مقالات المركز

العامل الأمريكي في العلاقات الروسية- الهندية


  • 1 أغسطس 2024

شارك الموضوع

قام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بزيارة رسمية إلى روسيا مؤخرًا، وهي أول زيارة له إلى موسكو منذ خمس سنوات، وشهدت استئناف القمة السنوية بين الهند وروسيا، التي كانت معلقة منذ عام 2021. بدا تعليق القمة وكأنه يشير إلى انحراف في العلاقات الثنائية بين البلدين في ضوء تعزيز العلاقات بين الهند والولايات المتحدة، لا سيما بعد زيارة مودي إلى واشنطن عام 2023، وتوقيع صفقات دفاعية غير مسبوقة، وتعزيز العلاقات الصينية- الروسية، بالإضافة إلى انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا كأسباب رئيسة لعدم انعقاد القمة خلال السنوات الثلاث الماضية.

وبجعل روسيا وجهة أول زيارة ثنائية خارجية له منذ انتخابه للمرة الثالثة، أرسل مودي رسالة إستراتيجية إلى موسكو بأنه ليس تابعًا لواشنطن. فبعد انتخابه عام 2014، ثم لولاية ثانية عام 2019، زار مودي دول جنوب آسيا أولًا، مما يشير إلى سياسة “الجوار أولًا” الهندية تجاه جنوب آسيا، ويسلط الضوء على ترتيب أولويات السياسة الخارجية الهندية. وعلى نحو مماثل، فإن منح بوتين أعلى جائزة وطنية لها (وسام القديس أندرو) لمودي، واستضافته في مقر إقامته الخاص، وهو امتياز نادر، يرمز إلى الرسالة الإستراتيجية التي ترسلها روسيا إلى الهند بشأن أولوياتها المتمحورة حول الهند.

وتستغل روسيا أيضًا زيارة مودي للإشارة إلى استقلالها عن الصين في سياستها الخارجية بوصفها قوة كبرى، ويأتي هذا في ظل تصورات بأنها أصبحت الآن شريكًا تابعًا لبكين. وكانت الصين صريحة في دعوة روسيا إلى الامتناع عن بيع الأسلحة للهند وسط المواجهة الحدودية الهندية الصينية المستمرة. كما أعطت روسيا موافقتها الضمنية للهند لبيع صواريخ براهموس، وهي مشروع مشترك هندي روسي، إلى الفلبين، التي تهدف إلى ردع الصين في بحر الصين الجنوبي. ومن الممكن القول إن قدرة روسيا على تقديم نفسها قطبًا تعتمد على اتخاذها إجراءات مستقلة بدلًا من النظر إليها على أنها تتبع الصين.

وقد ساعد شراء النفط والأسمدة الروسية بأسعار مخفضة على إبقاء التضخم في الهند تحت السيطرة، ومن ثم الإسهام في قصة النمو في الهند. وامتص استهلاك الهند من النفط الروسي الصدمات العالمية في مواجهة أسعار النفط الجامحة الناجمة عن مقاطعة أوروبا للطاقة الروسية. ومن ناحية أخرى، تعمل عضوية الهند في المنظمات غير الغربية (البريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون) التي تروج لها روسيا، كجزء من طموح موسكو إلى أن تُعَد قطبًا، على تعزيز مصداقية هذه الهيئات بوصفها بدائل قابلة للتطبيق للمؤسسات الغربية. وتشير الزيارة أيضًا إلى الغرب بأن الهند تعمل على تقسيم شراكاتها العالمية على أساس المصالح الوطنية؛ ذلك أن المنطق وراء إقامة شراكة قوية مع روسيا يفوق الضغوط الغربية على الهند لحملها على مقاطعة موسكو. ومن المرجح أن تتعارض الرؤية الاقتصادية الهندية الروسية الجديدة التي حددتها القمة مع المحاولات الغربية لعزل موسكو.

وهذه المواقف الهندية تجعل البيت الأبيض غير متأكد بشأن الإرادة السياسية للهند لردع الصين في غرب المحيط الهادئ. ولكن بصرف النظر عن رغبة الهند في السلام مع الصين، فإن مصالحها الأمنية تكمن- في المقام الأول- في منطقة المحيط الهندي؛ ومن ثم فإن كلتا الدولتين لديها نهج مختلف في التعامل مع الصين، وهو ما قد يصبح عقبة محتملة أمام الشراكة الدفاعية المتطورة، لا سيما أن واشنطن منحت نيودلهي فرصة الإنتاج المشترك الثنائي لمحركات الطائرات النفاثة، ونقل التكنولوجيا الخاصة بها بنسبة تصل إلى 80 في المئة، وهي قفزة كبيرة إلى الأمام لقدرات تصنيع الطائرات المحلية في الهند، واتفاقية لتزويد الهند بطائرات بدون طيار متقدمة من طراز MQ-9B. بالإضافة إلى ذلك، فإن شراء الطائرات بدون طيار المسلحة من شأنه أن يعزز قدرات الاستخبارات والعمليات الهندية في جميع المجالات. مع صفقة الطائرات بدون طيار، أصبحت الهند الدولة غير الحليف التي يُعرض عليها نظام التحكم في تكنولوجيا الصواريخ من الفئة (1)، مما يُظهر التزامًا أمريكيًّا لا مثيل له بتعزيز القدرات القتالية للهند، وتأسيس مثال لمسار علاقاتهما الدفاعية.

تشكل علاقات نيودلهي وواشنطن مع روسيا وباكستان على التوالي عائقًا؛ فقد منحت الولايات المتحدة الهند إعفاء بموجب قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات (CAATSA) لعام 2017، لشراء نظام إس-400 من روسيا. ومع ذلك، فإن موقف الهند المستقل بشأن غزو أوكرانيا، وعمليات شراء النفط المتصاعدة من موسكو، لم يساعد العلاقات مع الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، أعربت واشنطن أيضًا عن مخاوفها بشأن مشتريات الهند من الأسلحة من روسيا؛ لأن الأسلحة ذات الأصل الروسي غير متوافقة من الناحية التكنولوجية مع تلك الموجودة في الولايات المتحدة؛ مما يجعل التوافق العسكري أمرًا بعيد المنال.

وعلى نحو مماثل، في عام 2016، كان لاتفاقية الدفاع بين الولايات المتحدة وباكستان تأثير ملحوظ في العلاقات بين الهند والولايات المتحدة، فقد رفضت الهند عرض شركة لوكهيد مارتن التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها بنقل خط تجميع نظام إف- 16 إلى الهند، حيث جاء العرض الأمريكي في أعقاب قرارها ببيع الطائرة نفسها إلى إسلام آباد، وأصرت الهند على أن توقف واشنطن مبيعات طائرات إف- 16 إلى باكستان بسبب مخاوف بشأن تأثيرها في الردع الإقليمي، كما تقدمت بشكوى رسمية قوية إلى واشنطن بعد البيع. وتحد هذه الاختلافات الإستراتيجية من فرص شراكتهما الدفاعية.

وعلى الصعيد الآخر، ناقش مودي وبوتين أزمة نقص المعدات الدفاعية، وقطع الغيار، وإنشاء وحدة مشتركة لتصنيع قطع الغيار العسكرية في الهند في الوقت المناسب، فنحو (45 %) من المعدات العسكرية الهندية من أصل روسي، وسوف تلبي وحدة تصنيع قطع الغيار الجديدة أيضًا متطلبات البلدان الأخرى التي تستخدم الأسلحة الروسية، وهذا أمر ذو أهمية، خاصة في ظل العجز الملحوظ لروسيا اليوم عن الوفاء بالمواعيد النهائية للتصدير بسبب انشغالها بالحرب في أوكرانيا؛ ومن ثم فإن آلية تصدير أجزاء الغيار من أطراف ثالثة يمكن أن تضيف بعدًا جديدًا للتعاون الدفاعي بين الهند وروسيا.

إن أي انحراف في العلاقات بين الروسيا والهند قد يخلف عواقب وخيمة على نطاق عريض، ولعل أبرز هذه العواقب تأثيره في استقلالهما الإستراتيجي، فضلًا عن التوازن الإستراتيجي في جوارهما. ومن المرجح أن تعتمد روسيا، التي تفتقر إلى شركاء يتمتعون بثقل عالمي وإقليمي، على الصين اعتمادًا أكبر، وهذا من شأنه أن يعزز حتمًا موقف بكين في آسيا والعالم، ولن تكون الهند أو روسيا في وضع أفضل في هذا السيناريو؛ ومن ثم فإن إبعاد روسيا عن الصين من خلال إضافة مزيد من الركائز للعلاقات الثنائية بين الهند وروسيا يصب في مصلحة الهند.

كما أن العامل الأمريكي في الفكر الدفاعي الهندي أصبح أمرًا لا مفر منه، حيث أثبت أن الإفراط في الاعتماد على مصدر واحد في التسليح أمر غير مستحسن، ومع ذلك، فإن العمر الافتراضي الطويل للمعدات العسكرية يعني أن روسيا ستظل تشكل ركيزة أساسية للدفاع في الهند في المستقبل المنظور، ولعل العبء يقع على عاتق روسيا لاستكمال مبادرة “صنع في الهند” من خلال تقديم تقنيات دفاعية متطورة، وقد يكون سجلها الحافل في تطوير صاروخ براهموس المشترك سببًا في وضع روسيا في موقف جيد. ويشير إدخال بنادق “إيه كيه 203” مؤخرًا، وهي مشروع مشترك بين الهند وروسيا، من المرجح أن يشكل الدعامة الأساسية للقوات المسلحة الهندية، إلى فروع جديدة من التعاون.

تبدو الهند بعيدة عن أي تأثير من نتائج تطور الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، لا سيما أن تطوير العلاقات معها يحظى بدعم من الحزبين المتصارعين. وفي حين أن التنفيذ الناجح لصفقة المحركات النفاثة قد يكون بمنزلة تغيير لقواعد اللعبة للشراكة الاستراتيجية الأوسع، فإن كلا الجانبين ينظر إلى الآخر بكثير من عدم الثقة، ويتعين على الطرفين تجاوز الخلافات الإستراتيجية بينهما، لكن نيودلهي تُدرك أنها شريك ثمين، وليس تابعًا؛ ومن ثم تفكر في تنويع تحالفتها من خلال إشراك أصحاب المصلحة المتعددين، لا سيما الولايات المتحدة، دون أن تخسر روسيا.

ما ورد في المقالة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع