هناك حالة من الاهتمام المتزايد والمتسارع من الإدارة الأمريكية بتفاصيل الملف الليبي سياسيًّا وعسكريًّا، سبقتها تحركات ميدانية شرقًا وغربًا ذات طابع عسكري؛ من أجل حشد موقف موحد، ملخصه عدم عودة الاقتتال بين طرفي الصراع العسكري في ليبيا، والتوقف عن ممارسة العرقلة من قبل أطراف النزاع السياسي.
وجاءت الزيارة المتزامنة لكل من رئيس أركان القوات البرية بقوات القيادة العامة، الفريق صدام حفتر، ووكيل وزارة الدفاع بحكومة الوحدة، اللواء عبد السلام الزوبي، إلى واشنطن، لتؤكد طبيعة الحراك الأمريكي وتسارعه في تناول المشكل الليبي، وخاصة العسكري منه.
ورغم حالة التكتم الإعلامي من جانب قنوات القيادة العامة ومنصاتها على زيارة صدام لواشنطن فإن الخارجية الأمريكية أعلنت الزيارة، مؤكدة أن مستشار “ترمب” للشرق الأوسط، مسعد بولس، ومسؤول الشرق الأوسط والخليج في الوزارة، تيم ليندركينغ، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، استضافوا الفريق صدام حفتر في واشنطن.
كما كشفت الخارجية الأمريكية عن محاور اللقاء بين المسؤولين في إدارة ترمب وحفتر الابن، حيث أكدت أن المجتمعين في واشنطن اتفقوا على أن ليبيا آمنة وموحدة ومزدهرة، تمتلك مؤسسات تكنوقراطية قوية، منها مؤسسة النفط والبنك المركزي، ستكون أكثر قدرة على التعامل مع الولايات المتحدة وشركاتها، وأن المسؤولين الأمريكيين أكدوا أن الولايات المتحدة ستواصل التنسيق مع المسؤولين الليبيين شرقًا وغربًا، وستدعم جهود توحيد مؤسساتهم العسكرية في إطار سعيهم إلى تأمين سيادتهم، وفق الوزارة الأمريكية.
وفي نفس التقارب الزمني والسياق، استقبلت العاصمة الأمريكية أيضًا وكيل وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية، عبد السلام الزوبي، ليلتقي تقريبًا بالمسؤولين أنفسهم في إدارة ترمب، لمناقشة واستعراض التقدم المحرز مؤخرًا في الجهود الليبية لتوحيد مؤسساتها العسكرية، وتأمين حدودها، وحماية سيادتها، وسط تأكيدات من مكتب شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض أن الولايات المتحدة ستواصل إشراك مسؤولين من غرب ليبيا وشرقها لدعم هذه الجهود التي تقودها ليبيا.
والملاحظ في زيارة “صدام- الزوبي” إلى الولايات المتحدة أنها رافقتها السرية والتكتم حتى ظهرت صورهما داخل واشنطن، كما أن الاجتماعات التي تمت هناك كانت كلها مغلقة، كذلك طبيعة المسؤولين في إدارة ترمب الذين التقى بهم صدام، ثم الزوبي، وكان مبعوث البيت الأبيض إلى ليبيا “نورلاند” هو الأبرز عمليًّا وظاهريًّا في اللقاءات، ومعروف أن “نورلاند” موجود في ليبيا منذ سنوات، ويتداخل في كل الملفات، ويتحرك شرقًا وغربًا بلا أي قيود، ويركز بقوة على البعد المخابراتي في تعامله مع الملف الليبي، ويركز أكثر على ملف الجيش الليبي.
وحتى الآن لم تصل أخبار رسمية عن لقاء جمع صدام حفتر مع عبد السلام الزوبي في واشنطن، وإن كانت الخطوة واردة لتزامن وجودهما، ولعدم وجود ممانعة من أي منهما في عقد لقاء أو صفقة مع الآخر، فضلًا أنهما لا يستطيعان ممانعة ذلك إذا صدرت تعليمات من إدارة ترمب لهما باللقاء.
ومؤخرًا ترددت أنباء عن مقترح أمريكي ما زال يدرس، يخص توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا، وأنه بدأت النقاشات والتحركات لعرضه، والضغط لتنفيذه بعد التنسيق مع قادة حقيقيين في المؤسسة العسكرية شرقًا وغربًا.
وكشف مصدر عسكري لمنصة “LIBYAN TODAY24” المحلية أن “الإدارة الأمريكية قدمت مقترحًا للأطراف الليبية بخصوص توحيد المؤسسة العسكرية هناك، يشمل تقسيم البلاد إلى 3 مناطق عسكرية كبرى على أساس جغرافي، على أن تقسم كل منطقة إلى مناطق عسكرية أصغر”، وأن “واشنطن طرحت أسماء مقترحة لهذا التقسيم كالآتي:
يتولى المنطقة العسكرية الكبرى في الشرق رئيس أركان القوات البرية بالقيادة العامة، الفريق صدام حفتر، ويتولى رئاسة المنطقة العسكرية الكبرى في الغرب وكيل وزارة الدفاع بحكومة الوحدة، اللواء عبد السلام الزوبي، ويتولى رئاسة المنطقة العسكرية الكبرى في الجنوب ضابط برتبة عسكرية كبيرة ينتمي إلى المنطقة الجنوبية، وتكون رئاسة أركان واحدة تتغير رئاستها كل 3 سنوات”.
كما أكد المصدر أن “الإدارة الأمريكية -ممثلة في قوات الأفريكوم ووزارة الدفاع- طرحت منذ فترة سابقة فكرة إنشاء مجلس عسكري ليبي موحد علي مستوى البلاد، وعُقدت عدة اجتماعات بهذا الشأن في الكلية العسكرية شرقًا وغربًا مع بعض الشخصيات العسكرية في الطرفين”.
وعن الدور التركي في المقترح، قال المصدر: “تركيا حليف إستراتيجي موثوق به للولايات المتحدة، وسيكون لها دور أساسي في تنفيذ المقترح، خاصة على مستوى التدريب والتسليح والوجود على الأرض في هذا المشروع، وهذا ما يوضح طبيعة التقارب المتسارع من أنقرة مع القيادة العامة في الشرق”، حسب تقديراته.
ولم يتم الحديث عن هذا المقترح رسميًّا – محليًّا أو أمريكيًّا- لكنه وارد أيضًا في إطار الإستراتيجية الأمريكية خلال إدارة ترمب، التي تسعى إلى تصفير مشكلات وملفات سببت لها صداعًا، سواء لها مباشرة، أو لحليفها الأوروبي من خلال ورقة الهجرة غير الشرعية.
وعليه..
فإن الدور الأمريكي في ملف توحيد الجيش الليبي يتوقف على مدى استجابة الأطراف العسكرية المحلية ومرونتها وتفاهمها، وتقديم التنازلات قبل أن يأتيهم طوفان إدارة ترمب التي يبدو أنها لا تعرف الدبلوماسية أو سياسة الترضية، وتقوم فقط على الإملاءات وغلق الملفات، ويظل الرهان هنا على القادة المتنفذين فعليًّا في القوات المسلحة شرقًا وغربًا، الذين تحاول واشنطن مؤخرًا استمالتهم، سواء بتلميع وجودهم وقبولهم، أو الضغط عليهم وتهديد وجودهم، وما بين التهديد والوعود بمستقبل عسكري واعد تتأرجح السياسة الأمريكية في التعامل مع تشكيل جيش ليبي موحد.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.