تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة من التوتر المتصاعد مع تصاعد التقارير عن استعداد إسرائيل لشن هجوم مفاجئ جديد على إيران، وفقًا لما نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”. هذه الأنباء تثير تساؤلات عميقة عن طبيعة الاستعدادات الإسرائيلية، وتأثيرها في أمن المنطقة، خاصة منطقة الخليج، والموقف الأمريكي من هذا التصعيد، والسيناريوهات المحتملة في حال اندلاع مواجهة عسكرية.
تعمل إسرائيل -وفقًا للتقارير- على تعزيز قدراتها العسكرية والاستخباراتية لتنفيذ هجوم محتمل يستهدف منشآت إيرانية حساسة، خاصة تلك المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني. تشمل هذه الاستعدادات تكثيف التدريبات الجوية التي تحاكي عمليات بعيدة المدى، حيث تمتلك إسرائيل أسطولًا من الطائرات المقاتلة، مثل “إف-35″، و”إف-16″، و”إف-15″، القادرة على تنفيذ ضربات دقيقة. كما يُعتقد أن الجيش الإسرائيلي يجري محاكاة لسيناريوهات هجومية تتضمن استهداف مواقع نووية، مثل نطنز وفوردو، إلى جانب منشآت عسكرية لإنتاج الصواريخ الباليستية.
من الناحية الاستخباراتية، يؤدي الموساد دورًا محوريًّا في جمع المعلومات عن الأهداف المحتملة، بما في ذلك تحديد مواقع القادة العسكريين، والعلماء النوويين الإيرانيين. هذه الجهود قد تشمل عمليات سرية داخل الأراضي الإيرانية، مثل نشر طائرات مسيرة، أو وحدات كوماندوز لتعطيل الدفاعات الجوية الإيرانية. كما أن إسرائيل تعتمد على تقنيات متقدمة في الحرب السيبرانية لاستهداف البنية التحتية الإيرانية، كما حدث سابقًا في عملية “ستاكسنت” التي استهدفت أنظمة الطرد المركزي الإيرانية.
إلى جانب ذلك، تعمل إسرائيل على تعزيز دفاعاتها الداخلية تحسبًا لرد إيراني محتمل. يشمل ذلك تفعيل منظومات الدفاع الجوي، مثل “القبة الحديدية”، و”مقلاع داود”، وإجراء تدريبات مكثفة للجبهة الداخلية للتعامل مع هجمات صاروخية واسعة النطاق. هذه الاستعدادات تعكس إستراتيجية إسرائيلية تهدف إلى تحقيق ضربة استباقية تُضعف إيران، دون إعطائها فرصة للرد بقوة.
إن شن هجوم إسرائيلي مفاجئ على إيران سيحمل تداعيات خطيرة على أمن الشرق الأوسط، خاصة في منطقة الخليج التي تمثل مركزًا اقتصاديًّا وعسكريًّا حيويًّا. وأول التداعيات العسكرية للهجوم الإسرائيلي سيكون استنفار شبكة الحلفاء الإيرانيين في المنطقة، التي تشمل حزب الله “الضعيف حاليًا” في لبنان، والحوثيين في اليمن، والميليشيات المدعومة من إيران في العراق. هذه الجماعات تمتلك ترسانات صاروخية وطائرات مسيرة قادرة على استهداف أهداف إسرائيلية، أو حتى قواعد عسكرية أمريكية في المنطقة. على سبيل المثال، قد يشن حزب الله هجمات -ولو ضعيفة- على شمال إسرائيل؛ مما يفتح جبهة جديدة في الصراع. في الوقت نفسه، قد يستهدف الحوثيون السفن التجارية، أو البنية التحتية في البحر الأحمر؛ مما يهدد خطوط الملاحة البحرية الحيوية.
في منطقة الخليج، يزداد الوضع حساسية بسبب وجود قواعد عسكرية أمريكية رئيسة، مثل قاعدة “العديد” في قطر، والأسطول الخامس في البحرين. إيران قد تختار استهداف هذه القواعد كرد فعل على الهجوم الإسرائيلي، خاصة إذا رأت أن الولايات المتحدة متواطئة أو داعمة للعملية. هذه الهجمات قد تشمل صواريخ باليستية، أو طائرات مسيرة؛ مما يضع دول الخليج في مرمى النيران. كما أن إيران قد تستخدم قدراتها في الحرب السيبرانية لاستهداف البنية التحتية الحيوية في دول الخليج، مثل أنظمة التحكم في الطاقة أو الاتصالات؛ مما يعرض الأمن القومي لهذه الدول للخطر.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تصعيد الصراع قد يؤدي إلى حروب بالوكالة أوسع نطاقًا. على سبيل المثال، قد تشهد العراق تفاقم الاشتباكات بين الميليشيات المدعومة من إيران والقوات الأمريكية أو الإسرائيلية. هذا التصعيد سيجعل المنطقة ساحة لصراعات متعددة الأطراف؛ مما يزيد حالة عدم الاستقرار، ويصعب السيطرة على الوضع عسكريًّا.
منطقة الخليج، التي تُعد المصدر الرئيس للنفط والغاز الطبيعي في العالم، ستكون الأكثر تأثرًا اقتصاديًّا بهذا الصراع. إيران تمتلك القدرة على تعطيل تدفق النفط عن طريق مضيق هرمز، الذي يمر من خلاله نحو 20% من إمدادات النفط العالمية. قد تفرض إيران حصارًا بحريًّا، أو تشن هجمات على ناقلات النفط، كما حدث في هجمات سابقة خلال 2019. هذه الأعمال ستؤدي إلى ارتفاع فوري في أسعار النفط؛ مما يؤثر في الاقتصادات العالمية، بما في ذلك الدول المنتجة في الخليج التي تعتمد على استقرار الأسواق.
بالإضافة إلى ذلك، قد تتعرض منشآت الطاقة في دول الخليج لهجمات مباشرة. على سبيل المثال، هجوم مماثل لهجوم أرامكو السعودية في 2019، الذي أدى إلى تعطيل نصف إنتاج النفط السعودي مؤقتًا، قد يتكرر على نطاق أوسع. هذه الهجمات لن تؤثر في الإنتاج النفطي فقط؛ بل ستضر أيضًا بالثقة بقدرة دول الخليج على حماية بنيتها التحتية؛ مما قد يؤدي إلى انخفاض الاستثمارات الأجنبية في المنطقة.
من ناحية أخرى، فإن الاضطرابات الاقتصادية قد تمتد إلى القطاعات غير النفطية. دول مثل الإمارات وقطر، التي استثمرت بكثافة في السياحة والتجارة والخدمات المالية، قد تشهد تراجعًا في هذه القطاعات بسبب تصاعد المخاوف الأمنية. كما أن تكاليف تعزيز الدفاعات العسكرية، وإعادة بناء البنية التحتية المتضررة ستضع ضغوطًا إضافية على الميزانيات الوطنية؛ مما يحدّ قدرة هذه الدول على تمويل مشروعات التنمية الطويلة الأجل.
سياسيًّا، سيضع الهجوم الإسرائيلي دول الخليج في موقف دقيق. هذه الدول، التي تربطها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل في بعض الحالات (مثل الإمارات والبحرين بعد اتفاقيات أبراهام)، قد تجد نفسها مضطرة إلى اتخاذ مواقف دبلوماسية معقدة. دعم إسرائيل أو الولايات المتحدة علنًا قد يثير غضب إيران وحلفائها؛ مما يزيد التوترات مع طهران. في المقابل، الحياد أو التقارب مع إيران قد يُنظر إليه على أنه تراجع عن التحالفات الغربية؛ مما يعرض علاقات دول الخليج مع واشنطن للخطر.
كما أن الصراع قد يعيد تشكيل التحالفات الإقليمية. على سبيل المثال، قد تجد السعودية نفسها في مواجهة مع إيران على نحو أكثر مباشرة، خاصة إذا استُهدفت منشآتها النفطية. هذا قد يدفع الرياض إلى تعزيز تعاونها العسكري مع إسرائيل على نحو غير معلن، وهو أمر قد يثير حساسيات داخلية وإقليمية. في الوقت نفسه، قد تستغل إيران الصراع لتعزيز نفوذها في دول مثل العراق ولبنان؛ مما يزيد الانقسامات الإقليمية.
على المستوى الدولي، قد يؤدي الصراع إلى تعقيد العلاقات بين القوى الكبرى. روسيا والصين، اللتان تربطهما علاقات اقتصادية وسياسية مع إيران، قد تنددان بالهجوم الإسرائيلي، وتقدمان دعمًا دبلوماسيًّا أو عسكريًّا لطهران. هذا الدعم قد يشمل تزويد إيران بأنظمة دفاع جوي متقدمة؛ مما يزيد تعقيد أي عمليات عسكرية مستقبلية. في المقابل، ستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة إلى دعم إسرائيل؛ مما يعزز الانقسام بين القوى الغربية والشرقية.
من الناحية الاجتماعية، قد يؤدي الصراع إلى تفاقم التوترات الطائفية بين السنة والشيعة في المنطقة. إيران، بوصفها دولة شيعية، قد تحشد دعمًا من المجتمعات الشيعية في دول الخليج، مثل المناطق الشرقية في السعودية أو البحرين؛ مما يثير مخاوف الحكومات المحلية من الاضطرابات الداخلية. هذه التوترات قد تُستغل لتأجيج الخطاب الطائفي؛ مما يزيد الانقسامات المجتمعية، ويضعف التماسك الوطني في دول الخليج.
كما أن تصاعد الصراع قد يؤثر في الرأي العام في المنطقة؛ فبينما قد تدعم بعض الشرائح الإجراءات الإسرائيلية ضد إيران بسبب مخاوف من نفوذ طهران، قد يرى آخرون الهجوم عدوانًا غربيًّا جديدًا على دولة إسلامية؛ مما يغذي مشاعر معاداة الغرب. هذا الاستقطاب قد يزيد الضغوط على حكومات الخليج لاتخاذ مواقف شعبوية؛ مما يعقد سياساتها الخارجية.
الموقف الأمريكي إزاء هجوم إسرائيلي مفاجئ على إيران -كما أشارت تقارير صحيفة “يديعوت أحرونوت”- يمثل نقطة محورية في ديناميكيات الصراع المحتمل، حيث يتسم بالتعقيد والتأرجح بين الالتزامات الإستراتيجية، والضغوط الداخلية، والأهداف الدبلوماسية. الولايات المتحدة، بوصفها حليفًا رئيسًا لإسرائيل، تواجه تحديات في تحقيق توازن بين دعم تل أبيب، والحفاظ على استقرار الشرق الأوسط، وتجنب حرب إقليمية شاملة قد تكون لها تداعيات عالمية.
تاريخيًّا، تربط بين الولايات المتحدة وإسرائيل علاقة إستراتيجية عميقة، تتجلى في تقديم مساعدات عسكرية سنوية بمليارات الدولارات، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون في تطوير أنظمة دفاعية، مثل “القبة الحديدية”. هذا الالتزام يضع واشنطن في موقف يُلزمها بدعم إسرائيل إذا تعرضت لتهديدات وجودية، مثل رد إيراني عنيف على هجوم إسرائيلي. إذا نفذت إسرائيل ضربة استباقية ضد إيران، فمن المرجح أن توفر الولايات المتحدة دعمًا دفاعيًّا، مثل تعزيز منظومات الدفاع الصاروخي في المنطقة، أو تقديم معلومات استخباراتية فورية لمواجهة الصواريخ الإيرانية.
ومع ذلك، فهذا الدعم ليس مطلقًا. إسرائيل، التي غالبًا ما تتصرف على نحو مستقل في قراراتها الأمنية، قد تضع الولايات المتحدة أمام أمر واقع إذا شنت هجومًا دون تنسيق مسبق. في هذه الحالة، قد تجد واشنطن نفسها مضطرة إلى الدفاع عن إسرائيل للحفاظ على مصداقيتها كحليف، لكنها ستسعى جاهدة إلى تجنب الانخراط المباشر في عمليات هجومية ضد إيران. هذا التوازن يعكس رغبة الولايات المتحدة في دعم إسرائيل دون التورط في حرب مكلفة قد تعرض مصالحها الإقليمية والعالمية للخطر.
الموقف الأمريكي مشروط أيضًا بالديناميكيات السياسية الداخلية. الرأي العام الأمريكي، الذي عانى تداعيات الحروب الطويلة في العراق وأفغانستان، يميل إلى معارضة أي تورط عسكري جديد في الشرق الأوسط. هذا الشعور يضع ضغوطًا على الإدارة الأمريكية لتجنب التصعيد، خاصة إذا كان يُنظر إلى الهجوم الإسرائيلي على أنه استفزازي أو غير ضروري. في الكونغرس، هناك انقسام بين المشرعين: فئة تدعم إسرائيل بقوة، وتؤيد أي إجراءات ضد إيران، وفئة أخرى تدعو إلى ضبط النفس، والتركيز على الدبلوماسية.
كما أن السياق الانتخابي يؤدي دورًا كبيرًا. إذا اقترب موعد الانتخابات الرئاسية، أو انتخابات منتصف المدة، فقد تتردد الإدارة الأمريكية في اتخاذ مواقف جريئة تدعم هجومًا إسرائيليًّا، خوفًا من ردود فعل الناخبين. على العكس، قد تستغل بعض الأطراف السياسية الصراع لتعزيز موقفها؛ مما يزيد تعقيد عملية اتخاذ القرار. هذه الضغوط تجعل من الصعب على الولايات المتحدة تقديم دعم علني وشامل لإسرائيل؛ مما قد يدفعها إلى نهج أكثر حذرًا يركز على الدعم اللوجستي والاستخباراتي بدلًا من الانخراط العسكري المباشر.
من الناحية الدبلوماسية، تفضل الولايات المتحدة حاليًا نهجًا يركز على الحد من التوترات مع إيران من خلال المفاوضات، حيث إن التوصل إلى اتفاق نووي يظل أولوية للإدارة الأمريكية، إذ ترى أن تقييد البرنامج النووي الإيراني من خلال الدبلوماسية هو السبيل الأكثر فاعلية لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. هذا النهج يتعارض مع الإستراتيجية الإسرائيلية، التي تميل إلى الحلول العسكرية لتعطيل قدرات إيران النووية.
من الناحية العسكرية، تمتلك الولايات المتحدة حضورًا قويًّا في الشرق الأوسط، مع قواعد عسكرية في دول الخليج، مثل قطر والبحرين والإمارات، إلى جانب حاملات طائرات في المنطقة. هذا الحضور يمنح واشنطن القدرة على تقديم دعم سريع لإسرائيل إذا تعرضت لهجمات إيرانية مضادة. على سبيل المثال، يمكن للولايات المتحدة نشر أنظمة دفاع صاروخي، مثل “باتريوت”، أو “ثاد”؛ لحماية الأراضي الإسرائيلية، أو توفير طائرات استطلاع لمراقبة التحركات العسكرية الإيرانية.
ومع ذلك، من غير المرجح أن تشارك الولايات المتحدة على نحو مباشر في العمليات الهجومية الإسرائيلية ضد إيران، والسبب الرئيس هو الرغبة في تجنب حرب شاملة مع إيران، وبدلًا من ذلك، ستعتمد واشنطن على إستراتيجية “الردع بالوجود”، حيث تستعرض قوتها العسكرية لثني إيران عن التصعيد، مع الحفاظ على قنوات دبلوماسية لتهدئة الوضع. كما أن الولايات المتحدة ستكون حذرة من ردود الفعل الإقليمية. دول الخليج، التي تستضيف القواعد الأمريكية، قد تتردد في السماح باستخدام أراضيها لشن هجمات ضد إيران، خوفًا من الرد الإيراني على أراضيها. هذا الحذر سيحد من خيارات واشنطن العسكرية، مما يدفعها إلى التركيز على الدعم غير المباشر، مثل توفير الذخائر الدقيقة، أو تعزيز الدفاعات الجوية لإسرائيل.
في ضوء التصعيد العسكري الذي شهدته المنطقة في يونيو (حزيران) 2025، حيث نفذت إسرائيل ضربة جوية واسعة النطاق على إيران بدءًا من 13 يونيو (حزيران)، تستهدف منشآت نووية وعسكرية وقادة بارزين، يبرز السؤال عن احتمال تنفيذ إسرائيل ضربة ثانية في الأمد القريب. على الرغم من التوصل إلى وقف إطلاق نار بوساطة أمريكية في 24 يونيو (حزيران) 2025، فإن التوترات المستمرة، خاصة مع استمرار إيران في تهديداتها وإعادة بناء قدراتها، تجعل احتمال ضربة إسرائيلية ثانية واردًا.
يتصور السيناريو الأول أن تكون الضربة الإسرائيلية الثانية عملية دقيقة ومحدودة تهدف إلى استهداف بقايا القدرات النووية الإيرانية، أو منشآت أعيد بناؤها بعد الضربة الأولى. التقارير تشير إلى أن الضربات الإسرائيلية والأمريكية في يونيو (حزيران) 2025 دمرت منشآت نووية رئيسة في نطنز، وفوردو، وأصفهان، لكنّ هناك مخاوف من أن إيران قد تحتفظ بمواقع سرية تحت الأرض تحتوي على يورانيوم مخصب، أو معدات لاستئناف برنامجها النووي. إذا حصلت إسرائيل على معلومات استخباراتية، ربما عن طريق الموساد، أو التعاون مع الولايات المتحدة، تفيد بأن إيران تعيد بناء قدراتها النووية، فقد تنفذ ضربة ثانية تستهدف هذه المواقع السرية، أو مراكز أبحاث جديدة.
في سيناريو ثانٍ، قد تكون الضربة الإسرائيلية الثانية ردًا على تصعيد إيراني كبير، مثل هجوم مباشر على إسرائيل أو حلفائها يتجاوز حدود الردود السابقة. الضربة الأولى في يونيو (حزيران) 2025 أظهرت قدرة إيران على اختراق الدفاعات الإسرائيلية، حيث نجحت طائرات مسيرة وصواريخ باليستية، مثل صاروخ “الحاج قاسم”، في إصابة أهداف في حيفا وبئر السبع، مما تسبب في أضرار مادية ونفسية كبيرة. إذا أطلقت إيران هجومًا جديدًا مماثلًا، أو استهدفت بنية تحتية حيوية إسرائيلية، مثل محطات الطاقة أو المواني، فقد تلجأ إسرائيل إلى ضربة ثانية أوسع نطاقًا تستهدف ليس فقط المنشآت النووية، بل أيضًا البنية التحتية العسكرية والاقتصادية الإيرانية، مثل قواعد الحرس الثوري، ومصافي النفط، ومواني التصدير. وهذا السيناريو قد يجر الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة، خاصة بعد مشاركتها في ضربات على إيران في 22 يونيو (حزيران) 2025، مما يوسع نطاق الصراع إلى حرب إقليمية تشمل وكلاء إيران مثل الحوثيين، الذين أعلنوا نهاية هدنتهم بعد الضربات الأمريكية.
سيناريو ثالث محتمل يتمثل في أن تكون الضربة الثانية جزءًا من إستراتيجية إسرائيلية للاستنزاف الطويل الأمد، تهدف إلى شل قدرات إيران العسكرية والاقتصادية تدريجيًّا. الضربة الأولى، التي أودت بحياة عدد من العلماء النوويين والقادة العسكريين البارزين، أضعفت إيران كثيرًا، لكن تقارير تشير إلى أن طهران قد تحاول إعادة بناء برنامجها النووي، أو تعزيز ترسانتها الصاروخية بمساعدة روسيا أو الصين. إسرائيل، التي وصفت هجومها الأول بـ”الضربة الاستباقية” -بناءً على معلومات استخباراتية عن تخزين إيران ليورانيوم مخصب يكفي لـ15 سلاحًا نوويًّا- قد تتبنى نهج “جز العشب”، كما يُطلق عليه في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، من خلال تنفيذ ضربات متكررة تستهدف منشآت إنتاج الأسلحة، ومحطات الطاقة، ومراكز الأبحاث العلمية. هذا السيناريو سيؤدي إلى حرب طويلة الأمد ذات تكلفة اقتصادية وإنسانية باهظة، مع تأثيرات كارثية في استقرار المنطقة. دول الخليج، التي عانت هجمات إيرانية مثل قصف قاعدة “العديد” في قطر، ستضطر إلى تعزيز دفاعاتها، والتعاون مع الولايات المتحدة، لكنها ستواجه خطرًا اقتصاديًّا كبيرًا إذا استمر الصراع في تهديد إمدادات النفط.
سيناريو رابع يتضمن تنفيذ ضربة إسرائيلية ثانية ضمن إطار تحالف إقليمي أو دولي، مدعوم -على نحو مباشر أو غير مباشر- من الولايات المتحدة وبعض دول الخليج. الضربة الأولى أظهرت تعاونًا وثيقًا بين إسرائيل والولايات المتحدة، حيث نفذت الأخيرة غارات على منشآت نووية إيرانية في 22 يونيو (حزيران) 2025 باستخدام قاذفات “بي-2”. إذا استمرت إيران في تهديداتها، مثل إغلاق مضيق هرمز، أو استهداف قواعد أمريكية، فقد تشكل إسرائيل تحالفًا غير معلن مع دول مثل السعودية والإمارات، اللتين تران إيران تهديدًا إستراتيجيًّا. الضربة الثانية في هذا السيناريو قد تستهدف ترسانات إيران الصاروخية، والقواعد البحرية في الخليج، ومراكز قيادة الحرس الثوري؛ بهدف إضعاف قدراتها العسكرية على نحو دائم. إسرائيل قد تستفيد من تسهيلات لوجستية، مثل استخدام المجال الجوي، أو قواعد في دول الخليج. هذا السيناريو هو الأكثر خطورة؛ إذ يحول الصراع إلى مواجهة إقليمية متعددة الأطراف، مع انخراط الولايات المتحدة وحلفائها، وربما روسيا والصين وباكستان كداعمين لإيران.
في جميع هذه السيناريوهات، تواجه إسرائيل تحديات كبيرة بسبب الاستعدادات الإيرانية المعززة بعد الضربة الأولى. إيران، التي أظهرت قدرة على تنفيذ هجمات صاروخية، وطائرات مسيرة اخترقت الدفاعات الإسرائيلية، قد تعتمد على أنظمة دفاع جوي روسية مثل “إس-400″، أو تقنيات جديدة لتعزيز دفاعاتها. إسرائيل -من جانبها- ستحتاج إلى إستراتيجيات مبتكرة، مثل الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي في الحرب السيبرانية، أو تنفيذ عمليات خاصة داخل إيران؛ لضمان نجاح الضربة الثانية. التداعيات الإقليمية ستكون وخيمة، مع تهديد خطوط الملاحة في الخليج، وإمدادات النفط، والاستقرار السياسي في دول مثل السعودية وقطر. الضغوط الدولية لوقف التصعيد ستكون قوية، لكن نجاحها يعتمد على إرادة الأطراف المتحاربة، وتدخل القوى الكبرى. في النهاية، تؤكد هذه السيناريوهات أن أي ضربة إسرائيلية ثانية ستكون محفوفة بالأخطار، وقد تعيد تشكيل الشرق الأوسط بطرائق لا يمكن التنبؤ بها؛ مما يجعل الحلول الدبلوماسية ضرورة ملحة لتجنب كارثة إقليمية.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير