تقارير

الحق في الحياة أهم حق من حقوق الإنسان

في مقابلة أُعدت خصيصًا لبرنامج “المراجعة الدولية”، على قناة “روسيا 24” الفضائية، تحدث فيودور لوكيانوف عن الاستخدام السياسي الغربي لقضية حقوق الإنسان، حيث نُوقش مفهوم “حقوق الإنسان” في العالم غير الغربي، وتحديدًا الصين، والعالم العربي.

فيودور لوكيانوف: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو معلم من معالم التقدم الاجتماعي، والاعتراف بأهم الحريات كمبدأ توجيهي للتنمية الحديثة. وقد قارنته السيدة إليانور روزفلت بالقوانين الأساسية الواردة تاريخيًّا في القانون الإنجليزي، والفرنسي، والأمريكي، أي بالتقاليد الغربية فقط. في عام 1948، كان هذا مبررًا، حيث كان العالم غير الغربي في الأمم المتحدة محدود العدد والتأثير. أما الآن، فقد تغير الوضع تمامًا. على سبيل المثال، هل يمكن أن يسترشد أحد في الشرق بهذه القيم؟ كيف تسير الأمور في الصين؟

ألكسندر لومانوف: لقد انعقد للتو مؤتمر دولي على شرف الذكرى السنوية للإعلان في بكين، ولم يحضره سوى وزير الخارجية، عضو مجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية وانغ يي، وقد أوضح أهمية هذا الإعلان للصين الحديثة، ومدى فهم الصين الحديثة له. كما ذكر أن الصين تتابع- بنشاط- تطبيق مبادئ هذا الإعلان، وتعمل على تعزيزه عمليًّا على الساحة الدولية.

وفي الوقت نفسه، قدم وانغ يي الفهم الصيني الحديث لحقوق الإنسان. في المقام الأول، الحق في الوجود، ويمكن حتى ترجمة هذه العبارة بأنه “الحق في الحياة”. وفي الوقت نفسه، يبرز الحق في التنمية أيضًا في المقدمة، واقتبس عبارة شي جين بينغ، اللافتة للنظر، التي مفادها أن “أهم حق من حقوق الإنسان هو حق الشعب في حياة سعيدة”.

والأمر الجدير بالملاحظة هو أن وانغ يي ربط حقوق الإنسان بمبادرات السياسة الخارجية للصين. تعزز البلاد حاليًا ثلاث مبادرات عالمية: “مبادرة الأمن العالمي، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الحضارة العالمية”. وأوضح وانغ يي- بجلاء- أن الأمن شرط ضروري لإعمال حقوق الإنسان، والتنمية التي تخلق الأساس اللازم لحقوق الإنسان. إن حوار الحضارات يجعل من الممكن تحديد الاختلافات، والنهج المختلف، وإثراء فهم أكثر شمولًا لحقوق الإنسان؛ لأنه لا يوجد، ولا يمكن أن يكون هناك فهم رتيب وصحيح من مصدر واحد لحقوق الإنسان في العالم. المساواة والعدالة ضروريتان أيضًا حتى لا يستخدم أي شخص- تحت أي ظرف من الظروف- حقوق الإنسان لوقف تطور شخص آخر، أو التدخل في شؤونه الداخلية. وفي الوقت نفسه، ذكر- بجلاء أيضًا- أن الصين تشارك في الحوكمة العالمية لحقوق الإنسان، من خلال هياكل الأمم المتحدة في المقام الأول، وتعتزم توسيع هذه المشاركة قدر الإمكان في المستقبل.

فيودور لوكيانوف: هل يحق للعالم العربي أيضًا أن ينعم بتنمية سعيدة؟

ليونيد سوكيانين: لدى العرب تقييم مختلف قليلًا للشرعية الدولية لحقوق الإنسان، التي يتمثل جوهرها في الإعلان العالمي. وخلافًا للصين، حيث لا يزال هناك خط سياسي واضح جدًّا، فإن العالم العربي ليس متحدًا إلى هذا الحد في هذا الصدد. هناك كثير من طبقات المجتمع ومجموعات القوى المختلفة، ومنهم بعض الذين يميلون- بوضوح- نحو القيم الغربية، وبطبيعة الحال، يروجون للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. دعونا لا ننسى أن الإعلان لا يزال وثيقة قانونية غير ملزمة؛ لأنه لم يُعتمد، بل صُوّتَ عليه في الجمعية العامة، بالمناسبة، ليس بالإجماع: “لم يكن هناك معارضون، ولكن كان هناك ممتنعون عن التصويت، وعلى رأسهم الاتحاد السوفيتي، والمملكة العربية السعودية”. هذه نقطة مثيرة جدًّا للاهتمام.

وبالنظر إلى أن هذه وثيقة قانونية، لا بد من القول إن الأنظمة القانونية في كثير من الدول العربية تميل إلى إدراك عدد من المعايير الأوروبية، وبشكل غير مباشر، من خلال تصور هذه المعايير، تلجأ إلى الإعلان العالمي. توجد إشارات إليها أيضًا في التشريعات، على الرغم من وجود تفاصيل محددة بالطبع: “يُقال دائمًا تقريبًا إن أعلى قيمة هي الشريعة، التي تضع قيودًا معينة على هذه القوانين”. هذه ليست قيودًا على حقوق الإنسان، بل هي حدود معينة تُفَسّر حقوق الإنسان ضمنها. أود أن أشير إلى أنه ظهرت مؤخرًا في روسيا مقالات لمؤلفين يقولون إن حقوق الإنسان لها حدود معينة تحددها المعايير الدينية، والمسلمات الدينية والأخلاقية، وهذا الخط متبع في العالم العربي.

بإيجاز، يتم الاعتراف بالإعلان العالمي، ولكن في أغلب الأحيان مع بعض القيود. على سبيل المثال، في عام 1990، اتفق وزراء الخارجية على الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان، الذي يحتوي على كثير من المناشدات للقيم الإسلامية. وفي عام 2020، اعتُمدت طبعة جديدة، اعتمدت في إشارات كثيرة إلى الإسلام، لكن بقيت المادة الـ25 الأساسية، التي تنص على أن لكل إنسان حقوقًا وحريات، وله أن يستخدمها دون المساس بمبادئ الإسلام وقيمه، وهذه الجملة هي بالضبط الإجابة عن سؤالك.

فيودور لوكيانوف: ما نوع رد الفعل الذي يسببه استخدام قضايا حقوق الإنسان كأداة سياسية، على سبيل المثال، في الصين؟

ألكسندر لومانوف: في الحالات التي يكون فيها تدخل أجنبي، فإنه بالطبع يسبب الرفض الأكبر. وتجدر الإشارة إلى أن أول مجلة باسم “حقوق الإنسان” ظهرت في الصين منذ ما يقرب من مئة عام، في منتصف العشرينيات من القرن الماضي، وكانت أول حركة لحقوق الإنسان في عام 1930.

فيودور لوكيانوف: هل نحن نتحدث هنا عن قيم صينية لحقوق الإنسان، أم أنها كانت مستمدة من الغرب؟

ألكسندر لومانوف: في الصين، كانت هناك مجموعة صغيرة جدًّا من المثقفين الرفيعين المستوى الذين تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة الأمريكية. كان ذلك عام 1930، بعد انتصار ثورة الكومينتانغ عام 1927، وتوطيد السلطة. بدؤوا يجادلون بأنه ارتُكِبَ خطأ فادح. بعد كل شيء، قال الزعيم الثوري الصيني سون يان سين، إنه يجب أن تكون هناك فترة من الوصاية الحكومية؛ لأن الناس ليسوا مستعدين لقبول الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكان على الحزب الحاكم (حزب الكومينتانغ)- آنذاك- إعداد الشعب وتثقيفه. وبدأت هذه المجموعة من المثقفين بانتقاد حزب الكومينتانغ، بزعم أن “الرفاق المخلصين كانوا أغبياء، وغير أكفاء، ولم يفهموا قط كيفية حكم البلاد”؛ لذلك، كان لا بد من إسناد حكم البلاد إلى “الخبراء”، وكانوا يقصدون أنفسهم على ما يبدو. ولكن في الوقت نفسه، كانوا يتحدثون عن مفاهيم أساسية تمامًا، مثل “الحكومة على أساس الدستور”، و”الديمقراطية”، و”سيادة القانون”، و”حقوق الإنسان”؛ لذا فإن جذور هذه الأفكار في الصين عميقة، وطويلة الأمد.

فيودور لوكيانوف: هل كانت هذه هي الحال أيضًا في العالم العربي؟

ليونيد سوكيانين: نعم، بالطبع، مع أنها لم تكن قديمة كما هي الحال في الصين، إلا أن هناك منظمات لحقوق الإنسان العربية تميل إلى قبول القيم الغربية الليبرالية. في كثير من الأحيان، فإن الأشخاص الذين تلقوا تعليمهم في الغرب يعززون هذه القيم. هناك حركات نسوية في عدد من الدول، وليس فقط في الدول المتقدمة ثقافيًّا وحضاريًّا، مثل دول المغرب العربي– تونس أو المغرب، أو حتى مصر، وحتى في دول الخليج، التقيت بنفسي نشطاء في هذه الحركات. إنهم يروجون لهذه الأجندة، ويجدون استجابة في المجتمع، ربما ليس على نطاق عريض جدًّا، ويبدو أن لديهم اتصالات مع المنظمات الأجنبية التي تدعمهم.

لكن منظمات حقوق الإنسان هذه- بالمناسبة- لديها نقطة ضعف واحدة، ليس فقط في العالم العربي، ولكن في كل مكان؛ فهي تنتقد النظام القائم وتدعو إلى معايير مختلفة، ولكنها لا تقول شيئًا عن كيفية الانتقال من هذه الحالة إلى أخرى، وهذا هو ما حدث في روسيا في التسعينيات “انتقاد القديم”، لكنهم لا يقولون كيفية الانتقال إلى دولة جديدة، وهذا بالطبع، هو الشيء الأكثر أهمية- التحول.

فيودور لوكيانوف: لا أحد يقدم برنامجًا تعليميًّا عمليًّا.

ليونيد سوكيانين: لا برامج، لا تعليم، مجرد انتقاد وتنظير بأن هذا أمر سيئ، هذه عيوب، والنساء هنا ليس لديهن حقوق. نعم، هناك بعض الحقائق فيما ينتقدونه، ولكن ما الذي يمكن فعله لضمان حصولهن على هذه الحقوق؟ لا نجد إجابة، فقط النقد.

فيودور لوكيانوف: إذا ابتعدنا قليلًا عن الوضع الحالي، وتعمقنا في الماضي الفكري، في التقليد الصيني الكونفوشيوسي، فهل فهم حقوق الانسان يتطابق مع النموذج الغربي، أم هناك خصوصية صينية؟

ألكسندر لومانوف: هذه بالضبط عودة إلى قصة ميلاد الإعلان العالمي. كان في لجنة إعدادها ممثل الكومينتانغ الصيني، تشانغ بينتشون، وهو رجل ذكي على نحو غير عادي، وأستاذ في جامعة نانكاى، ودبلوماسي، شغل خلال الحرب منصب سفير الصين لدى كل من تركيا وتشيلي، كما كان كاتبًا مسرحيًّا وخبيرًا لامعًا في الثقافة الصينية. والآن، يعيدون في الصين قراءة نصوص تلك الاجتماعات بحماسة عظيمة، وخطبه التي تثير الدعم والبهجة.

حاول تشانغ بينشون أن يشرح لزملائه أنه إذا ظهر مفهوم حقوق الإنسان في أوروبا في القرن الثامن عشر، فقد ظهر في الصين قبل ألفي عام في عهد كونفوشيوس وتلاميذه، عندما قال منسيوس، الفيلسوف الثاني بعد كونفوشيوس “إن الناس هم الأكثر أهمية، والحاكم هو الأقل أهمية”. ضُمِّنت اقتباسات من الكلاسيكيات الصينية القديمة في تلك النصوص نفسها. لقد حاول إقناع زملائه بإدراج المفهوم الكونفوشيوسي “للإنسانية” في الإعلان، وظل- مدة طويلة- يحاول أن يشرح لهم أن حقوق الإنسان ليست مجرد شيء فردي، قائم بذاته، ولكنها أيضًا موقف تجاه الآخرين.

نتيجة لذلك، لم يتمكنوا من الاتفاق على المعنى الحديث للإنسانية الكونفوشيوسية، وهنا برز الاختلاف بشأن الحضارات، ومفهوم “الإله”؛ وعليه، دعونا نقرر إذن: “إما أن نضيف الله والإنسانية والعدالة الكونفوشيوسية، أو نجد شكلاً عالميًّا حقيقيًّا يناسب جميع الحضارات، وجميع ثقافات العالم”.

الآن في الصين، هناك موجة قوية من تعزيز الثقافة الصينية التقليدية، وتعزيز الوعي الوطني، والثقة بثقافتها الخاصة. خطابات الدبلوماسي الصيني بينج جون تشانغ، التي ألقاها في اللجنة التحضيرية، والتي ظلت طي النسيان ستة عقود، تتحول الآن إلى مبرر تاريخي للتيار السائد الحالي.

فيودور لوكيانوف: في العالم العربي، ربما ينبغي أن يكون الأمر على العكس من ذلك: “إذا كان مصدر القانون في الصين ليس من الله، ففي الشريعة الإسلامية يأتي على وجه التحديد من الله؟”

ليونيد سوكيانين: نعم، في العالم الإسلامي، وخاصة في الدول العربية، الوضع ذو شقين، هناك قانون مدني صادر من الدولة، يستنسخ جميع النماذج الأوروبية الرئيسة، وغالبًا ما يستعيرها، ولكن في الوقت نفسه هناك قوانين مستمدة من الشريعة بوصفها القانون الأعلى، ومن هنا تأتي الازدواجية، التي يُعبَّر عنها بوضوح شديد، على سبيل المثال، في كثير من الجامعات كليتان: كلية الحقوق وكلية الشريعة، وتقعان في الطابق نفسه، وهذا ما يوضح تلك الازدواجية.

القانون صحيح، ولكن في الوقت نفسه، هناك فكرة عن الشريعة، وإذا تحدثنا عن المكان الذي تحتله القواعد المنبثقة عن الشريعة في النظام القانوني، فمنذ أوائل السبعينيات “عصر الصحوة الإسلامية”، زاد دورها وتوسعت.

وربما جاءت فترة- منذ وقت ليس ببعيد، في السنوات القليلة الماضية – ظهر فيها اتجاه معاكس نحو تقليص نطاق الشريعة الإسلامية، وهذا ملحوظ بشكل خاص في دولة الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال. لكن في الوقت نفسه، ظهرت أفغانستان بنسخة جديدة من طالبان، فكل شيء يُعوَّض. لقد اتخذت بروناي طريق الشريعة، وأسلمة النظام القانوني.

ولذلك فإن الجواب هو أن الوضع هناك ذو شقين. جميع الأنظمة القانونية هي مزيج من الثقافة القانونية الأوروبية والإسلامية، ولكن بنسب مختلفة فقط. هناك دول تمثل فيها الشريعة الإسلامية جوهر القانون الأساسي، مثل: “المملكة العربية السعودية، والسودان، واليمن، وباكستان، وإيران، وماليزيا، ونيجيريا”، ولكنَّ هناك بلدانًا لديها اتجاه معاكس تمامًا، مثل تونس؛ لذا فإن الصورة متنوعة. على أي حال، فإن القانون الأوروبي، أو قانون النموذج الأوروبي، يعمل في مجتمع حيث الشكل السائد للوعي هو الوعي الديني، وهذا أمر مهم يجب أن نأخذه في الحسبان. تُفَسَّر النصوص نفسها في الدول العربية والأوروبية تفسيرًا مختلفًا؛ لأن الوعي يعمل بشكل مختلف.

فيودور لوكيانوف: ربما يكون الاستنتاج الأكثر أهمية الذي يمكن استخلاصه من محادثتنا هو أن عالمية الإعلان العالمي لحقوق الانسان محفوظة- إلى حد كبير- في الصياغة، وأن تفسير هذه العبارات في كل مكان، ربما ليس بشكل كامل، ولكنه يتباين، أي إن العالمية تختفي بالتحديد في الفهم؟

ألكسندر لومانوف: تدعي الصين الآن أنها تسهم في العالمية الجديدة. في الاتجاه الصيني السائد، يُنظر إلى الأمر على النحو التالي: “لقد وضع الغرب أسس الجيل الأول من حقوق الإنسان، وهي الحقوق والحريات الفردية، ثم جاء القرن العشرون، فظهرت الحقوق الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية. والآن تنظر الصين إلى نفسها بوصفها الجهة المطورة للنسخة الثالثة من حقوق الإنسان، استنادًا إلى الحق في التنمية.

إن مقولة شي جين بينغ تتحدث عن حق الشعب في حياة سعيدة، وهذا يعني تقليص فجوات الثروة داخل المجتمع، وتقليص الفجوة العالمية بين البلدان المتقدمة والنامية. إن مشكلة قبول أو عدم قبول حقوق الإنسان الغربية مخفية بمثل هذه الصياغة للسؤال. إذا كان هذا تحركًا إلى الأمام، فمن الطبيعي أن تظل حقوق الإنسان الغربية نوعًا من الأساس لحقوق الإنسان الجديدة هذه.

وتعتقد الصين أنها تستطيع أن تقدم للعالم مفهومًا جديدًا لحقوق الإنسان، وهو مفهوم غير ملزم للجميع؛ لأن النهج الصيني في هذه القضية تعددي. هناك قيم أساسية مشتركة بين الجميع، تفسرها كل حضارة بطريقتها الخاصة.

يجدر الانتباه لحقيقة أن مفهوم حقوق الإنسان في التفسير الصيني، أو كما يطلق عليه “الطريقة الصينية لتطوير حقوق الإنسان”، يتناسب- تناسبًا وثيقًا- مع مفهومين آخرين تروج لهما الصين الحديثة: “العملية الديمقراطية الشعبية الكاملة”، التي تختلف- كما يوحي اسمها- عن الديمقراطية الغربية غير المكتملة، و”التحديث على الطريقة الصينية” التي تمثل إستراتيجية التنمية الصينية التي تريد الصين تقديمها بوصفها مرجعًا ونموذجًا فكريًّا لكل الدول النامية الأخرى.

فيودور لوكيانوف: إذا تصورنا أن الرؤية الصينية، مع ازدياد قوة الصين، ستنتشر في جميع أنحاء العالم، فهل سينظر إليها العالم العربي بالطريقة نفسها التي نظر بها إلى الرؤية الغربية؟

ليونيد سوكيانين: نعم، بعض العناصر تتلاءم تمامًا مع الوعي الإسلامي. ليس الكل، ولكن البعض. يجب ألا ننسى أنه في نهاية المطاف، يقع الفرد في قلب الفكرة الغربية والأوروبية الليبرالية لحقوق الإنسان، وهذا حق فردي أولًا وأخيرًا، وما زالت النسخة الصينية-كما سمعناها للتو- تؤكد شيئًا آخر، وهذا فرق خطير.

يفسر الوعي الإسلامي كل هذه الأمور بطريقة مختلفة قليلًا، ولكن بوسعي أن أجيب عن سؤالك: “من المؤكد أن بعض العناصر التي تقدمها الصين (نظرًا إلى حضارتها الضخمة، ونفوذها الاقتصادي والسياسي) لها تأثير، ومع أن العالم الإسلامي يتمتع برؤيته الخاصة، فإنه قادر- إلى حدٍ ما- على قبول التفسير الغربي لحقوق الإنسان، والنسخة الصينية، وتقديم تفسيره الخاص. فكما يقول الصينيون: “لدينا منذ ألفي عام…”، يذكر المسلمون: “ولدينا مفهوم حقوق الإنسان منذ عهد النبي”.

وكما ذكرتم سابقًا، فإن العالم الغربي، الذي بادر إلى الإعلان العالمي، والمواثيق الدولية التي انبثقت عنه، يبتعد- إلى حد كبير- عن هذه القيم. إذا كان العالم الإسلامي يتميز بالارتباط الوثيق بين حقوق الإنسان المفسرة قانونيًّا والأفكار الأخلاقية والدينية، فإن العالم الغربي قد ابتعد عنها بشكل جدي. لنأخذ على سبيل المثال الدعاية لزواج المثليين، وإمكانية حرية اختيار الجنس– ما الدين الذي يرحب بهذه الأشياء؟ مع أن أصول حقوق الإنسان، حتى في النظرة الغربية، تضمنت جوانب دينية كثيرة. كان الفكر البروتستانتي أساسًا للاعتراف بالحرية الدينية، واضطلع البروتستانت بدور رئيس في هذا الصدد. الآن، لقد نُسيَ هذا بالفعل، لقد ابتعدنا عن هذه المعايير، لكن العالم الإسلامي ملتزم بالتفسير التقليدي، وهذا- بالمناسبة- هو الأساس الذي يربط فكرته بفكرتنا الروسية. ونحن أيضًا نتحدث الآن كثيرًا عن قيمنا التقليدية، وهذا له تأثير مباشر في فهم حقوق الإنسان. إن العالم الإسلامي لديه تقاليد قريبة منا، وهي أحد الأمور التي تخلق تقاربًا كبيرًا بين روسيا والحضارة العربية الإسلامية.

فيودور لوكيانوف: من المثير للاهتمام أن البرلمان الدنماركي اعتمد، يوم الخميس، وبعد كثير من الجدل، قانونًا يحظر حرق القرآن والكتب المقدسة، لكن هذا تسبب في رفض حاد من جانب قطاع عريض من المجتمع، وكتبت الصحف الليبرالية: “تذكروا أسماء هؤلاء النواب الذين صوتوا بـ (نعم)- لقد خانوا حريتنا”. كما قالوا: “سنذكر بالاسم كل من رفع يده”.

المصدر: مجلة روسيا في السياسة العالمية

ما ورد في المقابلة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع