التركي- العثماني كوسيلة لخلق روابط فيما بينها وبين محيطها العربي، والترويج لنفسها داخل العالم الإسلامي، وإنهاء حالة العزلة التي فُرِضَت عليها منذ تأسيس الجمهورية التركية، وحصولها على أسواق جديدة لا تجعلها مرتهنة بالسوق والاستثمار الغربي غير القادرين على المنافسة فيه، وتحقيق طفرة اقتصادية دون التعويل على الاتحاد الأوروبي، الذي أصبح من الواضح أن تركيا لن تكون عضوا فيه، وهذا هو مجمل سياسات وإستراتيجيات مَن سمّوا “العثمانيين الجدد”، حتى دب الضعف في العالم العربي، ودخل كثير من بلدانه في حالة صراع واحتراب أهلي، وهو ما جرّأ السياسة التركية، وأثار شهوتها وطموحها للحصول على ما هو أكثر من التجارة والاستثمارات، والتطلع إلى خلق نفوذ لها من خلال وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى السلطة.
في الوقت الحالي، الإخوان في حالة ضعف، وبلا نصير أو مأوى، ولم يجدوا سوى تركيا لتقديم المأوى والحماية، ومن على أراضيها تنطلق منصاتهم الإعلامية، وتستفيد تركيا من إيداعاتهم المالية في بنوكها، واستثماراتهم العقارية والتجارية في اقتصادها.
أسس رجب طيب أردوغان جمهورية تركية ثانية، وهذه الجمهورية تختلف في المظهر وتتفق في الجوهر مع الجمهورية التركية الأولى، التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، ولا وجود -كما أعتقد- لخلاف بين الرجلين؛ فكلاهما قومي تركي، وأي شيء أو أيديولوجية بعد ذلك -علمانية أو إسلامية- تأتي في المقام الثاني، وكلاهما يريد نهضة تركيا وعظمتها، وكلاهما أسس جمهورية من رحم أزمة عانتها تركيا، وكلاهما يسعى إلى إيجاد حل لهذه المعضلة التاريخية التي وضعت فيها الجغرافيا تركيا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، حيث وجد أتاتورك أن حل الجمهورية يكمن في الاندماج في الغرب، والحصول منه على المعونات الاقتصادية، والتقنيات الحديثة التكنولوجية، والحماية العسكرية من التمدد السوفيتي. وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وتراجع قيمة تركيا ودورها للغرب، وتوقف المعونات والدعم الاقتصادي الغربي، سعى أردوغان ورفاقه نحو الشرق والعالم الإسلامي، ووجد فراغًا عربيًّا، وضعفًا سياسيًّا، وخرابًا اقتصاديًّا، وتداعيًا ثقافيًّا، وغيابًا واضحًا للهوية القومية العربية، وقد استغل كل هذه العوامل للتجارة والاستثمارات، وتحويل العالم العربي إلى ما يمكن تسميته “هايبر ماركت” للمنتجات التركية، ومع حالة الضعف التي دخل العرب فيها بعد عام 2011، زادت طموحاته لما هو أكبر من ذلك، فنحن بضعفنا كنا أشبه بالشيطان الذي أغوى تركيا لما لم تكن تحلم بالوصول إليه.
الهدف التركي حاليًا أن تتفاوض مع أوروبا لا باسم تركيا؛ فتركيا وحدها تراجعت قيمتها، ولا يمكنها الحصول من الغرب على شيء ذي قيمة تذكر، ولكنه يتفاوض مع الغرب على ملفات أمنه واستقراره، وتشكيلها حاجزًا جغرافيًّا وأمنيًّا يحميه من الفوضى، ومن اللاجئين القادمين من العالم العربي، ويفاوض إسرائيل على ورقة حماس وغزة، وروسيا على ضمان أمن سوريا واستقرارها، وخطوط الغاز القادمة منها نحو أوروبا، والولايات المتحدة على خلق توازن مع الدور الروسي المتنامي في ليبيا، والنفوذ الإيراني في العراق، وغيرها من الملفات الأخرى. سيكون لتركيا ثقل كبير، ولا يعني ذلك أنها تنسلخ من سياسات أتاتورك، أو تبتعد عن الغرب والولايات المتحدة؛ بل على العكس تمامًا، فهي تعزّز مكانتها، ومكاسبها، وأوراق القوة لديها وهي تفاوض الغرب، وإسرائيل، وإيران، وروسيا، والعرب، والولايات المتحدة، وتحصل منهم على مكاسب أكبر، وهكذا كل الملفات متشابكة، ولا يمكن فصلها بعضها عن بعض، ولا تناقض بين أتاتورك وأردوغان في حقيقة الأمر، وهذه هي السياسة الدولية للدول التي تدرك قيمتها ودورها. في العلاقات الدولية، الدول ليست جمعية خيرية، ولا قيم أو مثل أخلاقية تحكمها؛ بل مصالحها فقط.
ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.