تاريخ

التراث الثقافي في أوزبكستان.. الطمس المتعمد


  • 26 يونيو 2024

شارك الموضوع

مقدمة

لطالما سحرت جاذبية طريق الحرير المسافرين إلى آسيا الوسطى. ومع أنه لم يُستخدَم منذ أكثر من 500 عام، فإنه لا يزال يجذب الزوار إلى اليوم، فلا تعد أوزبكستان موطنًا لثلاث مدن؛ بخارى، وخيوة، وسمرقند، التي كانت مراكز التجارة الرئيسة في الماضي فحسب؛ بل إنها تقدم أيضًا كل شيء، بدءًا من الهندسة المعمارية المذهلة، إلى المناظر الطبيعية الخلابة على طول سلسلة جبال تشاتكال في غرب تيان شان ووادي فرغانة الخصب في الشرق، إلى مئذنة كاليان التاريخية، التي كانت ترشد المسافرين على طريق الحرير إلى أوزبكستان.

وفي هذا السياق، نجد أن ثقافة أوزبكستان تتمتع بتاريخ ثري، ارتبط ارتباطًا وثيقًا بتقاليد عمرها قرون، وأسلوب حياة شعوب آسيا الوسطى، حيث تقع أوزبكستان على مفترق طرق لطريق الحرير العظيم، وقد جمعت على أراضيها كثيرًا من المعالم المعمارية، والحصون والقلاع القديمة، والآثار الطبيعية الغامضة والفريدة من نوعها، وعناصر الفولكلور، وكثير منها اليوم تحت حماية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) وبرامجها لصون المواقع الأثرية.

ومنذ استقلال أوزبكستان عن الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي، لم تركز طشقند على الحفاظ على التراث الثقافي فحسب؛ ولكن على تعزيز الوعي الوطني، والاعتراف بالثقافة العالمية أيضًا، خاصة أنه على مدى أكثر من ألف عام، أصبحت المآذن والقباب القديمة نوعًا من السمة المميزة لكثير من المدن الأوزبكية، وهي صورة خلابة للمناظر الطبيعية الحضرية ومؤسساتها الدينية والتعليمية، لكن هذا التراث الثقافي العريق شهد في السنوات الأخيرة محاولات لمحو التاريخ الفريد لقلب آسيا الوسطى من خلال سلسلة من عمليات الهدم التي شهدتها المعالم التاريخية في مدن أوزبكستان؛ لذا أثارت إزالة هذه المباني من قائمة التراث العالمي مؤخرًا تساؤلات عن مستقبل الحفاظ على المعالم الثقافية في أوزبكستان وسط المبادرات التنموية والمعارضة الشعبية.

التاريخ الإسلامي لأوزبكستان

فتحت أوزبكستان نفسها على العالم من خلال التجارة منذ القرن الثاني قبل الميلاد حتى منتصف القرن الخامس عشر عبر طريق الحرير، وتتركز الطرق البرية والبحرية التي يبلغ طولها 6400 كيلومتر في المدن الرئيسة الثلاث في البلاد، وتربط آسيا وشرق إفريقيا وجنوب أوروبا؛ لذا برز اسمها في تجارة الحرير المربحة مع الصين، بدءًا من غزو أسرة هان إلى آسيا الوسطى، وكان الشاي والأصباغ والعطور والخزف من السلع التجارية الشهيرة الأخرى من الشرق، في حين تبادلت الدول الغربية الجمال، والخيول، والعسل، والنبيذ، والذهب.

وبطبيعة الحال، مع تجارة السلع، جاء اختلاط الثقافات، حيث تركت كل أسرة وإمبراطورية بصماتها على الأماكن التي وصلت إليها، ويمكن رؤية انعكاس هذا في سمرقند، التي تسمى مفترق طرق الثقافات على قائمة اليونسكو للتراث العالمي، حيث تنقسم إلى ثلاثة أقسام ذات تأثير خارجي؛ مدينة أفراسياب القديمة في الشمال الشرقي، التي تم الحفاظ عليها موقعًا أثريًّا بعدما دمرها جنكيز خان؛ ومدينة القرون الوسطى المتأثرة بالتيمورية في الجنوب؛ والمنطقة الغربية الأكثر حداثة في القرنين التاسع عشر والعشرين، التي تدين بأسلوبها الأوروبي المميز للحكام الروس.

وبين القرنين الثامن والثالث عشر، اضطلعت أوزبكستان بدور متزايد في التجارة. ولوضع حد لتوسع الصين غربًا، أمدت الإمبراطورية الأموية آسيا الوسطى بالسلع والثقافة الإسلامية. ونظرًا إلى قربها من طريق الحرير، كانت أوزبكستان مفتوحة للتأثيرات الخارجية، وهو ما يمكن رؤيته في الهندسة المعمارية، والفنون والتعاليم المستوحاة من الإسلام في البلاد، وازدهرت المدن التي تأثرت بدخول الإسلام؛ ما مثل بداية العصر الذهبي الإسلامي.

 وفي أوزبكستان الحالية، وعلى الرغم مما يقرب من 70 عامًا من السيطرة السوفييتية، لا يزال من الممكن رؤية التأثير الإسلامي في البلاد، بدءًا من المباني التي تصطف في شوارعها إلى الأطعمة المميزة والمدن التاريخية المصنفة مواقع للتراث العالمي لليونسكو، مثل بخارى، وسمرقند، وشخريسيابز، ومدينة إيتشان كالا في أوزبكستان.

 فلأكثر من ألف عام، أصبحت المآذن والقباب القديمة نوعًا من السمة المميزة لكثير من المدن، وهي صورة خلابة للمناظر الطبيعية الحضرية ومؤسساتها الدينية والتعليمية، حيث اكتسبت هذه الإبداعات الفريدة للمهندسين المعماريين القدماء مكانة خاصة، وأصبحت من التراث الثقافي الذي لا يقدر بثمن، ويخضع لحماية خاصة من الدولة، ومنذ استقلال أوزبكستان عن الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي، لم تركز البلاد على الحفاظ على التراث الثقافي فحسب؛ ولكن على تعزيز الوعي الذاتي الوطني، والاعتراف بالثقافة العالمية أيضًا.

معالم التراث الثقافي في أوزبكستان

كانت أوزبكستان- ولا تزال- لؤلؤة آسيا الوسطى، وتزخر أوزبكستان بعبق التاريخ والمدن الشهيرة التي قدمت كبار العلماء والمفكرين، مثل طشقند، وخوارزم، وسمرقند، وبخارى، ولقد مهّد الإسلام الطريق أمام إبداعات علماء آسيا الوسطى، الذين قدموا إسهامًا عظيمًا في تاريخ الحضارة العالمية، ولقد حظيت أوزبكستان بالتراث الثرى لعلماء أجلاء مثل الإمام البخاري، والإمام الترمذي، والإمام الماتريدي، والخوارزمي، والفرجاني، وابن سينا، والبيروني، وميرضيا أولوج بك، وغيرهم من أبناء أوزبكستان.

ولعل أبرز ما تتمتع به أوزبكستان وجود كثير من المساجد المقببة النابضة بالحياة في البلاد، منها مسجد بيبي خانيم الشهير في سمرقند، الذي كان الأكبر في العالم الإسلامي، وعلى الرغم من تدمير كثير من مساجد أوزبكستان على يد المغول، فقد رُمِّمَت باللوحات الجدارية الزرقاء والذهبية والقباب الفيروزية، وجدران الفسيفساء الزرقاء، والأبراج المقببة.

وتمثل مدينة بخارى قلب أوزبكستان، الغنية بالمعالم الأثرية الإسلامية وغير الإسلامية، وقد وضعت اليونسكو المدينة على لائحة التراث العالمي المحمي كأحد أجمل المدن التاريخية في العالم. ومن أبرز معالم بخارى مئذنة كاليان، التي يصل طولها إلى 47 مترًا، والتي بنيت في القرن الثاني عشر، وكانت آنذاك أعلى مئذنة في آسيا الوسطى، وكانت بمنزلة بيت للضوء، وأظهرت الطريق إلى بخارى لتسهل تجارة الكرافانات، وطريق الحجاج. ويعود تاريخ مسجد كاليان، الذي يضم 288 قبة و208 عمودًا، إلى عام 1514، إذ بُنيَ لمنافسة مسجد بيبي خانيم الشهير في سمرقند.

كما شمل المركز التاريخي لبخارى الهياكل التي بُنيت في 140 عامًا، والتي تمكنت من الحفاظ على مظهرها دون تغيير قرونًا. ولبخارى أربع قباب تجارية حافظت على رونقها. وسكان بخارى يعملون حتى الآن في منتجات التطريز الذهبية، والأثاث المنحوت، والحرير، وربما يكون السبب الرئيس وراء وصول معظم السياح إلى بخارى هو مجمع باي كاليان، أحد أروع نماذج العمارة الإسلامية في العالم، حيث يتكون المجمع من مسجد ومدرسة.

وتعد خوجة- غوكوشون من أكبر أطياف المدينة، وتضم مساجد ومآذن ومدارس، وفي الماضي كانت عبارة عن ساحة للتجارة الكبيرة في بخارى، وحصلت على اسمها بسبب المجازر التي كانت موجودة في هذا الموقع. أما ضريح السامانيين فهو من المعالم البارزة التي تتميز بالجمال المتقن للمعمار، بجانب مجمع النقشبندي التذكاري، وهو من أهم الأضرحة الإسلامية، حيث دُفِنَ النقشبندي في القرن الرابع عشر، وهو مؤسس الرواية الصوفية النقشبندية، على بعد 12 كم من بخارى، في قريته الأصلية كاسري أوريفون .

بالإضافة إلى مدرسة عبد العزيز خان، التي بنيت في 1651– 1652، وهي آخر مدرسة كبيرة في بخارى، مع ساحة كبيرة، كما تعد المدرسة واحدة من أفضل مدارس بخارى في القرن السادس عشر، فضلًا عن قلعة أرك، وهي قلعة كانت مقر إقامة الحكام المحليين عدة قرون، وهي قلعة قديمة تقع في قلب بخارى منذ القرن الخامس الميلادي، كما أنها كانت حصنًا حقيقيًّا حتى عام 1920، ودُمِّرت ثم أعيد بناؤها عدة مرات، آخرها كانت بعد أن غزا البلاشفة بخارى، وتضم مسجدًا رائعًا ومحفوظًا جيدًا، وتوفر إطلالة رائعة على بخارى.

شوكت ميرضيايف والتراث الثقافي لأوزبكستان

بفضل تاريخها العريق، يمكن لأوزبكستان أن يمثل نموذجًا فريدًا في سياق الحوار بين الحضارات، حيث إن منطقة آسيا الوسطى واحدة من الأماكن التي عاش فيها مختلف القوميات والديانات والمعتقدات في سلام ووئام آلاف السنين. ومنذ القدم، كانت آسيا الوسطى، الواقعة في وسط طريق الحرير، ملتقى الطرق والحضارات العظمى، واضطلعت بدور مهم في تطوير الثقافات والأديان. وفي التاريخ الحديث للبلاد، وتحديدًا في سبتمبر عام 2017، في الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، تقدم الرئيس شوكت ميرضيايف بمبادرة لاعتماد قرار خاص بعنوان “التنوير والتسامح الديني”؛ لإحياء هذا التقليد التاريخي للبلاد، وقد أيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع في 12 ديسمبر (كانون الأول) 2018 مشروع القرار الذي أعدته أوزبكستان، والذي يدعو إلى ضمان حصول الجميع على التعليم، والقضاء على الأمية والجهل، فضلًا عن تعزيز التسامح والاحترام المتبادل، وضمان حرية العقيدة، ومنع التمييز.

وتضمنت إستراتيجية العمل الخاصة بمجالات التنمية الخمسة ذات الأولوية لجمهورية أوزبكستان للفترة من عام 2017 حتى عام 2021، الاهتمام الخاص بضمان الأمن، والتسامح الديني والوئام بين الأعراق، وفي السنوات الأخيرة، نُفّذَ عدد من الإصلاحات في مجال الدين والتنوير؛ لضمان توفير مناخ من الانسجام بين الأعراق، والتسامح الديني في البلاد.

فضلًا عن ذلك، أُنشئ عدد من مراكز البحوث الدولية للإمام البخاري، والإمام الترمذي، والإمام الماتريدي، وافتُتِحَت خمس مدارس علمية تختص بدراسة علم الكلام، والحديث، والفقه، والعقيدة، والصوفية، كما أُنشئت تلك المراكز التعليمية بمبادرة من الرئيس الأوزبكي، وهى تعمل على الكشف عن الجوهر الحقيقي للإسلام. وتحت رعاية الرئيس شوكت ميرضيايف، وُضِعَ الأساس اللازم لتنفيذ عدد من المشروعات العملاقة في أوزبكستان بهدف إحياء التراث الإسلامي في البلاد، حيث شملت هذه المشروعات المميزة إنشاء مركز الحضارة الإسلامية في أوزبكستان، ومركز الإمام البخاري الدولي للدراسات، ومركز الإمام الترمذي الدولي للأبحاث، ومركز الإمام الماتريدي الدولي للدراسات، والأكاديمية الإسلامية الدولية في أوزبكستان.

وافتُتِحَ مركز الحضارة الإسلامية، الذي أُنشئ بموجب مرسوم الرئيس شوكت ميرضيايف في 23 يونيو (حزيران) 2017، على مساحة سبعة هكتارات في مجمع حضرة الإمام الواقع في طشقند، ويصل ارتفاع القبة المركزية إلى 66 مترًا، وانصب الهدف الرئيس للمركز في دراسة التراث الثري والفريد للإسلام على أساس علمي، وبلورة النظرة الشاملة للأنشطة العلمية والإبداعية للعلماء والمفكرين العظام، وسيرتهم الذاتية، وبناء الوعي الثقافي للشعب الأوزبكي وللمجتمع العالمي، وإقامة الحوار بين الأديان والحضارات على نطاق عريض، والكشف عن الطبيعة الإنسانية للإسلام، ومحاربة الجهل من خلال التنوير.

ومن هذا، يمثل مركز الحضارة الإسلامية مركزًا علميًّا تنويريًّا ودراسيًّا، يضم متحفًا يعرض التراث الإسلامي على أساس أحدث التقنيات، بقاعة عرض مساحتها نحو 16 ألف متر مربع، وفي القاعة المركزية للمتحف، وتحت قبة بارتفاع 42 مترًا، يُعرض مصحف عثمان الذي يعود إلى القرن السابع، وهو كنز فريد في العالم الإسلامي، في حين تضم المكتبة قرابة المليون من الكتب والمخطوطات والمراجع المنشورة، وكذلك الأصول منها ونسخها الإلكترونية، إلى جانب مركز لدراسة ونسخ وترميم ورقمنة الكتب والمخطوطات النادرة. ويترجم المركز ويعيد نشر الأعمال الفريدة المتعلقة بالتراث الثقافي الثري بمختلف اللغات، كما جُمعت مجموعة قوانين تيمور، الموروثة عن أمير تيمور، باعتبارها مصدرًا تاريخيًّا فريدًا من نوعه، في مجلد واحد، نُشر بخمس لغات (الأوزبكية، والفارسية، والروسية، والإنجليزية، والفرنسية)، وقد أعد مركز الحضارة الإسلامية أكثر من عشرة من الكتب والكتيبات عن دور المفكرين المسلمين في آسيا الوسطى في تطور الحضارة العالمية.

كما يضم المركز أيضًا قاعة للمؤتمرات تضم 550 مقعدًا، لإقامة الفعاليات الكبرى ذات الصلة بالإسلام لمنظمة التعاون الإسلامي، وغيرها من المنظمات الدولية والأكاديمية. ويشمل مبنى المركز الأكاديمية الإسلامية العالمية التي صُمِّمَت لتدريب طلاب الماجستير والدكتوراة في مجال الديانة والحضارة الإسلامية.

وفي هذا السياق، سعى المركز إلى توثيق روابط التعاون مع أكثر من عشرين مؤسسة وهيئة علمية دولية مرموقة في العالم، وتوقيع مذكرات التفاهم معها، منها منظمة اليونسكو، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو). وفي إطار هذا التعاون، يُعقد كثير من المؤتمرات والندوات عن أهداف المركز وغاياته، وتُقدَّم العروض التوضيحية عن مقاصد مركز الحضارة الإسلامية في عدد من الدول، مثل ماليزيا، وإندونيسيا، وتركيا، وروسيا، والمملكة المتحدة، وفرنسا.

محاولات طمس التراث الثقافي في أوزبكستان  

بدأت أوزبكستان تشهد مرحلة من أعظم التحولات في التاريخ منذ وصول الرئيس شوكت ميرضيايف إلى السلطة في ديسمبر (كانون الأول) 2016، بعد وفاة حاكم البلاد إسلام كريموف، الذي مكث في الحكم مدة طويلة، حيث سادت البلاد رغبة في التغيير، وسرعان ما أعقب تحرير الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بعد سنوات من العزلة جهود نشطة لإعادة بناء البلاد، فأصبحت مساحات واسعة من الأراضي مواقع بناء، وكانت السلطات تحلم بأن تكون أوزبكستان الجديدة ملأى بالمباني الشاهقة الحديثة، والمجمعات التجارية، وهدفت لأن تصبح طشقند عاصمة شبيهة بدبي كأسرع دولة نامية في آسيا الوسطى.

وانتشرت شركات التطوير الجديدة في جميع أنحاء البلاد لبناء كل شيء من جديد، ومع انتشار التنمية في جميع أنحاء أوزبكستان، أصبحت الأحياء التاريخية في البلاد معرضة للخطر، ولم تكن منطقة باركنت في طشقند المنطقة التاريخية الوحيدة التي وقعت ضحية للتنمية، فعلى مدى العامين الماضيين، لم تعد كثير من المعالم التاريخية موجودة، وحل محلها ما تعتبره الحكومة هندسة معمارية حديثة.

ولم تكن عملية التدمير التدريجي للتراث المعماري في أوزبكستان جديدة؛ فلقد واجهت أوزبكستان خسارة كبيرة منذ عام 2014، عندما جُرِّفَ وسط مدينة شهرسابز– أحد مواقع التراث العالمي- بالجرافات، وبعد فترة وجيزة، دمّر مشروع بناء الطرق مدينة طشقند التاريخية، واستمر هدم أجزاء كبيرة من المعالم التاريخية في المدينة. وينطبق الشيء نفسه على الجزء التاريخي من سمرقند، فقد هُدِمت جميع المباني العامة التي تعود إلى القرن العشرين تقريبًا، وفي أنديجان في الوقت الحالي، فُقد كثير من المعالم الأثرية لمساكن القرن التاسع عشر نتيجة مشروع مدينة أنديجان الذي تطمح الحكومة الأوزبكية إلى تدشينه على أنقاض تراث المدينة.

وفي عام 2020، أعلنت وزارة الثقافة الأوزبكية الأضرار التي لحقت بمجمع قصر تاش هولي، واعترفت السلطات حينذاك بهدم جزء من الجدار الشرقي للمجمع، الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع عشر، على نحو غير قانوني، في 8 ديسمبر (كانون الأول) مع أن أعمال تجديد القصر يجب أن تتم على أساس موافقة مجلس الخبراء العلمي التابع لإدارة التراث الثقافي في البلاد، وبالاتفاق مع اليونسكو؛ لأن المجمع أحد مواقع التراث العالمي، لكن هذا ما لم تلتزم به السلطات الأوزبكية.

وفي السياق نفسه، بدأ تشكيل القائمة الوطنية للممتلكات غير المنقولة للتراث الثقافي المادي في أوزبكستان بقرار من مجلس الوزراء، وقد أدرجت سابقًا دار طباعة صحيفة برافدا فوستوكا السابقة، ودار نشر “شرق”، التي تعود إلى القرن العشرين، في قائمة التراث الثقافي المادي لمدينة طشقند، لكن التعديلات الأخيرة على ملحق القرار بتاريخ 15 يناير (كانون الثاني) 2024، شهدت إزالتهما من قائمة مواقع التراث الثقافي المادي في أوزبكستان، ووُثِّقَت التعديلات على القائمة الوطنية، ومن اللافت للنظر أن هذه التغييرات لم تكن مصحوبة بإعلان عام عن قرار مجلس الوزراء، أو رابط يمكن الوصول إليه على قاعدة البيانات الرسمية.

يأتي هذا التغيير في أعقاب القرار المثير للجدل الذي اتخذته وكالة إدارة أصول الدولة في 20 سبتمبر (أيلول) 2023، ببيع مباني مؤسسة “شرق” للنشر والطباعة، ومبنى وكالة الأنباء الأوغندية في مزاد علني، وأثارت هذه الخطوة احتجاجًا عامًا؛ مما دفع وكالة التراث الثقافي إلى التدخل؛ لأن كلا المبنيين كان جزءًا من القائمة الوطنية لأوزبكستان للممتلكات غير المنقولة للتراث الثقافي المادي، وينص القانون المتعلق بحماية قطع التراث الثقافي واستخدامها، أن قطع التراث الثقافي المادي المملوكة للدولة لا يمكن أن تخضع للمصادرة، أو الخصخصة.

الخاتمة

اليوم، في سياق العولمة السريعة التطور، وتواكبها في ذلك تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإن الحفاظ على الهوية الوطنية وتقاليدها صار يمثل المهمة الحيوية لكل أمة، ولطالما اهتم الشعب الأوزبكي بمستقبل وطنه ورفاهيته، من خلال التركيز على تقديم الدعم الاجتماعي لجيل الشباب، لتعريفهم بالتراث الإسلامي الثري والفريد لأوزبكستان، حيث تفخر جمهورية أوزبكستان بثراء ثقافتها وتقاليدها التي نُسجت على مر قرون كثيرة؛ ما جعلها متفردة في تاريخها وحضارتها الضاربين عبر الأزمان، لكن الخطوات الأخيرة التي تنتهجها السلطات الأوزبكية من خلال هدم أجزاء من المعالم التاريخية التي تميز أوزبكستان عن دول المنطقة بذريعة خطط التنمية، تنعكس بالسلب على استثنائية طشقند التي عرفت تاريخيًّا بجوهرة آسيا الوسطى.

وبتحليل الأسباب وراء هذا التوجه المدروس لمحو التراث الثقافي في أوزبكستان، نجد أن القرارات المتعلقة بعمليات الهدم، وما يستحق الحماية في أوزبكستان، غالبًا ما تكون قرارات سياسية، وعلى الرغم من وجود إطار قانوني لحماية المعالم التاريخية، فإنه نادرًا ما يُطبَّق بسبب ديناميكيات السلطة في البلاد؛ ما يثير تساؤلات- على المستويين الشعبي والدولي- عن هدف عمليات الهدم العشوائية التي تتم للتراث الأوزبكي منذ تولي شوكت ميرضيايف حكم البلاد عام 2016.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع