القضايا الاقتصاديةتقارير

الاقتصاد المولدوفي في أزمة نتيجة الابتعاد عن روسيا


  • 29 يناير 2024

شارك الموضوع

تعتمد جمهورية مولدوفا، السوفيتية السابقة، في اقتصادها على الصادرات الزراعية والنبيذ، وتحويلات العمالة في روسيا. منذ عام 2020، بعد فوز مايا ساندو في الانتخابات الرئاسية، واتخاذها نهجًا معاديًا لروسيا في إطار سياسة التقارب مع الغرب، وتطلعها إلى انضمام مولدوفا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، وتقديمها الدعم لأوكرانيا، زادت حدة التوترات مع موسكو، التي ردت على هذه الإجراءات العدوانية بفرض قيود على استيراد السلع من البلاد.

ما زاد تفاقم الأوضاع الاقتصادية، عدم وفاء الأوروبيين بالتزاماتهم تجاه الجمهورية، وبدء تلقي المولدوفيين أموالًا أقل من أقاربهم العاملين في روسيا. وفقًا لأحدث البيانات التي نشرها البنك الوطني لجمهورية مولدوفا (NBM)، بلغ الانخفاض في التحويلات المالية القادمة من روسيا عام 2023 نحو 70%. ووفقًا لفيسلاف إيونيتا، الخبير الاقتصادي في معهد التنمية والمبادرات الاجتماعية (IDIS)، فإن “العصر الذهبي للتحويلات المالية في مولدوفا يقترب من نهايته”.

وقال الخبير في بثه الأسبوعي على شبكات التواصل الاجتماعي إن: “التحويلات من الخارج هي أهم عامل مؤثر في سوق الصرف الأجنبي”، وأشار: “من المؤسف أن «العصر الذهبي» للتحويلات المالية في مولدوفا يقترب من نهايته. ولم تعُد تؤدي الدور نفسه الذي كانت تؤديه من قبل، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يُستبدَل بها الاستثمار أو النمو الاقتصادي”. كما أشار فياتسلاف إيونيتا إلى أن: “التحويلات القادمة من روسيا في عام 2022 بلغت 1.749 مليار دولار، وانخفضت في عام 2023 إلى 1.628 مليار دولار، أي بمقدار 121 مليون دولار”.

وفي عام 2007، بلغت التحويلات القادمة من روسيا 27.7% من الناتج المحلي الإجمالي لمولدوفا. وفي عام 2023، ستكون 9.5% فقط، وهو الحد الأدنى التاريخي لمدة 25 عامًا، وستستمر التحويلات في الانخفاض في عام 2024، وهذا يجب أن يقلق الحكومة. وقال المحلل: “إن التحويلات لم تعد كما كانت من قبل، وما لم يكن لدينا عامل آخر للاستقرار الاقتصادي، فسوف نواجه مشكلات”.

ووفقًا له، في عام 2023، سُجلت ظاهرة غير مسبوقة في السوق: “انخفضت التحويلات، وزاد صافي بيع السكان للعملة الأجنبية. في عام 2022، تلقى المولدوفيون 1.749 مليار دولار من الخارج، وفي عام 2023 تلقوا 1.628 مليار دولار، وباعوا 2.47 مليار دولار، و2.85 مليار دولار، على التوالي”. إذا كان الفارق في عام 2022 هو 700 مليون دولار، فإنه في عام 2023 سيكون 1.22 مليار دولار، فمن أين يأتي هذا الفارق؟ بحسب المحلل، هناك تفسير واحد فقط؛ الزائرون من أوكرانيا، واللاجئون، وكذلك أولئك الذين يأتون إلى مولدوفا مدة قصيرة في إجازة. على سبيل المثال، ما لا يقل عن 400 مليون دولار هي الأموال التي جاءت إلى السوق من المواطنين الأوكرانيين.

وخلص الخبير المولدوفي إلى أن: “سوق الصرف الأجنبي في عام 2023 تأثرت بشدة بالعرض الكبير للعملة، بما في ذلك من المواطنين الأوكرانيين الذين قاموا بمبيعات كبيرة بالدولار واليورو”. كتبت وسائل الإعلام في كيشيناو أنه في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، أرسل المولدوفيون العاملون في الخارج 153.16 مليون دولار إلى وطنهم، ولم يتغير هذا المبلغ مقارنة بشهر أكتوبر (تشرين الأول).

ويعتمد دور التحويلات المالية على تمويل الاستهلاك. وحقيقة أن هذه التحويلات لم تُسهم في نمو الاستثمارات، ولم تتحول مباشرة إلى استثمارات، هو وضع طبيعي تمامًا؛ لأن العوامل الرئيسة التي حددت الهجرة، ومن ثم نمو التحويلات، كانت ذات طبيعة اجتماعية واقتصادية، أي إنه بسبب الفقر، لم يكن لدى أولئك الذين غادروا الوقت الكافي لتغطية هذا الاستهلاك من المصادر المحلية، كما يشير الخبراء المولدوفيون. وبناء على ذلك، فإن التحويلات المالية تعوض منطقيًّا نقص الدخل على المستوى المحلي.

ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، فإن أكثر من 237 ألف أسرة من جمهورية مولدوفا تتلقى أموالًا من أقارب يعملون في الخارج، ويعتمد نصفهم تقريبًا- بشكل كامل- على التحويلات المالية. ويعيش حاليًا نحو مليون مواطن مولدوفي في الخارج، نصفهم- بحسب مصادر مختلفة- ما زالوا يعملون في روسيا، ويحوّلون احتياجات عائلاتهم بالحافلة التي تسافر من موسكو إلى كيشيناو في ثلاثة أيام عبر حدود الدولة الأربع، أو عن طريق الرحلات الجوية عبر يريفان إلى كيشيناو. في الآونة الأخيرة، يسّرت روسيا عملية الحصول على الجنسية للمقيمين في بلدان رابطة الدول المستقلة، التي لا تزال تشمل مولدوفا، لكن رئيسة وزراء جمهورية مولدوفا، دورين ريسيان، نصحت مواطني مولدوفا بعدم الحصول على جواز سفر روسي.

انطلاقًا من أن الأسعار في مولدوفا آخذة في الارتفاع، من المواد الغذائية إلى السلع الصناعية، ولا تظهر وظائف جديدة في الجمهورية، يمكن الافتراض أن المولدوفيين سيستمرون في السفر إلى الخارج لكسب المال مؤقتًا أو دائمًا. لفتت إيرينا فلاه، الحاكمة السابقة لإقليم غاغاوزيا، ومؤسسة جمعية منصة مولدوفا، الانتباه مؤخرًا إلى حقيقة أنه خلال العامين الماضيين (في عهد الرئيس مايا ساندو): “غادر 100 ألف شخص مولدوفا”. قياسًا إلى جمهورية تضم ما يزيد قليلا على 3 ملايين، يعد هذا تدفقًا كبيرًا إلى الخارج.

وفي الوقت نفسه، أوضح المتخصصون في أكاديمية الدراسات الاقتصادية، أنه من أجل حياة كريمة في جمهورية مولدوفا، تحتاج أسرة مكونة من أربعة أفراد إلى 35 ألف ليو شهريًّا (الليو المولدوفي = 0.056 دولار). ومع ذلك، فإن الواقع بعيد- كل البعد -عن هذه الأرقام، حيث إن أكثر من 180 ألف مواطن في جمهورية مولدوفا يحصلون على حد أدنى للأجور يبلغ 4000 ليو شهريًّا، وفي عام 2024، ستزيد رواتبهم ألفًا فقط، حسبما يشير الخبراء: “قد تكون خمسة آلاف ليو كافية لشخص واحد فقط لتناول الطعام إذا كان يأكل بشكل متواضع نسبيًّا”. يقول كثير من الناس إنه من أجل حياة كريمة، يحتاج شخص واحد في مولدوفا إلى ما لا يقل عن 10 آلاف ليو شهريًّا.

وعلى الرغم من ارتفاع الحد الأدنى للأجور في الاقتصاد في السنوات الأخيرة، فإن الخبراء الاقتصاديين لا يتوقعون حدوث تغييرات كبيرة في هذا الصدد، خاصة أن عجز الميزانية هذا العام يتجاوز 15 مليار ليو: “لتغطية هذه المشكلة، يجب على السلطات إيجاد حل خلال عام 2024. ولتحسين الوضع، من الضروري جذب الاستثمار الأجنبي إلى جمهورية مولدوفا، وخلق فرص عمل جديدة من شأنها ضمان النمو الاقتصادي المستدام في جمهورية مولدوفا”، كما أوضح خبير السياسة الاقتصادية فياتسلاف إيونيتا.

تؤثر صادرات البلاد أيضًا في حالة الاقتصاد: “في جمهورية مولدوفا، تطور الصادرات ضعيف جدًّا. البلاد ليست قادرة على المنافسة دوليًّا. كان لديها اعتماد قوي على الاتحاد الروسي، وقد تراجع حجم التجارة معه بعد اتخاذ مولدوفا خيارات عدائية ضد موسكو”. وفي عام 1997، ذهب نحو 58% من صادرات مولدوفا إلى الاتحاد الروسي. وإذا أخذنا في الحسبان أيضًا بلدان رابطة الدول المستقلة (CIS)، فإن جمهورية مولدوفا كانت متكاملة عمليًّا من حيث الصادرات مع رابطة الدول المستقلة فقط. وفي ذلك الوقت، كانت حصة رومانيا 6.7%. وقال فياتسلاف إيونيتا: “لقد نمت بعد ذلك باستمرار وباطّراد، واليوم أصبحت رومانيا الشريك التجاري الرئيس لجمهورية مولدوفا”.

ووفقًا للخبير، سُجِّلَ هذا العام رقمان قياسيان لصادرات مولدوفا: “تمتلك رومانيا أكبر حصة في تصدير المنتجات المولدوفية في تاريخ جمهورية مولدوفا بكامله (32.9%)، ووُرِّدَ 3.5% إلى روسيا، وهذه هي أدنى حصة في تاريخ جمهورية مولدوفا بكامله”.

كما أوضح الخبير: “لقد اختفى الاتحاد الروسي عمليًّا كدولة وجهة للسلع المولدوفية. الصادرات إلى رومانيا اليوم أعلى بعشر مرات من صادراتها إلى الاتحاد الروسي. وفي عام 1997، كانت صادرات مولدوفا إلى روسيا أعلى بثمانية أضعاف من صادراتها إلى رومانيا”. ثم ختم الخبير: “لكن الوضع تغير”، وأشار أيضًا إلى انخفاض كبير في الصادرات من ترانسنيستريا/ بريدنيستروفيا إلى الاتحاد الروسي.

تعيش مولدوفا منذ استقلالها عام 1991، أزمة داخلية حادة، على وقع فشل الدولة الوليدة في التعامل مع القوميات المختلفة، وخاصةً الناطقين بالروسية في إقليم ترانسنيستريا/ بريدنيستروفيا، وإقليم غاغاوزيا، ذي الأغلبية التركية الأرثوذكسية، الذين يفضلون الانفصال والاندماج مع روسيا، ويرفضون النهج الحالي لقيادة البلاد الموالي للغرب، والمعادي لروسيا، ومما زاد تفاقم الوضع، ليس عدم حصولهم على أي مكتسبات حقيقية نتيجة هذه السياسية فحسب؛ بل تراجع أوضاعهم الاقتصادية نتيجة الابتعاد عن موسكو، وخسارة أسواقها التصديرية.

الكاتب: سفيتلانا غاموفا

المصدر: صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا الروسية

ما ورد في التقرير يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع