أبحاث ودراساتمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة

استثمار العدوان الإسرائيلي.. إلى أين سيتجه داعش لإحياء الخلافة؟


  • 28 نوفمبر 2024

شارك الموضوع

مدخل

“تنظيم بلا أرض، ولكنه يتلون مع المتغيرات”، مع كل صراع يعود داعش من جديد ليتصدر المشهد، فمنذ بدء إسرائيل حربها على غزة، ثم لبنان، ثم الهجمات المتبادلة بينها وبين إيران وحلفائها في لبنان وسوريا والعراق واليمن، برز تنظيم الدولة الإسلامية محاولًا استغلال البيئة المضطربة في الإقليم لإعادة تنظيم صفوفه لخدمة أجندته التوسعية، ليخلق شبكة معقدة من المتطرفين على مستوى العالم.

وفي ضوء محاولات التنظيم إعادة التموضع بعد تراجع سيطرته وانتكاساته المتكررة في المنطقة على مدار السنوات القليلة الماضية، تضعنا قراءة النشاط العملياتي لتنظيم داعش في ظل الحرب الدائرة في الإقليم أمام عدة تكهنات بشأن مستقبل عملية إحياء التنظيم، وخريطة تشكيل ساحات لإرهاب داعش، وهل سيعتمد على الساحات التقليدية في سوريا والعراق، أم سيتجه إلى تصعيد عدائه من خلال استهداف إيران وإسرائيل مباشرة، أم سيتوسع في ساحات جديدة بوسط آسيا وجنوبها، أم يبتعد أكثر إلى القارة السمراء مستندًا إلى فروعه في معظم الدول الإفريقية؛ ليدشن خلافة إسلامية في ضوء الجهاد العالمي الذي يتبناه أبناء التنظيم.

مؤشرات الخطر

لعل من أبرز المخاوف التي تثار من تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان هو عودة تنظيم داعش إلى العمل في عدة ساحات، في محاولة لاستعادة نفوذ التنظيم في المنطقة، إذ يكثف داعش عملياته الإرهابية، خاصة في سوريا والعراق، فمع أن الهجمات بلغت أدنى مستوياتها على الإطلاق في الربع الأخير من عام 2023، فإنها تضاعفت مع بداية هذا العام؛ ما يشير إلى نهج مختلف للتنظيم في إطار استغلال الوضع المشتعل في المنطقة، وتركيز الدول الغربية على دعم إسرائيل ضد إيران ومحور المقاومة.

ونتيجة لتنامي النشاط العملياتي لداعش منذ بداية الحرب الإسرائيلية، أعلنت الولايات المتحدة استهداف المعسكرات التابعة لداعش في الداخل السوري والعراقي، وذلك في إطار الرد على تزايد محاولات داعش الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي لبسط نفوذ التنظيم، غير أن تلك الخطط تتطلب قوة بشرية إضافية كبيرة، في حين أن عدد جنود داعش حاليًا نحو 2500 جندي في العراق، و900 آخرين في سوريا؛ ما يحفز التنظيم على تجنيد مقاتلين جدد، وهو ما يؤدي إلى تنشيط حركة الجهاد العالمي بطريقة لم تشهدها منذ تأسيس التنظيم.

نيّات إرهابية

ثمة عدة أهداف محورية يطمح تنظيم داعش إلى تحقيقها في ضوء تصاعد حدة الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، من أبرزها ما يلي:

  • إستراتيجية العدو القريب والعدو البعيد: يهدف داعش إلى ترسيخ فكرة محاربة أعداء الإسلام، ولم تقتصر تلك الفكرة على النظم الغربية؛ بل تتعداها إلى النظم العربية والإسلامية الموالية لفكر الغرب، وتنفذ أجندته وتراعي مصالحه، حيث يؤمن التنظيم أن القضاء على قوة الغرب سيحدث بإسقاط أنظمة الدول العربية الحليفة، ويتجلى هذا من خلال استهداف داعش للنظامي السوري والعراقي منذ 2014، وتنامى هذا الاستهداف بعد الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان.
  • الحشد الدعائي: يحرص تنظيم داعش من خلال خطاب دعائي مدروس على إرسال رسائل لاستعراض قدراته المزعومة في المنطقة، وأنه لا يزال قادرًا على تهديد أعدائه، وتنفيذ أهدافه بإقامة خلافة إسلامية. وفي ظل الحرب الدائرة بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، يبعث التنظيم برسائل مفادها أن الجانبين عدوان للإسلام، حيث يهدف إلى استقطاب السنة في المنطقة لمواجهة التنظيمات الشيعية الكافرة وفقًا للفكر الداعشي.
  • مركز الثقل السُّني: يرمي التنظيم إلى السيطرة على الحركات السُّنية المتطرفة في المنطقة؛ ومن ثم يسعى إلى تفكيك علاقات إيران بالتنظيمات ذات التوجه السُّني ليكون له النفوذ الأكبر على التيار السُّني في مقابل محور المقاومة الشيعي، حيث يروج داعش لخسائر حلفاء إيران من الحرب ضد إسرائيل، وأنها نتيجة لتحالفهم مع إيران التي تعد المنافس الأبرز لتنظيم داعش في الشرق الأوسط.
  • خطة تجنيد واسعة: بهدف اكتساب زخم أكبر، باعتبار التنظيم المدافع الأول عن التنظيمات السنية في العالم الإسلامي، وفي هذا الإطار يسعى داعش إلى حشد مقاتلين جدد لصفوفه استغلالًا لحالة اليأس التي تسيطر على أبناء محور المقاومة بعد جملة الاغتيالات التي تعرضت لها قيادات حركة حماس، وحزب الله اللبناني، وفصائل المقاومة العراقية؛ ما قد يجعل عملية استقطاب عناصر جديدة صفوف التنظيم أسهل.
  • أهداف عابرة للحدود: يسعى التنظيم إلى استغلال العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان لتحقيق حلم الخلافة العابرة للحدود في سوريا والعراق ووسط آسيا وجنوبها وإفريقيا من شرقها إلى غربها، حيث تتنامى أنشطة التنظيم على أكثر من جبهة، ويستغل تركيز الدعم الأمريكي والأوروبي للجيش الإسرائيلي لشن هجمات إرهابية تربك العالم، وتعيد هيبة التنظيم بعد انحساره أعوامًا.

فرص الإحياء

قد تجد داعش الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان الورقة الأخيرة لعودة التنظيم إلى الواجهة مرة أخرى بعد سنوات من التراجع ونيل الخسائر، من خلال ما يلي:

  • مكاسب الفوضى: يثير العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان التخوفات بشأن احتمالية توظيف التنظيم لهذا السياق من أجل استعادة نشاطه العملياتي، واستغلال تبعات الحرب لتخفيف الضغوط عليه، والاستفادة من الثغرات عبر التمدد وزيادة عملياته في الإقليم؛ ومن ثم النجاح في إحياء تهديد التنظيم لأمن المنطقة.
  • الفراغ الأمني: يركز داعش في نشاطه الإرهابي، خاصة في سوريا، على المناطق المهمشة أمنيًّا، وذات نفوذ ضعيف من القوى الموالية للنظام السوري أو الموالية لإيران؛ ما يمثل بيئة خصبة للتنظيم لبسط السيطرة، مثل مناطق البادية السورية التي تشمل محافظات دير الزور، والرقة، وحلب، وحماة، وحمص، وريف دمشق، والسويداء، كما أن استمرار الدعم القوي الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل في حربها يؤدي إلى تقويض جهودها لمكافحة الإرهاب، واستمرار الفجوات الأمنية.
  • تحويل موارد إيران وحلفائها عن العراق وسوريا: التي كانت لها دور فعال في تدهور داعش وهزيمته، حيث أعادت إيران والجماعات المتحالفة معها نشر بعض قواتها من عمق سوريا إلى جنوب لبنان والمناطق الأقرب من مرتفعات الجولان المحتلة؛ للضغط على إسرائيل لوقف هجومها هناك، فضلًا عن أن انخراط طهران على نحو مباشر وغير مباشر في الحرب مع إسرائيل يمثل فرصة محورية للتنظيم لمواجهة نفوذ الجمهورية الإسلامية، خاصةً في ظل الخسائر التي تتكبدها قوى محور المقاومة من جراء تلك المواجهة، واستهداف البنية التحتية لتلك التنظيمات، وتركيز طهران الحالي على مواجهة الضربة المحتملة من تل أبيب؛ ما يسمح لداعش بكسب ساحات ومقاتلين جدد لتثبيت أقدامه في المنطقة.
  • حامي الإسلام: يسعى داعش إلى تقديم نفسه بأنه الأولى بالدفاع عن قضايا المسلمين ومحاربة إسرائيل من أجل حماية الشعب اللبناني والفلسطيني بدلًا من طهران التي تخدم أهدافًا غير شرعية وفقًا لرؤيته.
  • توسع مصادر التمويل: إن النفوذ الذي يحظى به داعش في الساحات الجديدة المحتملة لنشاط التنظيم، مثل وسط آسيا وجنوبها، وأجزاء واسعة من القارة الإفريقية، يسمح بتدفق تمويل من تنظيمات وجنسيات متعددة؛ ما يمكنه من استعادة نفوذه في ساحاته التقليدية، ويساعده على الوصول إلى ساحات أبعد.

سيناريوهات العودة

في إطار محاولات إحياء التنظيم، ثمة عدة تحركات يمكن لداعش من خلالها، ومن خلال استغلال الحرب الدائرة بين إسرائيل من جهة ودول الإقليم من جهة أخرى، إعادة بسط نفوذه، وتحقيق أهداف التنظيم، وتتمثل تلك التحركات في:

السيناريو الأول: العودة إلى الساحات التقليدية في سوريا والعراق: يعزز حدوث هذا السيناريو نجاح داعش خلال الأشهر الأخيرة في استعادة جانب مهم من نشاطه وتحركاته على الساحة السورية، فضلًا عن تمكنه من توظيف المساحات الخطرة في الصحراء السورية لإعادة بناء وحدات التنظيم، ويأتي من ضمن مسوغات ترجيح هذا السيناريو تنامي الهجمات الإرهابية للتنظيم في سوريا والعراق، حيث بلغت مجموع العمليات المنفذة من قبل داعش في النصف الأول من عام 2024، ما يعادل ضعف عمليات عام 2023 بكامله.

ولعل فرار عدد من العناصر الأجنبية التابعة لـداعش في مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي من سجن المطاحن في مدينة الرقة – الواقعة تحت سيطرة قسد – يشير إلى عودة واسعة النطاق لعمليات التنظيم في سوريا والعراق، خاصة مع استمرار الخسائر التي تتكبدها التنظيمات الشيعية في المنطقة في سياق الحرب الإسرائيلية الدائرة؛ ما يشكل فرصة مهمة لداعش لتوسيع نفوذه، وتجنيد مزيد من المقاتلين من السنة الرافضين لمسار الحرب من لبنان وسوريا والعراق، غير أن هذا السيناريو تقوضه عودة نشاط قوات التحالف الدولي إلى العراق وسوريا.

السيناريو الثاني: عمليات تكتيكية ضد إيران وإسرائيل: قد يوظف تنظيم داعش الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان في شن عمليات إرهابية على أهداف إسرائيلية وإيرانية، سواء في الداخل أو في الخارج، ويدلل على احتمال حدوث هذا السيناريو العملية النوعية التي أعلن التنظيم مسؤوليته عنها في يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث استهدف داعش هجومين قرب مقبرة الشهداء بمحافظة كرمان الإيرانية بالتزامن مع إحياء الذكري الرابعة لاغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني.

وعلى غرار ذلك، قد يتمكن التنظيم من استهداف الداخل الإسرائيلي في ظل سلسلة الاختراقات الواسعة النطاق التي تقوم بها قوى محور المقاومة، خاصة حزب الله اللبناني للمقار الحيوية للجيش الإسرائيلي، ولكن بالنظر إلى الهجمات التي استطاع التنظيم تنفيذها داخل إسرائيل خلال فترات تمدده وانحساره، فإنها لم تتعدَ كونها هجمات بسيطة قائمة على إستراتيجية الذئاب المنفردة، كتكتيكات إطلاق النار، والدهس، والطعن؛  ما قد يجعل داعش يتجه إلى استهداف  أسهل ومؤثر على نحو أكبر؛ وهو مصالح إسرائيل في الخارج، خاصة في الدول الغربية، مثل المقار الدبلوماسية الإسرائيلية، كجزء من سياسة الانتقام التي يتبناها التنظيم بزعم نصرة المسلمين في العالم، مثلما تعرضت السفارة الإسرائيلية في السويد والدنمارك لهجومين إرهابيين على يد التنظيم في الأشهر القليلة الماضية.

السيناريو الثالث: التوسع في ساحات جديدة في إفريقيا وآسيا الوسطى: فرضت عمليات التحالف الدولي صعوبة أكبر على محاولات بسط داعش نفوذه في العراق وسوريا؛ ما يجبر التنظيم على استغلال أفرعه لإثبات قوته عبر التوجه تحو ساحات جديدة؛ في غرب إفريقيا، والصومال، وأفغانستان، ووسط آسيا وجنوب شرقها، إذ يرمي داعش إلى النشاط في أماكن يصعب العثور عليه فيها؛ ما يتطلب أساليب مختلفة لملاحقته. ويرجّح حدوث هذا السيناريو الصدى القوي الذي يجده تنظيم داعش خراسان على نحو خاص في آسيا الوسطى، حيث يبدو أن النجاح الأساسي الذي حققه التنظيم في التجنيد يرتبط بتغلغله في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة، وخاصة طاجيكستان معقل عناصر داعش خراسان، إذ يطمح التنظيم إلى زرع خلايا وشبكات صغيرة، ولكنها عالية القدرة، يمكن أن تكون بمنزلة أساس لهجمات مستقبلية في تلك الساحات.

 فضلًا عن هذا، فإن داعش خراسان، الذي يعادي حركة طالبان منذ وصولها إلى السلطة في أفغانستان، يستغل المنافسة القائمة بين الحركات الجهادية في كابول لبسط نفوذه من خلال عمليات متكررة، تهدف إلى تهديد بقاء طالبان في الحكم، وفرض موطئ قدم للتنظيم في البلاد  التي تعد بوابة الإرهاب في منطقة جنوب آسيا. كما يفترض هذا السيناريو وصول إرهاب تنظيم داعش إلى القارة الإفريقية عبر الصومال، واستغلاله الصراع الدائر بين حكومة الصومال الفيدرالية والحكومة الانفصالية في إقليم أرض الصومال، وينافس حركة شباب المجاهدين في تكوين إمارة إسلامية في البلاد. ولم يكتفِ التنظيم بمنطقة القرن الإفريقي؛ بل ينتشر بضراوة في غرب إفريقيا، مستغلًا البيئة الأمنية المضطربة في تلك البلدان بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية في السنوات القليلة الماضية.

الخاتمة

تقدم الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان فرصة ذهبية لداعش لإعادة إحياء التنظيم، فمن جانب نجد أن إيران وحلفاءها في سوريا والعراق ولبنان -الذين عارضوا داعش منذ نشأتها- سيعطون الأولوية لمواجهة إسرائيل على محاربة التنظيم، مما يزيل عقبة رئيسة تقف في طريق توسع داعش وتمدد نفوذه، ومن جانب آخر فإن الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تكرس مواردها لدعم إسرائيل في حربها بالمنطقة، وهو ما يضعف جهود التحالف الدولي في محاربة تنظيم داعش؛ ما يعني أننا الآن أمام أخطر محاولة من محاولات عودة داعش في ظل المنطقة المنقسمة من جرّاء الحرب الدائرة بين إسرائيل على غزة ولبنان وإيران وحلفائها الإقليميين، التي تواجه أحد المصيرين: إما فوز إسرائيل وسيطرتها على المنطقة؛ ما يفرض احتلالًا غربيًّا لسوريا والعراق، أو -على أقل تقدير- وجودًا عسكريًّا أمريكيًّا دائمًا في الإقليم، وإما نجاح إيران وحلفائها بالمنطقة في استنزاف إسرائيل،  والنتيجة في كلتا الحالتين واحدة؛ وهي دخول المنطقة في حرب وفوضى ممتدة، وهي الصورة التي لطالما حلم بها داعش لترسيخ وجوده، وهي الملاذ الأخير لإحياء خلافة التنظيم المزعومة.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع