إستراتيجيات عسكرية

التهديد النووي بين الهند وباكستان


  • 4 مايو 2025

شارك الموضوع

 وضعت الأزمة الهندية الباكستانية التي أعقبت هجوم باهالغام -مرة أخرى- البنية الهشة للاستقرار الإقليمي تحت الضغط. وقد أدت الإجراءات الانتقامية من جانب كل من الهند وباكستان إلى تعليق غير مسبوق لمعاهدة مياه نهر السند، وإعلان إسلام آباد أنها “ستمارس حقها في تعليق جميع الاتفاقيات الثنائية مع الهند، بما في ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- اتفاقية سيملا”. ومن غير الواضح ما إذا كانت هذه الاتفاقيات الثنائية تتضمن تدابير الثقة النووية (NCBMs)، أو ما إذا كانت هذه الاتفاقيات ستستمر في العمل. وهذا الغموض في لحظة من التوترات المتزايدة يولد عدم يقين بشأن ما إذا كانت بعض أهم الآليات التي تدعم الاستقرار الإستراتيجي في جنوب آسيا لا تزال تعمل.

يُظهر تعليق الاتفاقيات، حتى غير المُستخدمة منها أو الرمزية، تدهورًا أعمق في الثقة الثنائية، وتآكلًا حتى لأبسط قنوات إدارة المخاطر النووية. إن عدم توقيع باكستان والهند على أي اتفاقية جديدة للحد من خطر الأسلحة النووية منذ (18) عامًا، وانعدام الحوار النووي المنظم لأكثر من عقد، يُبرزان مدى ضآلة الرصيد السياسي المُتاح حتى لأدنى حد من التعاون. في هذا السياق، لن يُؤكد التعليق الرسمي لاتفاقية الخط الساخن على جمودها فحسب؛ بل يُشير إلى أي مدى هناك استعداد لدى الدولتين لتجاوز الأزمة الحالية.

إذا عُلّقت الإجراءات النووية العابرة للقارات الحالية دون إقرار رسمي، فإن العواقب ستكون وخيمة. وأهم هذه التدابير هي تلك المصممة لمنع سوء الفهم، والسماح بالتواصل الفوري، والحد من مخاطر التصعيد العرضي، وهي تحديدًا تلك التي تتعرض لخطر التآكل أو الإهمال في ظل الجمود الدبلوماسي الحالي. على سبيل المثال، سيُعيد تعليق اتفاقية عدم الهجوم النووي فرض الغموض الإستراتيجي، حيث تشتد الحاجة إلى الوضوح، مهما كان ضئيلًا. بالإضافة إلى ذلك، تُسهم اتفاقية الإخطار المسبق بالصواريخ الباليستية في الحد من خطر سوء فهم أي تجربة على أنها ضربة، خاصة في منطقة يكون فيها وقت التحذير الإستراتيجي محدودًا، وقد يؤدي اتخاذ القرارات بسرعة إلى كارثة.

وسيزيد إلغاء هذه الاتفاقية احتمال سوء الفهم؛ مما يعني أن هامش الخطأ في التقدير قد تقلص على نحو خطير. ويزداد هذا الأمر سوءًا؛ لأن سوء الفهم هذا سيتكشف على خلفية حادثة إطلاق صاروخ براهموس عام 2022. لقد وقعت تلك الحادثة في زمن السلم ولم تتحول إلى أزمة، ولكن وقوع حادثة مماثلة في سياق أزمة كاملة النطاق من شأنه أن يؤدي إلى استجابة مختلفة تمامًا.

يوفر الخط الساخن للأزمات قناة اتصال مباشرة بين كبار المسؤولين المدنيين لتسوية سوء الفهم في الأوقات التي قد لا تكون فيها الدبلوماسية السرية والوساطة الخارجية سريعة أو مجدية بما يكفي لمنع التصعيد. وقد يبدو التأثير العملي ضئيلًا في ظاهره. لم تُنشَأ آليات مثل الخطوط الساخنة لاستخدامها يوميًّا. إنها موجودة لظروف استثنائية، عندما يمكن أن يؤدي سوء التقدير أو الارتباك، أو سوء التفسير، إلى تصعيد غير مقصود. وإذا ظلت الآلية خاملة خلال أزمات متعددة، فقد لا يؤدي غيابها إلى تغيير سلوك الدول على الفور. ومع ذلك، فإن هذا يقلل من أهمية إضفاء الطابع المؤسسي على مسارات الاتصال، وخاصة في المجال النووي.

تاريخيًّا، تجاوزت إجراءات الحد من المخاطر غير النووية بين الهند وباكستان فترات عصيبة، واستمر تطبيق تدابير مثل التبادل السنوي لقوائم المنشآت النووية، والإخطار المسبق بتجارب الصواريخ الباليستية خلال الأزمات السابقة، بدءًا من كارجيل عام 1999 ومواجهة (2001 – 2002)، وصولًا إلى أزمة بولواما- بالاكوت عام 2019. وفي هذا السياق، بدا أن الدولتين تؤكدان أهمية إجراءات الحد من المخاطر، وإن كانت محدودة ورمزية إلى حد كبير. ربما بدت هذه الإجراءات روتينية في زمن السلم، لكن فائدتها الحقيقية تتجلى بوضوح في أوقات التوتر المتصاعد، ولن يكون تعليقها رمزيًّا فحسب؛ بل سيمثل تحولًا نحو مزيد من عدم القدرة على التنبؤ.

في ظلّ مواجهة كلٍّ من الهند وباكستان فإنّ عواقب السماح بانقضاء تدابير بناء الثقة النووية، سواء أكان رسميًّا أم غير رسمي، قد تكون وخيمة. إنّ المخاطر ليست نظريةً؛ ففي منطقةٍ تندلع فيها الأزمات بسرعةٍ، وتُضيّق فيها الجداول الزمنية للتصعيد، فإنّ غياب أدنى قدرٍ من الالتزام بتطبيق تدابير بناء الثقة النووية قد يكون كارثيًّا. في الوقت الحاضر، يبدو أنّ مستقبل استقرار جنوب آسيا قد لا يعتمد على اتفاقيات كبرى، أو دبلوماسية ثورية؛ بل على ما إذا كان سيُسمح بزوال أبسط الحواجز الأمنية بهدوء.

إذا لم تعد الهند وباكستان تعتبران تدابير بناء الثقة النووية آليات قيّمة لبناء الثقة، فإن تنفيذها يصبح غير متسق، وفي النهاية، غير ذي أهمية، وهذا يفتح الباب أمام فك الارتباط التدريجي عن الالتزامات الثنائية، ويطبع قابلية التراجع عن الاتفاقيات. ويعكس تعليق الهند معاهدة مياه نهر السند، وإعلان باكستان احتفاظها بالحق في تعليق الاتفاقيات الثنائية، مثل اتفاقية شيملا، هذا التحول. وفي حين أن هذه مواقف مشروطة، وليست انسحابًا تامًّا، فإن هذه التطورات مثيرة للقلق؛ نظرًا إلى سهولة تعليق هذه الأطر الطويلة الأمد مع أدنى حد من ردود الفعل المحلية، أو التكاليف الدولية.

تُعدّ الأزمة الهندية الباكستانية الحالية اختبارًا لمدى قدرة أضعف خيوط ضبط النفس على الصمود بين الدولتين. إن الغموض المحيط بوضع تدابير بناء الثقة النووية ليس مجرد سهو بيروقراطي؛ بل إنه يثير تساؤلًا أكبر عما إذا كانت الدولتان لا تزالان مهتمتين بفكرة الحد من المخاطر، لا سيما أنهما تُحدّثان ترسانتيهما النووية، نوعيًّا وكميًّا. في خضم هذا التصعيد، أشار إصدار باكستان إشعارًا للطيارين يومي 24 و25 أبريل (نيسان)، يُشير إلى تجربة صاروخية وشيكة في بحر العرب، إلى التزام إجرائي باتفاقية الإخطار المسبق بتجارب الصواريخ الباليستية. ومع ذلك، يُشير الإشعار إلى أن معايير الحد من المخاطر تُؤدي غرضًا؛ إذ إنها قد لا تمنع الحرب، لكنها تُتيح مساحة حيوية لتصحيح المفاهيم الخاطئة، وإدارة التصعيد.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع