مقالات المركز

موقف الروس تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة

الأوراسية في مواجهة العولمة


  • 15 نوفمبر 2023

شارك الموضوع

لطالما تعلقت استجابات الروس تجاه قضايا الرأي العام، سواء العالمي أو الوطني، بالإجابة عن سؤال مؤسس، يحدد الاتجاه الذي ستسير عليه باقي آرائه، وهو سؤال الاختيار بين الخصوصية الثقافية، أو الاندماج في النظام العولمي. وبناء على إجابة هذا السؤال، نفهم الانقسام بشأن مختلف القضايا في الفضاء الروسي، بداية من تحديد مسار الدولة الروسية، وصولًا إلى الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في غزة.

فعلى مستوى النخب الروسية، الفكرية منها على الأخص، نجد هذا الانقسام متحققًا بين نخب ترى في الغرب النموذج الحضاري الأمثل الذي يجب اتباعه؛ ومن ثم فإنهم مؤيدون لإسرائيل، بحجة أن اليمين الإسرائيلي متعاطف مع بوتين وداعم له، ونخب منحازة إلى أفكار العولمة الغربية؛ ولذا يصبح من المنطقي إدانتهم لهجمات حماس التي هاجمت الوكيل الغربي في الشرق الأوسط.

في المقابل، فإن الأوراسيين اتخذوا من الخصوصية الثقافية للحضارات منهاجًا، مؤمنين بأهمية بناء عالم متعدد الأقطاب في مواجهة الهيمنة الغربية، وهم المعادون لإسرائيل، المؤيدون لانهيارها بالكلية؛ باعتبارها أحد أهم مقومات النظام الغربي، وأن سقوطها سيؤدي إلى سقوط المنظومة الغربية بالكلية، وهم الأقرب إلى دوائر صنع القرار الروسي، والأكثر تأثيرًا فيه، وهو ما يظهر في الخطابات الرسمية للرئيس الروسي[1].

فالأخذ بالاختيار الآخر، وهو الاندماج في النظام العولمي، يعني القبول بدور محدود لروسيا في النظام العالمي باعتبارها دولة من مجموعة دول النظام العالمي الذي لا تملك سيطرة عليه، ولا دور حقيقيًّا لها فيه؛ ومن ثم فإنه وفقًا لخريطة الجغرافيا السياسية الروسية التي تنقسم إلى أعداء وأصدقاء- استنادًا إلى المصالح الروسية- سوف يتحكم الأعداء فيها. ونظرًا إلى طبيعة الأوراسية باعتبارها ثقافة تؤمن بالتعدد الحضاري، بالإضافة إلى عجز الاتحاد الروسي عن موازنة الغرب لإنشاء عالم ثنائي القطبية كما كان الوضع في العهد السوفيتي، فإن الأوراسيين قد ذهبوا إلى ضرورة إنشاء تحالف بين مختلف الحضارات؛ لتتوحد في مواجهة النظام الأحادي القطبية[2].

فالخيارات التي كانت مطروحةً- وفقًا للأوراسيين- هي بين الإيمان بالذات، أو الانهزام النفسي والتسليم الكامل للعدو الغربي؛ ومن ثم فإن إسرائيل لا تختلف عن أوكرانيا في شيء، فكلتاهما وكيلة للهيمنة الغربية، وخادمة لمصالحها، وهما مجرد أدوات للجغرافيا السياسية الكبرى التي يتبناها الغرب. فتبني الرؤية الأحادية للنظام الدولي، وفرض قيمه باعتبارها القيم العالمية، يجعل النظام الغربي في مواجهة خطيرة جدًّا عند نقاط الحدود الحضارية، وهو ما تنبه له وحذر منه المفكر الأمريكي صموئيل هنتنجتون[3].

هذا الوعي الغربي بطبيعة الجغرافيا السياسية للنظام الأحادي القطبي، يجب أن يواجهه- في المقابل- وعي نحو بناء عالم متعدد الحضارات في مواجهة الأحادية القطبية؛ ومن ثم فإن الحرب على غزة هي فرصة مهمة جدًّا يجب على الدول الإسلامية في الشرق الأوسط استغلالها من أجل بناء القطب الإسلامي، بتنويعاته المختلفة الشيعية والسنية بكل طوائفها، لينضم إلى القطبين الصيني والروسي، معجلين بذلك نهاية النظام الأحادي القطبية، ومستغلين التوافق الجماعي بشأن العدوان الإسرائيلي على غزة[4].

 لقد انكشفت أمام الدول الإسلامية الخطابات الأيديولوجية التي لطالما وظفها الغرب باعتباره الأكثر تحضرًا وإنسانيةً، وأنه الأجدر على قيادة النظام الدولي، وهو ما ثبت خطؤه وفشله باندلاع الأزمات والصراعات في نقاط التلاقي مع الحضارات المختلفة، فالعالم الغربي يواجه أزمات في إدارته للنظام الدولي في الصين، ومع إيران بشكل خاص، وفي إفريقيا، ومع العالم الإسلامي عامة؛ ولذا فإن كل هذه الأزمات هي التي ستؤدي في النهاية إلى انهياره.

هذا الانهيار يبدأ من تهافت الحجج الأيديولوجية وانكشافها، وهو جانب آخر مهم جدًّا للأوراسيين في موقفهم تجاه العدوان الإسرائيلي، فقد كشف العدوان تناقض الغرب الذي يدين النظام الروسي باعتباره نظامًا ديكتاتوريًّا يرتكب جرائم حقوق إنسان في مواجهة الأوكران، وفي الوقت نفسه فإنه يعدّ جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الإسرائيليون حقوقًا مشروعة تقوم بها دولة ديمقراطية تدافع بها عن أمنها القومي.

يؤكد الأوراسيون أن دعم غزة، وإدانة الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون، يحققان الأهداف الأوراسية التي تبنتها الدولة الروسية علنًا بإنشاء نظام عالمي متعدد الأقطاب، وهو ما يتطلب “تآزرًا حضاريًّا”[5]، كما عبر عنه خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل حتى من وجهة نظر براغماتية تمامًا، فإن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها سيكون أكثر نفعًا للدولة الروسية في حربها على أوكرانيا.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع