يشكّل إعلان احتمال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، ضمن خطة توسط فيها الرئيس الأمريكي، لحظة مهمة في مسار الصراع الطويل في غزة.
تأتي هذه التطورات بمنزلة بارقة أمل لأولئك القلقين على مصير سكان قطاع غزة، ومستقبل هذا الجيب الفلسطيني المحاصر بعد عامين من الحرب. ومع ذلك، ومع أن البعض اعتبرها اختراقًا دبلوماسيًّا، فإن ما آلت إليه الاتفاقات السابقة يدعو إلى التعامل مع هذه المبادرة بحذر متفائل، وبنظرة نقدية متعمقة تجاه تداعياتها الأوسع.
يؤكد إعلان الرئيس الأمريكي على منصة “تروث سوشيال”، الذي احتفى فيه بالمرحلة الأولى من “خطة السلام ذات النقاط العشرين”، التي قال إنها “تعني أن جميع الرهائن سيُفرج عنهم قريبًا جدًّا، وأن إسرائيل ستسحب قواتها إلى خط متفق عليه كخطوة أولى نحو سلام قوي ودائم وأبدي”، مدى تعقيد المشهد، وتعدد تفاعلاته.
حركة حماس، التي أُنهكت قدراتها العسكرية، وسكان غزة الذين يعانون معاناة لا توصف، وكذلك الإسرائيليون الذين أبدوا معارضة متزايدة للحملة العسكرية، بعد عامين من الصراع العسكري المتواصل، تمثل الخطة لهم مسارًا محتملًا لإنهاء النزاع.
غير أن الإفراج عن الرهائن، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وتقديم المساعدات الإنسانية، لا تعالج -على أهميتها- جذور القضايا التي أشعلت الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي لعقود. فإشادة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالاتفاق المحتمل، ووصفه بأنه “يوم عظيم لإسرائيل”، تعكس وجهًا واحدًا فقط من الصورة. أما فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني، فالمعيار الحقيقي للحكم على الخطة سيكون فيما إذا كانت ستحدث تحسينات ملموسة في حياتهم اليومية، وتعيد إليهم حقوقهم المسلوبة.
إن دخول 400 شاحنة مساعدات إلى غزة يوميًّا في المرحلة الأولى خطوة ضرورية لمعالجة الأزمة الإنسانية الحادة في القطاع الفلسطيني، لكن هذه الخطوة ينبغي أن تكون مقدمة لجهود مستدامة لإعادة إعمار غزة ودعم شعبها، لا مجرد إغاثة مؤقتة.
ولا يمكن تجاهل السياق الجيوسياسي الأوسع؛ ففي الأشهر الأخيرة، اكتسبت موجة جديدة من الدعم الدولي للاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية زخمًا متزايدًا، مما جعل إسرائيل أكثر عزلة في الساحة العالمية. كما أن الصراع أدخل قوى إقليمية إلى المعادلة، وأعاد تشكيل التحالفات والتوترات في الشرق الأوسط. ومع أن وقف إطلاق النار قد يسهم مؤقتًا في استقرار المنطقة، فإن تحقيق السلام الحقيقي يقتضي معالجة جذور الصراع، وعلى رأسها الاعتراف بحق الفلسطينيين في دولتهم، وسيادتهم وحقوقهم الوطنية.
غزة أرض فلسطينية، وينبغي أن يكون هناك توافق دولي على ضرورة إيجاد حل عادل للقضايا التاريخية العالقة التي يعانيها الشعب الفلسطيني. إن موقف الصين الثابت يتمثل في أن وقف إطلاق النار الفوري يجب أن يكون الخطوة الأولى نحو حل الدولتين، وهو الأساس الجوهري لتحقيق سلام شامل ودائم.
ومنذ اندلاع النزاع، بذلت كثير من الدول، وفي مقدمتها الصين، جهودًا نشطة لتيسير السلام في غزة. وعند جمع هذه المساعي معًا، يتضح أنها تشكل رسالة موحدة ملحة: يجب أن يتوقف القتال، وأن تنتهي الكارثة الإنسانية، وأن غزة لم تعد قادرة على الانتظار أكثر من ذلك لتحقيق السلام.
ومع ذلك، من الواضح أن نجاح خطة السلام الأخيرة غير ممكن من دون أن تفرض الولايات المتحدة على إسرائيل الالتزام ببنودها. ومن الواضح أيضًا أن واشنطن، خلال العامين الماضيين، استخدمت حق النقض مرارًا في مجلس الأمن الدولي لتعطيل قرارات تطالب بوقف فوري للأعمال العدائية، وإعادة فتح الممرات الإنسانية، واستئناف المفاوضات السياسية.
لا يزال الاتفاق النهائي لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وفلسطين قيد الإعداد. ومع موافقة الحكومة الإسرائيلية سابقًا على خطة لاحتلال غزة، قد تتردد إسرائيل في سحب قواتها؛ ما يثير الشكوك بشأن إمكانية تنفيذ المرحلة الثانية، حتى لو اكتملت المرحلة الأولى بنجاح.
لقد توصلت إسرائيل وفلسطين إلى اتفاقات لوقف إطلاق النار من قبل، مثل اتفاق يناير (كانون الثاني) من هذا العام، لكنها فشلت في الانتقال إلى المرحلة الثانية، مما أدى إلى تجدد القتال. والخطة التي اقترحتها الولايات المتحدة، رغم مظهرها المتوازن، تميل فعليًّا لصالح إسرائيل، إذ تتيح لها تحقيق أهداف لم تستطع بلوغها بالوسائل العسكرية.
وفي ظل هذه الظروف، إذا كانت شروط وقف إطلاق النار قاسية أو مجحفة بحق حركة حماس، فقد ترفض الحركة الالتزام بمتطلبات المرحلة الثانية؛ لذلك يبقى التساؤل قائمًا عما إذا كان السلام الحقيقي يمكن أن يتحقق في غزة. ويجب على المجتمع الدولي أن يبقى يقظًا ومتمسكًا بدعم تسوية عادلة ومنصفة، تضمن الأمن والحقوق والكرامة لجميع شعوب المنطقة.
المصدر: صحيفة الصين اليومية (China Daily) الصينية