مقالات المركز

التواصل الأمريكي- الأفغاني.. ضرورات اللحظة الراهنة


  • 13 أبريل 2025

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: news.com.au

بجانب التفاوض الخفي بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية في قطر خلال العامين الماضيين، يبدو أن أول لقاء مباشر على الإطلاق بين فريق أمريكي رفيع المستوى ومسؤولي طالبان في كابول يشكل مبادرة لجولة أخرى من القتال السياسي والإستراتيجي الدائر في المنطقة منذ أوائل السبعينيات، وكانت هذه أول محادثات مباشرة مفتوحة بين واشنطن وكابول منذ 15 أغسطس (آب) 2021، عندما وقعت الأخيرة في قبضة طالبان بموجب اتفاق الدوحة. ربما تكون العلاقات الأمريكية الأفغانية الجديدة المتعددة الجوانب قد أزعجت المؤسسة السياسية والعسكرية في باكستان، لا سيما في ظل صدام الأخيرة مع كابول، لكن نتائج التواصل الأمريكي- الأفغاني أو غاياته قد تتعارض مع طموحات إسلام آباد، خاصة إذا تمسكت طالبان بمواقفها في القضايا الداخلية والخارجية، ولا سيما خط دوراند، وعلاقات كابول مع الهند.

اختُتمت زيارة الوفد الأمريكي برئاسة السفير آدم بوهلار، التي استمرت يومًا كاملًا، بسرية تامة، بإطلاق سراح جورج غليزمان، ميكانيكي الطائرات الأمريكي، ونقله جوًّا إلى الولايات المتحدة عبر الدوحة. ويُعدّ هذا الاجتماع في كابول ثمرة اتصالات رفيعة المستوى بين البلدين، بوساطة قطر والإمارات العربية المتحدة، منذ تولي دونالد ترمب السلطة في 20 يناير (كانون الثاني) 2025. وكان زلماي خليل زاد، المعروف بمواقفه المتشددة، عضوًا في الوفد. وتُظهر أحداث الحرب منذ سبعينيات القرن الماضي أن ظهور زلماي خليل زاد في وسائل الإعلام والمنتديات الدبلوماسية يُؤدي إلى تغييرات وإعادة ترتيب في أفغانستان.

ومع أن الولايات المتحدة تعمل على الجبهة الأفغانية منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية الثانية في أفغانستان عام 2009 دون مشاركة باكستان، فإن مشاركة كابول المباشرة تبدو أكثر إثارة للسخرية بالنسبة لكبار المسؤولين في روالبندي وإسلام آباد، الذين يتابعون التغييرات والتعديلات الوزارية والعنف والإرهاب والانقسامات الداخلية والعداءات بين المتعطشين إلى السلطة من أمراء وقادة وجنرالات وزعماء على الجانب الغربي من خط دوراند السيئ السمعة منذ زمن طويل.

وبالمقارنة مع الستينيات والسبعينيات، عندما كانت الولايات المتحدة تُداوي جراح هزيمة فيتنام، فإن الوضع الحالي مختلف تمامًا. في السابق، اعتمد حلفاء الولايات المتحدة الرئيسون على جميع إستراتيجياتها ونياتها في أفغانستان، المجاورة لباكستان مباشرةً، التي كانت خاضعة لنفوذ الاتحاد السوفيتي المتفكك. الآن، لا دور لباكستان في أفغانستان بسبب سياساتها الفاشلة. وبالمثل، مع عودة دونالد ترمب إلى أروقة السلطة الأمريكية، تتلاشى أيضًا العداوات بين واشنطن وموسكو.

قبل إطلاق سراح السيد غليزمان، أُطلق من أفغانستان سراح أمريكيين آخرين، هما رايان كوربيت وويليام والاس ماكنتي، مقابل إطلاق سراح أفغاني مسجون في كابول. كان المواطن الأفغاني خان محمد قد أُدين وحُكم عليه بالحبس مدى الحياة بتهم تهريب المخدرات، واعتُبر ممولًا لطالبان خلال الحرب على الإرهاب. وصرح وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، قائلًا: “كان إطلاق سراح غليزمان تذكيرًا بأن أمريكيين آخرين ما زالوا محتجزين في أفغانستان”.

أضافت وزارة الخارجية الأفغانية، على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي “إكس”، أن الاتفاق يُظهر “استعداد أفغانستان للتفاعل الجاد مع جميع الأطراف، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة”. وتبدو نيات المسؤولين الأمريكيين الرفيعي المستوى الذين زاروا كابول برفقة وسطاء من قطر مماثلة، إذ شكروا -مرارًا وتكرارًا- مسؤولي طالبان على أمرهم بالإفراج عن السيد غليزمان.

لا أحد ينكر أن تغيير الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مواقفه تجاه روسيا وأفغانستان سيؤثر إيجابًا وسلبًا في السياسة العالمية، وخاصةً في المنطقة الآسيوية، إذ لا تزال الولايات المتحدة تعمل على خيارات متعددة لتعزيز نفوذها. في السابق، كانت باكستان تُجبر الولايات المتحدة على مواجهة ما كان يُعدّ سابقًا تهديدًا أكبر للأيديولوجيات الاشتراكية والشيوعية. والآن، يبدو أن الولايات المتحدة تُحاول جاهدةً مواجهة النمو الاقتصادي الصيني وتأثيره في أسواق التجارة العالمية. وتتجلى -بوضوح- في العقود القليلة الماضية المواقف الإستراتيجية والدبلوماسية الصينية التي تتجنب فيها الصين المواجهات، وتفضل سياسات المصالحة والحوار، بل حتى الأخذ والعطاء.

تُعدّ معضلة باكستان فريدة من نوعها. لا تزال مؤسستها العسكرية متمسكة بسياسات العمق الإستراتيجي الموروثة من عهد بوتو وضياء، ولا تزال علاقاتها الدبلوماسية مع جيرانها متوترة، إذ تُصنّف الهند وأفغانستان خصمين، في حين يُنظر إلى إيران بعين الريبة. حتى الصين، على الرغم من شراكتها الطويلة مع باكستان، لديها تحفظات متزايدة بشأن التوجه الإستراتيجي لإسلام آباد. وتُصنّف مراكز الأبحاث الغربية التطرف الديني والإرهاب على أنهما تهديدات خطيرة للأمن العالمي، ولكلتا الظاهرتين جذور عميقة في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان.

تُثير زيارة زلماي خليل زاد المفاجئة والقصيرة إلى كابول تساؤلاتٍ كثيرة عن نيات الولايات المتحدة. ويُشير انخراطه التاريخي في التحولات السياسية في أفغانستان إلى أن تغييراتٍ جوهريةً قد تلوح في الأفق. وبينما تُبحر الولايات المتحدة وحركة طالبان في هذه المرحلة الجديدة من التعاون، ستتكشف التداعيات الجيوسياسية الأوسع نطاقًا في الأشهر المقبلة.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع