تقدير موقف

الصراع الهندي- الباكستاني بشأن بنغلاديش


  • 24 مايو 2025

شارك الموضوع

بعد إقالة رئيسة وزراء بنغلاديش السابقة الشيخة حسينة الصيف الماضي، عززت البلاد علاقاتها مع كثير من الشركاء؛ وأبرز هذه التفاعلات كانت مع باكستان والصين. ويشير التحسن الأخير في العلاقات الباكستانية البنغلاديشية، وزيارة كبير مستشاري بنغلاديش محمد يونس للصين، إلى أن المشهد السياسي الإستراتيجي في جنوب آسيا يشهد تغيرات طفيفة لكنها مهمة. ورغم عدم وجود علاقة ثلاثية رسمية بينهما حتى الآن، فإن تعميق العلاقات الثنائية بين دكا وبكين، والتقارب الناشئ بينهما، قد يؤدي إلى تقارب محتمل قد يفرض تحديات على الوضع الإستراتيجي الإقليمي الراهن؛ مما يضع الهند في مأزق إستراتيجي معقد.

تجد نيودلهي نفسها عالقةً بين حاجتها الماسة إلى الدفاع عن علاقاتها الثنائية الراسخة، وضرورة تجديد نهجها تجاه جارٍ يزداد تقلبًا. وقد أثارت تصريحات يونس الاستفزازية في الصين، التي وصف فيها شمال شرق الهند بأنه منطقة غير ساحلية، وبنغلاديش بأنها “الحارس الوحيد للمحيط في هذه المنطقة”، بالإضافة إلى تكهنات تخطيط بكين لبناء مطار في منطقة لالمونيرات ببنغلاديش، قلقًا وشكوكًا في نيودلهي. وإذا ما تحقق هذا المشروع، فسيُشكل تهديدًا مباشرًا لمصالح الأمن القومي الجوهرية للهند؛ بسبب قرب المنطقة من ممر سيليجوري الضيق والحساس إستراتيجيًّا، المعروف أيضًا باسم “رقبة دجاجة الهند”، الذي يربط البر الرئيس للهند بالشمال الشرقي.

تتفاقم هذه التحديات بفعل التوتر المتزايد في العلاقات الهندية البنغلاديشية، فقد امتنعت حكومة مودي حتى الآن عن التواصل الدبلوماسي الاستباقي مع يونس، باستثناء لقائهما الأخير على هامش قمة (BIMSTEC) التي عُقدت في تايلاند. إضافةً إلى ذلك، غذّى التأخير في اتفاقيات تقاسم المياه ومشروعات البنية التحتية العابرة للحدود انطباعاتٍ بعدم اكتراث الهند. في المقابل، يُشير رد الصين السريع، ومرونة شروط التمويل، واستعدادها للانخراط في قضايا حساسة مثل إعادة الروهينجا، والحاجة إلى محادثات سلام في ميانمار، إلى شراكة ليست اقتصادية فحسب؛ بل إستراتيجية متزايدة.

قد يكون للتحالف الجديد بين بنغلاديش والصين عواقب إستراتيجية حقيقية على الهند في المجال الدبلوماسي. إذا انحازت دكا -على نحو أوثق- إلى مواقف بكين في المحافل المتعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة، بشأن القضايا الحساسة للهند (مثل نزاع كشمير، وحقوق الأقليات، وإستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ) -كما فعلت باكستان- فقد يؤدي ذلك إلى تآكل الحيز الدبلوماسي للهند. قد يُضعف دعم بنغلاديش للروايات التي تقودها الصين قدرة الهند على تقديم موقف جنوب آسيوي موحد في المحافل العالمية، خاصة إذا حذت دول إقليمية أخرى حذوها. وبعيدًا عن التجاوز المادي، إذا أصبحت بنغلاديش وباكستان مركزين للممرات الرقمية واللوجستية الصينية التي تستفيد من التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية، وتقنيات الجمارك الصينية، فقد تفقد جهود الهند، مثل الطريق السريع الثلاثي بين الهند وميانمار وتايلاند، أو مبادرة (BIMSTEC)، زخمها. قد يؤدي تجزئة جنوب آسيا إلى مناطق اقتصادية منفصلة متحالفة مع الصين إلى تقليل مركزية الهند في جهود التكامل الإقليمي.

في غضون ذلك، تُشكّل العلاقات الأمنية المتنامية بين بنغلاديش وباكستان مصدر قلق عسكري مباشر لنيودلهي؛ فلطالما كانت الحدود بين الهند وبنغلاديش غير آمنة، مما سمح للجماعات المتمردة بالتنقل بين البلدين. ومع أن حكومة حسينة، حزب رابطة عوامي، اتخذت خطوات لقمع هذه الجماعات، فإن هناك مخاوف متجددة في نيودلهي من أن التقارب بين بنغلاديش وباكستان قد يُعيد إحياء هذه المشكلة.

وتُحدث العلاقات المتنامية بين باكستان وبنغلاديش تغييرًا جذريًّا في ديناميكيات القوة في جنوب آسيا، ويتمثل التأثير المباشر في إعادة تقييم الشراكات الإقليمية. فإلى جانب التركيز الحصري على العلاقات الهندية البنغلاديشية، تتجه الحكومة المؤقتة نحو نهج أكثر تنوعًا يتحدى المصالح الإستراتيجية لنيودلهي في المنطقة. ويمكن للصين، التي تتمتع بالفعل بنفوذ كبير على باكستان، واستثمرت بكثافة في تطوير البنية التحتية في بنغلاديش، أن تستغل أيضًا هذا التغيير في العلاقات لتعزيز حضورها الإستراتيجي في خليج البنغال؛ فمن خلال مبادرة الحزام والطريق، موّلت بكين مشروعات رئيسة في مجالي الاتصال والطاقة في بنغلاديش، مما جعلها شريكًا اقتصاديًّا طويل الأمد لدكا.

إذا تعمّقت علاقات بنغلاديش مع الصين وباكستان أكثر -لا سيما في المجال الدفاعي- فقد ترى الهند في ذلك تطويقًا إستراتيجيًّا، مما يدفع نيودلهي إلى إعادة تقييم وضعها الإقليمي. قد تشمل ردود الفعل الهندية المحتملة تعزيز وجودها العسكري في المنطقة الشمالية الشرقية، أو تكثيف الضغط الدبلوماسي على بنغلاديش، أو تعزيز العلاقات مع دول خليج البنغال الأخرى. كما أن التفاعلات العسكرية والدفاعية المتنامية بين إسلام آباد ودكا قد تُمهّد الطريق لزيادة سباق التسلح والعسكرة في المنطقة. في جنوب آسيا المستقطَب، قد تصبح بنغلاديش -عن غير قصد- بؤرة توتر جيوسياسية -عالقة بين محاور إستراتيجية متنافسة- مما يزيد خطر أن تصبح نقطة محورية في صراع مستقبلي يشمل الهند والتحالف الباكستاني الصيني. ويشير المحللون الهنود أيضًا إلى مخاوف نيودلهي من احتمال عودة التطرف، وإحياء التشدد الإسلامي المناهض للهند في بنغلاديش بسبب تصورهم لعلاقاتهم القوية مع باكستان.

يجب الاعتراف بأنه على الرغم من الجهود الدبلوماسية الحالية، فإنه لا تزال هناك تساؤلات عن استدامة هذا التقارب الناشئ بين باكستان وبنغلاديش. ولم يتضح بعد هل ستصمد هذه الجهود أمام التأثير المستمر لحجم التجارة الهندية والقرب الجغرافي أم لا. إضافةً إلى ذلك، فإن الود الحالي يوجهه النظام المؤقت في بنغلاديش، الذي من المفترض أن ينقل السلطة إلى حكومة منتخبة خلال العام المقبل، ومن السابق لأوانه التكهن باستمرار هذا التقارب. ومع ذلك، فمع أن العلاقة لا تزال في مراحلها الأولى، فإن التعزيز المتزامن للعلاقات الثنائية بين دكا وبكين وإسلام آباد يشير إلى تغيير في النظام الإقليمي بعيدًا عن هيمنة الهند، ويفتح آفاقًا لتحالفات وروابط غير تقليدية في المستقبل.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع