تقارير

السياسة الأمريكية في ضوء الانتخابات الرئاسية في تايوان


  • 13 يناير 2024

شارك الموضوع

أصدرت تايوان في 15 ديسمبر (كانون الأول) القائمة الرسمية للمرشحين للانتخابات الرئاسية، الذين سيختار منهم الشعب التايواني، يوم السبت الموافق 13 يناير (كانون الثاني). ويحتفظ المرشح الرئاسي “لاي تشينغ تي”، من الحزب التقدمي الديمقراطي (DPP)، بفارق ضئيل من التقدم على مرشح المعارضة، “هو يو- إيه”، مرشح حزب الكومينتانغ (KMT)، ويأتي ثالثًا “كو وين جي”، مؤسس حزب الشعب التايواني ومرشحه.

ويُعتقد- على نطاق عريض- أن “لاي تشينغ تي”، من الحزب الديمقراطي التقدمي، يسير على خطى رئيسته الحالية، الرئيسة “تساي إنغ وين”، في السياسة الخارجية، وخاصة العلاقات بين تايوان والولايات المتحدة، التي حدّدها على أنها أولوية مطلقة. كما يملك مرشحه لمنصب نائب الرئيس، “هسياو بي خيم”، شعبية كبيرة بين الدوائر السياسية في واشنطن؛ لذا يدل هذا الاختيار على أن الحزب لم يعد يريد أن يلعب بورقة توازن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة مرة أخرى، التي كان- تقليديًّا- يستخدمها مَن يحصل على منصب نائب الرئيس.

ومن ناحية أخرى، أبقى المرشح الرئاسي “هو يو- إيه”، وحزب الكومينتانغ، على ورقة التوازن في العلاقات حاضرة على أمل إبعاد سيناريو الحرب؛ مما يجذب قاعدة انتخابية أوسع، وقد قدم أوراق المذيع الإعلامي ذي الشخصية الكاريزمية “جو شاو كونغ” إلى منصب نائب الرئيس. و”جو” له آراء واضحة بشأن إمكانية الاندماج ثانيةً مع البر الرئيس للصين. للوهلة الأولى، أتت هذه الإستراتيجية بثمارها، وقفزت معدلات التأييد الشعبي إلى 28.7 في المائة، بزيادة 8 نقاط مئوية، بعد يومين من ترشيح “جو” لمنصب نائب الرئيس، وارتفعت معدلات التأييد بين مؤيدي حزب الكومينتانغ من 64.4 في المائة إلى 82.6 في المائة، لكن هذا لا يعني أن يلقى قبولًا عامًا في الشارع التايواني، الذي تغير مزاجه نحو الغرب أكثر، لا سيما الولايات المتحدة.

أما المرشح “كو وين جي” فيحاول أن يقدم نفسه بوصفه سياسيًّا برغماتيًّا، لا تحركه الأيديولوجيا التي ينتهجها الحزبان السياسيان الرئيسان، الحزب الديمقراطي التقدمي، وحزب الكومينتانغ؛ لذا جعل خطابه الانتخابي بعيدًا عن الاختيار بين السلام والحرب، والاختيار بين الديمقراطية والاستبداد، وركز على ما وصفه بـ”المواجهة بين السياسة القديمة والسياسة الجديدة”. وقدم “كو” مرشحةً لمنصب نائب الرئيس، وهي “وو هسين يينغ”، المولودة في الولايات المتحدة لعائلة مصرفية ثرية. وعلى غرار رئيسها الحالي، الذي عمل جراحًا معظم حياته قبل أن يتحول إلى السياسة، عملت “وو” مديرة تنفيذية للأعمال في الخارج، وفي تايوان، ويأتي هذا التعيين بعدما لاحقت “كو” بعض تعليقاته التي صُنفت بأنها “كراهية للمرأة”، ولكن بشكل عام، يهدف “كو” إلى تقديم نفسه بوصفه رجلًا استثنائيًّا، قد يشكل طريقًا ثالثًا أكثر واقعية من خارج السياق السياسي العام في تايوان.

وبغض النظر عمن سيفوز في الانتخابات العامة في تايوان، فلن يكون هناك تغيير في موقف الولايات المتحدة بشأن تايوان، خصوصًا أن إدارة بايدن ترى تايوان قضية أساسية لاحتواء الصين، والحد من نفوذها المتصاعد، وقد قدم كثير من زعماء الكونجرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالفعل مشاريع قوانين تشريعية لمواجهة تهديدات الصين للأمن القومي الأمريكي، وبحر الصين الجنوبي، ولتقديم الدعم لتايوان. وتحت قيادة إدارتين مختلفتين جدًّا من الرئيس السابق دونالد ترمب إلى جو بايدن، ظل الدفاع عن الولايات المتحدة ضد الممارسات الصينية، خصوصًا ضد تايوان، على رأس أولويات الأمن القومي الأمريكي.

ومن المتوقع أن تستمر الإدارة الأمريكية في العمل على سيناريوهات الردع والحماية لتايوان من أي عمل عسكري صيني، وقد توحد المشرعون الأمريكيون بشأن مجموعة من مشاريع القوانين والقضايا الخاصة بالأمن القومي، وتايوان، ونفوذ الصين العالمي، وقد ظهر هذا في تشريع القانون (S.477) لمنع غزو تايوان، الذي يسمح للرئيس الأمريكي “باستخدام القوة لغرض تأمين تايوان، والدفاع عنها ضد أي هجوم مسلح”، بالإضافة إلى قوانين تسمح  بفرض عقوبات كثيرة على القادة، والمسؤولين، والمؤسسات المالية الصينية في حالة حدوث “عدوان” على تايوان.

وتركز الولايات المتحدة حاليًا على معالجة التحديات المتعددة التي تفرضها الصين، حيث تعمل بكين- بنشاط- على تقويض قوة واشنطن ونفوذها في آسيا؛ لذا تسعى الإدارة الأمريكية إلى تقليل اعتمادها على الواردات الصينية، وتركز- بشكل أكبر- على مرونة سلاسل التوريد التي تشمل القطاعات ذات الأهمية الإستراتيجية، أو القطاعات ذات الأهمية الاقتصادية، مثل الطاقة الشمسية، والطاقة المتجددة. وتواجه واشنطن تحدي سيطرة بكين على العناصر الأرضية النادرة، وخطتها الإستراتيجية لاستغلال قاع المحيط من خلال التعدين في قاع البحر. وتهدف الإستراتيجية الصينية إلى تأمين السيطرة على المواقع الغنية بالموارد التي تحتوي على عناصر أساسية، مثل الكوبالت، والليثيوم، والمانغنيز، وهي عناصر ضرورية لدعم التحول إلى الطاقة المتجددة، ولهذه المعادن دور حاسم في الصناعات الأمريكية الحيوية، وتسهم في المصالح الوطنية الأمريكية فيما يتعلق بمجالات النقل، والدفاع، والفضاء، والإلكترونيات، والطاقة.

أخيرًا، فإن إدارة بايدن، مثل إدارة ترمب السابقة، تدعو إلى نقل صناعة أشباه الموصلات إلى الداخل، لكن الولايات المتحدة تحتاج إلى صناعات التكنولوجيا المتقدمة في تايوان، وخاصة تصنيع أشباه الموصلات البالغة الأهمية؛ لذا تدرك واشنطن مدى أهمية تايوان وتصنيع أشباه الموصلات لأمنها القومي، لا سيما العسكري والاقتصادي، ومن المستبعد- إلى حد كبير- أن تسمح الولايات المتحدة لمصالحها أن تتأثر بأي تداعيات سياسية تنتج عن العملية الانتخابية في تايوان.

ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع