وحدة الدراسات الصينية

استقرار العلاقات مع الصين يصب في مصلحة الولايات المتحدة


  • 22 فبراير 2025

شارك الموضوع

أجرى نائب رئيس مجلس الدولة الصيني هي ليفنغ، وهو أيضًا المسؤول الصيني الرئيس للشؤون الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة، مكالمة فيديو يوم الجمعة مع وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت بشأن القضايا الاقتصادية الثنائية المهمة، وتبادل الجانبان وجهات النظر بعمق بشأن التوافق الذي توصل إليه رئيسا الدولتين خلال محادثاتهما الهاتفية، وبشأن القضايا المهمة بين الصين والولايات المتحدة في المجال الاقتصادي. يمثل هذا الاتصال تفاعلًا جديدًا آخر بين الصين والولايات المتحدة في المجال الاقتصادي والتجاري، إذ اتفق كلا الجانبان على أهمية العلاقات الاقتصادية والتجارية الثنائية.

وفي وقت سابق، أجرى عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وزير الخارجية وانغ يي مكالمة هاتفية مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بناء على طلبه. كما أجرى مناقشات مع أشخاص من مختلف القطاعات في الولايات المتحدة في أثناء رئاسته للاجتماع الرفيع المستوى لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك. كما أرسل وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو رسالة إلى وزير التجارة الأمريكي المعين حديثًا هوارد لوتنيك. وتجري التبادلات بين الصين والولايات المتحدة على مستويات الدبلوماسية والاقتصاد والتجارة، ودوائر الأعمال، والدوائر الإستراتيجية.

مر أكثر من شهر منذ تولي الإدارة الأمريكية الجديدة السلطة، ويعتقد الرأي العام الدولي عمومًا أن العلاقات الصينية الأمريكية شهدت بداية معتدلة وحذرة نسبيًّا، ولا بد من القول إن التطور التدريجي للاتصالات الصينية الأمريكية على جميع المستويات يواصل هذا الزخم. ولكن مؤخرًا حدّثت وزارة الخارجية الأمريكية ورقة الحقائق الخاصة بالعلاقات الأمريكية مع جزيرة تايوان من خلال حذف الصياغة التي تقول إن الولايات المتحدة “لا تدعم استقلال تايوان”. كما راجعت ورقة الحقائق الخاصة بالصين، التي أصبحت الآن تحتوي على قسم موسع عن العلاقات الاقتصادية، مع التركيز على العجز التجاري بين الولايات المتحدة والصين، والمخاوف المزعومة للشركات الأمريكية بشأن الصين. ولم تؤد هذه التحركات إلى إثارة الشكوك بشأن تراجع موقف الولايات المتحدة المتعلق بقضية تايوان فحسب؛ بل أدت أيضًا إلى إثارة مخاوف عالمية من أنها قد تؤدي إلى تفاقم التوترات التجارية العالمية.

ومن خلال الإشارات المعقدة المتنوعة، ليس من الصعب أن نستشف التناقض في واشنطن بشأن بكين والعلاقات الصينية الأمريكية؛ فمن ناحية، تواصل الولايات المتحدة احتواء الصين وقمعها، وتروج للحيلة القديمة المتمثلة في اللعب ضد الصين من خلال المبالغة في خطاب “التهديد الصيني”. ومن ناحية أخرى، تثبت المعلومات ذات الصلة الأهمية التي توليها واشنطن للعلاقات الاقتصادية والتجارية المستقرة بين الصين والولايات المتحدة.

وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن “ترمب يتطلع إلى عقد صفقة تجارية أكبر وأفضل مع الصين”، وهو ما يشير إلى أن واشنطن في حاجة إلى الاستفادة من العلاقات الاقتصادية والتجارية المستقرة بين الصين والولايات المتحدة، وهذا الاهتمام يفوق معظم القضايا الأخرى. ويعكس هذا التشابك القلق الإستراتيجي للولايات المتحدة المتمثل في “رغبتها في قمع الصين دون الإضرار بنفسها”.

من الجدير التأكيد على بغض النظر عن الاعتبارات المعقدة التي قد تكون لدى واشنطن بشأن الصين، فإن قراراتها لا يمكن فصلها عن المنطق الأساسي للعلاقات بين الدول، والمواجهة مع الصين ليست خيارًا جيدًا. تُظهر البيانات أنه خلال الحرب التجارية التي شنتها الولايات المتحدة في عام 2018، تحملت الشركات والمستهلكون الأمريكيون أكثر من 90% من تكاليف التعريفات الجمركية الأمريكية على الصين. ذكرت مجلة تايم أن الزيادات الأخيرة في التعريفات الجمركية على الصين سترفع مباشرةً التكاليف على الأسر الأمريكية في عام 2025. كتب كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز بول كروغمان (Paul Krugman) أن “المستهلكين الأمريكيين تحملوا الجزء الأكبر من العبء”، وأن “المستهلكين سيدفعون التعريفات الجمركية بعد كل شيء”. لم تجلب حرب التعريفات فوائد ملموسة للولايات المتحدة، وهي حقيقة معترف بها على نطاق عريض داخل البلاد.

إن الحرب التجارية وحرب التعريفات الجمركية لا يوجد فيها فائزون، وهذه ليست مجرد نصيحة من الصين للولايات المتحدة؛ بل هي حقيقة لا يمكن إنكارها. توفر السوق الصينية الشاسعة فرصًا كبيرة للشركات الأمريكية، في حين توفر الخبرة التكنولوجية والإدارية المتقدمة للولايات المتحدة أيضًا مراجع ومساعدات لترقية الصناعة الصينية والنمو الاقتصادي. ووفقًا لأحدث تقرير صادر عن غرفة التجارة الأمريكية في الصين، تخطط 53% من الشركات الأمريكية العاملة في الصين لزيادة استثماراتها في عام 2025.

إن الفكرة التي يتبناها البعض في واشنطن، بأن الولايات المتحدة قادرة على تحقيق نصر كاسح من دون أي تكلفة، لا تتفق مع الواقع.

وما دامت الولايات المتحدة قادرة على تصحيح تصورها عن الصين، والعمل معها على أساس المصالح المشتركة الواسعة النطاق، فمن المعقول تمامًا أن نتوقع استقرار العلاقات الصينية الأمريكية وتحسنها. وبعيدًا عن التجارة والاقتصاد، لا يزال هناك مجال للتعاون في مجالات مثل التكنولوجيا، والتبادل الثقافي، والاتصالات العسكرية، والقمع المشترك للجرائم العابرة للحدود الوطنية. ويمكن للبلدين أيضًا العمل معا لتعزيز الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمومية (Quantum Computing)، وغيرها من التقنيات لصالح البشرية، في حين يساعدان مزيدًا من الدول في الجنوب العالمي على إطلاق العنان لإمكانات نموها. وفي الوقت نفسه، يشكل الحفاظ على الاستقرار العام في العلاقات الصينية الأمريكية أهمية بالغة للاستقرار العالمي، ويتوقع المجتمع الدولي التعاون، وليس المواجهة، بين الدولتين. وحتى بين حلفاء الولايات المتحدة، لا ترغب أغلب الدول في أن تُرغَم على الانحياز إلى أي من الجانبين.

لقد أوضحت الصين منذ فترة طويلة موقفها المبدئي بشأن تطوير العلاقات الصينية الأمريكية في مناسبات كثيرة. ونحن على استعداد لبناء علاقات ثنائية مستقرة وصحية ومستدامة مع الولايات المتحدة على أساس مبادئ الاحترام المتبادل، والتعايش السلمي، والتعاون المربح للجانبين.

أخيرًا، نأمل أن تتخذ واشنطن الخيار الصحيح وتلتقي بالصين في منتصف الطريق، وتتخذ إجراءات ملموسة لضخ حيوية جديدة في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة، مع الإسهام في الاستقرار العالمي، وهذا ليس مجرد نداء من الواقع؛ بل هو أيضًا الطريق الصحيح نحو المستقبل.

المصدر: افتتاحية صحيفة غلوبال تايمز (Global Times) الصينية

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع