مختارات أوراسية

المنطق الخفي للأزمة

السلام في أوكرانيا مستحيل قبل عام 2025


  • 8 فبراير 2024

شارك الموضوع

“لا توجد تسوية سلمية ممكنة في أوكرانيا، على الأقل حتى الأشهر الأولى من عام 2025”. بهذه العبارة، افتتح مدير معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية (IMEMO)، التابع للأكاديمية الروسية للعلوم، البروفيسور فيودور فويتولوفسكي، حواره مع المجلس الروسي للعلاقات الخارجية (RIAC).

هل هناك دلائل في الغرب- بين صناع القرار- على اهتمام حقيقي بإنهاء الصراع الأوكراني بشروط قد تناسب روسيا؟

هناك حركات من هذا النوع، لكنني سأسميها مجرد حركة صغيرة. إنها- كما تعلمون- مثل التموجات في الماء، ولا أرى أي نية جدية للتوصل إلى تسوية سلمية على مستوى النخب السياسية، أو صناع القرار، أو حكومات دول الناتو. بالإضافة إلى ذلك، يصعب حدوث ذلك قبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وعلى ما يبدو، بعد مرور عدة أشهر أخرى على الأقل بعد هذه الانتخابات، لا يمكن الحديث عن وقف إطلاق النار، أو التسوية السلمية في أوكرانيا، ما لم تتصدع أوكرانيا أولًا.

لماذا تتبنى هذا الرأي الذي يبدو شديد القطعية؟

ليس من المربح للإدارة الأمريكية الحالية أن تتوصل إلى أي نوع من التسوية قبل الانتخابات، ومن المحتمل جدًّا أن تكون المدة أطول من ذلك. إن الولايات المتحدة مهتمة بإطالة أمد الصراع في أوكرانيا، ودعم نظام كييف؛ لأن الهدف الإستراتيجي الذي لا يخفى على ممثلي المؤسسة الأمريكية، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، هو إنهاك روسيا عسكريًّا واقتصاديًّا في هذه المواجهة من أجل “تكبيل أيدي” السياسة الخارجية الروسية في مجالات أخرى. والدول الأوروبية- فرنسا وألمانيا وجميع الدول الأخرى- ليست مستقلة في هذه العملية. لن يكون للأوروبيين من دون الأمريكيين أي تأثير في كييف، التي تنظر إلى واشنطن وتنتظر منها حزمة مساعدات أخرى، وموقفًا سياسيًّا واضحًا، ولن تتفق واشنطن على أي شيء في العام المقبل، لا ضد روسيا، ولا أي طرف آخر.

هل يمكننا أن نستبعد تمامًا احتمال حدوث مفاجآت؟ على سبيل المثال، ألم يكن من المفاجئ لك أن الأمريكيين، بعد أن قالوا كثيرًا من الكلمات عن دعم أوكرانيا، يضعون كييف بسهولة تحت وطأة الحاجة المالية؟

لا، لأنني أتابع الأجندة السياسية الداخلية الأمريكية، ويجب البحث فيها عن أسباب هذه القرارات في السياسة الخارجية. إن قضية دعم أوكرانيا، كما هي بالمناسبة قضية دعم تايوان وإسرائيل، لا تتعلق بالسياسة الخارجية بقدر ما تتعلق بالسياسة الداخلية للولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، ينطبق هذا على أوكرانيا بدرجة أكبر- إلى حدٍ ما- مما ينطبق على تايوان أو إسرائيل. هناك مواجهة بين إدارة بايدن والكونغرس. يحاول الجمهوريون استخدام القضايا الجدلية كافة، وليس فقط في السياسة الخارجية؛ للضغط على الإدارة الحالية. وهذا في الوقت نفسه جزء من العملية السياسية الطبيعية في ظل نظام من الضوابط، والتوازنات، والصراع الأبدي بين الرئيس والكونغرس، وقبل كل شيء، التنافس بسبب الحملة الرئاسية التي بدأت بالفعل.

ومن الناحية المثالية، يفضل الأمريكيون تحويل عبء دعم أوكرانيا قدر الإمكان إلى حلفائهم الأوروبيين. ولكن من المؤسف أنه من المرجح أن يتم التوصل إلى تسوية بشأن أوكرانيا بين الجمهوريين والديمقراطيين. وسوف يتوصلون إلى اتفاق ما بشأن مسألة تمويل برنامج المساعدة العسكرية. هذا السؤال عالق مؤقتًا. أحد الظروف المهمة هو أن جزءًا كبيرًا من الأموال المقدمة كجزء من المساعدة العسكرية لأوكرانيا يظل في الولايات المتحدة، ويُضمَّن في عمليات تحديث القوات المسلحة الأمريكية، والمجمع الصناعي العسكري. ولا يزال هناك إجماع قوي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بشأن الصراع في أوكرانيا بوصفه قضية تتعلق بالسياسة الخارجية في الولايات المتحدة. ولم يقضِ الوضع السياسي الداخلي على هذا الإجماع، بل كان له تأثير مؤقت فيه، فحوّله إلى أداة للمواجهة بين الأحزاب.

ما تأثير نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية على الصراع؟ إحدى أطروحاتك التقليدية: ” لا يهم روسيا على الإطلاق الحزب الذي يتولى السلطة في الولايات المتحدة”. هل نهتم حقًا بمن سيفوز بانتخابات 2024- ترمب أم بايدن؟

من هو في السلطة في واشنطن ليس دائمًا مهمًا لروسيا، ولكن العلاقات الروسية الأمريكية اكتسبت الآن هذا الجمود السلبي، حتى إنه لم يعد يهم- مطلقًا- ما إذا كان رئيس الولايات المتحدة المقبل جمهوريًّا أو ديمقراطيًّا. وبطبيعة الحال، هناك فروق دقيقة. لا يعد بايدن بأي شيء جيد لروسيا، ويبدو أنه يتخذ موقفًا متشددًا جدًّا تجاهها. ولكن عند مرحلة ما، ربما يكون قادرًا على إظهار المرونة، بما في ذلك فيما يتصل بالأزمة الأوكرانية، عندما يصبح من الواضح أن لعبة الشطرنج التي تلعبها واشنطن تخسر، وتصبح التحديات التي تواجه المصالح الوطنية الأمريكية في مجالات أخرى أكثر أهمية، لكن إلى أن تنتهي الانتخابات الرئاسية، ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت الإدارة الحالية- إذا استمرت- ستكون قادرة على التفاوض من حيث المبدأ. لا يسعنا إلا أن نتحدث عن بعض الاحتمال بأن تزداد قوة المساومة لإدارة بايدن خلال فترة ولايتها الثانية.

هل يمكن التعويل على أي اتفاقات مع بايدن، وهو كما يبدو في حالة متدهورة دماغيًّا؟

في رأيي، لا داعي لمتابعة الدعاية الجمهورية فيما يتعلق بجو بايدن. كل هذه الحجج عن حقيقة أنه غير كفء، ويعاني نوعًا ما من الضعف الإدراكي لا تزال جزءًا من الحملة السياسية التي يشنها الجمهوريون ضده. وقد أعاد دونالد ترمب إنتاج هذه الأطروحات علنًا في خطاباته العامة. إذا نظرنا إلى بايدن وفريقه، فإنه على الرغم من عمره، يظل شخصية سياسية نشطة جدًّا، ويتمتع بخبرة كبيرة. انتُخِبَ لأول مرة عضوًا في مجلس الشيوخ عام 1972. تخيل: “هذا الشخص يعمل منذ أكثر من نصف قرن في السياسة!” أعتقد أنه مستعد للعب اللعبة السياسية الكبيرة لفترة ولاية أخرى. إنه خصم ماكر، ومتمرس، وخطير.

ما رأيك في القدرة التفاوضية المحتملة لإدارة ترمب الثانية المحتملة؟

سيسعى ترمب أن يثبت للجميع أنه ليس أقل صرامة تجاه روسيا من بايدن. إذا أخذنا السياسة الخارجية والإستراتيجية الأمنية لإدارة ترمب السابقة، ففي كثير من القضايا، ومنها قضايا العلاقات مع روسيا، لم نشهد أي استرخاء في أي مكان. بالإضافة إلى ذلك، في مسائل التخطيط العسكري، والبناء العسكري، كان ترمب هو الذي بدأ كثيرًا مما واصله بايدن بنجاح. وينطبق هذا على حجم الميزانية العسكرية، وأولوياتها، ومنطق الاحتواء العسكري المزدوج بين روسيا والصين. لقد وضع أوباما الحجارة الأولى في هذا الهرم بإنهاء الحرب في العراق، والبدء بالاستعدادات لانسحاب القوات من أفغانستان، مما أدى إلى تحرير أموال كبيرة للمواجهة مع روسيا والصين، وقد عزز ترمب هذه السياسة تعزيزًا كبيرًا، حيث قدم دعمًا كبيرًا للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي، ومارس الضغط على حلفاء الناتو، وواصل بايدن الخط نفسه. وإذا عاد ترمب مرة أخرى، فسوف يُظهر حماسة أكبر بشأن بعض قضايا التطوير العسكري مقارنة ببايدن. على سبيل المثال، اتخذ ترمب قرارًا متشددًا جدًّا باستمرار فيما يتعلق بأي أنظمة للحد من الأسلحة. ويعتقد ترمب أن الولايات المتحدة يجب أن تتخلى عن جميع التزاماتها. اسمحوا لي أن أذكركم بأن ترمب دمر معاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى، ومعاهدة الأجواء المفتوحة أيضًا. كادت إدارة ترمب تنهي عملية تمديد معاهدة تخفيض الأسلحة الهجومية الإستراتيجية. وهناك خطر أن يواصل ترمب نشر الصواريخ الأرضية المتوسطة المدى، ليس فقط في آسيا؛ بل في أوروبا أيضًا، وهو ما تخلى عنه بايدن ضمنيًّا. ومن الممكن أن تكون الإدارة الجمهورية أكثر نشاطًا في متابعة برامج الدفاع الصاروخي، التي كانت- تقليديًّا- شعارًا للجمهوريين.

إذن، فكلمات ترمب أنه إذا أصبح رئيسًا فسوف يحل الأزمة الأوكرانية، ما هي إلا خطابة فارغة؟

لن أقول إنها فارغة تمامًا، ربما هناك حقًّا شيء وراء هذا، لكننا نتذكر كيف وعد ترمب بحل المشكلة النووية لكوريا الشمالية، ولم يحدث شيء. إنه سياسي يستغل الوضع، وسوف يلعب عبر برنامج عمل السياسة الخارجية الذي سيجلب له أقصى قدر من المكاسب السياسية المحلية. لا أرى حتى الآن أن العلاقات مع روسيا، والوضع في أوكرانيا، هي موضوعات ذات أولوية للولايات المتحدة. هناك بطبيعة الحال عامل خطير، مثل ديناميكيات العلاقات الأمريكية الصينية، وقد يصبح الأمر أكثر سلبية بشكل ملحوظ إذا فاز ترمب. إن التوازن الهش جدًّا الذي وجده الأمريكيون الآن مع الصينيين في كثير من القضايا لا ينفي حقيقة أن الصين هي الخصم العسكري والمنافس الاقتصادي الأول للولايات المتحدة على المدى الطويل. والسؤال الوحيد هو كيف ستكون ديناميكيات ترسيم الحدود بين الاقتصادين الأمريكي والصيني اللذين سيظلان يحافظان على مستوى عالٍ من الاعتماد المتبادل، مع أن التجارة الثنائية والاستثمار الثنائي بدأ بالتراجع للمرة الأولى في كثير من البلدان؟ لكن في الوقت الحالي، لا تزال هذه أرقامًا ضخمة، وهنا السؤال: “مَن سيُرهق مَن؟”.

ما احتمالات انخفاض هذه الأرقام الضخمة إلى الصفر؟ لقد تم مؤخرًا انتخاب الرجل الذي دعا إلى الحد الأقصى من فك الارتباط مع بكين رئيسًا لتايوان. هل يتجه العالم نحو حرب بسبب تايوان؟

جوابي المباشر هو لا. تفاقم الأوضاع، ربما زيادات دورية في التوتر، ربما. كل هذا سيحدث في السنوات القادمة. ولكن على الجانب الصيني، ليس هناك أي اهتمام بحل مشكلة تايوان بالسبل العسكرية. ويظهر الأمريكيون أيضًا قدرًا كبيرًا من ضبط النفس في هذه القضية. أظهر لقاء الرئيس بايدن الأخير مع الرئيس شي جين بينغ أن الصراع بشأن تايوان هو أشبه برقصة طقسية حذرة. لا أحد يريد أن تتحول رقصة السيف هذه إلى قتال بالسكاكين. أعتقد أن بكين ستمارس- كما كان من قبل- ضغوطًا على الوضع السياسي الداخلي، وعلى التنمية الاقتصادية في تايوان. ستكون هناك شحنات أسلحة أمريكية، وهو ما سيؤدي إلى إجراءات انتقامية صينية، وخطوات تصعيدية، لكن كل هذا لا يعني إطلاقًا مواجهة عسكرية مباشرة، أو محاولة من جانب جيش التحرير الشعبي الصيني لحل مشكلة تايوان عسكريًّا. ببساطة، لا توجد متطلبات مسبقة لذلك.

وإذا نظرنا إلى ديناميكيات العقود السابقة، فسنجد أنها كانت طريقًا إلى التقارب الاقتصادي، وجذب تايوان إلى مدار البر الرئيس للصين من خلال التجارة والاستثمار، وتنمية الروابط الاجتماعية، والنفوذ الأيديولوجي، وما إلى ذلك. لكن في العامين الماضيين، حدث بعض التراجع. حسنًا، يعد هذا تقلبًا في الوقت الحالي، وليس اتجاهًا طويل المدى. تريد تايوان الحفاظ على استقلالها السياسي، وتعتمد على الولايات المتحدة بوصفها الضامن الرئيس لأمنها، مع التركيز على تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية- في المقام الأول- مع الأمريكيين وحلفائهم. ولكن إذا نظرنا إلى حجم التجارة بين البر الرئيس للصين وتايوان، وحجم تجارة الولايات المتحدة مع تايوان، فإنهما متشابهان تمامًا من حيث الحجم. لقد تراجعت التجارة بين الصين وتايوان- إلى حد ما- بسبب الاتجاهات السياسية، ولكن الاستثمارات الصينية الكبيرة تظل عاملًا مهمًّا جدًّا في تنمية اقتصاد الجزيرة.

لقد ذكرت أن الهدف الحقيقي لأمريكا في أوكرانيا هو الإرهاق الإستراتيجي لروسيا. لكن أليست الولايات المتحدة قريبة من إنهاك نفسها؟: “في نهاية المطاف، بالإضافة إلى أوكرانيا، تواجه واشنطن الآن حربًا في قطاع غزة، وصراعًا مع الحوثيين، وما إلى ذلك”.

لن أستخدم مصطلح “المُنهك” فيما يتعلق بالولايات المتحدة الآن. هناك مصطلح يستخدمه الأمريكيون أنفسهم: “توسيع الإمكانات الأمريكية”. إننا نتحدث هنا عن توسيع التزاماتهم في مجال السياسة الخارجية، وعن موقف يتعين عليهم فيه أن يتعاملوا في آن واحد مع كثير من الأزمات الخطيرة التي تشكل- إلى حد ما- أهمية لإستراتيجيتهم في القيادة العالمية. أما العنصر المالي في هذه القضايا، فلا توجد شروط مسبقة لزيادة عدد قوات الولايات المتحدة. هكذا يبدو الوضع من وجهة نظر نمو الميزانية العسكرية، ومن وجهة نظر تقديم الدعم للحلفاء، ومن وجهة نظر البناء العسكري، لكن الولايات المتحدة تواجه خطرًا آخر. في عملية التخطيط العسكري، والبناء العسكري، من المهم تحديد الأولويات بوضوح شديد. ومع التوسيع المستمر للقدرات الأمريكية، تزداد احتمالية خسارة الولايات المتحدة لهذه الأولويات.

معذرة، ولكن إذا كان لدى الولايات المتحدة ما يكفي من المال لكل شيء، فما مشكلتهم بالضبط في فقدان الأولويات؟

المشكلة الأمريكية هي أن الصين وروسيا خصمان مختلفان جدًّا من حيث خصائص إمكاناتهما العسكرية. وفي حالة الصين، فإننا نتحدث في المقام الأول عن المواجهة في البحر، وفي الجو، وفي الفضاء. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت إمكانات الصين الصاروخية النووية أكثر أهمية، وإمكانية توسيعها كبيرة. في حالة روسيا. أولًا، وقبل كل شيء، الإمكانات الصاروخية النووية نفسها، فضلًا عن القوى والوسائل التي تتطلب المشاركة النشطة من الولايات المتحدة في احتواء روسيا في الاتجاه الأوروبي، وبالمعنى الأوسع- في أوراسيا، بما في ذلك في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي، وهنا تحتاج الولايات المتحدة إلى أدوات أخرى. يؤدي هذا الوضع إلى انقسام في منطق التطور العسكري الأمريكي، والتطوير العسكري التكنولوجي، والإستراتيجية الأمنية.

ويصبح هذا الانقسام قويًّا بشكل خاص إذا أخذنا في الحسبان الزيادة الضخمة في الإنفاق العسكري الصيني على مدى السنوات العشر إلى الخمس عشرة الماضية، فضلا عن التقدم التكنولوجي في إعداد جيش التحرير الشعبي الصيني. تعمل جمهورية الصين الشعبية- بنجاح- على تحديث جيشها، بما في ذلك القوات الجوية، والبحرية، والقوات النووية، وتنفذ برامج في مجالات مثل الأنظمة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وأنظمة المراقبة المختلفة، بما في ذلك المستوى الفضائي، والأنظمة الجوية والبحرية بدون طيار، بالإضافة إلى تقنيات فريدة للتحكم. أصبح من الواضح أن الصين قادرة على توفير جيش وطيران وبحرية يمكن مقارنتها بالقوات الأمريكية، إن لم يكن من الناحية الفنية، فمن المؤكد من الناحية الكمية، وهذا يحدث بالفعل. لكن الأسئلة المهمة: ماذا سيحدث خلال خمس أو عشر سنوات؟ ماذا سيحدث لروسيا وتطور إمكاناتها العسكرية خلال هذه المدة؟

في الواقع، ما الذي تعتقد أنه سيحدث لروسيا خلال هذه المدة؟

لقد أصبح لدى روسيا الآن واحد من أقوى الجيوش البرية في العالم، وهو جيش اكتسب خبرة قتالية فريدة في القيام بعمليات قتالية مع عدو مماثل. اسمحوا لي أن أذكركم بأن الولايات المتحدة، لا في العراق، ولا في أفغانستان، ولا في يوغوسلافيا، ولا في سياق الصراعات الأخرى التي شاركت فيها في العقود الأخيرة، واجهت عدوًّا مماثلًا. كانت حروب الولايات المتحدة كافةً مجرد عمليات استكشافية مع عدو ضعيف ومتخلف تكنولوجيًّا بوضوح. روسيا ترى أوكرانيا خصمًا مشابهًا من حيث خصائص القوات المسلحة، ومن حيث المعدات العسكرية، ومن حيث مستوى تدريب العسكريين، خاصة بعد حصول كييف على معدات عسكرية من دول الناتو. كان الجيشان الروسي والأوكراني- مدة طويلة- وريثين للجيش السوفيتي، ومرا بطرق مختلفة من التطوير. والآن يجري تدريب مزيد من الأفراد العسكريين من القوات المسلحة الأوكرانية في دول حلف شمال الأطلسي. في الواقع، تتغير قواعد إدارة القوة ومبادئها. هذا بالإضافة إلى المستشارين العسكريين الأوروبيين والأمريكيين المندمجين بعمق في أنظمة التحكم بالقوات المسلحة الأوكرانية. وتنفذ روسيا عمليات عسكرية ضد القوات المسلحة الأوكرانية المجهزة من حلف شمال الأطلسي، مدعومة باستخباراتها ووسائل التخطيط والسيطرة على العمليات. تكتسب روسيا تجربة فريدة من نوعها. ستخرج القوات المسلحة الروسية من الأزمة الأوكرانية أقوى بكثير. الآن، وحدهم الخبراء العسكريون الغربيون الأكثر تأهيلًا يفهمون هذا الأمر، وهم على استعداد للاعتراف به علانية. ونتيجة لهذا الوضع، فقد يُفاجأ الأمريكيون- على نحو غير سار- عندما يستقبلون الصين العسكرية والتكنولوجية السريعة النمو، وروسيا القوية عسكريًّا. وفي الوقت نفسه، لا توجد احتمالات لخفض مستوى التوتر العسكري السياسي في العالم.

مفهوم العالم المتعدد الأقطاب، الشائع جدًّا في دوائر السياسة الخارجية في موسكو؟ ألا نشهد، في الواقع، إحياءً لنظام التكتلات: “روسيا والصين من جهة، والكتلة الغربية من جهة أخرى”؟

كما قلنا مرات عدة، ليس لدينا ورفاقنا الصينيين حتى الآن أي نية لإنشاء كتلة سياسية عسكرية. التعاون- نعم. لكن الكتلة السياسية العسكرية قصة مختلفة تمامًا. ولكن إذا استمر هذا الأمر، فأنا لا أستبعد أي شيء، خاصة فيما يتعلق بالتعاون العسكري التكنولوجي الروسي الصيني. وإذا كنا نتحدث عن الولايات المتحدة وحلفائها، فإن واشنطن تسعى- بالطبع- إلى الحفاظ على هيكل الكتلة في أوروبا (الناتو) وتطويره، وفي الوقت نفسه، إعادة إنشاء نظام من التحالفات العسكرية السياسية المحيطية، والاتفاقيات الأمنية مع الحلفاء والشركاء الآسيويين، وتتحرك الولايات المتحدة على جبهة واسعة هنا. ويتضمن هذا تكثيف التعاون العسكري مع اليابان وجمهورية كوريا، وتكثيف التعاون العسكري الفني بين هذه الدول ومنظمة حلف شمال الأطلسي، وليس مع الولايات المتحدة فقط. على سبيل المثال، إنشاء الاتفاقية الأمنية الثلاثية بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة (AUKUS)، وهو في الواقع نظير جديد للاتفاقية الأمنية بين أستراليا، ونيوزيلندا، والولايات المتحدة (ANZUS) الذي أُنشِئَ عام 1951، والموجود رسميًّا حتى يومنا هذا، وهذه محاولة لإشراك الهند في التعاون العسكري السياسي- حتى الآن على مستوى المشاورات مع الولايات المتحدة، واليابان، وأستراليا، في المجال الأمني.

وما الذي يمكن للصين وروسيا مواجهته؟

نحن نتذكر أن نظام الكتل السياسية العسكرية الأمريكية الطرفية، الذي أُنشِئَ خلال الحرب الباردة، انهار سريعًا جدًّا، ولا يمكننا- حتى الآن- أن نتوقع نجاحات لا لبس فيها للولايات المتحدة في هذا المجال أيضًا. تفكر الهند في مصالحها الخاصة، وتنتهج سياسة منضبطة وعملية ومعقولة جدًّا. مستوى التناقضات الصينية الهندية ينظمه الطرفان، على الرغم من الأحداث والتصريحات الصاخبة. لا تمتلك الولايات المتحدة تكنولوجيا فعالة لتأليب الهند ضد الصين، مع أن واشنطن تحاول التلاعب بالمشاعر المعادية للصين لدى النخبة الهندية، وتوقعاتها بالوصول إلى الاستثمارات والتقنيات الأمريكية، ومنها الاستثمارات العسكرية. لكن دعنا نعُد إلى سؤالك السابق. إذا كنا نتحدث عن عالم متعدد المراكز- أفضّل استخدام هذا المصطلح بدلًا من المصطلح المجازي “متعدد الأقطاب”- بالتزامن مع الميل نحو تعدد المراكز، قد تتطور أيضًا اتجاهات مرتبطة بتشكيل ثنائية قطبية جديدة، وهذه الاتجاهات سوف يؤثر كل منها في الآخر- تأثيرًا متبادلًا- وهي ليست مطلقة؛ بل نسبية في مجالات مختلفة.

اليوم، لا يملك الغرب الجماعي ما يكفي من الأسلحة لأوكرانيا. ولكن ألن يتبين أنه في غضون عام أو عامين سيبدأ المجمع الصناعي العسكري في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالعمل من جديد، وسيُستبدَل بالعجز الحالي فائض؟

هذه الأشياء لا تتم في سنة أو سنتين. سيستغرق هذا من خمس إلى سبع سنوات. يجب أن نفهم أن الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو زودوا أوكرانيا ويزودونها بتلك الأسلحة التي يمكنهم الاستغناء عنها دون الإضرار بإمدادات الأسلحة والمعدات العسكرية لقواتهم المسلحة. لقد استنفدوا بالفعل كل ما تبقى من أسلحة في مخازن دول حلف وارسو السابقة منذ الحرب الباردة، وبالفعل وُضِعَت كل هذه المعدات في أوكرانيا. وفي عام 2023، بدؤوا بتزويد الناتو بمعدات، وإن كانت في الغالب قديمة. يُمنَح الأوكرانيون بعض الأنظمة القوية والمتقدمة نسبيًّا، على سبيل المثال، أنظمة الصواريخ التشغيلية التكتيكية، ولكن هذه هي ما يسمى “الأقواس”. لا يزال الجزء الرئيس من المعدات عبارة عن أنظمة من السبعينيات وأوائل الثمانينيات. ومن خلال نقل هذه المعدات إلى أوكرانيا، تواجه دول الناتو موقفًا تحتاج فيه إلى تعويض المعدات والذخيرة المستهلكة بأخرى جديدة. هذه حوافز خطيرة جدًّا للمجمع الصناعي العسكري لدول الناتو، وتظل الولايات المتحدة هي الرائدة هنا. لقد أعطت الأزمة الأوكرانية فرصًا ضخمة لجماعات الضغط الصناعية العسكرية الأمريكية في دول الناتو الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، تحاول الولايات المتحدة استخدام الصراع في أوكرانيا لإزاحة روسيا من أسواق تصدير الأسلحة، حيث تظل منافسًا لها.

لكن هل المشكلة هي فقط جماعات الضغط التابعة للمجمع الصناعي العسكري؟

الأزمة الأوكرانية هي بمنزلة صندوق رمل لدول الناتو، وأرض اختبار حيث تُمارس وتُدرس العمليات والأساليب النموذجية المرتبطة بحرب افتراضية مع روسيا، لكن الرادع الأهم لصدام مفتوح بين روسيا وحلف شمال الأطلسي هو وجود الأسلحة النووية، وفي المقام الأول قوات الردع النووية الإستراتيجية، وعدم القدرة الكاملة على التنبؤ بالسيناريو الذي تصطدم فيه قوات روسيا وحلف شمال الأطلسي. يمارس الجانبان قدرًا معقولًا من ضبط النفس، على الرغم من اللغة الخطابية، ويدركان خطر الصراع العسكري المباشر، الذي قد يكون قاتلًا للجميع. هناك بالطبع بعض “الحكماء” الذين يقنعون الجميع بأن تصعيد هذا الصراع يمكن السيطرة عليه ووقفه في مرحلةٍ ما، حتى بعد تبادل الضربات النووية “غير الإستراتيجية”. إن الصراع بين هؤلاء الخصوم الأقوياء، الذي يبدأ باستخدام الأسلحة التقليدية، يمكن أن يتحول في أي مرحلة إلى تبادل للضربات النووية التكتيكية أولًا، ثم إلى تبادل للضربات الإستراتيجية؛ لذلك، فإن كل تخيلات دعاة الناتو عن أن روسيا قد ترغب في التحقق من تنفيذ المادة (الخامسة) من معاهدة شمال الأطلسي بشأن الالتزامات المتبادلة للأعضاء في مجال الدفاع، مجرد هراء. روسيا تضمن أمنها، الذي تضمنه بكل الوسائل، ولكن لماذا- بحق السماء- نهاجم إحدى دول الناتو؟ ما الفوائد التي يمكن أن تكون هناك؟ على الرغم من “التحقيق” في القدرات العسكرية الروسية، أعتقد أن قلة من الناس في دول الناتو قد يفكرون في التخطيط بجدية لهجوم على روسيا؛ لأن ردنا سيكون حاسمًا.

ما الدول الأوروبية التي تخشى حقًّا أن روسيا لن تتوقف عند أوكرانيا، بل ستذهب إلى أبعد من ذلك لمهاجمة دول الناتو، وأيها تتظاهر بأنها تعاني هذا الخوف؟

لا يمكن أن تكون هذه المخاوف إلا لدى السكان غير المستنيرين، الذين تعرض وعيهم العام في دول الاتحاد الأوروبي، منذ عام 2014، للتغييب من جانب الدعاية العدوانية المناهضة لروسيا. المجتمعات، وخاصة في أوروبا الشرقية، والدول الاسكندنافية، تتعرض للترهيب من جانب حكوماتها وواشنطن. أما النخب في هذه البلدان، فكان هذا الترهيب جزءًا من مجموعة الأدوات لحل مشكلاتهم السياسية الداخلية، وكان ذلك أيضًا جزءًا من مجموعة أدوات المؤسسة الأمريكية، التي استخدمتها لتعزيز نفوذها في أوروبا.

على سبيل المثال، في الولايات المتحدة، تسببت الشراكة الاقتصادية الروسية الألمانية التي كانت قائمة حتى وقت قريب في إثارة غضب لا يصدق. إذا نظرنا إلى منشورات الخبراء الأمريكيين عن هذا الموضوع، وخطب بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيين الذين تحدثوا عن هذا الأمر منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فإن أحد أهم أهداف السياسة الخارجية الأمريكية كان تقليل الترابط بين روسيا والاتحاد الأوروبي، وكان لهذا الاعتماد المتبادل المستقر جدًّا، الذي تشكل أوائل عام 2010، تأثير قوي جدًّا في كل من روسيا والاتحاد الأوروبي. وقد أثر هذا في العمليات السياسية الداخلية، ليس فقط في الغرب، بل في أوروبا الشرقية أيضًا. اعتبر الأمريكيون كل هذا أحد التهديدات الرئيسة للتضامن عبر الأطلسي، وقد قُضِيَ الآن على هذا التهديد.

كيف تسير الأمور مع التهديد بحدوث اشتباك مفتوح بين القوات الروسية وقوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا؟

إذا كنا نتحدث عن النخب في جميع الدول الأعضاء في الناتو، فأعتقد أنهم يفهمون جيدًا أن روسيا ليس لديها مصلحة أو سبب للدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بمبادرة منها. لماذا نحتاج- على سبيل المثال- إلى أراضي إستونيا، أو أراضي لاتفيا، وهي مناطق ذات سكان غير موالين تمامًا، ومعادين لروسيا، وتعاني مشكلات اجتماعية واقتصادية ضخمة؟ إن دوافع كل المخاوف والتكهنات بشأن موضوع “التهديد الروسي”- كما قلت، كقاعدة عامة- هي إما سياسية داخلية، وإما مالية. على سبيل المثال، فإن اقتصادات دول البلطيق مثيرة للشفقة؛ أزماتهم تتفاقم، والاحتمالات في النجاة ضئيلة، ويشكل تأجيج المشاعر المعادية لروسيا وسيلة تستخدمها عواصم البلطيق لجذب انتباه “إخوتها الكبار”.

لقد أتيحت لهم الفرصة ليصبحوا جزءًا من منطقة للتعاون عبر الحدود بين روسيا والاتحاد الأوروبي، لكنهم اختاروا أن يصبحوا- كما يقولون هم أنفسهم- “منطقة خط المواجهة”، منطقة عازلة لاحتواء روسيا، وستكون خسائرهم من هذا الوضع فادحة. سوف تشكل هذه البلدان المحيط العميق للاتحاد الأوروبي، ولن تشكل “نافذته” إلى الشرق بأي حال من الأحوال. لكن بولندا، على العكس من ذلك، حققت فوائد كبيرة من الوضع الحالي، مع أن منتجاتها خسرت السوق الروسية. كان من الصعب جدًّا أن نتصور قبل عشر سنوات أن وارسو سوف تؤدي الدور الذي تؤديه الآن في إستراتيجية أمن الطاقة الأمريكية في أوروبا. وتعد بولندا الآن إحدى نقاط الدخول الرئيسة لحملات الطاقة الأمريكية التي تزود أوروبا بالغاز الطبيعي المسال، وهذا من شأنه أن يمنح الاقتصاد البولندي مكاسب كبيرة، وتأثيرًا كبيرًا في أمن الطاقة الأوروبي.

في موسكو، توقعوا أنه بدون موارد الطاقة القادمة من روسيا، فإن أوروبا سوف تتجمد وتغرق في حالة من التدهور الاقتصادي، “لماذا لم يحدث هذا؟”

إذا انتبهنا لمؤشرات حالة الصناعة الأوروبية، وللوضع الاقتصادي في كثير من دول الاتحاد الأوروبي، فسنرى أنه بدون موارد الطاقة الروسية، أصبحت معظم اقتصادات الاتحاد الأوروبي أسوأ حالًا؛ فقد ارتفعت التكاليف، وخاصة تكاليف الإنتاج الصناعي، ارتفاعًا ملحوظًا. لقد نما تأثير شركات الطاقة الأمريكية، وانخفض استقلال الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي. كما حدث تأثير آخر مثير للاهتمام؛ وهو هروب الاستثمارات- المباشرة والمحافظ – من أوروبا إلى الولايات المتحدة. لقد تكبد الاتحاد الأوروبي تكاليف باهظة جدًّا، وإذا استمر على السياسة نفسها، فسوف يستمر في تكبد مزيد من الخسائر.

وفي الوقت نفسه، لا يتمتع الاتحاد الأوروبي بحرية المناورة تقريبًا، والآن يشعر كثيرون في أوروبا بالقلق إزاء السؤال التالي: “كيف قد تتغير العلاقات عبر الأطلسي إذا عاد ترمب إلى السلطة في الولايات المتحدة؟” منطق هذا السؤال واضح: “لقد كان ترمب قاسيًا جدًّا مع الحلفاء الأوروبيين”، لكن بايدن يتصرف- بشكل عام- بشكل أكثر صرامة. نعم، فهو يلف كل شيء في غلاف جميل، والأوروبيون يحبون ذلك. يحب الأوروبيون عندما يبدو أنهم يعاملون باهتمام خاص، لكن ما يفعله بايدن في الأساس هو تضييق الخناق، ولف ذراعيه، ويتجلى هذا- بشكل خاص- عندما يتعلق الأمر بسياسة الطاقة، وقضايا الأمن الأوروبي، والموقف من أوكرانيا.

لكن ليس الجميع في أوروبا يتبعون النهج الأمريكي؟ فهل يشكل رئيس الوزراء المجري أوربان، ورئيس الوزراء السلوفاكي الجديد فيكو، اللذان يتخذان موقفًا بناءً بشأن أوكرانيا، الاستثناء الذي يؤكد القاعدة فحسب، أم يمثلان نذيرًا لمستقبل التيار السياسي الأوروبي الرئيس؟

تختلف جميع دول الاتحاد الأوروبي اختلافًا كبيرًا على المستويين السياسي والاقتصادي، وكل منهما محدد جدًّا، ولكن من المحتمل أن تكون هناك أصوات أكثر عقلانية في السياسة الأوروبية، وقليل من التابعين لواشنطن تبعية عمياء في دعم كييف. وتدريجيًّا، قد يكون لذلك تأثير في تنفيذ نظام العقوبات الأوروبي. ويحتاج الاتحاد الأوروبي إلى تصويت بالإجماع، وموافقة جميع الأعضاء فيما يتعلق بنظام العقوبات والقيود الأخرى المفروضة على روسيا، وقد أصبح الحفاظ على هذا الإجماع أمرًا متزايد الصعوبة، ولست متأكدًا من أنه ستُرفَع أي عقوبات في المستقبل القريب، ولكن هناك صعوبات واضحة في فرض عقوبات جديدة. حسنًا، إذا كنا نتحدث عن منظور طويل المدى جدًّا، فلا يمكن استبعاد الجغرافيا تمامًا. وفي الاتجاهات الطويلة المدى، قد تنتعش التجارة والاستثمار بين الاتحاد الروسي والاتحاد الأوروبي، ولكن ليس بالحجم الذي كان عليه من قبل. وهذا- بطبيعة الحال- يتطلب توافر الظروف السياسية والأمنية المناسبة.

هل سيُستعاد ما يشبه النظام العالمي المستقر؟ وما الوضع فيما يتعلق بالنظام العالمي الحالي، “هل مات بالفعل، أم أنه لا يزال على قيد الحياة”؟

إن النظام العالمي الذي حاولت الولايات المتحدة بناءه بعد نهاية الحرب الباردة قد انتهى بالتأكيد. إن النظام العالمي الذي نشأ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية يقترب من نهايته، ولكنه لم ينتهِ بعد، فالأمم المتحدة لا تزال على قيد الحياة، قد لا تكون في أفضل حالاتها، لكنها لا تزال على قيد الحياة، وهذا أحد أسس هذا النظام العالمي. بالإضافة إلى ذلك، تم الحفاظ على الردع النووي المتبادل بين روسيا والولايات المتحدة منذ الحرب الباردة. لقد أصبحت الصين عاملًا جديدًا يغير ميزان القوى والمصالح القائم. باختصار، هناك كثير من الأشكال والاتجاهات المختلفة المرتبطة بتكوين النظام العالمي الجديد. النظام الاقتصادي العالمي شيء، والنظام العسكري السياسي شيء آخر، والنظام السياسي الدولي شيء ثالث، وهي لا تتداخل دائمًا بعضها مع بعض تلقائيًّا، ولكنها بدلاً من ذلك موجودة بالتوازي.

المصدر: المجلس الروسي للعلاقات الخارجية

ما ورد في المقابلة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع