مقالات المركز

إيران.. اليد اليسرى للولايات المتحدة في المنطقة


  • 14 فبراير 2024

شارك الموضوع

توطئة

مما لا يختلف فيه الناس، وتهجم عليه العقول السويّة فلا تكاد تخطئه، هو تورط الغرب، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، في المأزق الأوكراني. وزاد حدة هذا التورط قرب إجراء الانتخابات الأمريكية، والتدهور الاقتصادي، فكان لزامًا على الولايات المتحدة أن تعمل على تصدير الأزمة، وذلك بأسلوبها المعتاد القائم على خلق المشكلات، وحلها.

وأما  اليد التي تستعملها الولايات المتحدة لخلق المشكلات، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، فهي إيران، وذلك لأنها اليد اليسرى لها.

هل حقًّا إيران من أذرع أمريكا؟

لعله يصعب على القارئ قبول أن تكون إيران يد الولايات المتحدة في الشرق  الأوسط؛ وذلك لأن القارئ تعوّد اعتبار إسرائيل هي اليد اليمنى لأمريكا في المنطقة، ولكن هذا ما أوصل إليه البحث والنظر المعنت، والاستقراء المتعب، في  توالي الأحداث، وتعاقب المستجدات.

كان يمكن للولايات المتحدة أن تقمع المشروع النووي الإيراني عسكريًّا، لكن على غير عادتها، فضلت الدخول في مجال المفاوضات الدبلوماسية، والضغوط السياسية، والعقوبات الاقتصادية، مع بيان فشلها منذ البداية، وحرصت على تمديد المفاوضات بشأن الأمر،  وإطالتها، ولا يمكن للولايات المتحدة  أن تكون على هذا القدر من الصبر، وسعة الصدر، والنفس الطويل، إلا في حالتين؛ فأما الأولى أن تكون بإزاء دولة قوية لها وزن عالمي وقوة ردع كبيرة، وإيران ليست من هذا الضرب من الدول، وأما الثانية فأن تكون أمام حليف، ولو في غير إعلان، وهذا ما ينطبق على إيران باعتبار أنها ليست من الضرب الأول من الدول.

ومما يزيد هذا الرأي قوة، ما حدث في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، حين اغتالت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس “قاسم سليماني”، وردت بعد ذلك إيران بأيام بقصف قاعدة بلد، التي كانت خاوية على عروشها!! ولم يكن فيها أي جندي أمريكي، مما يستدل به على وجود  اتفاق خفي مسبق بين الطرفين أولًا  (وقد صرح دونالد ترمب بذلك قبل أيام من إنشائي لهذه الكلمات)، ويستدل به ثانيًا على أن إيران ليست من الضرب الأول من الدول التي قد تهاب الولايات المتحدة الحرب معها.

وأزيدك بيانًا، أنه في الأيام الأخيرة لدونالد ترمب في البيت الأبيض، لم يكد يعلن تحريك أسطول جوي إلى الشرق الأوسط حتى تهافتت أصوات إيران، واختفت تلك النبرة المتحدية، والتعبيرات الهجومية.

فهذا، وغيره كثير، مما يستدل به على إمكانية إخضاع الولايات المتحدة لإيران بالقوة، ولكنها تتجاهل ذلك، وتهمل إلجامها، تحت ذريعة المفاوضات الدبلوماسية، والضغوط السياسية، والعقوبات الاقتصادية، وما كل ذلك إلا لأنها الذراع اليسرى لها في المنطقة.

الغرض من وراء دعم أمريكا لإيران

هنا، من حق كل صاحب عقل سليم، وفكر مستقيم، أن يسأل: ما الغرض من دعم الولايات المتحدة لإيران، وتركها تكون قوة إقليمية، لها دور وتأثير في المنطقة، مع وجود إسرائيل الحليف الأول والتقليدي؟

وسنجيب عن هذا السؤال من وجهين:

الوجه الأول: هو أن الولايات المتحدة تحتاج أحيانًا إلى ورقة تضغط بها على إسرائيل، حين تخرج هذه الأخيرة عن طوعها، وتعمل وفق مزاجها الخاص في غير ما يخدم المصالح الأمريكية، فلا تجد الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل، وكبح جماحها، غير ورقة إيران، ومشروعها النووي.

لهذا، دائمًا ما تعارض إسرائيل اتفاقًا بخصوص البرنامج النووي الإيراني، وتحاول دفع الولايات المتحدة إلى الحل العسكري، وهذا الذي لم يحصل حتى في عهد دونالد ترمب، مع أنه كثيرًا ما شاغب الدولة العميقة في الولايات المتحدة، وذهب عكس توجهاتها، لكنه في هذا الموضوع لم يفعل شيئًا، واكتفى بالانسحاب من الاتفاق النووي.

الوجه الثاني: من الأمور التي تجعل الولايات المتحدة تبقي على إيران، هو أنها تستعملها ورقة ضغط مع الدول العربية، التي هي مستعدة لدفع الغالي والنفيس لتوقي شر إيران، والولايات المتحدة تستغل هذا أحسن استغلال.

 الوجه الثالث: الولايات المتحدة دائمًا ما تدعم الميليشيات من وراء ستار، ومن خلف الحجب المسدلة، من غير أن يكون لها تورط مباشر في ذلك، وهي تستغل إيران لتحريك والتحكم في مجموعة من الميليشيات والحركات العسكرية في المنطقة، وعلى رأسها حزب الله، وجماعة أنصار الله الحوثي.

استنتاجات

إيران اليد اليسرى للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، التي تنفذ بواسطتها أعمالًا يمكن أن تسيء إليها عند الرأي العام العالمي.

ما يحدث الآن في البحر الأحمر تقف من خلفه الولايات المتحدة، حتى تهرب به من المأزق الأوكراني الذي أدخلت نفسها فيه، ولم تعرف كيف تخرج منه.

ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.


شارك الموضوع