مقالات المركز

الانتخابات الرئاسية الروسية.. نظرة من الداخل


  • 10 مارس 2024

شارك الموضوع

أسابيع قليلة تفصلنا عن الموعد الرسمي لإجراء الإنتخابات الرئاسية الروسية، حيث حدده سابقًا مجلس الاتحاد (البرلمان) بيوم 17 مارس (آذار) 2024.

وقد أعلنت لجنة الانتخابات المركزية الروسية إغلاق باب الترشح، وسجلت الأسماء النهائية المرشحة للتنافس على أعلى منصب في البلاد، وهم  ثلاثة مرشحين سينافسون الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين، وهم على التوالي: فلاديسلاف دافانكوف، وليونيد سلوتسكي، وأخيرًا نيكولاي خاريتونوف، وسنعود بالتفصيل إلى كل مرشح منهم.

السياقات الداخلية لانتخابات 17 مارس (آذار)

تأتي الانتخابات الرئاسية وروسيا تمر بواحدة من أدق مراحلها التاريخية، خاصة في ظل ما يطلق عليها بعض الخبراء بحقبة الدولة الروسية الوطنية التي بدأت بعد السقوط، أو انهيار الاتحاد السوفيتي، حيث ما زالت الأزمة الأوكرانية تلقي بظلالها على المشهد العام في روسيا، رغم الثقة وعامل الاستقرار الذي يشهده الداخل الروسي حتى الآن، مع وجود هجمات في بعض الأحيان للطائرات بدون طيار، شهدتها بعض المدن الحدودية مع أوكرانيا، ونتحدث هنا عن مدينة بيلغورود، التي شهدت أعنف تلك الهجمات.

يُضاف إلى ذلك عامل  استقرار الوضع الاقتصادي، فرغم العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا في مختلف قطاعات الإنتاج، من الطاقة إلى الزراعة والتصنيع العسكري حتى النقل الجوي، تمكنت السلطات الروسية حتى الآن من الحفاظ على مستوى الحياة العامة للمجتمع، فكانت نسبة التضخم في الأسواق الروسية هي الأقل بالمقارنة مع دول أوروبا، وزادت الثقة بالجهاز الحكومي مع التقارير الدولية التي تفيد بالتوقعات المتفائلة لنمو الاقتصاد الروسي، من أهمها تقرير البنك الدولي الصادر في يناير (كانون الثاني) 2024 الذي رفع توقعاته لنمو الاقتصاد الروسي في عام 2024 إلى 1.3، وفي 2025 إلى 0.9.

ومع ذلك، تبرز تحديات كبيرة في انتظار حاكم الكرملين المقبل، يأتي في مقدمتها التحدي الأمني المتمثل في الأزمة الأوكرانية، فرغم نجاحات الدفاعات الروسية في إجهاض الهجوم الأوكراني المضاد، الذي صُوّر داخل المجتمع الغربي والأوكراني على أنه الضربة التي ستقصم ظهر الكرملين، فإن الدفاعات الروسية أثبتت الدرس التاريخي، وهي أنها أكبر ميزة تميزت بها التقاليد العسكرية الروسية عبر التاريخ، لكن تظل الحاجة ملحة، وبدأت كثير من الأوساط تنادي بذلك، وهي ضرورة وجود منطقة آمنة على الحدود، وتوسيع الجبهة حتى تبقى المدن الحدودية الروسية في مأمن من الهجمات الأوكرانية.

نظرة على المرشحين

المرشح الأول: فلاديمير بوتين

بالعودة إلى الأسماء التي أعلنتها لجنة الانتخابات المركزية في موسكو، يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متقدمًا كثيرًا عن باقي المترشحين، بل يرى بعض المحللين السياسيين أنه يتجه إلى تحقيق نصر مريح بالنظر إلى آخر استطلاعات الرأي، وكان آخرها استطلاع أجراه مركز “ليفادا” (معترف به عميلًا أجنبيًّا داخل روسيا)، إذ إن 58% من المستطلعين سيختارون فلاديمير بوتين من بين السياسيين الحالين.

لكن ما أثار الانتباه هو خطوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الترشح مستقلًا بعيدًا عن الترشح من بوابة حزبه التاريخي “روسيا المتحدة”، وهي خطوة جديرة بالتحليل، ويكمن قراءتها على أنها خطوة تكتيكية تهدف إلى تحقيق أهداف إستراتيجية، ومن أهم تلك الأهداف:

1- وحدة الأمة الروسية: ففوز الرئيس الروسي بصفته مرشحًا مستقلًا يمكن تسويقه في الداخل كما في الخارج على أن الأمة الروسية متحدة الآن أكثر من أي وقت مضى، في ظل المخاطر التي تهدد كيان الدولة الروسية، وتتمثل تلك الوحدة في رمزية بوتين، وهي رمزية كان سينقص منها لو أنه ترشح من باب حزب معين، وهي من أكبر مكاسب الانتخابات الرئاسية للرئيس الحالي بوتين، وخاصةً إذا تمكن من تحقيق فوز مريح فيها.

2- الهدف الثاني هو تأكيد صورة الرئيس القوي للناخب المحلي حاليًا، والمواطن الروسي عمومًا، خاصة بعد حركة التمرد التي قام بها زعيم شركة فاغنر، يفغيني بريغوجين، وما تبعها من حالة عدم اليقين قبل أن يتمكن الكرملين من إعادة الأمور إلى طبيعتها، ومن شأن فوز بوتين مستقلًا زيادة الثقة بالنظام عمومًا.

3- ما يزيد ذكاء خطوة الترشح مستقلًا هو رفع منصب الرئيس عن الأداء اليومي للجهاز التنفيذي الحكومي، الذي يأتي أغلبه من حزب روسيا المتحدة، ما يعني زيادة مساحة المناورة في الداخل الروسي، وحرية أكثر في الانتقاد أو التذمر على ذلك الجهاز، دون أن يكون ذالك بالضرورة موجهًا إلى الرئيس بحكم خلفيته المستقلة، وهي مكانة أرفع، تمكن بوتين من أخذ زمام المبادرة، كما تجعل باستطاعته تشكيل الحكومة المقبلة، وإدخال عناصر من خارج حزب روسيا المتحدة؛ ما يضفي مزيدًا من التلاحم والوحدة داخل المجتمع السياسي الروسي.

المرشح الثاني: فلاديسلاف دافانكوف

 هو شاب يبلغ من العمر 40 عامًا، ويشغل حاليًا منصب نائب رئيس مجلس الدوما الروسي (البرلمان)، وهو عضو في حزب الناس الجدد، وهو اقتصادي نجح في إنشاء شركات رائدة في مجال المالية، والتكنولوجيا، والبناء.

صرح أن برنامجه الانتخابي سيركز على تشجيع زيادة الأعمال الحرة داخل الاقتصاد الروسي، وهو يمثل جيلًا جديدًا من السياسيين الشباب الذين يسعون- بالدرجة الأولى- إلى زيادة قوتهم الشعبية، من خلال تعريف المجتمع الروسي به، وإن كان لا يملك حظوظًا تُذكر في المنافسة.

المرشح الثالث: ليونيد سلوتسكي

 هو سياسي مخضرم، يبلغ من العمر 56 عامًا، يحمل درجة الدكتوراة في الاقتصاد، ويشغل حاليًا منصب زعيم الحزب الديمقراطي الليبرالي القومي، وهو يمثل أحد الوجوه القومية المعروفة في روسيا عمومًا، ويسعى إلى اكتساب مزيد من الشعبية، وإسماع الخطاب القومي من خلال المنابر الانتخابية، وتشير بعض التقديرات على أنه سيحتل المرتبة الثانية، أو سينافس عليها.

المرشح الرابع: نيكولاي خاريتونوف

 هو الأكبر سنًا بين جميع المُرشحين، وهو مرشح عن الحزب الشيوعي، وكان قد ترشح سابقًا في 2014، وحصل على نحو 14 في المئة من الأصوات.

ويدعو في برنامجه الانتخابى إلى إحياء فكر قائد الثورة البلشفية فلاديمير لينين، وإعادة الاقتصاد إلى اقتصاد اشتراكي، مع التركيز على الطبقات الاجتماعية المتوسطة، والعمال، وزيادة الأموال المخصصة للتقاعد، ويرى كثير من المراقبين أن ترشيح الحزب الشيوعي لمرشح رئاسي يهدف أساسًا إلى إعادة الفكر اللينيني الشيوعي إلى الواجهة، حيث تتمركز شعبيته حاليًا داخل كبار السن، وخاصة ممن عاشوا في حقبة الاتحاد السوفيتي، ويهدف من خلال هذه الخطوة إلى الوصول بهذا الخطاب إلى الأوساط الشبابية، التي ولدت في ظل الدولة الوطنية الروسية، والتي بات كثير منها يجهل تلك الحقبة التاريخية.

خاتمة

بالنظر إلى أسماء المرشحين، تشير كثير من التوقعات إلى تحقيق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فوزًا سهلًا في انتخابات مارس (آذار) المقبلة، ويبقى التحدي الأكبر هو نسبة المشاركة، وخاصة من فئة الشباب التي قد تعطي مؤشرًا مهمًّا عن مدى رضا هذه الفئة المهمة عن سياسات السلطة الحالية.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع