أبحاث ودراساتمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة

إيران بين إرهاب الدولة ودولة الإرهاب


  • 8 يوليو 2024

شارك الموضوع

توطئة

يُصنَّف النظام الإيراني عالميًّا بأنه الراعي الأول للإرهاب الدولي من خلال الجرائم الكثيرة والعمليات الإرهابية التي ارتكبها ضد مواطنيه، وضد شعوب المنطقة والعالم، حيث أسس كثيرًا من المنظمات والميليشيات الإرهابية في الداخل والخارج، ولم يكتفِ نظام ولاية الفقيه بإنشاء الميليشيات الإرهابية وخلايا للتجسس فحسب؛ بل قام بعمليات خطف وتفجيرات واغتيالات ضد السفارات والدبلوماسيين والمعارضين السياسيين، من خلال أذرعه الإرهابية، وعلى رأسها حزب الله اللبناني، وحزب الله في الحجاز، وعصائب أهل الحق، وعشرات الميليشيات الطائفية في العراق وسوريا، وكذلك الحوثيون في اليمن، ولواء زينبيون الباكستاني، ولواء فاطميون الأفغاني، إضافة إلى دعم طهران وتواطئها مع منظمات إرهابية دولية أخرى، مثل القاعدة، التي آوت عددًا من قياداتها، ولا يزال عدد منها في إيران .

إن المتابع لسياسة إيران منذ قيام ثورتها حتى الآن، يدرك أنها لم تمانع يومًا ما دعم المتطرفين والمتشددين سياسيًّا ودينيًّا، في المنطقة والعالم، ربما لخدمة مصالحها، ومصالح حلفائها السياسية تارة، ولخدمة مصالحها الطائفية تارة أخرى، فقد استفادت إيران من الجماعات الإسلامية أكثر من استفادة تلك الجماعات من إيران، إذ اعتبرتها إيران ورقة ضغط إقليمية ودولية. والآن بعد فوز مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة بحصوله على نحو 54 % من أصوات الناخبين في الجولة الثانية، وإثارة آمال الإصلاحيين في إيران بعد سنوات من هيمنة المحافظين والمحافظين المتشددين على رئاسة الجمهورية الإسلامية، يتمثل التساؤل الأبرز الذي يترقبه العالم في: هل نشهد تغييرًا في نهج الإرهاب الإيراني المتجذر في الجمهورية الإسلامية على مدار أكثر من أربعة عقود؟

عقيدة الإرهاب الإيراني

تعد ممارسة إيران لإرهاب الدولة سمة عامة للنظام الإيراني منذ وصول الملالي بزعامة آية الله الخميني إلى السلطة عام 1978، وقد تعددت وتنوعت أساليب إرهاب الدولة التي انتهجها نظام الملالي في العقود الأربعة الماضية، فكان الإرهاب الداخلي الموجه إلى الإيرانيين أنفسهم أول أنواع إرهاب الدولة؛ بدفع القوة العسكرية وأجهزة الاستخبارية مرارًا ضد التحركات الشعبية، مثلما حدث في الثورة الخضراء عام 2009، واحتجاجات عام 2019، وتظاهرات 2023، التي شملت عمليات قمع وحشية، تضمنت مجازر وإعدامات خارج القانون، تزامن هذا مع القمع التي وجهته الدولة إلى تحركات العرب والأكراد في ولايات الغرب الإيراني لمنعهم من التمرد على النظام الإيراني.

إن دلالات ظاهرة ممارسة إيران لإرهاب الدولة تتضح في تحول مؤسسات إيران، ولا سيما العسكرية والأمنية، إلى كيانات إرهابية، وعلى رأسها الحرس الثوري الإيراني الذي يشكل قوة رئيسة عسكرية وأمنية واقتصادية في هيكل نظام الملالي، ويعد القوة المحورية لتدخلات إيران الخارجية، والمشرف الرئيس على تنفيذ أعمال إيران الخارجية وميليشياتها، وصُنّف منظمة إرهابية بعد مشاركته في ممارسة قمع الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة من جهة، وانخراطه في قتل الشعب السوري وتدمير قدراته من جهة أخرى.

تأسس الحرس الثوري بأمر من روح الله الخميني لحراسة الثورة، ووصفه آنذاك بالجيش العَقَدي، واكتسب على مدار العقود الماضية نفوذًا سياسيًّا وحضورًا في قطاعات كثيرة بالبلاد، منها الأمنية، والاستخباراتية، والصناعية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، فبعد سقوط الشاه وعودة الخميني إلى طهران في 1 فبراير (شباط) 1979 أصدر زعيم الثورة الإيرانية مرسومًا في 5 مايو (أيار) من العام نفسه بإنشاء “الباسدران” لحماية الثورة والنظام الجديد من التهديدات الداخلية والخارجية.

وفي هذا الإطار، حددت المادة 150 من الدستور الإيراني لعام 1979 (المعدل عام 1989) دور الحرس الثوري، ونصت على وظائف هذه القوات ونطاق مسؤوليتها بالمقارنة مع وظائف القوات المسلحة ومسؤولياتها الأخرى، مع تأكيد التعاون والتنسيق فيما بينها، ومن هذا يتضح أن الحرس الثوري لا يعد تنظيميًّا جزءًا من القوات المسلحة الإيرانية، بل له قيادة مستقلة، ويتلقى أوامره من المرشد الأعلى للجمهورية، ويقدم له تقاريره مباشرة، ودون وسيط، ومع مرور السنوات، تطور الحرس الثوري إلى قوة ذات ثقل داخل البلاد، أصبحت لها يد في كل القطاعات الحساسة والحيوية، وباتت مؤثرة في صناعة القرار على نحو كبير.

وبقوة وصلت إلى 125 ألف مقاتل بين قوات برية وجوية وبحرية وفق إحصاءات مراكز الأبحاث الأمريكية، يتحكم الحرس الثوري في كيانين؛ الأول قوات شبه عسكرية تسمى “الباسيج”، تتكون من 90 ألف عنصر على الأقل من الرجال والنساء المتطوعين، من بينهم طلاب في الجامعة، ويتولى الباسيج مهام التصدي للأنشطة التي توصف بالمناهضة للنظام بالداخل، كما يقوم بمهام اجتماعية ثقافية ذات بعد ديني تعبوي لتعزيز الانتماء للنظام وقيادته، بالإضافة إلى مهام أمنية تتعلق بشرطة الأخلاق، ومكافحة الشغب والمظاهرات. أما الكيان الثاني فهو فيلق القدس، الذي قدرت تقارير إعلامية عدد أعضائه بـ15 ألف مقاتل، وينفذ عملياته خارج الحدود الإقليمية لإيران، ومنها تلك التي أشرف عليها اللواء قاسم سليماني لدعم الرئيس السوري بشار الأسد وقواته ضد فصائل الثورة السورية التي اندلعت عام 2011، في إطار ثورات الربيع العربي، وكذلك مساندة الحرس الثوري قوات الأمن العراقية في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

من هذا يتضح أن الهرم التنظيمي للحرس الثوري يتشكل من القائد الأعلى الذي يعينه الولي الفقيه، ونائب القائد الأعلى، ورئيس الأركان الذي ينظم العلاقات بين القوى الخمس للحرس الثوري؛ القوة البرية لجيش حراس الثورة الإسلامية، والقوة الجوية، والقوة البحرية، وقوات المقاومة “الباسيج”، و”فيلق القدس”، غير أن الحرس الثوري واجه معارضة شرسة لوجوده وعملياته الإرهابية في العالم؛ لذا صنفته عدد من الدول الغربية منظمة إرهابية، جاء من أبرز تلك الدول الولايات المتحدة في عام 2019، التي اعتبرت الحرس الثوري الوسيلة الأساسية للحكومة الإيرانية لتنفيذ حملتها الإرهابية العالمية، وهذه هي المرة الأولى التي تصنف فيها الولايات المتحدة جزءًا من حكومة أخرى منظمة إرهابية أجنبية.

وفي 2023 صوّت البرلمان الأوروبي بأغلبية ساحقة لصالح إجراء يدعو الاتحاد الأوروبي إلى تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، واتهمه بقمع المحتجين في البلاد، وإمداد روسيا بطائرات مسيرة تستخدمها في أوكرانيا، لكن وزراء خارجية الاتحاد اختاروا فقط فرض العقوبات على مزيد من الأفراد التابعين للحرس الثوري، وفي السياق نفسه أعلنت المملكة المتحدة بعد نحو شهرين من ذلك، فرض عقوبات على خمسة أعضاء في مجلس إدارة المؤسسة التعاونية للحرس الثوري، ووصفت المؤسسة بأنها المسؤولة عن إدارة استثمارات الحرس الثوري.

أما النوع الثاني من إرهاب الدولة الذي تنتهجه سلطة الملالي، فيتمثل في الإرهاب الخارجي، الذي تسعى فيه إيران إلى نشر الإرهاب في دول المنطقة، ولا يتم بواسطة القوة العسكرية الأمنية للنظام فقط، بل يمكن أن يتم بواسطة وكلاء إيران من الجماعات والميليشيات التابعة، ويعد أبرز مثال على إرهاب إيران الخارجي ما يحدث في سوريا، وفي اليمن، وفي العراق، إذ تتشارك القوات الإيرانية، ومنها الحرس الثوري، وميليشيات حزب الله، وعصائب أهل الحق العراقية، والزينبيون في باكستان، والفاطميون الأفغان، وجماعة الحوثي في اليمن، في تنفيذ خطة طهران الإرهابية في المنطقة.

فضلًا عن هذا، ينعكس إرهاب الدولة في توظيف المؤسسة الأمنية للقيام بأعمال إرهابية ضد معارضي النظام في الخارج، مما يعني ليس القيام بجرائم جنائية وسياسية فحسب، بل بخرق القوانين الدولية، وقد واجهت المخابرات الإيرانية اتهامات متعددة بمشاركة جهازها الدبلوماسي في تنفيذ عدد من العمليات الإرهابية في أكثر من دولة أوروبية، لاستهداف اجتماعات المعارضة الإيرانية في تلك الدول.

أدوات طهران لرعاية الإرهاب في العالم

يعد النظام الإيراني نظامًا تسيطر عليه عقلية الميليشيات، وهي عقلية تغذيها الإرهاب، فبقاؤها من بقائه، وبهذا المعنى فإن طهران ليست دولة مؤسسات؛ بل دولة ميليشيات طائفية، ينعكس هذا في تعدد أساليب إيران لدعم الإرهاب ورعايته في المنطقة والعالم، من أبرزها ما يلي:

1-الدعم المادي

تقدم طهران مساعدات متعددة التخصصات للجماعات الإرهابية، منها مساعدات مالية، وتسليحية، وتدريبية، إضافة إلى تزويدها بالمعلومات والخبرات العسكرية والأمنية، وقد أوضح حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، على سبيل المثال، أن إيران تغطي كل احتياجات الحزب وأعضائه ومؤيديه في لبنان، ودعم هذا تقرير الخارجية الأمريكية الأخير عن الإرهاب في المنطقة؛ بأن إيران أنفقت نحو مليار دولار على الأقل في تمويل الجماعات الإرهابية التي ترعاها.

2-الدعم العسكري

ترسل طهران خبراءها العسكريين والأمنيين لدعم أنشطة الجماعات الإرهابية المرتبطة بها، إذا واجهت تلك الجماعات تحديات أمنية أو عسكرية، بل إنها لا تتأخر في إرسال قواتها، إذا تطلب الأمر ذلك، فكثير من الخبراء العسكريين والأمنيين الإيرانيين استقروا في لبنان لمساعدة حزب الله منذ تأسيس الحزب حتى الآن، بل إن قوات إيرانية استقرت هناك سنوات في فترات سابقة، وقد تكرر ذلك في سوريا على نحو كبير في السنوات الأخيرة، وحدث أيضًا في اليمن، وقبلهما جرى ذلك في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين.

3-فرق الموت الإيرانية 

تستهدف إيران إلى جانب المعارضين السياسيين، قادة الأقليات الدينية ونشطاءها، ومسؤولين حكوميين أجانب وصحفيين، من خلال عمليات اغتيال ممنهجة ومدروسة. فبحسب تقارير الخارجية الأمريكية، فإن النظام الإيراني متورط في عمليات اغتيال ومؤامرات وهجمات إرهابية في أكثر من 40 دولة، على رأسها دول أوروبية. وأشارت تلك التقارير إلى أن إيران نفذت ما يقرب من 360 اغتيالاً مستهدفًا في دول أخرى، وهجمات بالقنابل أدت إلى مقتل وتشويه المئات، كان من أبرز تلك الهجمات محاولة اغتيال السفيرة الإيرانية لدى الدنمارك أفسانة نادي بور عام 2022 وقُبض على الجاني الذي كشفت السلطات الدنماركية عن أصوله الإيرانية، وقد جاءت تلك المحاولة بعد اغتيال المعارض الإيراني مسعود مولوي وردنجاني في إسطنبول، بعد أن هرب إلى تركيا، واغتيل وردنجاني بالرصاص في أحد شوارع إسطنبول في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019، وفي يونيو (حزيران) من العام نفسه، أصيب المعارض الإيراني صادق زارزا بعدة طعنات في هجوم بهولندا، وقبضت الشرطة على مشتبه به إيراني مقرب من منظمة مجاهدي خلق؛ لتورطه في الحادث.

ونتيجة لهجمات فرق الاغتيالات الإيرانية المتكررة في القارة الأوروبية، لتصفية معارضي النظام الإيراني، أمر الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات على إيران بعد اتهام فرنسا والدنمارك وهولندا طهران بشن هجمات في أوروبا تشمل اغتيال إيرانيين يعيشون في هولندا بين عامي 2015 و2017. وعلى غرار ذلك، لا يزال الادعاء العام في ألمانيا يجري تحقيقات مع 10 أشخاص من أفغانستان وتركيا وباكستان، يتبعون الحرس الثوري الإيراني؛ لتجسسهم على أهداف محتملة في ألمانيا، ومعارضين إيرانيين بغرض تصفيتهم.

ولا تتوقف خطط الاغتيالات وتنفيذها على فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ووزارة الاستخبارات والأمن الوطني، ووكلاء مثل حزب الله؛ بل تمتد لتشمل الدبلوماسيين الإيرانيين أيضًا، حيث اتهمت الخارجية الأمريكية الدبلوماسيين الإيرانيين بأنهم عملاء للإرهاب، وقاموا بعمليات اغتيال متعددة، ومؤامرات تفجير في أوروبا خلال العقد الماضي.

4-الإرهاب السيبراني

تطورت قدرة إيران في السنوات الأخيرة على إثارة الإرهاب والفوضى في جميع أنحاء العالم لتشمل ليس فقط الهجمات المباشرة؛ بل شملت عددًا كبيرًا من الهجمات الإلكترونية التي تتراوح من حملات التضليل إلى سرقة البيانات، وخاصة تجاه العدو الأول لإيران؛ إذ شارك إيرانيون في حملات منسقة من الهجمات الإلكترونية ضد الولايات المتحدة وحلفائها، بداية من عام 2016، حيث حاول 7 إيرانيين تخريب المؤسسات المالية الأمريكية من خلال الوصول إلى أنظمة التحكم في سد نيويورك، وبعدها بعامين، أعلنت وزارة العدل الأمريكية أن 9 متهمين، يعملون لصالح إيران، اخترقوا أنظمة الكمبيوتر في 320 جامعة في 22 دولة، وسرقوا أبحاثًا تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.

وفي سبتمبر (أيلول) من عام 2020، وُجِّهَ اتهام إلى ثلاثة متسللين إيرانيين آخرين لسرقة معلومات مهمة عن تكنولوجيا الفضاء الجوي، والأقمار الصناعية الأمريكية، فاستُهدِفَت كثير من الشركات داخل الولايات المتحدة وخارجها لاختراق الشبكات وسرقة المعلومات الحساسة. وبالإضافة إلى ذلك، رُبطت الجماعات الإيرانية بنشر معلومات مضللة عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020، وأعلن موقع تويتر أنه أزال أكثر من 200 حساب يعمل من إيران، كجزء من تحقيق في النفوذ الأجنبي المحتمل في الانتخابات.

شبكة أذرع طهران الإرهابية

إن رعاية دولة ما للإرهاب، لا يمكن أن يكون منفصلًا عن مسار الدولة نفسها وسياساتها في ممارسة الإرهاب رسميًّا، ومن ثم تتوافق فكرة رعاية إيران للإرهاب مع سياساتها المتبعة تجاه دول المنطقة، وحرصها على زيادة نفوذها من خلال زعزعة استقرار تلك الدول؛ ولهذا نسجت إيران علاقات وطيدة مع كثير من التنظيمات المسلحة المنتشرة في بلدان الخليج والمشرق العربي، بالإضافة إلى شمال إفريقيا، وبعض الدول الإسلامية، وتضم القائمة ما يلي:

  • حزب الله اللبناني: ولد حزب الله الشيعي في لبنان من رحم حركة أمل الشيعية اللبنانية عام 1982، وبدعم مباشر من إيران، وأطلق على نفسه في البداية اسم حركة أمل الشيعية، ثم تسمّى بأمل الإسلامية؛ رغبةً منه في توسيع نطاقه ليشمل الأمة الإسلامية. ويشير الحزب في أدبياته إلى التزامه بنظرية ولاية الفقيه التي وضع أساسها آية الله الخميني بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وانتقل الحزب من العمل كمجموعة مسلحة تقاتل ضد إسرائيل إلى حزب سياسي يشكل جزءًا من المشهد السياسي في لبنان، وينشط جناحه السياسي والعسكري داخل البلاد. وكشف حزب الله التوجه الأيديولوجي في الوثيقة التأسيسية للحزب؛ إذ عدَّ الحزب آنذاك نفسه كيانًا إسلاميًّا شيعيًّا عابرًا للحدود الوطنية، وليس حزبًا منظمًا أو مغلقًا في لبنان، وهو ما يعني أن القيادة والتوجيه والتفويض وقرارات الحرب والسلم وغيرها بيد الولي الفقيه.
  • جماعة حزب الله الحجاز: تأسست في السعودية عبر حزب الله اللبناني، وامتد نشاطها من عام 1987 إلى عام 1996، ومن أبرز عمليات هذه المنظمة، تفجير مبنى سكن البعثة الأمريكية في مدينة الخبر السعودية عام 1996.
  • حزب الله العراقي: تشكلت ميليشيا حزب الله العراقية بعد سقوط النظام العراقي عام 2003، وظهر بالتزامن معها ميليشيات إيرانية كثيرة، منها كتائب لواء أبي الفضل العباس، وكتائب كربلاء، وكتائب السجاد، وكتائب زيد بن علي، وقد توحدت جميعها تحت لواء حزب الله العراقي عام 2006، وتورطت الميليشيا المسلحة في كثير من الجرائم على الأرض العراقية، حيث كانت طرفًا في حرب طائفية ضد المكونات العراقية الأخرى؛ من أجل تثبيت النفوذ الإيراني.
  • عصائب أهل الحق العراقية: تأسست عام 2006، بدعم إيراني مباشر، وقد انشقت عن ميليشيا جيش المهدي التابعة للزعيم الديني مقتدى الصدر، وباتت العصائب أحد المكونات الرئيسة في الحشد الشعبي الذي شكل عام 2014 بدعوى مواجهة تنظيم داعش، لكنه ارتكب كثيرًا من الجرائم الطائفية بحق العراقيين، وشاركت الميليشيا أيضًا مع الأذرع الإيرانية الأخرى في الحرب السورية.
  • الحشد الشعبي العراقي: تأسس عام 2014 من كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، ومنظمة بدر، وقوات الشهيد الصدر، ثم توسع الحشد من المتطوعين الشيعة، ووضع هدفًا معلنًا هو حماية بغداد والمراقد المقدسة من تنظيم داعش الذي سيطر على الموصل والرمادي والأنبار والفلوجة، لكن الحشد تورط في مجازر ضد المدنيين في المدن ذات الغالبية السنية، وتعدى المهمة المعلنة إلى أخرى تهدف إلى ترسيخ النفوذ الإيراني الطائفي في العراق.
  • جماعة الحوثي الإيرانية: تأسست الميليشيا تحت اسم جماعة أنصار الله عام 1992، وبدأت نشاطًا عسكريًّا مسلحًا منذ عام 2004 بالدخول في 6 حروب ضد الجيش اليمني حتى عام 2010، ووجدت إيران في الحوثيين منذ زمن بعيد أداة قوية لتنفيذ مشروعها في اليمن، فأمدتهم بالسلاح، حتى استطاعوا استغلال الوضع الأمني الهش عام 2014، ونفذوا انقلابًا على السلطة الشرعية المنتخبة، والآن توظف إيران الجماعة في حربها الحالية مع إسرائيل.
  • سرايا المختار: تأسست هذه الجماعة الشيعية في البحرين أواخر عام 2011، واعتمدت على أسلوب حرب العصابات، والهجمات الخاطفة، والتفجيرات ضد الأهداف المدنية، وقوات الأمن.
  • سرايا الأشتر: تأسس التنظيم في البحرين عام 2012، ويلقى دعمًا من إيران والجماعات الشيعية العراقية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني على نحو مباشر، ويقود التنظيم كل من أحمد يوسف سرحان، المعروف باسم أبي منتظر، وجاسم أحمد عبد الله، المعروف باسم ذي الفقار.

شواهد الإرهاب الإيراني

مع بداية حكم المرشد الخميني عام 1979 محل الشاه محمد رضا بهلوي، الذي حكمت عائلته إيران منذ عام 1925، وبعد سبعة أشهر من تحول إيران رسميًّا إلى جمهورية إسلامية، بدأت طهران بخطة استخدام الإرهاب كتكتيك لتحقيق أهدافها السياسية عن طريق الدين؛ ففي 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 1979، اقتحمت مجموعة من الطلاب الإيرانيين المتطرفين السفارة الأمريكية في طهران، وأخذوا خمسين مواطنًا أمريكيًّا رهائن، وطالبوا  الرئيس الأمريكي آنذاك، جيمي كارتر، بتسليم بهلوي، الذي فرَّ من وطنه؛ لمحاكمته، لكن كارتر رفض تسليم الشاه، فاحتجز الطلاب الإيرانيون الرهائن 444 يومًا، وبالتزامن مع هذا الحادث أمر الخميني الحكومة بالتخلص من أي مسؤولين موالين للشاه المنفي؛ مما أدى إلى تنفيذ آلاف من عمليات الإعدام.

وفي عام 1982، اختطفت مجموعة من حزب الله اللبناني، وجماعات أخرى مدعومة من إيران، 96 مواطنًا أجنبيًّا في لبنان، بينهم 25 أمريكيًّا، فيما يعرف بأزمة الرهائن، التي استمرت 10 سنوات. وامتد إرهاب إيران إلى المنشآت الحيوية في دول المنطقة؛ ففي عام 1983، نفّذَ الإيراني إسماعيل عسكري، الذي ينتمي إلى الحرس الثوري، عملية انتحارية في بيروت استهدفت مقر مشاة البحرية الأمريكية، نجم عنها مقتل 241 شخصًا، وجرح أكثر من 100 من أفراد البحرية والمدنيين الأمريكيين، وجاءت تلك الهجمات بالتزامن مع تفجير حزب الله مقر القوات الفرنسية في بيروت، كما شنت إيران في العام نفسه مجموعة من الهجمات طالت السفارتين الأمريكية والفرنسية في الكويت، ومصفاة للنفط، وحيًّا سكنيًّا.

وفي عام 1985 وقعت محاولة تفجير موكب الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير الكويت الراحل، نتج عنها مقتل عسكريين وجرحى خليجيين، اتُهمت فيها إيران آنذاك بالوقوف وراء الحادث، الذي نجم عنه مقتل 120 شخصًا. وشهد عام 1988 اختطاف طائرة الجابرية، وهي أطول عملية اختطاف طائرة في التاريخ، حيث اختطف مجندون من حزب الله اللبناني وحزب الدعوة العراقي- بأوامر من إيران- طائرة الخطوط الجوية الكويتية التي كانت تقوم بالرحلة رقم 422 في الأجواء العمانية متجهة إلى الكويت قادمة من مطار بانكوك في تايلاند، وقاد الخاطفون الطائرة إلى مطار مشهد، شمال شرق إيران، وطالبوا بإطلاق سراح سجناء لهم ممّن جندتهم إيران في الكويت، واعتُقلوا بعد تفجيرات استهدفت البنية التحتية لدولة الكويت، بالإضافة إلى سفارتي فرنسا والولايات المتحدة. وفي عام 2016 أصدرت محكمة الجنايات الكويتية حكمًا بإعدام اثنين من المدانين في القضية المعروفة بخلية العبدلي بتهم ارتكاب أفعال من شأنها المساس بوحدة أراضي دولة الكويت وسلامتها، والتخابر مع إيران وحزب الله للقيام بأعمال عدائية ضد الدولة.

 ولم تكن الكويت الدولة الخليجية الوحيدة التي امتدت يد الإرهاب الإيراني إليها، بل تنامي إرهاب طهران في باقي الدول الخليجية؛ ففي عام 1996 فُجِّرَت أبراج سكنية في السعودية على يد حزب الله الحجاز، التابع للنظام الإيراني. وعلى النهج نفسه، كشفت الإمارات في عام 2013 عن خلية حزب الله العنقودية، التي أنشأها عملاء تابعون لجهاز الاستخبارات الإيرانية والحرس الثوري، كانت تعمل على نقل معلومات تخص مواقع لمنشآت حكومية وعسكرية وأمنية واقتصادية حيوية ومهمة في الإمارات إلى إيران وحزب الله، بالإضافة إلى نقل معلومات عن صفقات الأسلحة التي عقدتها الدولة مع مختلف الدول إلى عملاء في جهاز الاستخبارات التابع لحزب الله، فضلًا عن نقل معلومات عن شخصيات ورموز سياسية ومالية واقتصادية وأمنية، تسببت في أضرار كبيرة للدولة الإماراتية.

ولعل النظام الإيراني هو الأول في سجل حافل لانتهاك حرمة البعثات الدبلوماسية منذ اقتحام السفارة الأمريكية عام 1979، تلاها الاعتداء على السفارة السعودية عام 1987، والسفارة الكويتية عام 1987، والسفارة الروسية عام 1988، والسفارة الإسرائيلية في بوينس آيرس بالأرجنتين، والاعتداء على دبلوماسي كويتي عام 2007، واستهداف السفارة الباكستانية عام 2009، والسفارة البريطانية عام 2011، والاعتداء على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد عام 2016.

كما تورطت إيران في مجموعة من الاغتيالات للمعارضة الإيرانية؛ ففي عام 1989 اغتالت في فيينا عبد الرحمن قاسملو، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، ومساعده عبد الله آذر، وفي باريس عام 1991 اغتال الحرس الثوري الإيراني شابور بختيار، آخر رئيس وزراء في إيران تحت حكم الشاه، وفي برلين عام 1992 اغتالت إيران الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني صادق شرفكندي وثلاثة من مساعديه، وأصدر المدعي العام الاتحادي الألماني مذكرة اعتقال بحق وزير الاستخبارات الإيراني علي فلاحيان بتهمة التخطيط والإشراف على تفجير المطعم مقر الاغتيال.

كيف تحارب دولة الإرهاب الإرهاب؟

مع أن طهران نجحت في التضييق على الجماعات الكردية المسلحة في غرب البلاد، واستطاعت خلال الأشهر الماضية الاتفاق مع النظام العراقي على التعاون في مكافحة خطر تلك الجماعات للقضاء على التنظيمات المسلحة التي تهدد بقاء النظام، كما نجح النظام الإيراني خلال السنوات الماضية في السيطرة على التهديدات التي تمثلها بعض الجماعات ذات النزعة الانفصالية في إقليم الأحواز غربي البلاد، عبر سياسات متنوعة محلية، ومن خلال توظيف آليات دولية أيضًا، فإن تنظيم جيش العدل يظل الأكثر خطورة حتى الآن على النظام الإيراني.

جيش العدل هو منظمة مسلحة بلوشية معارضة للحكومة الإيرانية، تقاتل من أجل حقوق البلوش القومية والمذهبية في إيران، ظهرت عام 2012، وتتألف- على نحو أساسي- من أعضاء جماعة جند الله المسلحة، التي أطلقت تمردًا ضد إيران بداية من عام 2000، وشنت على مدار أكثر من عقد من الزمن تمردًا ضد المسؤولين في جنوب شرق إيران- المنطقة الحدودية المضطربة- لكن هذه الجماعة أصابها الوهن منذ أعدمت إيران قائدها عبد الملك ريغي عام 2010، واعتقلت السلطات الإيرانية معظم أعضائها؛ لذا سعت المنظمة الجديدة إلى استقلال إقليم سيستان شرق إيران، وإقليم بلوشستان جنوب غرب باكستان، وتأسيس الدولة البلوشية في تلك المنطقة، حيث يبلغ عدد البلوش في إيران من 4 إلى 5 ملايين في محافظات شرقية وجنوب شرقية إيرانية، ويشكلون الأغلبية في محافظة سيستان وبلوشستان المجاورة لولاية بلوشستان باكستان؛ ومن ثم تشهد هذه المحافظة اشتباكات دموية متكررة بين تنظيمات بلوشية والقوات العسكرية الإيرانية، ولطالما تبادلت إيران وباكستان الشكوك بشأن الهجمات المسلحة، خاصة بعد تزايد الهجمات على قوات الأمن الإيرانية والباكستانية في السنوات الأخيرة  من جانب جيش العدل.

وفي هذا السياق، شنت جماعة جيش العدل سلسلة عنيفة من الهجمات ضد قوات أمن إيرانية منذ تأسيسها حتى الآن، كان أحدث تلك الاعتداءات الهجومين اللذين شنهما مسلحون من الجماعة استهدفا مقار للحرس الثوري الإيراني في راسك وتشابهار بإقليم سستان وبلوشستان في أبريل (نيسان) الماضي، ما أسفر عن مقتل 16 مسلحًا خلال تبادل إطلاق النار مع قوات الأمن، وجاء هذا ردًا على استهداف إيران في يناير (كانون الثاني) المنصرم قاعدتين للجماعة في باكستان بالصواريخ، وهو ما قوبل برد عسكري سريع من إسلام آباد التي استهدفت أعضاء الجماعة في المقابل.

ونتيجة للنهج الذي سار عليه جيش العدل خلال العقد الماضي، اعتبرته الدولة الإيرانية تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وأدرجته الحكومة الإيرانية وحكومات غربية، منها الولايات المتحدة، في قائمة التنظيمات الإرهابية، لكن الدولة الإيرانية لم تتمكن خلال السنوات الماضية من استخدام قواتها العسكرية النظامية وغير النظامية للقضاء نهائيًّا على قدرة جيش العدل على استهداف العناصر الإيرانية وزعزعة استقرار النظام، إذ يختلف تنظيم جيش العدل عن بقية التنظيمات العرقية، وعن أغلب الجماعات المسلحة المذهبية الأخرى في إيران، في أن التنظيم منذ بداية نشأته يشتبك مع السياسات الإيرانية في الخارج، مثل السياسة الإيرانية في سوريا منذ عام 2011، وكذلك العلاقة التي ينوي النظام الإيراني توطيدها مع حركة طالبان في أفغانستان حاليًا، والتي يرفضها جيش العدل.

الخاتمة

طوال تاريخه، استخدم النظام الإيراني- على نحو متكرر- أساليب احتجاز الرهائن، وفرق الاغتيالات، وأدوات دعم الإرهاب بمختلف أشكالها. لقد أتقن القادة الإيرانيون إدارة حرب الظل، معتمدين على ميليشيات بالوكالة في الخارج لإثارة الفوضى والرعب في العالم، وكثيرًا ما دفعت هذه الإستراتيجية المتعمدة المجتمع الدولي إلى الاستسلام لمطالب طهران، ومنح تنازلات تعزز نفوذ النظام، وتشجع اعتداءاته، إذ إن النظام الإيراني هو النظام الوحيد في العالم الذي يؤسس جيوشًا من الإرهابيين الطائفيين، والميليشيات المسلحة التي ترتكب أفظع الجرائم باسم المذهب، إذ يعتقد الإيرانيون أنهم بتلك الجرائم يتقربون إلى المعصوم، ويُمهدون لظهوره بتلك الانتهاكات، غير أن استمرار هذا التوجه الإيراني وديمومته في ظل المستجدات المطروحة على الساحة الإقليمية والدولية أمر شبه مستحيل؛ نظرًا إلى تنامي عوامل الضعف والهشاشة الداخلية التي تسري جسد النظام، إلى جانب الصراع بين الطبقة الحاكمة ورجال الحرس الثوري، وعدم وجود مؤسسية مستقرة يمكن الاعتماد عليها في وقت الأزمات، كل هذا يحتم على النظام الحالي مراجعة سياساته الإرهابية مستغلًا فرصة مثل انتخاب رئيس جديد إصلاحي في هذا الوقت الحرج لإيران، وللعالم كله.

ما ورد في الدراسة يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع