مقالات المركز

الصراع الصيني الأمريكي في الإندوباسيفيك.. صراع على الهيمنة


  • 4 ديسمبر 2023

شارك الموضوع

نظرًا إلى ديناميكية عالم العلاقات الدولية الذي يُرسم وفقًا للتفاعلات بين الدول، ظهر على الساحة الدولية خلال الفترات الماضية احتدام للتوترات في بقاع مختلفة من الأرض، وعلى رأس تلك التوترات توتر بين دولتين إحداهما مهيمنة، وأخرى صاعدة تسعى إلى الهيمنة؛ وهما الولايات المتحدة الأمريكية، والصين الشعبية، ومع احتدام التوترات والصراعات بين البلدين، صعد نزاع جديد على السطح بينهما، إلى جانب صراع السيطرة في بحر الصين الجنوبي، وهو الصراع في منطقة الإندوباسيفيك.

الأهمية الجيوسياسية للإندوباسيفيك

تعد منطقة الإندوباسيفك جغرافيا مفتوحة لكل الدول المطلة على المحيطين الهندي والهادي، حيث تمتد إلى المياه الاستوائية للمحيط الهادي، وتشمل دولًا آسيوية، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وبعض دول أمريكا اللاتينية وشرق إفريقيا المطلة على المحيطين، بالإضافة إلى أستراليا، ونيوزيلندا، والدول الجزرية بابوا غينيا الجديدة، وجزر فيجي. اكتسبت تلك المنطقة أهمية كبرى، حيث جذبت انتباه الدول الكبرى والصاعدة، مثل الصين، والهند، واليابان؛ لتحقيق الاستفادة القصوى من المنطقة؛ نظرًا إلى وجود عدة أبعاد تتمتع بها المنطقة اقتصاديًّا وعسكريًّا واستراتيجيًّا، بالإضافة إلى الأهمية الجيوبولتيكية.

تتمتع المنطقة بأهمية إستراتيجية، حيث تحتوي على 50% من سكان الكرة الأرضية، و48% من إجمالي التجارة العالمية، و57% من الناتج العالمي، بالإضافة إلى التجارة والموارد المختلفة، وتدفق نحو 80% من تجارة النفط في العالم؛ لسيطرتها على ممرات التجارة الإستراتيجية، خاصة لدولة مثل اليابان، التي تمكّنها من الربط بين شرق آسيا وغربها.

الوجود الأمريكي في الإندوباسيفيك

لا يعد اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة وليد اللحظة؛ بل له جذور تاريخية. سعت واشنطن إلى بلورة مصالحها في المنطقة على هيئة إستراتيجية خلال السنوات الأخيرة، من خلال الانخراط في الاتفاقيات الاقتصادية، وتعزير وجودها العسكري وتثبيته.

في الإستراتيجية الأمريكية التي وُضعت للمنطقة في فبراير (شباط) عام 2022، اعتبرت واشنطن، الصين المهدد الرئيس لمصالحها في المنطقة، مع الأخذ في الحسبان رغبة بكين في السيطرة والهيمنة على المنطقة بوصفها امتدادًا لطموحاتها في الهيمنة على العالم، أو مشاطرة الولايات المتحدة الأمريكية الهيمنة العالمية.

وجود أمريكي.. وتعنت صيني

حاولت الصين فرض وجودها في المنطقة بقوة كبيرة حتى تتمكن من الحفاظ على مصالحها ومكانتها في المنطقة؛ ولذلك حاولت تثبيت قوتها العسكرية من خلال عدة مشروعات، ومنها الخطوة الأولى مبادرة الحزام والطريق، التي أعلنتها عام 2013، ويشير الاسم إلى تكوين شبكة بحرية تربط الصين بالمواني الرئيسة عبر آسيا والمحيط الهندي، بالإضافة إلى ربط اتصالاتها بالشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وأوروبا. وخلال مدة قصيرة، استطاعت الصين تحقيق زيادة في استثماراتها في شرق آسيا، مستغلة حالة الفراغ الإستراتيجي في المنطقة.

أما الخطوة الثانية فهي الاتفاق الأمني بين الصين وجزر سليمان، الذي أثار حفيظة عدة دول، منها الولايات المتحدة، على الرغم من عدم اعتماده رسميًّا، لكنه نص على السماح للصين بإرسال قوات عسكرية إلى جزر سليمان من أجل الحفاظ على الأمن والنظام، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، خاصة بعد الاحتجاجات التي حدثت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، بالإضافة إلى ما نصت عليه مسودة الاتفاق من إمكانية استخدام  الصين قواتها العسكرية بموافقة هونيارا؛ لحماية المشروعات الصينية، مع السماح لسفنها بالتوقف  في جزر سليمان من أجل التزويد اللوجيستي. أثار هذا الاتفاق مخاوف عدة دول، وخاصة الولايات المتحدة، من أن يسمح للصين بإنشاء قاعدة عسكرية دائمة في جزر سليمان.

مستقبل الصراع في الإندوباسيفيك

تمر منطقة الإندوباسيفك بمأزق سياسي، حيث تتصارع أكبر قوتين موجودتين على الساحة الدولية في الوقت الحالي، وهما الولايات المتحدة، والصين؛ لذلك يمكن وضع عدة سيناريوهات محتملة للنظر في مستقبل الصراع الصيني الأمريكي:

السيناريو الأول: استمرار الصراع بين الدولتين، وانعكاساته على التجارة الدولية؛ مما يؤثر في باقي دول العالم، وهذا يعد الوجه السلبي البسيط للصراع، فقد يتصاعد إلى حرب تجارية في المنطقة، على غرار الحرب التجارية بين الدولتين عام 2019.

السيناريو الثاني: اتخاذ الصراع بين الدولتين عدة أبعاد، وقد يظهر ذلك في صراع اقتصادي من خلال مبادرة الحزام والطريق، التي تحاول الصين من خلالها فرض نفوذها الإقليمي على المنطقة، حيث عملت على تقديم وتمويل عدد من المشروعات التنموية والبنية التحتية، وهو ما يدعو إلى القلق بشأن وقوع دولها في شرك الديون الصينية، كما حدث مع دولة سيريلانكا. ومن المبادرات التي دعت إليها الصين من أجل تحقيق التعاون الإقليمي: إستراتيجية التجارة الإلكترونية الإقليمية، ومنتدى جزر المحيط الهادي. على الجانب الآخر، تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على توفير مبادرات تمويلية من أجل استقطاب دول المنطقة، ومنها مبادرة مجموعة السبع الكبرى، بالإضافة إلى تدشين الإطار الاقتصادي لمنطقة الإندوباسيفيك.

السيناريو الثالث: اتباع أسلوب اكتساب حلفاء في المنطقة، فكل من الدولتين تعزز أسلوب التعويل على الفواعل الإقليمية بسبب زيادة المخاوف بشأن الهيمنة في المنطقة، حيث تحاول كسب حلفاء. عملت الصين على تقديم مساعدات عسكرية لجزر المحيط الهادي قدرها 4,3 مليون دولار، بالإضافة إلى 18 مليون دولار للقوات المسلحة لدولة فيجي، في حين سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى بيان مدى العقبات والأخطار التي قد تتعرض لها الجزر، ومنها تعهد الرئيس الأمريكي بايدن بتقديم مساعدات قدرها 810 مليون دولار في العقد المقبل، بالإضافة إلى توقيع واشنطن وأربع عشرة جزيرة من المحيط الهادي اتفاقًا لتعزيز الشراكة بينها، يشمل جزر سليمان.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع