في سبتمبر (أيلول)، أصدرت الإدارة العامة للجمارك الصينية بيانات تظهر أن الصادرات اليابانية من الثروة السمكية وصناعاتها إلى الصين قد انخفضت إلى الصفر، وهذا على خلفية الأزمة بين بكين وطوكيو، حيث تجاهلت الأخيرة الشكوك القوية والمعارضة من جانب المجتمع الدولي، وبادرت من جانب واحد إلى تصريف المياه الملوثة بالإشعاع النووي مِن محطة فوكوشيما في البحر. وقبل ذلك، أعربت الصين عن موقفها الرسمي عدة مرات، وأثارت مخاوف وأسئلة جدية في اجتماعات منظمة التجارة العالمية ذات الصلة، وفي أثناء مراجعة سياستها التجارية مع اليابان، دون التوصل إلى اتفاق مُرضٍ.
على هذه الخلفية، ومن أجل المنع الشامل لخطر التلوث الإشعاعي على سلامة الأغذية الناجم عن تصريف المياه الملوثة نوويًّا في فوكوشيما اليابانية، فإن السلطات الصينية المختصة، وفقًا للقوانين واللوائح الصينية، والأحكام ذات الصلة لمنظمة التجارة العالمية، واتفاقية تنفيذ تدابير الصحة والصحة النباتية، اتخذت تدابير ضد كل صناعة الثروة السمكية اليابانية.
هذا المنع الصيني لم يمنع اليابان من تصريف المياه الملوثة نوويًّا إلى البحر ثانية، ولم يعد أمر الحظر على المنتجات السمكية اليابانية مسألة صينية فقط؛ بل إن تايلاند تدرس تعزيز إجراءات مراقبة السلامة على المنتجات المستوردة من اليابان، واعتمدت روسيا مؤقتًا إجراءات تقييدية على الأسماك والمنتجات المائية الأخرى المستوردة من اليابان.
ونظرًا إلى حظر المبيعات اليابانية في الأسواق الآسيوية التقليدية، حولت الحكومة اليابانية انتباهها إلى السوق الأوروبية. ومع ذلك، فضلًا عن أن الصادرات إلى أوروبا لا تمثل سوى نحو (2%) من إجمالي صادرات اليابان من الأسماك، وحتى إذا أمكن فتح سوق للمبيعات، فسوف يستغرق الأمر نحو نصف عام- على أقرب تقدير- لضمان استقرار سلسلة التوريد بسبب إجراءات الوصول المرهقة لدول الاتحاد الأوروبي. ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام اليابانية، تشهد مستودعات بعض شركات تصنيع المنتجات المائية تكدسًا يبلغ ارتفاعه نحو 8 أمتار.
قدمت اليابان وثيقة مكتوبة إلى منظمة التجارة العالمية، وصفت فيها التدابير التي اتخذتها الصين للسيطرة على الواردات بأنها “غير مقبولة”، كما وصفت القرار الذي اتخذته روسيا بأنه “غير عادل، ومؤسف”، وطالبت بإلغائه على الفور. لكن يبدو أنه لا يوجد تعاطف عالمي مع طوكيو، لا سيما في إطار أجندات المناخ وحماية البيئة، التي أصبحت أولوية على جدول أعمال المنظمات الأممية والحكومات، فقرار تلويث مياه المحيط الهادئ بمخلفات نووية قد يتم تجاهله في إطار انشغال العالم بالحروب.
دعا وزير الزراعة والغابات ومصايد الأسماك الياباني الشعب الياباني إلى زيادة استهلاك الأسماك لكي يتم التخلص من المخزون محليًّا، لكن يبدو أن اليابان عازمة على تسييس التخلص من المخلفات النووية في مياه المحيط الهادئ، واعتبار الأمر جولة في الحرب الغربية بين الناتو وحلفائه من جهة، والصين وروسيا مِن جهة أخرى، في حين أنه كان يمكن التفاوض دائمًا على آلية تُحافظ على البيئة، وتُراعي المخاوف الصحية مِن البلدان المجاورة، دون النظر بعقلية الحرب الباردة، خاصةً أن المواطن الياباني نفسه مُتضرر مِن التلوث، والعبث بالمقدرات البيئية.