القضايا الاقتصاديةتقدير موقف

الاختبار الاقتصادي في بنغلاديش


  • 11 سبتمبر 2024

شارك الموضوع

شهدت بنغلاديش احتجاجات واسعة النطاق، أسفرت عن سقوط مئات الضحايا، واستقالة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة. بدأت الاحتجاجات في الأصل كحركة ضد نظام الحصص في بنغلاديش، الذي يخصص 56% من الوظائف الحكومية لفئات مختلفة من الناس، منهم أحفاد أولئك الذين قاتلوا في حرب الاستقلال عام 1971، وشُكّلت حكومة مؤقتة بقيادة الحاصل على جائزة نوبل الدكتور محمد يونس ليُطرَح أمامه سؤال مهم: هل يمكن لبنغلاديش الاستمرار في زخم النمو؟

لقد كانت بنغلاديش من بين أسرع الاقتصادات نموًا في العالم لأكثر من عقد من الزمان، وشهدت معدلات نمو ثابتة تجاوزت خمسة في المئة منذ عام 2004، وتوقع بنك التنمية الآسيوي لعام 2020 معدل نمو بنسبة ثمانية في المئة، وهو الأعلى بين جميع البلدان في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. لقد قطعت بنغلاديش شوطًا طويلًا نتيجة النمو القوي في التصنيع، لا سيما قطاع الملابس الجاهزة، وخطوات نحو الاكتفاء الذاتي من الغذاء، والتحويلات المالية المتسارعة من المواطنين البنغلاديشيين العاملين في الخارج، وكان متوقعًا الحصول على وضع دولة نامية من الأمم المتحدة خلال هذا العام. رسمت التوقعات الاقتصادية صورة وردية، لكن الإطاحة بالشيخة حسينة، والوضع الاقتصادي خلال أزمة جائحة (كوفيد- 19) كشفًا عن مشكلات اقتصادية هيكيلية ستواجه حكومة يونس.

لقد تركت حرب الاستقلال عام 1971 اقتصاد بنغلاديش في حالة هشة، حيث عانى الشعب سوء التغذية المزمن، ونقص الغذاء، والبنية الأساسية المتهالكة، والقوى العاملة غير المدربة، وقطاع التصنيع الضعيف، والقطاع المصرفي والمالي غير المستقر. وفي العقد التالي، عانت البلاد المجاعة، والكوارث الطبيعية، وإستراتيجية سيئة التنفيذ لتأميم الصناعات. وقد وصف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر بنغلاديش بأنها “السلة التي لا قاع لها”، لكن اليوم نمت بنغلاديش لتصبح الاقتصاد الحادي والأربعين من حيث الناتج المحلي الإجمالي في العالم. ومن المتوقع أن تحتل المرتبة الخامسة والعشرين بحلول عام 2035. وكانت بنغلاديش نموذجًا لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، حيث كانت البلاد تستعد لتجاوز وضع أقل البلدان نموًا عام 2024، وانخفضت نسبة البنغلاديشيين الذين يعيشون تحت خط الفقر انخفاضًا كبيرًا بمرور الوقت، كما أدرج جولدمان ساكس بنغلاديش ضمن الاقتصادات التي لديها القدرة على أن تصبح اقتصادًا رئيسًا على مستوى العالم.

يعمل نحو (10) ملايين بنغالي حاليًا في الخارج، وأرسلوا أكثر من (18) مليار دولار أمريكي إلى بنغلاديش في السنة المالية (2018- 2019)، وساعدت التحويلات المالية على الحفاظ على ميزان المدفوعات واحتياطيات النقد الأجنبي التي تُستخدم للحصول على المواد الخام لقطاع التصنيع، ودعم اختلال الميزان التجاري. ومع ذلك، بدأ قطاع الملابس الجاهزة يعاني، وانخفض معدل الصادرات بنسبة بلغت (6.61%)، وشهد القطاع إلغاء أو تأجيل طلبات تزيد قيمتها على 3 مليارات دولار أمريكي، في حين فُصِل أكثر من مليون عامل؛ نتيجة الركود العالمي، والتوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وانخفاض الأسعار، وانخفاض قيمة العملات في الدول المنافسة.

أما القطاع المصرفي فشهد زيادة في القروض المتعثرة، والفساد المنهجي والاحتيال على نطاق عريض، وقد بغلت نسبة التعثر (12%)، فيما تجاوزت خسائر الاحتيال داخل القطاعات المصرفية الحكومية (1.5) مليار دولار أمريكي. وفي مجالات أخرى من الاقتصاد، كان النمو ضعيفًا، حيث فشلت الدولة في تحصيل الإيرادات الضريبية، وكان المبلغ الإجمالي أقل بنسبة (24%) من المتوقع في الغالب، وقد تسبب هذا في اقتراض الحكومة من البنوك لتغطية عجز ميزانيتها، وتستخدم الحكومة التمويل من المانحين الثنائيين والمتعددي الأطراف الدوليين لتمويل عجزها ومشروعات البنية التحتية الرئيسة، وقد تسبب هذا في زيادة نسبة الدين الخارجي لبنغلاديش إلى الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من الضعف في السنوات العشر الماضية.

وتشير التوقعات الصادرة عن البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، وبنك التنمية الآسيوي إلى أنه من المتوقع أن يبلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي في بنغلاديش نحو (2-3)%، وهو أدنى مستوى له منذ 33 عامًا. ومن المتوقع أن يكون تأثير الاضطرابات الداخلية والتباطؤ الاقتصادي أشد وطأة على العاملين بأجر يومي، خاصةً أن نحو (87%) من إجمالي قوة البلاد العاملة تعمل في الاقتصاد غير الرسمي، الذي يشمل العمال بأجر، والعاملين لحسابهم الخاص، والعمالة الأسرية غير مدفوعة الأجر، والعاملين بالقطعة، وغيرهم من العمالة المستأجَرة. ومع عدم وجود دخل أو مدخرات، يعتمد هؤلاء العمال الآن على المساعدات الغذائية من الحكومة، والجمعيات غير الحكومية.

قبل أن يتولى يونس السلطة كانت حكومة الشيخة حسينة تستعد لضخ حزم تحفيزية مختلفة بقيمة (11.78) مليار دولار أمريكي، وهو ما يعادل نحو (4%) من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتشمل هذه الحزم دفع رواتب الصناعات الموجهة إلى التصدير، وتسهيلات قروض رأس المال العامل للصناعات، والشركات الصغيرة والمتوسطة، والصناعات المنزلية، وأسعار فائدة مدعومة على هذه القروض، وبطاقات تموينية لخمسة ملايين أسرة فقيرة. الآن توقف هذا، ومن غير الواضح كيف ستتعامل الحكومة الجديدة مع الوضع الاقتصادي المتجه نحو الانقماش والتدهور بعد سنوات من الصعود، وهذا يفرض تحديًا أساسيًّا أمام يونس، حيث سيكون الاختبار الحقيقي له هو إعادة تحفيز الاقتصاد البنغلاديشي، وليس التجربة الديمقراطية في بنغلاديش.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير. 


شارك الموضوع