تقارير

الخصوم الحلفاء.. ماذا تحمل زيارة رئيسي إلى تركيا للشرق الأوسط؟


  • 24 يناير 2024

شارك الموضوع

يتوجه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي يوم الأربعاء إلى تركيا، في أول زيارة له منذ توليه حكم البلاد، بدعوة من نظيره التركي رجب طيب أردوغان، في زيارة رسمية سبق تأجيلها مرتين لأسباب مختلفة، حيث كان مقررًا أن يزور رئيسي تركيا في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، لكن الزيارة تأجلت فجأة قبل إتمامها بساعات دون تحديد موعد آخر لها. ولاحقًا، أعلن رئيسي زيارته لتركيا في 4 يناير (كانون الثاني) الجاري، لكن الزيارة تأجلت أيضًا بسبب انفجارين وقعا خلال مراسم إحياء الذكرى الرابعة لاغتيال قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني في مدينة كرمان؛ ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى، قبل الزيارة بيوم واحد.

لكن تأتي الزيارة هذه المرة وسط قلق من جانب أنقرة تجاه الهجمات الإيرانية الأخيرة داخل الأراضي العراقية والباكستانية، بالتزامن مع تصاعد الحرب في غزة، والهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وتطورات الوضع في سوريا، حيث أثار هذا تساؤلات لدى المراقبين عن مستقبل العلاقات بين طهران وأنقرة من ناحية، ومدى إمكانية إعادة ترتيب المحاور الإقليمية في المنطقة من ناحية أخرى، إذ تعد العلاقات الثنائية بين البلدين معقدة؛ حيث تجمع بين إيران وتركيا علاقات اقتصادية وسياسية وثيقة، برغم تباين مواقفهما في كثير من الملفات، لا سيما بشأن النزاع في سوريا، والعلاقات مع أذربيجان، لكن باستغلال تطورات الأحداث الراهنة في الإقليم، يمكن الحديث عن تبلور محور تركي إيراني جديد يتحدى جمود الوضع الحالي في الشرق الأوسط، الذي ساد عقودًا، مستغلًا الهيمنة الأمريكية على المنطقة.

سياق الزيارة

أعلنت الخارجية التركية أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي سيزور أنقرة في الرابع والعشرين من يناير (كانون الثاني) الجاري لبحث العلاقات الثنائية بين البلدين، إذ تأتي هذه الزيارة تلبية لدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث سيشهد الاجتماع إعادة النظر في العلاقات التركية الإيرانية على الأصعدة كافة، وسبل تعميق العلاقات الثنائية بين طهران وأنقرة وتطويرها، ومن المنتظر أن يرافق الرئيس الإيراني وفد يضم وزراء الخارجية والدفاع والداخلية والطرق والتخطيط العمراني والتجارة والنفط والكهرباء والطاقة، وأن تُوقَّع نحو 10 اتفاقيات في مجالات الاقتصاد، والتجارة، والثقافة، والعلوم، والإعلام، والشؤون الداخلية، والنقل.

كما ستشهد الزيارة انعقاد الاجتماع الثامن للمجلس الأعلى للتعاون الإيراني التركي، بعد أن استضافت طهران الاجتماع السابع للمجلس خلال الزيارة الرسمية للرئيس التركي إلى طهران في يونيو (حزيران) 2022، وعقب الاجتماعات الرسمية، سيُعقَد اجتماع خاص برئاسة أردوغان ورئيسي بمشاركة عدد كبير من المستثمرين ورجال الأعمال الأتراك الذين يقومون بأعمال تجارية في إيران، حيث يسعى البلدان إلى زيادة حجم التجارة بينهما إلى 30 مليارًا خلال الأعوام المقبلة، في إطار الفرص التي يوفرها الموقع الجغرافي للبلدين للتعاون في مجال النقل الدولي، من خلال إطلاق تعاون أوثق لإكمال ممرات النقل الدولية، كممر شمال جنوب.

غير أن توقيت هذه الزيارة محفوف بالقلق، ويشهد فيه العالم تطورات إقليمية ودولية ذات أبعاد متعددة، وفي ظل التخوف التركي من الهجمات الأخيرة لإيران داخل العراق، وباكستان، وسوريا، وهو ما عبرت عنه الخارجية التركية في بيان، عكست فيه انزعاج أنقرة، ودعوتها لطهران إلى ضبط النفس، بعد أن أعلنت باكستان، في 18 يناير (كانون الثاني) الجاري، تنفيذ ضربات عسكرية دقيقة ضد مخابئ جيش تحرير بلوشستان في إقليم بلوشستان الإيراني، أسفرت عن مقتل 9 أشخاص، ردًا على تنفيذ إيران ضربات بصواريخ ومُسيرات على مقرين قالت إنهما لجماعة جيش العدل البلوشية المعارضة في الأراضي الباكستانية، كما سبق أن أعلن الحرس الثوري الإيراني شن هجمات صاروخية في مدينة أربيل بإقليم كردستان، شمال العراق، استهدفت ما قال إنه مقر للموساد الإسرائيلي، إلى جانب قصف مناطق تقع تحت سيطرة فصائل معارضة في محافظة إدلب، شمال غربي سوريا.

في مقابل هذا، فإن الأحداث الأمنية التي وقعت في الأسبوع الأول من يناير (كانون الثاني) الجاري، بشكلٍ متتابع في تركيا وإيران، برهنت على أن الدولتين لديهما تحديات أمنية مشتركة ناشئة عن التشابه في المواقف، حيث نفذ الكيان الصهيوني عملية اغتيال أحد قادة حركة حماس في أثناء وجوده في الضاحية الجنوبية في بيروت، وفي الوقت نفسه وقعت انفجارات بالقرب من قبر قاسم سليماني بإيران خلال الاحتفال بذكرى اغتياله، كل ذلك تزامن مع تفكيك الاستخبارات التركية شبكة تجسس تابعة للموساد الإسرائيلي في مدينة إسطنبول.

ومن ثم فمن المتوقع أن تتصدر التطورات الأخيرة التي تسببت فيها الهجمات الإيرانية في العراق وباكستان، إلى جانب تطورات الحرب في غزة، والتطورات في اليمن وسوريا وجنوب القوقاز وأفغانستان، أجندة المباحثات بين الجانبين التركي والإيراني، خاصة بعد اللقاءات الثنائية التي جمعت وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بنظرائه من إيران وتركيا قبل اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أمس الثلاثاء، بشأن مستجدات الأوضاع في الشرق الأوسط، حيث ركزت الاجتماعات الثنائية على قطاع غزة، وسوريا، والوضع المتوتر في البحر الأحمر.

نقاط التقارب 

لعل من أهم العوامل المؤهلة لتقارب تركي إيراني، وترميم العلاقات فيما بينهما نحو تشكيل محور جديد، هو الموقف الإيجابي والعلاقات القوية التي تربطهما بحركة المقاومة الإسلامية (حماس)؛ فإيران تقدم الدعم المالي والعسكري لحركة حماس؛ لذا تربط بينهما علاقات أصبحت بحكم التطورات الأخيرة تاريخية، أما تركيا، وخاصةً حزب العدالة والتنمية الحاكم، فمنذ وصوله إلى السلطة ارتبط برموز حركة حماس وداعميها من الفلسطينيين والعرب، ووفر لهم ملاذًا آمنًا على الأراضي التركية، وقدم لهم غطاءً سياسيًّا ودبلوماسيًّا مستمرًا.

وقد جاءت تصريحات الرئيس التركي في أعقاب طوفان الأقصى وبدء القصف الصهيوني على قطاع غزة، واضحة، فقد أكد أن حركة حماس ليست إرهابية؛ وإنما هي حركة تحرر وطني، كما وصف الهجمات الصهيونية على المدنيين بالنازية، وأصر على دعم تركيا المتواصل لحصول الشعب الفلسطيني على حقه الكامل، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. ومع أن هذه التصريحات يصفها البعض بأنها لا تعدو كونها عبارات خطابية جاءت في سياق الانتخابات التركية، فإن تداعياتها السلبية على العلاقات التركية الغربية، والأمريكية على وجه الخصوص- المتوترة بالأساس- تكشف أنها تصريحات قد تعني تغيرًا واضحًا في السياسية الخارجية التركية، يقرب أردوغان من توجه إيران تجاه إسرائيل، لا سيما أن سير المعارك في غزة تطور ليضيف إلى عوامل التقارب التركي الإيراني.

تشير التطورات الأخيرة إلى تصاعد حدة الصراع بين إسرائيل وإيران، بعد أن حذر الرئيس الإيراني إسرائيل من أن طهران لن تترك الضربة التي أسفرت عن مقتل خمسة مستشارين في الحرس الثوري في دمشق بدون رد، ووجهت إلى إسرائيل اتهامات باغتيال مسؤول إيراني كبير في سوريا هو رضا الموسوي، ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، واستهدف الحرس الثوري الإيراني، في 15 من شهر يناير (كانون الثاني) الجاري، بصواريخ بالستية ما قال إنها مقار تجسس وتجمع الجماعات الإرهابية المناهضة لإيران في المنطقة، مؤكدًا تدمير مقر لجهاز الموساد الصهيوني في إقليم كردستان، وتجمعات لتنظيم الدولة في سوريا. فضلًا عن هذا، يواصل الحوثيون اليمنيون المدعومون من إيران مهاجمة سفن بضائع في البحر الأحمر وخليج عدن مرتبطة بإسرائيل؛ تضامنًا مع الفلسطينيين، رغم الضربات الأمريكية البريطانية على مواقعهم في اليمن، التي رآها الرئيس التركي ردًا غير متناسب ضد الحوثيين، متهمًا الغرب بالسعي إلى تمدد الصراع في البحر الأحمر بعد هذه الهجمات.

الملفات العالقة

بالتطرق إلى الملفات الشائكة بين الدولتين، يأتي في مقدمتها اختلاف موقف إيران وتركيا بشأن القوقاز وسوريا، لكن الواقع يشير إلى أن هناك محاولات جادة من أنقرة وطهران إلى تجاوز هذه الخلافات، ففي القوقاز، التي شهدت إعلان إيران رفضها التدخل العسكري لأذربيجان- بمساعدة تركيا- لتحرير إقليم ناغورني كاراباخ، ورفضها إعادة فتح ممر زنغزور الذي يربط شرق أذربيجان بغربها، وهو ما تضغط تركيا وأذربيجان من أجل إعادة تشغيله، تقدمت إيران ببعض المقترحات لحل هذا الخلاف، وعرضت على تركيا وأذربيجان أن يُفتَح ممر بديل موازٍ يمر بأراضيها، يكون بديلًا عن ممر زنغزور.

وأما فيما يتعلق بالملف السوري، فإن الخلافات التركية الإيرانية فيه أصبحت أقل تعقيدًا في الآونة الأخيرة، فما يعني إيران- بصورة رئيسة- هو ضمان بقائها في سوريا من خلال الحفاظ على نظام بشار الأسد، ليستمر التواصل الجغرافي بينها وبين حزب الله عبر الأراضي السورية، أما تركيا فلم يعد من أولوياتها إسقاط نظام الأسد، وما يهمها هو تأمين حدودها الجنوبية مع سوريا والعراق، وإنشاء مناطق عازلة خالية من حزب العمال الكردستاني، والمنظمات الكردية الأخرى المعادية لها، كما ترغب في تأمين الشمال السوري حتى تتمكن من استخدامه لإعادة توطين اللاجئين السوريين الموجودين على أراضيها؛ ومن ثم تخفيف ضغط المعارضة الداخلية، وتحقيق مكاسب انتخابية داخلية، خاصة مع اقتراب الانتخابات البلدية في تركيا.

الخاتمة

ينقلب النظام الدولي الآن على مفهوم القطب الأوحد الأمريكي المسيطر الذي ساد منذ تسعينيات القرن الماضي، وأصبح بالإمكان في ظل تلك التحولات العالمية تشكيل محور تركي إيراني مؤهل للاضطلاع بدور أكبر، على الأقل في مجاله الإقليمي الحيوي، في ظل نظام دولي جديد ناشئ متعدد الأقطاب، وشرق أوسط يفتقد قوة إقليمية فاعلة، بعد أن تآكلت أغلب مكوناته العضوية، وأقطابه التقليدية، إذ يمكن للمحور التركي الإيراني الجديد أن يحقق توازنًا، بل قد يطرح نفسه بديلًا يملأ الفراغ الإستراتيجي المتصاعد في الشرق الأوسط الناتج أيضًا عن تراجع المحور الذي أرادت الولايات المتحدة أن تكلف إسرائيل بقيادته بالنيابة عنها لحفظ الاستقرار في المنطقة.

واستنادًا إلى هذا، تتجسد أهم المتغيرات التي صاحبت معركة طوفان الأقصى في تنامي القلق لدى كل من تركيا وإيران من عودة الولايات المتحدة إلى المنطقة، حيث نظرت كل من أنقرة وطهران إلى التحرك الأمريكي على أنه محاولة متخبطة لإعادة التموضع العسكري في المنطقة، بشكل مفاجئ وغير متسق مع الإستراتيجية الجديدة التي أعلنتها وزارة الدفاع الأمريكية، والمتمحورة حول احتواء الصين عالميًّا، وتقليل الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط. ومن هذا يمكن القول إن المستجدات التي طرأت على المنطقة في الأشهر الماضية ساعدت على ترسيخ تلك القناعات لدى القيادة السياسية لطهران وأنقرة في نقل مستوى التنسيق إلى مرحلة أعمق وأعلى من مجرد علاقات حسن الجوار.

ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع