في خطوة تُعد تحولًا إستراتيجيًّا في مسار العلاقات الأمريكية- الأوكرانية، أعلنت كل من واشنطن وكييف، في الأول من مايو (أيار) 2025، توقيعهما اتفاقًا مشتركًا، عرّفوه بأنه بشأن الاستثمار في الموارد الطبيعية الأوكرانية. ورغم غياب النص الرسمي حتى الآن، فإن التصريحات السياسية من الجانبين، وكذلك التسريبات الصحفية، تُظهر أن الاتفاق ليس مجرد آلية اقتصادية؛ بل يحمل دلالات سياسية، والأهم -في رأيي- أنه يحمل دلالات أمنية عميقة، ويدل على تحوّل في هندسة النفوذ الأمريكي في أوكرانيا، وسط حرب لا تزال مفتوحة لم تُحسم بعد، وحراك تفاوضي يتصاعد في الخلفية.
وفق ما صرّحت به يوليا سفيريدينكو، التي تشغل منصب النائب الأول لرئيس الوزراء، وزيرة التنمية الاقتصادية في الحكومة الأوكرانية الحالية:
وإذا نظرنا إلى ما ذكرته الصحافة الأوكرانية عن هذا الأمر؛ نرى أنها أشارت إلى أن الاتفاق لا يتضمن أي التزام أمريكي صريح بضخ أموال، كما لا يمنح أوكرانيا ضمانات أمنية مباشرة.
في المقابل، صرّح وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، عقب إعلان التوقيع، أن الاتفاق “يرسل رسالة واضحة إلى روسيا”، في حين قال ترمب من مكتبه إنه قال لزيلينسكي إن “روسيا أكبر وأقوى”، وإن هذه الصفقة “ستجلب للولايات المتحدة أكثر مما أنفقت”.
عقب إعلان توقيع الاتفاق، نشرت صحيفة “كييف بوست” تقول إن إدارة ترمب قررت رفع القيود عن مبيعات الأسلحة التجارية لأوكرانيا ضمن برنامج المبيعات التجارية المباشرة (DCS)، في خطوة تفتح الباب أمام إعادة تسليح من خارج الأطر الحكومية التقليدية.
لكن اللافت أيضًا، حسبما ذكرت وكالة رويترز تعليقًا على الاتفاق، أن الاتفاق لم يتضمن أي ضمانات دفاعية، مع أن ذلك كان هدفًا رئيسًا لكييف في بداية التفاوض، وأصر زيلينسكي على تكراره في مناسبات عدة. ويُفهم من النص (الذي تقول رويترز إنها اطلعت عليه!) أن أي مساعدات عسكرية مستقبلية قد تُسجّل على أنها استثمارات في صندوق إعادة الإعمار؛ ما يعني أن واشنطن ستحتفظ بحق إدارتها لأوجه الدعم العسكري ضمن حسابات مالية دقيقة.
من موسكو، جاء الرد رسميًّا على لسان المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الذي أكّد أن أي تسوية سياسية لا بد أن تتم بين روسيا وأوكرانيا، وليس من خلال واشنطن. وصرّح بأن موسكو ما زالت مستعدة للحوار المباشر مع كييف دون شروط مسبقة، وهو ما اعتُبر إشارة تكتيكية جديدة لتخفيف الضغط الدولي.
وفي تطور موازٍ، أعلن المدير العام لشركة روس آتوم الروسية، أليكسي ليخاتشوف، وهو من المقربين من بوتين، استعداد موسكو لمناقشة آليات التعاون مع الولايات المتحدة بشأن محطة زابوروجيا النووية، ما بدا فتحًا لقناة موازية خلف التوترات، لكن الخارجية الروسية أوضحت، على لسان الوزير لافروف، أن المحطة تخضع لسيادة روس آتوم، ولا يمكن نقلها إلى إشراف خارجي، تعليقًا وردًا على تقارير أمريكية عن نية إدارة ترمب إقامة منطقة منزوعة السلاح حول المحطة، تكون تحت إشراف أمريكي.
تحليل تقديري.. أبعاد الاتفاق وأهدافه غير المُعلنة
ما يبدو على السطح اتفاقًا اقتصاديًّا لإعادة إعمار أوكرانيا، هو في العمق تأسيس لمرحلة جديدة من النفوذ الأمريكي الطويل الأمد، لا من بوابة القواعد العسكرية؛ بل من بوابة إدارة الثروات والبنى التحتية.
وفي لحظة فارقة من إعادة ترتيب موازين القوى العالمية، علينا -نحن العرب- أن نقرأ هذا الاتفاق لا بوصفه مجرد حدث بعيد عنا جغرافيًّا، بل بوصفه إشارة محتملة إلى توجهات سياسات القوى الكبرى مستقبلًا تجاه منطقتنا.
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.