مقالات المركز

الإمارات العربية المتحدة- أرمينيا.. بناء النفوذ المتبادل


  • 26 فبراير 2024

شارك الموضوع

بدأت العلاقات الدبلوماسية بين أرمينيا والإمارات العربية المتحدة عام 1998، بعد التوقيع على البروتوكول ذي الصلة في نيويورك، وافتُتحت سفارة أرمينيا في أبو ظبي عام 2000، في حين افتُتحت سفارة الإمارات العربية المتحدة في يريفان عام 2015، كما افتُتحت القنصلية العامة لأرمينيا في دبي عام 2017، لتشهد العلاقات الثنائية بين البلدين تطورًا مستمرًا على المستويات كافة. وفي عام 2019، حققت أرمينيا والإمارات العربية المتحدة إنجازات ملحوظة في الارتقاء بمستوى العلاقات، من بينها عقد الدورة الأولى للجنة المشتركة الأرمينية الإماراتية، والمشاورات السياسية بينهما، بالإضافة إلى زيارات مُتبادلة رفيعة المستوى. في اللحظة الحالية، تصبح الإمارات الشريك التجاري الثاني لأرمينيا من حيث حجم مبيعات البضائع، وتصدرت في الوقت نفسه قائمة الدول التي قامت باستثمارات أجنبية مباشرة في أرمينيا، متجاوزة روسيا لأول مرة في التاريخ. فكيف يمكن فهم التنامي الدراماتيكي في العلاقات الإماراتية- الأرمينية؟

الأبعاد الاقتصادية للعلاقات الإماراتية- الأرمينية

أواخر 2023، استضافت يريفان منتدى الأعمال الإماراتي الأرميني، وحضر المنتدى فاهان كيروبيان، وزير الاقتصاد في أرمينيا، ووفد رفيع المستوى من وزارة الخارجية الأرمينية، ووفد رفيع المستوى من دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة عبد الله المزروعي، وممثلون عن نحو 100 شركة إماراتية، و200 شركة أرمينية من جميع القطاعات الاقتصادية الرئيسة، واستعرض الجانبان خلال اللقاء مجالات التعاون بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية أرمينيا، وسبل تطويرها بما يخدم مصالح البلدين وشعبيهما، وشددا على أهمية تبادل الزيارات، وتشجيع كل ما من شأنه دعم قطاع الأعمال والتجارة. كما بُحثت الآليات الممكنة لزيادة التعاون التجاري والاستثماري وترجمته إلى مشروعات عملية تُسهم في التنمية الاقتصادية للبلدين.

وبالفعل وصل حجم المبيعات مع الإمارات العربية المتحدة إلى (2.3) مليار دولار في عام 2023، وهو تغيير ملحوظ مقارنة بـ(500) مليون دولار في عام 2021. وبلغ إجمالي الصادرات إلى الإمارات من أرمينيا (2.2) مليار دولار، في حين بلغت الواردات إلى أرمينيا (620) مليون دولار. وقد اقتربت أرمينيا مؤخرًا من الإمارات العربية المتحدة، ليس فقط من خلال التجارة؛ ولكن أيضًا من خلال إلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين، ليرتفع عدد السياح الإماراتيين الذين يزورون أرمينيا، ليصل إلى (7751) سائحًا في عام 2022، وقد أسهم الإطلاق المتزامن تقريبًا لرحلات جوية منخفضة التكلفة من أبو ظبي وإليها في تعزيز العلاقات الثنائية.

وشهدت الاستثمارات الإماراتية في أرمينيا زيادة كبيرة خلال العامين الماضيين، ومن ذلك إطلاق شركة “مصدر” الإماراتية مشروعًا استثماريًّا كبيرًا عام 2021، بالتعاون مع صندوق المصالح الوطنية الأرمينية “ANIF” ؛ بهدف بناء محطة للطاقة الشمسية بقدرة 200 ميغاوات. في مقاطعة أراغاتسوتن، وكذلك إنشاء شركة الطيران الوطنية الأرمنية فلاي أرنا من خلال التعاون بين العربية للطيران، وصندوق المصالح الوطنية الأرمينية، وأبدت الحكومة الأرمينية اهتمامًا خاصًا بتطوير العلاقات الاقتصادية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، متوقعة تزايد الاستثمارات والتعاون في مختلف المجالات الاقتصادية.

وتجري حاليًا المحادثات بشأن توقيع اتفاقية بشأن الخدمات والتجارة والاستثمار بين حكومة جمهورية أرمينيا والإمارات العربية المتحدة، التي بدأت العام الماضي. وتم التوصل إلى اتفاق على توقيع هذه الوثيقة خلال المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ودوله الأعضاء ودولة الإمارات العربية المتحدة، وتهدف هذه الاتفاقية إلى تحرير عمليات تنفيذ الخدمات والتجارة والاستثمارات بين أرمينيا والإمارات العربية المتحدة، وإزالة العوائق، وتعزيز الكفاءة الاقتصادية، وخلق ظروف مواتية في هذه المجالات، وتوسيع التعاون الاقتصادي المتبادل المنفعة.

كما وُقِّعَت أكثر من 30 اتفاقية تعاون بين الإمارات وأرمينيا في مجالات الاستثمار، وإلغاء الازدواج الضريبي، وفي قطاعات التجارة والاقتصاد، والمساعدة القانونية، والثقافة والتعليم والعلوم، والرعاية الصحية، والزراعة، والسياحة، والتعاون في مجالات الاتصالات الجوية، والجمارك، والأمن، وغيرها من المجالات. ووفقًا لوزارة الاقتصاد الأرمينية، فإن التحسينات الاقتصادية المستمرة، والزيادة الحالية في العلاقات التجارية الثنائية، وزيادة تدفق السياح إلى أرمينيا تعد عوامل رئيسة تساهم في تطوير التعاون الاقتصادي بين أرمينيا والإمارات العربية المتحدة.

الأبعاد السياسية للعلاقات الإماراتية- الأرمينية

من الناحية السياسية، تتطلع الإمارات إلى تنويع حلفائها في آسيا، ما يعني أن وجود أرمينيا حليفًا يمكن أن يفيد أبو ظبي في توسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي في جنوب القوقاز وخارجه، كما يزيد أهمية يريفان السياسية. تشترك الإمارات العربية المتحدة وأرمينيا أيضًا في القضايا الأمنية عندما يتعلق الأمر بسياسات تركيا في القوقاز. وتسعى الإمارات إلى اكتساب مكانة إقليمية من خلال تنويع العلاقات؛ مما يُقلل مِن التصادمات، ويسمح بقدر مِن المُناورة السياسية. فيما ترغب يريفان في وجود حليف قوي مثل الإمارات يغير ميزان القوى، ويقلل من تهديد أنقرة المتحالفة مع أذربيجان في ظل الحرب ضد أرمينيا.

لدى الإمارات العربية المتحدة وأرمينيا أيضًا مصالح متقاربة عندما يتعلق الأمر بإيران، وقد غيّرت الإمارات نهجها وسياساتها تجاه إيران في السنوات الأخيرة، وركزت على تحسين العلاقات لأسباب أمنية واقتصادية، والهدف هو تعزيز الاتصالات، والجهود الدبلوماسية، وتجنب المواجهة. وتتبنى دولة الإمارات العربية المتحدة نهجًا عقلانيًّا عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع إيران؛ من أجل زيادة التجارة بين البلدين، التي تنمو بالفعل. ويمكن لأرمينيا أن تساعد على زيادة التجارة في المنطقة من خلال بناء ممر النقل بين الشمال والجنوب. وسيعزز رابط النقل الجديد هذا بين أرمينيا وإيران وجورجيا التواصل التجاري بين الدول الثلاث، وفي المنطقة الأوسع أيضًا؛ ومن ثم، يمكن أن يكون هذا الممر الجديد مفيدًا لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ لأنه سيعمل على توسيع سوق صادراتها.

كما أبدت كل من الإمارات العربية المتحدة وإيران اهتمامًا بالانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي (EAEU)، الذي تعد أرمينيا جزءًا منه، وسيعني انضمام إيران إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي أنها تستطيع تجنب بعض التكاليف التي تفرضها العقوبات الأمريكية، والوصول إلى سوق أوسع لتصدير سلعها. أما الإمارات، فهذا يعني لها أنها تستطيع تصدير بضائعها إلى روسيا عبر أرمينيا، وتجنب العقوبات المفروضة على موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا؛ لذا فإن اتفاقية التجارة الحرة في إطار الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وخط النقل الجديد عبر أرمينيا، ستغير الواقع الجيوسياسي لجميع البلدان المعنية تغييرًا كبيرًا، وستغير الفوائد الاقتصادية والسياسية الشرق الأوسط.

في سياق آخر، العلاقات الإماراتية- الإسرائيلية تتطور سريعًا، في حين تشكل الأخيرة أحد أهم داعمي أذربيجان بالسلاح والتكنولوجيا العسكرية في حربها ضد أرمينيا؛ لذا قد تظن يريفان أن مِن الممكن التوصل إلى تفاهمات تُبعد تل أبيب قليلًا عن هذا الصراع في القوقاز عبر بوابة أبو ظبي، كما أن تدهور العلاقات التركية- الإسرائيلية قد يجعل الأخيرة تتجه نحو المطالبة بحلول سياسية في القوقاز بديلًا عن دعم الأساليب العسكرية، ويبدو هذا الأمر مهمة شبه مستحيلة لأرمينيا في إعادة صياغة سياسة إسرائيل من خلال توثيق علاقات تجارية، أو إغرائها بموضع قدم آخر بالقرب من الحدود الإيرانية.

خاتمة

ترى الإمارات أن مصالحها الجيوسياسية يجب أن تتوسع في عُمق آسيا، وأن تنويع مصادر اقتصادها بعيدًا عن النفط قد يكون عبر مد نفوذها السياسي إلى مناطق كان يُنظر إليها أنها ثانوية في مناهج الأمن القومي لبلدان غرب آسيا، لكن أبو ظبي أصبحت الآن لاعبًا أساسيًّا في القوقاز اقتصاديًّا، وسبق أن اضطلعت بدور في البلقان كذلك، كما يأتي هذا التوسع الإماراتي في الغلاف الآسيوي حول الخليج العربي في ضوء السياسة الأمنية التي ترفض التعامل مع حركات الإسلام السياسي، وتحدّ نفوذها، وتراقب أي بؤر إرهابية مُحتملة قد تنشأ لتهدد الوضع الهش في المنطقة ما بعد الفوضى التي ضربتها منذ عام 2011.

كما ترى أرمينيا في الإمارات العربية المتحدة لاعبًا سياسيًّا واقتصاديًّا قويًّا يعطي قيمة إضافية ليريفان بعدما شعرت أنها وحيدة ضد أذربيجان المدعومة بقوة من تركيا وإسرائيل، في حين لم تقدم روسيا وفرنسا الدعم اللازم في معارك ناغورني كارباخ، التي انتهت بهزيمة القوات الأرمينية، وحملة تهجير للأرمن من أراضيهم؛ لذا تحاول أرمينيا- من خلال الدعم الإماراتي- توسيع حضورها في الخليج العربي ليشمل بلدانًا أخرى وازنة مثل المملكة العربية السعودية، وهذا يساعدها على إعادة ترميم ميزان القوى ضد باكو، ويخفف وطأة تحالفها مع موسكو، لا سيما في ظل الإدارة الحالية لرئيس الوزراء نيكول باشينيان، الذي أعلن أن بلاده جمدت مشاركتها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تقودها روسيا؛ لأن المعاهدة خذلت أرمينيا.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع