أبحاث ودراسات

الجذور الأيديولوجية وتكتيكات التأثير

الأصولية الإسلامية في آسيا الوسطى


  • 12 مارس 2024

شارك الموضوع
i مصدر الصورة: moderndiplomacy.eu

توطئة:

انطلاقًا من الأهمية الجيوستراتيجية التي تحظى بها منطقة آسيا الوسطى، دخلت المنطقة في صراع بشأن بسط النفوذ واستغلال ثرواتها، وهو ما خلق عددًا من الأزمات السياسية والاقتصادية، التي انعكست على شرعية الأنظمة السياسية داخل الجمهوريات الخمسة، وشجعت على إحياء نشاط التنظيمات الإرهابية في المنطقة، واتخذت الجماعات الإسلامية الوهن الاجتماعي في دول آسيا الوسطي ذريعةً لمهاجمة الحكومات وحلفائها من دول الجوار.

وفي ضوء هذا، شكّلَ الإرهاب والجماعات المتطرفة أحد أبرز التهديدات الأمنية المتصاعدة التي تواجه دول آسيا الوسطى، في ظل المتغيرات الأخيرة على الساحة الإقليمية، والفراغ الأمني الذي أنتجه الانسحاب الأمريكي التدريجي من أفغانستان، وسيطرة طالبان على البلاد، مع وجود تنظيم القاعدة في البلاد المجاورة بحدود تصل إلى أكثر من 1000 ميل على حدود هذه الدول، بجانب تنامي خطر تنظيم داعش والجماعات المتطرفة التابعة له في الإقليم، وهو ما يفرض تسليط الضوء على تحليل ظاهرة الإرهاب في آسيا الوسطى من خلال التعرض للمراحل المختلفة لتطور ظاهرة الإرهاب في آسيا الوسطى، ومحفزات تمدد ظاهرة الإرهاب في تلك المنطقة، مع أهمية استعراض الإطار العقَدي للحركات المتطرفة في الجمهوريات الخمس، والإستراتيجيات الجديدة التي انتهجتها تلك الحركات لبسط إرهابها في المنطقة.

ملامح تطور ظاهرة الإرهاب في آسيا الوسطى

لم يكن الإرهاب ظاهرة جديدة في جمهوريات آسيا الوسطى، بل ظهر قبل استقلال هذه الدول عن الاتحاد السوفيتي، وزاد تأثيره في السنوات التي أعقبت الاستقلال؛ لذا حظيت قضية الإرهاب، وكيفية التصدي له، بمكانة كبيرة لدى حكومات دول آسيا الوسطى، إذ مثلت ظاهرة الإرهاب إحدى أهم الإشكاليات المتصاعدة في منطقة آسيا الوسطى، لا سيما أن الظاهرة الإرهابية في المنطقة لم تقتصر على بعدها المكاني، وإنما اتسمت بقدرتها على تجاوز الحدود الوطنية في ظل البيئة الداخلية الحاضنة للإرهاب، والمحفزات الخارجية الداعمة لانتشاره.

وبناءً على هذا، احتلت الجماعات الإرهابية في دول آسيا الوسطى الخمس أولوية خاصةً في ظل تنامي المشهد العالمي للعنف والتطرف في السنوات الأخيرة، ويعود هذا إلى مشاركة عناصر تلك الجماعات في القتال إلى جانب الجماعات الجهادية، مثل تنظيمي الدولة الإسلامية والقاعدة في المنطقة، فضلًا عن ضلوعهم في هجمات إرهابية داخل بلدانهم، حيث تجلى خطر الظاهرة الإرهابية في وسط آسيا في تداعياتها الممتدة إلى دول وأقاليم أخرى، وهو ما يظهر في تزايد عدد مقاتلي آسيا الوسطى المنضمين إلى صفوف التنظيمات الإرهابية، وتورط مواطنين من هذه الدول في هجمات إرهابية نُفذت على مدى الأشهر القليلة الماضية خارج المنطقة، ما يمكن من خلاله القول إن آسيا الوسطى أصبحت مصدرًا للتطرف العنيف الذي يتجاوز الحدود والقارات.

جذور الحركات الراديكالية في آسيا الوسطى

ترتبط ظاهرة الإرهاب في دول آسيا الوسطى الخمس بمجموعة من الحركات الإسلامية، التي لديها رؤى متضاربة للإسلام، وتفسيرات مختلفة عن مفهوم الجهاد، إذ تنظر بعض الجماعات الإسلامية في تلك الدول إلى الجهاد بمفهوم عسكري من خلال استخدام العنف وسيلةً مشروعةً للتعبير عن مطالبهم، ومن هذا أرجعت تلك الجماعات التدهور السياسي والاقتصادي إلى البعد عن تطبيق الشريعة الإسلامية وتأسيس المجتمع على أساس ديني، ومن هنا رأوا أن الحل في الرجوع إلى أسلمة المجتمعات، وإحياء دول آسيا الوسطى الإسلامية.

لذا، بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان عام 1979، تحولت المعارضة السياسية الإسلامية في المنطقة إلى جماعات راديكالية بعدما ارتبطت بتنظيم القاعدة، الذي فتح طريق الجهاد من كل أنحاء العالم للانضمام إليه، وانضم عدد كبير من مقاتلي آسيا الوسطى إلى تنظيم القاعدة لمقاتلة القوات السوفيتية، غير أن الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، وتفكك الاتحاد في مطلع التسعينيات، شجع مقاتلي آسيا الوسطى على العودة مرة أخرى، وإعادة نسخ نموذج الجهاد الأفغاني داخل بلادهم؛ ومن ثم ساعد المناخ الخارجي على انتشار نزعة التطرف والصراع في دول آسيا الوسطى، ووجد التطرف بيئة خصبة للنمو والانتشار، وحفزت الأحداث السياسية في المنطقة التنظيمات الراديكالية، لا سيما في ظل سياسات حكومات آسيا الوسطى القامعة لأي معارضة سياسية تحت ذريعة الحرب على الإرهاب، ما أسهم في زيادة نشاط الحركات الراديكالية التي تدعو إلى العنف والتطرف.

ولعل جماعة “أدولت”، أو حركة “العدل”، من أوائل الحركات الراديكالية في منطقة آسيا الوسطى التي بدأت نشاطها في جمهورية أوزبكستان بمنطقة وادي فرغانة، تلك المنطقة المنقسمة سياسيًّا بين أوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان، التي أصبحت بؤرة لانبعاث التيارات المتطرفة في آسيا الوسطى، ولقد شاركت تلك الحركة في عدد من العمليات الإرهابية ضد الحكومة الأوزبكية التي تدين بالتيار العلماني، بل اتهمت الحركة الحكومة بالكفر لبعدها عن تطبيق الشريعة الإسلامية، وعقب تعقب الحكومة الأوزبكية لها، لجأت الحركة إلى طاجيكستان، وقاتلت في الحرب الأهلية الطاجيكية التي امتدت من عام 1992 إلى عام 1997.

محفزات تمدد ظاهرة الإرهاب في آسيا الوسطى

زاد نشاط الحركات الإسلامية في دول آسيا الوسطى، لا سيما بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، وسعيها إلى أسلمة الجمهوريات الخمس. ووفر البيئة الخصبة لتصاعد وتيرة الحركات المتطرفة، وغذى العمل الجهادي ضد الأنظمة السياسية عدد من العوامل، من أبرزها ما يلي:

1- العامل الأيديولوجي للجماعات الإسلامية: كان يرتكز على الفكر السلفي الجهادي؛ ما غذى انتشار التطرف والإرهاب في آسيا الوسطى، وانقسمت الحركات الإسلامية إلى ثلاثة تيارات رئيسة في المنطقة، ويعد التيار الأول الجهاد الوطني أساسًا لتأسيس دولة تستند في حكمها إلى الشريعة الإسلامية، وقد تأثر بهذا التيار حزب التحرير الإسلامي في آسيا الوسطى، في حين يجعل التيار الثاني الجهاد العالمي منطلقًا فكريًّا يتجاوز الحدود التقليدية لدول آسيا الوسطى، وانعكس ذلك في تنظيم اتحاد الجهاد الإسلامي، فيما طمح التيار الثالث إلى تأسيس دولة الخلافة الإسلامية، ويتمثل هذا التيار في حركة أوزبكستان الإسلامية، لا سيما بعد مبايعتها تنظيم داعش الإرهابي.

2- القرب الجغرافي من موطن تنظيم القاعدة في أفغانستان: تورط عدد من مواطني دول آسيا الوسطى في العمليات الإرهابية التي نفذتها القاعدة ضد الاحتلال السوفيتي، وهو ما نتج عنه تأثر الجماعات الإسلامية بالفكر القاعدي، والرغبة في تطبيق نموذج إسلامي يتعارض مع التيار العلماني المسيطر على السلطة في بلدان آسيا الوسطى.

3- البيئة الداخلية الحاضنة للتطرف والإرهاب في آسيا الوسطى في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة، كالفقر، والسياسات القمعية المتزايدة للأنظمة الحاكمة، والتوترات العرقية والدينية، إلى جانب عدم الاستقرار السياسي، وقمع المعارضة، وتفشي الفساد في بعض هذه الدول، فضلًا عن العنف الاقتصادي الممارس على الفئات الهشة، وغياب التوزيع العادل لعوائد التنمية، وهو ما أدى إلى تنامي الشعور بالاضطهاد؛ ما أجج تطرف الجماعات الإسلامية في تلك البلدان.

4- البيئة الخارجية: شجعت على الصراع لبسط النفوذ؛ ما مثل حافزًا للجماعات الإرهابية في منطقة آسيا الوسطى للقيام بدور أكبر لإثبات وجودها على الساحة، وذلك في ظل تنامي المد الإرهابي في القارة الآسيوية؛ ومن ثم اعتُبرت الصراعات المسلحة في أفغانستان وسوريا والعراق، تهديدًا مباشرًا للأمن الإقليمي لدول آسيا الوسطى، حيث سعت حركة طالبان وتنظيما القاعدة وداعش إلى استقطاب مقاتلين من دول هذه المنطقة، وتدريبهم وتسليحهم، وهو ما دفع مقاتلي آسيا الوسطى إلى نقل تجربتهم عند العودة إلى بلادهم.

الإطار العَقَدي للحركات الإسلامية في آسيا الوسطى:

كان المذهب السني الحنفي هو الأوسع انتشارًا وقبولًا في دول آسيا الوسطى، منذ دخولها في الإسلام خلال القرن الثامن الميلادي كجزء من حركة الفتوحات الإسلامية في المنطقة، إذ شمل الاتحاد السوفيتي السابق 15 جمهورية، منها 6 جمهوريات ذات غالبية مسلمة، هي: أذربيجان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وكازاخستان، وقرغيزستان؛ لذا فور انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال هذه الجمهوريات، تزايدت مخاوف حكوماتها من صعود الإسلام السياسي، لا سيما بعد الصحوة الدينية التي بدأت مع سياسة الانفتاح في عهد الرئيس السوفيتي ميخائيل جورباتشوف؛ ومن ثم حاولت الحركات الإسلامية التي ظهرت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، الاستفادة من الظروف الداخلية المضطربة- سياسيًّا واقتصاديًّا- في دول آسيا الوسطى؛ بهدف تجنيد عناصر جديدة في صفوفها، واستغلالها في تنفيذ عملياتها الإرهابية، وتوسيع رقعة نفوذها في القارة الآسيوية، وغالبيتها كانت تحمل أفكار المدارس الفكرية الكبرى للإسلام السياسي في العالم، وتأثرت بها. وتأسيسًا على هذا، يمكن تقسيم الحركات الإسلامية في آسيا الوسطى وفقًا لأصولها الفكرية إلى:

أـ الحركات المتأثرة بالتوجه الجهادي في آسيا الوسطى:

تجعل تلك الحركات الجهاد العالمي منطلقًا فكريًّا يتجاوز الحدود التقليدية لدول آسيا الوسطى، وتعتمد تلك الأحزاب والجماعات الإرهابية على العمل المسلح منهجًا للتغيير داخل مجتمعاتها، وتستقي من فكر التنظيمات الجهادية مرجعًا لها، وخاصة تنظيم القاعدة، ولعل من أبرز الحركات الإرهابية الجهادية في دول آسيا الوسطى؛ حركة أوزبكستان الإسلامية التي تأسست عام 1996، لكنها بدأت نشاطها عام 1999 في كل من أوزبكستان وقرغيزستان لتكبر وتنمو تدريجيًّا في منطقة وسط آسيا، ليتركز نشاطها على نحو ملحوظ في كل من طاجيكستان وأفغانستان، ويمتد نفوذها في وادي فرغانة الذي تتقاسمه كل من أوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان، كما تعتمد في تمويلها على دعم الحركات الإسلامية في جنوب آسيا ووسطها.

وعقب أحداث 11 سبتمبر 2001 بشهر واحد، وُضعت الحركة على قائمة الحركات الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة، لتركز الحركة هجماتها لاحقًا على قوات التحالف المحتلة لأفغانستان، بجانب حركة طالبان وتنظيم القاعدة، غير أن الحركة دخلت في حالة تراجع نسبي لعدة سنوات، لتبدأ عام 2010 باستعادة نشاطها من جديد، لكن هذه المرة ركزت نشاطها في شمال أفغانستان، وعلى الحدود الباكستانية الإيرانية، بيد أن الحركة شهدت انشقاقين مهمين، أولهما في عام 2001، حيث انشق اتحاد الجهاد الإسلامي عن الحركة الإسلامية الأوزبكية، وسرعان ما أُدرج اسمه في قائمة المنظمات المحظورة الموحدة، في الأول من يونيو (حزيران) عام 2005. أما الانشقاق الثاني، فتمثل في تأسيس الجناح الطاجيكي في حركة أوزبكستان الإسلامية، لجماعة أنصار الله عام 2006.

جاءت بعد تلك الجماعات، جماعة جند الخلافة في كازاخستان، وهي مجموعة أسسها عام 2011 رينات عبيد الله، وأورينباسار موناتوف، ودامير زنالييف، وانصب هدفها على الجهاد في كازاخستان، واستخدمت القوة المسلحة للتعبير عن مطالبها، وتركز نشاطها الإرهابي حاليًا على الشريط الحدودي بين أفغانستان وباكستان، وفي داخل كازاخستان.

ب ـ الحركات المتأثرة بالفكر الوسطى الإسلامي في آسيا الوسطى:

تستقي هذه الحركات والأحزاب أصولها الفكرية من الفكر الوسطي الذي تدّعيه جماعة الإخوان المسلمين، مستوحيةً منهجها من كتب حسن البنا مؤسس الجماعة، إلى جانب مؤلفات مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان أبو الأعلى المودودي. ومن أهم تلك الأحزاب في آسيا الوسطى حزب النهضة الإسلامي الطاجيكي، الذي يعد أبرز الجماعات الإسلامية في طاجيكستان، والحزب الإسلامي القانوني الوحيد في منطقة آسيا الوسطى، وقد تأسس عام 1973 على يد مسلمين تتاريين، وتولى عبد الله نوري قيادة الحزب طوال سنوات عمله السري منذ نشأته، وخلفه بعد وفاته عام 2006 محيي الدين كبيري، الذي ما زال يتزعم رئاسة النهضة حتى الآن.

وقد جاء تأسيس الحزب لتوحيد جميع مسلمي الاتحاد السوفيتي، إذ كان الغرض منه التعريف بالإسلام وبالشريعة الإسلامية في كل المناطق التابعة للاتحاد السوفيتي، لكن سرعان ما انضم الحزب إلى جانب المعارضة خلال الحرب الأهلية بين عامي 1992 و1997، التي اندلعت بسبب تزوير الانتخابات الرئاسية، وإعلان فوز أول رئيس للحزب الشيوعي رحمان نابييف؛ ما دفع أعضاء الحزب إلى الخروج للشوارع والاعتصام، فقدم رحمان نابييف استقالته، ونتج عن تلك الحرب الأهلية قبول قانونية حزب النهضة، وتمكينه من 30 % من مناصب الدولة، ودمج مقاتليه في الجيش الوطني، واعتُبر الحزب منذ ذلك الوقت القوة السياسية الثانية بعد الحزب الحاكم في الدولة، وتمكن الحزب من تمثيله في البرلمان خلال الدورات البرلمانية الثلاث في 2000، و2005، و2010، لكنه في انتخابات 2015 لم ينجح في الحصول على أي مقعد، قبل أن تقرر المحكمة العليا في طاجكستان تصنيفه جماعةً إرهابية. وفضلًا عن حزب النهضة الطاجيكي، جاء حزب الإحياء الإسلامي في طاجيكستان، المتأثر بفكر جماعة الإخوان المسلمين، وكان يحارب ضد حكومة طاجيكستان مع حركة النهضة الإسلامية، لكنه انشق عنها عندما تصالحت مع الحكومة، واستمر حزب الإحياء في معارضة الحكومة الطاجيكية.

ج ـ الحركات المتأثرة بحزب التحرير الإسلامي:

تهدف تلك الحركات إلى الجهاد الوطني السلمي كأساس لقلب النظام السياسي، وتأسيس دولة تستند في حكمها إلى الشريعة الإسلامية، وتعتمد هذه الحركات على مبادئ حزب التحرير الإسلامي الذي دعا إلى إعادة الخلافة الإسلامية، وتوحيد المسلمين جميعًا تحت مظلة دولة الخلافة. وتأسس الحزب في مدينة القدس عام 1953 على يد القاضي تقي الدين النبهاني، وارتكز نشاط حزب التحرير الإسلامي على مجالات الدعوة الإسلامية، والسياسة، والإعلام، وابتعد تمامًا عن النهج المسلح في التغيير وفي التعبير عن مطالبه، واتخذ من بعض البلدان الإسلامية مجالًا لعمله؛ إذ تبنى الحزب من البداية توجهًا عالميًّا عابرًا للحدود، فله ناطقون رسميون، ومكاتب إعلامية في بعض البلدان، مثل فلسطين، ولبنان، ودول وسط آسيا، غير أنه مؤخرًا أصبح محظورًا في طاجيكستان، ويتعرض أي شخص ينتمي إليه للاعتقال. وكان من أبرز الدول التي انتشر فيها الحزب، أوزبكستان التي تعد الأكثر سكانًا في آسيا الوسطى، والحاضنة الأكبر لنشاطه؛ لذا يوليها الحزب أهمية خاصة.

كما تشكلت منظمة الإكرامية في أنديجان بأوزبكستان عام 1996 على يد أكرم يولداشوف، العضو السابق في حزب التحرير الإسلامي، الذي ما لبث أن انشق عن الحزب؛ لأنه رأى أن أفكار الحزب تناسب واقع الدول العربية، لكنها لا تناسب ظروف دول آسيا الوسطى، ونادى من خلال المنظمة الجديدة إلى ضرورة التخلي عن السلمية كنهج وحيد للمنظمة، واتخذت المنظمة من وادي فرغانة معقلًا لها، واعتمدت على العنف المسلح في الدعوة إلى مطالبها، ومن هذا اندلعت في مدينة أنديجان أعمال عنف واسعة عام 2005 نتيجة تصدي قوات الأمن الأوزبكية بالقوة لاحتجاجات شعبية تبنتها المنظمة مُطالبة بسقوط النظام الحاكم في أوزبكستان؛ ومن ثم حوكم 23 عنصرًا من عناصر هذه المنظمة، وعلى إثر ذلك حولت المنظمة نشاطها إلى أفغانستان، ثم إلى مناطق القبائل في باكستان.

دـ الحركات المتأثرة بالفكر الصوفي:

تعد منطقة آسيا الوسطى أحد المراكز الرئيسة لانتشار الصوفية في العالم الإسلامي؛ إذ تضطلعت الصوفية بدور مهم ضد الحكومات السوفيتية في دول وسط آسيا. وتعود أسباب انتشار الحركات الصوفية في تلك المنطقة إلى كونها قادرة على التأقلم والتغير حسبما تقتضي الظروف السياسية والاجتماعية؛ ففي الجمهوريات الخمس تتعامل الحركات بالفارسية الشائعة، خاصة في طاجيكستان، وفي القوقاز تتعامل باللغات الثلاث المعروفة، الفارسية والتركية والعربية، في حين تعتمد على اللامركزية الواسعة في نشاطها، وهو ما يجعل انتشار الطريقة في هذه المناطق البعيدة سهلًا، كما يمثل ابتعادها عن الأفكار الثورية نقطة جذب لأتباعها، فرغم انشغالها في مراحل تاريخية مختلفة بمقاومة الأعداء الخارجيين، فإنها لم تخض في أي فترة تاريخية حربًا على المستوى المحلي بينها وبين غيرها من الفرق والمذاهب الإسلامية.

ومن هذا المنطلق، تُعد أهم الطرق الصوفية في آسيا الوسطى، الطريقة النقشبندية، ومركزها بخارى في أوزبكستان، ونشأت في القرن الرابع عشر الميلادي، والكبراوية، وهي منتشرة في عدة مناطق في تركمانستان، وقد نشأت في القرن الثاني عشر الميلادي، بجانب الياسوية، ومركزها في مدينة ياسي في تركستان، ونشأت في القرن الثاني عشر الميلادي. وإلى جانب ما سبق، ظهرت عشرات الجماعات والأحزاب المحدودة النشاط في دول آسيا الوسطى، من أبرزها: جمعية الإصلاح الكويتي، التي تعد الممول الرئيس للجامعة الكويتية الكازاخية، وهي جامعة ظلت تعمل 5 سنوات على نحو قانوني تحت إشراف وزارة التعليم العالي في كازاخستان، وكان يدرس بهذه الجامعة نحو 500 شخص، وتخرج فيها العشرات في مجال الصحافة، والتاريخ، واللغة العربية، والعلوم الإنسانية، لكن الجمعية أُدرجت ضمن قائمة المنظمات المحظورة في آسيا الوسطى؛ لكونها تحض على الإرهاب.

مقاصد الجماعات الإسلامية في آسيا الوسطى

تتعدد أهداف الجماعات الإرهابية من عملياتها التخريبية في وسط آسيا، فقد تنقسم أهدافها وفقًا لمجال عملها إلى أهداف سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وعسكرية، في حين يمكن أن تنقسم أهداف الحركات الإسلامية وفقًا لنطاق عمل الجماعات إلى أهداف محلية، وإقليمية، ودولية، ويحدد هذا الجذور الفكرية للجماعات الإرهابية في آسيا الوسطى، سواء أكانت جهادية، أم وسطية، أم صوفية. ويمكن الوقوف على أبرز تلك الأهداف فيما يلي:

1- زعزعة استقرار مجتمعات آسيا الوسطى: يُعد الهدف الأساسي للعمليات المسلحة للجماعات الإرهابية في آسيا الوسطى، إحداث الفوضى، ونشر الخوف والفزع بين المواطنين، وإحداث حالة من الفراغ الأمني والسياسي، والتشكيك في سيطرة المنظومات الأمنية والإستراتيجيات الدفاعية والوقائية الخاصة بحفظ الأمن وحماية المواطنين، إذ تهدف الجماعات الإسلامية إلى إظهار ارتباك السياسات الأمنية، وفشلها في إيقاف العمليات الإرهابية؛ ومن ثم يتنشر اليأس والإحباط بين أفراد الشرطة والجيش المُكلفين بمحاربة الجماعات الجهادية.

2- الاستعراض السياسي: تهدف العمليات المسلحة التي تشنها الجماعات الإسلامية في آسيا الوسطى إلى إظهار منفذيها بمظهر القوة والشجاعة، وقدرتهم على تنفيذ عملياتهم في كل زمان ومكان، وتحدي المنظومات الأمنية والاستخباراتية في البلاد؛ لذا تعتمد تلك الجماعات على الأداة الإعلامية اعتمادًا كبيرًا في نشر مواد عن قوتها المزعومة، ونجاح عملياتها في استهداف المنشآت والأهداف الحيوية، وتبالغ في أعداد ضحاياها من المواطنين الأبرياء كدليل على نجاح عملياتها، فالإثارة الإعلامية للحركات الإرهابية تطمح إلى جلب الأنظار بهدف الاستقطاب والانتشار.

3- مكاسب إستراتيجية من العمليات الإرهابية: تعتمد الجماعات الإسلامية على عمليات مفاجئة ومباغتة تستهدف دول آسيا الوسطى، وغالبًا ما تكون تلك العمليات ذات بُعد رمزي يُخفي أهدافًا بعيدة المدى لدى الجماعة، بعيدًا عن المكاسب المادية والمعنوية التي تجنيها من هجماتها الممنهجة؛ إذ إن العمليات المسلحة التي تنفذها الجماعات الإرهابية غالبًا ما تقوم على إستراتيجيات مدروسة باستطاعتها توجيه أكثر من رسالة رمزية من خلال عملية واحدة.

4- الحرب النفسية ضد مواطني آسيا الوسطى: غالبًا ما تركز العمليات الإرهابية للجماعات المتطرفة على تحقيق المكاسب المعنوية، إذ تستهدف تلك العمليات في جوهرها معنويات العناصر السياسية والأمنية لكسر إرادتهم، وتثبيط عزيمتهم، وإدخال الشك في خططهم وبرامجهم، إلى جانب استهداف معنويات المواطنين؛ إما لتخويفهم وثنيهم عن دعم السلطات الأمنية والسياسية في بلدان آسيا الوسطى، وإما للتأثير فيهم واستقطابهم للانضمام إلى صفوف الجماعات الإرهابية.

5-إقامة حكومة إسلامية محل الحكومات الشرعية: يتمثل الهدف المعلن الأول للجماعات الإسلامية في العالم بصفة عامة، وفي وسط آسيا بصفة خاصة، في إقامة دولة إسلامية في تلك البلدان من خلال حكومة إسلامية تتبع الشريعة، وتستقي أوامرها من قادة الجماعات، ويتحقق ذلك- وفقًا للفكر الجهادي لتلك الجماعات- من خلال إنشاء هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واعتماد الاقتصاد الإسلامي في الدول، واختيار منهج إسلامي شامل لجميع المدارس والجامعات، وإعداد جيش إسلامي قوي يستطيع ردع الأعداء وفقًا لخطة تلك الجماعات ومصالحها. ولتحقيق هذا الهدف، تحاول الجماعات الإرهابية في آسيا الوسطى الحصول على أرض لتكون نواة للدولة الإسلامية الجديدة وحكومتها، التي ستحل محل الحكومة المركزية الشرعية، وفي سبيل ذلك فإنها تقيم ائتلافات براغماتية مع الدول المؤيدة لها في المنطقة، كما تعتمد تلك الحركات على  العنف والوحشية في عملياتها الإرهابية لخلق صورة ذهنية تتمثل في قدرتها على التنكيل بأعدائها بأبشع الطرق، وعن استعدادها لارتكاب جرائم أكثر حدة لإرساء قواعد الحكومة الإسلامية المزعومة.

تكتيكات الحركات الإسلامية في آسيا الوسطى

يسير نشر التطرف الإسلامي في آسيا الوسطى بوتيرة سريعة، خاصة بعد تجدد نشاط كثير من التنظيمات الإرهابية هناك، وامتداد هذا النشاط ليؤثر في دول الجوار؛ لذا استغلت الحركات الإرهابية في دول آسيا الوسطى هذا النشاط في تجديد عدد من الإستراتيجيات لنشر إرهابها، وزيادة نفوذها في المنطقة، ويعد من أبرزها ما يلي:

1- استغلال الأزمات الداخلية لفرض الشريعة الإسلامية بالقوة: ينتهج تنظيم القاعدة إستراتيجية سياسية وعسكرية للهيمنة على العالم، وتدمير جميع الأنظمة الاجتماعية والسياسية والدينية المنافسة، من خلال إنشاء تنظيمات جديدة في دول آسيا الوسطى ذات الأغلبية المسلمة، واستمالة المقاتلين في البلدان المستهدفة، واستغلال التمرد الداخلي، والحكومات المركزية الضعيفة، والبحث عن مناطق خارج سيطرة الحكومة؛ لتنفيذ مخططاته الإرهابية، في حين يتخذ تنظيم داعش موقفًا أكثر براغماتية في إستراتيجيته العسكرية والسياسية، ليعطي مفهوم الخلافة نظرة واقعية، فـداعش لديه أيديولوجية أكثر تطرفًا من القاعدة، خاصةً فيما يتعلق بتطبيق الشريعة الإسلامية، ويعتمد عليها التنظيم وفروعه في آسيا الوسطى، كالحركة الإسلامية في أوزبكستان، في تبرير ارتكاب عملياتها الإجرامية وقتل الأبرياء، فالتنظيم يستغل في القيام بعملياته حالة التراخي الأمني، وتنامي الخلافات السياسية والطائفية داخل دول آسيا الوسطى. وبالمنطق نفسه، يقوم حزب التحرير الإسلامي في آسيا الوسطى، الذي يتوزع أتباعه بين أوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان، كبقية التنظيمات المتطرفة، بتكفير الأنظمة السياسية، والدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، والتأسيس للخلافة، لكنه يسعى إلى التغيير عن طريق العمل السلمي، ودون الخوض في عمليات إرهابية مسلحة؛ بل عن طريق غسل العقول، وترسيخ الأفكار المتطرفة داخل أبناء دول آسيا الوسطى.

2- استهداف الحكومات والمنشآت الحيوية في دول آسيا الوسطى: عبر النهج المفضل لدى الجماعات الإرهابية، خاصة الحركات الإسلامية في دول آسيا الوسطى، حيث اتبعت الحركات ظاهرة الذئاب المنفردة في مخططاتها الإرهابية، وهو ما أدى إلى زيادة الهجمات المسلحة على المنشآت الحيوية في البلاد، إذ هددت حركة أوزبكستان الإسلامية البلاد، وتورطت في محاولة اغتيال الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف عام 1999، وقامت بعدة عمليات تفجيرية ضد المصالح الأوزبكية في العاصمة طشقند خلال العام نفسه، واستهدفت الحركة باقي دول آسيا الوسطى، وخاصة قرغيزستان، إذ اختطفت الحركة، في شهر أغسطس (آب) من عام 2000، أربعة خبراء جيولوجيين، وثمانية  جنود قرغيزيين، واتخذتهم رهائن للضغط على حكومة قرغيزستان في أعقاب القتال المحتدم بين الحركة والحكومة، كما كانت الحركة مسؤولة عن تفجيرات وقعت في ديسمبر (كانون الأول) عام 2002 في مدينة بيشكيك، وفي مايو (أيار) 2003 في مدينة أوش، في حين اتُّهمت الحركة، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2004، بتفجير في مدينة أوش أسفر عن مقتل شرطي، لتعتقل الحكومة في قرغيزستان عددًا من أعضاء الحركة على خلفية تلك الأحداث.

وبالتوازي مع ذلك، يتبع تنظيم داعش خلال الفترة الحالية إستراتيجية جديدة تسمى فترات عدم التمكين في مناطق آسيا الوسطى، إذ تقوم على الضربات الخاطفة، والعمليات النوعية، واغتيال مسؤولين ذوي رتب عسكرية رفيعة في بلدان المنطقة، والاعتماد على العمليات العسكرية الصغيرة دون تكلفة كبيرة، ويأتي هذا في إطار تأسيس التنظيم فروعًا جديدة في مناطق غير تقليدية في دول آسيا الوسطى يسعى إلى الانتشار فيها، إذ وجهت داعش 18 هجمة إلى مسؤولين حكوميين في دول المنطقة في الفترة من عام 2009 إلى عام 2018، وفي مقدمتهم رجال الشرطة في تلك البلدان.

4- مهاجمة مصالح الحلفاء الإقليميين والدوليين لآسيا الوسطى: لا يقتصر نشاط الحركات الإرهابية على بلدان آسيا الوسطى، بل تسعى إلى تهديد حلفاء الدول الخمس؛ كورقة ضغط ضد الحكومات، ولإثبات فشلها في احتواء الحركات المسلحة في المنطقة؛ لذا توسع نشاط حركة أوزبكستان الإسلامية في القارة الآسيوية، حيث أعلن زعيم حركة أوزبكستان الإسلامية عثمان غازي في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2014 أن حركته انضمت إلى تنظيم داعش، وستشارك في العمليات القتالية في سوريا، وفي مارس (آذار) 2020 أعلن جهاز الأمن القومي في أوزبكستان وجود نحو 5000 عضو من أعضاء حركة أوزبكستان الإسلامية يقاتلون إلى جانب تنظيم داعش في المنطقة، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2018 اعتقلت السلطات الطاجيكية 12 مشتبهًا فيه بصلات مزعومة بتنظيم داعش، كانوا يخططون لشن هجوم على قاعدة عسكرية روسية في البلاد.

5-الجهاد الناعم عبر وسائل التواصل الاجتماعي: عملت الحركات الإرهابية على شن حرب نفسية إلكترونية ضد شعوب دول المنطقة، من خلال عدد من الأساليب، كالدعاية، والشائعات، وعمليات غسيل المخ، وتبني نظرية الرعب الإلكتروني؛ في محاولة تحطيم معنويات الشعوب في وسط آسيا، إلى جانب أسلوب التكرار الذي اتجه في معظمه نحو التضخيم والمبالغة، من خلال بث محتوى رقمي، يُظهر الجماعات الإرهابية على أنها تملك إمكانات خارقة من الصعب اختراقها؛ لتحطيم الروح المعنوية لخصومها، وإحداث حالة من الرعب والفوضى، وانعدام الإحساس بالأمن في تلك البلدان.

ومن ناحية أخرى، أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تسهيل عمل الجماعات المتطرفة في جذب الإرهابيين من آسيا الوسطى، حيث تمكنوا عبرها من الوصول إلى المعلومات الشخصية للمستخدمين، والتواصل مع جيل جديد ممن يعرفون بـالمتطرفين الرقميين في آسيا الوسطى، فلا يقتصر تجنيد الشباب في المنطقة على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بل يمتد إلى الهواتف وتطبيقات الكمبيوتر، حيث تُستخدَم للتواصل بين الأعضاء، وترتيب الأعمال، وتجنيد الأتباع.

6- استقطاب شباب دول آسيا الوسطى: تأتي أهم إستراتيجية للجماعات الإرهابية، لا سيما تنظيم الإخوان المسلمين، المنتشر بقوة في دول آسيا الوسطى، في تجنيد الشباب في آسيا الوسطى من خلال إغراء الطلبة الوافدين بتوفير مأوى ومسكن مناسب، وراتب شهري، ورعاية صحية مجانية؛ للترويج لإستراتيجية القتال السلمي، ونشر الأيديولوجية الإخوانية في دولهم عند العودة، التي تدعو إلى إقامة دولة إسلامية موحدة في آسيا الوسطى وخارجها، كما تقوم الجماعات بعملية غسل مخ للمنضمين الجدد، عن طريق تدريس بعض المقررات الخاصة بأفكار تلك الجماعات، ومن يثبت كفاءته يُدمَج في الخلايا المختلفة، وهذا ما طبقه حزب التحرير النشط في وادي فرغانة، حيث سعى إلى تجنيد الشباب الذين تتراوح أعمارهم من 18 إلى 30 عامًا.

تداعيات تطور ظاهرة الإرهاب في آسيا الوسطى

يشكل انتشار الحركات الإسلامية في آسيا الوسطى خطرًا كبيرًا، ليس على دول تلك المنطقة فقط، بل قد يمتد تأثيره إلى أبعد من ذلك، في ظل اتساع مصادر تمويل هذه التنظيمات، وارتباطها ارتباطًا وثيقًا بـالحركات الإرهابية في المنطقة، كطالبان، والقاعدة، وداعش، إلى جانب ظاهرة تجنيد المقاتلين الإرهابيين الأجانب، ومدى تأثيرها في الحرب على الإرهاب في القارة الآسيوية بشكلٍ عام، وهو ما يخلق من ظاهرة الإرهاب في آسيا الوسطى ظاهرة عابرة للحدود. وفي هذا السياق، يبرز مقاتلو آسيا الوسطى كقوة لا يُستهان بها بين المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق، إذ كشفت الأرقام أن عدد المقاتلين الإرهابيين من آسيا الوسطى الملتحقين بجبهات القتال في سوريا يتخطى 5000 مقاتل، غالبيتهم من عناصر الحركات الإسلامية في أوزبكستان، وهو ما يمثل محفزًا لتمدد الإرهاب في الإقليم، خاصة بعد صراع داعش وطالبان في أفغانستان، والرغبة في انتقال الصراع إلى جبهات جديدة في آسيا الوسطى.

لكن الأمر الأكثر خطورة فيما يخص تداعيات انتشار الحركات الإسلامية في بلدان آسيا الوسطى، يتعلق بمدى تأثير شبكات التواصل الاجتماعي في ترويج التنظيمات الإرهابية فكرها الجهادي بين مواطني وسط آسيا، إذ تسهم مواقع التواصل الاجتماعي- باختلاف أشكالها- في سهولة الوصول إلى جيل كبير من المتطرفين الرقميين من آسيا الوسطى، ما ينعكس على تجدد عمل الخلايا النائمة داخل دول المنطقة، ويجعل تلك التنظيمات قادرة على استقطاب أسهل وأوسع نطاقًا، هذا إلى جانب التداعيات الاقتصادية من انتشار الظاهرة الإرهابية في هذه المنطقة الثرية بالموارد في ظل انخفاض أسعار النفط على الدول المصدرة له، وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في بيئة مهددة بالإرهاب، حيث يرتبط مؤشر جاذبية الاستثمارات الأجنبية بالتوترات السياسية، والانفلات الأمني؛ ومن ثم يشهد النمو الاقتصادي في تلك الجمهوريات تباطؤًا ملحوظًا على ضوء تصاعد الهجمات الإرهابية، وتمدد نفوذ الجماعات المتطرفة.

الخاتمة

إجمالًا لما سبق، يُمكن القول إن  التطورات الجديدة على الصعيدين الإقليمي والدولي، مثل انضمام مقاتلين من دول آسيا الوسطى إلى صفوف داعش في العراق وسوريا، والخوف من عودتهم إلى المنطقة من جديد، وكذلك جوار أفغانستان بصفتها الدولة الحاضنة للجماعات الإرهابية القديمة، ووصول طالبان إلى حكم البلاد، هو ما يثير مخاوف زعماء دول آسيا الوسطى من انتقال الصراع بين الحركات الإسلامية من أفغانستان إلى بلادهم، وقد يجعل منطقة آسيا الوسطى بيئة خصبة لعودة مقاتلي داعش، خاصةً على الحدود بين دولها، التي توفر الملاذ الآمن للإرهابيين من الأزمات الاقتصادية، والفراغ الأمني، وهذا يشكل خطرًا مضاعفًا بشأن تطور الإرهاب في آسيا الوسطى، ويزيد التهديدات الإرهابية على أراضي دول المنطقة، ويشجع الجماعات الإرهابية على استهداف المجالات الحيوية لتنفيذ أعمالها التخريبية، ليس في دول آسيا الوسطى فحسب؛ بل من خلال استهداف حلفائها الإقليميين والدوليين كنوع من الاعتراض على سياسات الدول الخمس، لا سيما بعد تحول الإرهاب السلفي من النماذج التقليدية إلى أساليب جديدة أشد تطرفًا؛ ما يتطلب من دول آسيا الوسطى تحقيق مزيد من التعاون الإقليمي للسيطرة على نشاط تلك الجماعات الإسلامية المتطرفة، ونفوذها في تلك المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية الكبرى.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع