تعد الصين إحدى القوى العظمى في العالم اليوم، إلى جانب عدة دول أخرى عظمى، منها الولايات المتحدة الأمريكية. شهدت الصين تقدمًا ملحوظًا في مختلف المجالات؛ فقد أصبحت تمتلك ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة، وهي أيضًا أكبر مصدر للتجارة العالمية. كما يمتد تقدم الصين ليشمل قطاعات مهمة، مثل التكنولوجيا، والبنية التحتية، والصناعات الثقيلة والخفيفة، والطاقة المتجددة، وغيرها.
ادعاءات سعي الصين نحو “الهيمنة” العالمية، من الموضوعات التي تثير جدلًا كبيرًا في المجتمع الدولي حاليًا. تسعى الصين إلى توسيع نفوذها وتأثيرها في مختلف أنحاء العالم من خلال إستراتيجية اقتصادية وسياسية، وهو ما قد يوحي بأنها تطمح إلى تحقيق هيمنة دولية، يتجلى هذا الطموح- بوضوح- في إطار مبادرة الحزام والطريق، التي تهدف إلى إحكام قبضة الصين على المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية في شتى أنحاء العالم من خلال مشروعات التجارة والبنية التحتية. كما تسعى أيضًا إلى تعزيز تحالفاتها الاقتصادية والسياسية مع كثير من الدول، التي تشمل توقيع اتفاقيات التجارة الحرة، والاستثمار.
مع ذلك، تتبنى الصين رسميًّا سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتعمل على تعزيز العلاقات الدولية من خلال التعاون والتفاهم المشترك. ومع ذلك، يشيع القلق بشأن النيات الحقيقية للصين وأهدافها الجيوسياسية في ضوء توسع نفوذها الاقتصادي والسياسي. من الواضح أن الصين باتت قوة عظمى على المستوى العالمي، ولكن مدى هيمنتها وتأثيرها الدولي لا يزال موضوعًا للجدل والتحليل المستمر من الجماهير والخبراء.
نتيجة لذلك نجد- في كثير من الأحيان- صراعًا ونزاعًا بين الولايات المتحدة الأمريكية المهيمنة والصين الطامحة- وفق البعض- إلى “الهيمنة” في كثير من النواحي. كان النزاع الأبرز في الفترة من 2019 إلى 2020، في أثناء الحرب التجارية بين البلدين، التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، بالإضافة إلى النزاع في بحر الصين الجنوبي باعتباره منطقة ذات أهمية إستراتيجية كبيرة، ومصدرًا للنفوذ الاقتصادي والسياسي في العالم. يتمركز الصراع على بحر الصين الجنوبي بين الصين وبعض الدول الأخرى في المنطقة مثل فيتنام، والفلبين، وماليزيا، وبروناي، وتايوان، وإندونيسيا.
تعد الصين من أكبر اللاعبين في صراع بحر الصين الجنوبي، حيث تدعي ملكية معظم المياه والجزر والشعاب المرجانية فيه، في حين تعزز وجودها العسكري في هذه المنطقة من خلال بناء جزر اصطناعية وقواعد عسكرية عليها. وبناء على ما تقوم به الصين، تجد عدة دول تشارك في بحر الصين الجنوبي نفسها في موضع خطر، باعتبار أنها تدعي ملكية بعض الجزر، وفق “الحق” التاريخي، لتثبت ملكيتها، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا لسيادة الدول الأخرى، ويثير حالة من التوترات في المنطقة، ويدفعها نحو مزيد من العسكرة، وإنشاء التحالفات الدولية والإقليمية.
تؤكد الصين- من جانبها- أنها تسعى إلى السلم والتنمية، وتحافظ على سيادتها الوطنية، وتعتبر هذه الخطوات المتخذة في بحر الصين الجنوبي لحماية مصالحها الإستراتيجية، ولغرض الحفاظ على الملاحة الحرة، والسلم، كما ترى أنها جزء من أراضيها الإقليمية التاريخية؛ ولذلك فلديها الحق القانوني في السيادة عليها. بصورة عامة، تبدي الصين اهتمامًا كبيرًا باستقرار المنطقة، ومواردها الطبيعة، وتسعى إلى تعزيز التعاون مع الدول الأخرى من خلال إقامة علاقات ثنائية، وعلاقات متعددة الأطراف، ورغم توتر العلاقات في بحر الصين الجنوبي، فإن الصين ما زالت تبذل جهودًا دبلوماسية لحل النزاعات سلميًّا، ومن خلال الحوار.
إجمالًا، الصراع في بحر الصين الجنوبي يعكس الصراعات الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة، سواء من جانب الصين أو الولايات المتحدة، حيث تسعى الصين إلى الهيمنة، في حين تسعى الولايات المتحدة إلى التصدي للتوسعات الصينية بسبب مصالحها المختلفة الموجودة في تلك المنطقة. وبينما تحقق الصين تقدمًا ملحوظًا في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا، فإنها تواجه تحديات جديدة في السعي إلى تحقيق توازن القوى مع جيرانها، وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
بالانتقال إلى تفسير رد فعل الصين تجاه القضايا العالمية، أو سياستها مع دول العالم، فهي تعتمد في سياستها على مبدأ العدالة، والمساواة، واحترام سيادة الدول، كما تسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار الإقليمي والدولي، والتركيز على تعزيز التعاون، وتطوير العلاقات الثنائية مع الدول الأخرى، وترى الحوار السياسي والتعاون الاقتصادي والثقافي بين الدول أساسًا لتعزيز العلاقات الدولية.
تسعى الصين أيضًا إلى الإسهام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم، وتعمل على تعزيز التجارة الدولية، والاستثمارات الخارجية، وتلتزم بالمشاركة الفاعلة في القضايا العالمية المهمة، مثل التغير المناخي، ومكافحة الإرهاب، والتهديدات الأمنية العالمية، وتسعى إلى إحلال السلام في المناطق المتنازع عليها. تهدف الصين أيضًا إلى بناء شراكات إستراتيجية مع الدول الأخرى بناءً على المصالح المشتركة، وتسعى إلى تعزيز العلاقات مع الدول النامية، وتقديم الدعم والمساعدة لها في مجالات التنمية، والبنية التحتية، والتعليم.
الصين تسعى أيضًا إلى تعزيز علاقاتها مع منظمة أسيان من خلال مبادرة الحزام والطريق، التي تهدف إلى تعزيز الاتصالات والتعاون الاقتصادي بين الصين ودول العالم، ومنها أعضاء أسيان، وإلى تطوير البنية التحتية، وزيادة التجارة، وتعزيز التعاون في مجالات مختلفة، مثل البناء، والتكنولوجيا، والصناعة، والسياحة.
وفي الختام، نجد أن الصراع في بحر الصين الجنوبي سيظل في مراحله الحالية، ومن غير المتوقع أن تُقدم الصين على ارتكاب فعل قد يجعلها تدفع ثمن ذلك حربًا تعود عليها بالأثر السلبي؛ لذلك سيظل الوضع على ما هو عليه، مع محاولتها- إلى جانب الولايات المتحدة- تحقيق التوازن في المنطقة فقط، وضمان عدم حدوث مناوشات قد تعكر صفو العلاقات، لكن سيظل التوازن في المنطقة قائمًا بين القوتين، حيث تتحسب واشنطن من أي رد فعل عسكري بسبب قوة بكين العسكرية من جهة، وقوتها الاقتصادية من جهة أخرى، حيث تعد الصين من أكبر الدول التي تمتلك سندات وأسهمًا أمريكية. كذلك تحتاج الصين إلى الوصول إلى الهيمنة العالمية، أو أن تكون المنافس الأول للولايات المتحدة؛ لذلك فإنها لن تحاول الدخول في حرب معها. ومن جانب آخر، فيما يتعلق بمنظمة آسيان وعلاقتها مع الصين، فإنها- أي الصين- تعد شريكًا إستراتيجيًّا للمنظمة، وهي منظمة إقليمية تضم عشر دول في جنوب شرق آسيا؛ لتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني بينها. مع ذلك، تواجه الصين أحيانًا تحديات في علاقتها بالمنظمة، خاصة فيما يتعلق بالنزاعات البحرية في بحر الصين الجنوبي.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.