تشكل منطقة جنوب آسيا -بتعقيداتها الجيوسياسية والاجتماعية- إحدى أكثر المناطق ديناميكية وحساسية في العالم. تضم المنطقة دولًا مثل الهند، وباكستان، وبنغلاديش، ونيبال، وسريلانكا، والمالديف، وبوتان، وهي موطن لأكثر من 1.9 مليار نسمة، أي ما يعادل نحو 25% من سكان العالم. تتسم هذه المنطقة بتنوع ثقافي واقتصادي كبير، لكنها تعاني تحديات أمنية وسياسية متجذرة، تتفاقم بسبب الصراعات الإقليمية والتدخلات الخارجية. تتناول هذه الدراسة التفاعلات بين هذه العوامل: المواجهة الهندية- الباكستانية، والثورات السياسية، والتنافس الصيني-الأمريكي. من خلال تحليل هذه الديناميكيات، نسعى إلى فهم كيفية تشكل التحالفات الأمنية والسياسية، وما يمكن أن يكون عليه المستقبل الإقليمي، لا سيما أن جنوب آسيا، بإمكاناتها الاقتصادية الضخمة (ناتج إجمالي متوقع يصل إلى 6 تريليونات دولار بحلول 2030)، يمكن أن تصبح قوة عالمية إذا تجاوزت التحديات الأمنية.
منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، شكّل الصراع بين الهند وباكستان العمود الفقري للديناميكيات الأمنية في جنوب آسيا. النزاع على إقليم كشمير، الذي أدى إلى حروب في أعوام 1947، و1965، و1971، و1999، لا يزال يمثل نقطة توتر رئيسة. أصبحت المنطقة أكثر تعقيدًا بعد حيازة البلدين للأسلحة النووية عام 1998؛ مما رفع خطر التصعيد إلى مستويات غير مسبوقة. أزمات مثل كارغيل (1999) وبوماكوت (2019) أظهرت هشاشة الاستقرار، حيث يمكن أن تتحول الاشتباكات المحدودة إلى مواجهات شاملة. في عام 2021، تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار على خط السيطرة في كشمير، مما أثار آمالًا بحوار، لكن هذه الآمال تبددت مع هجوم إرهابي في سهل غام بكشمير في أبريل (نيسان) 2025.
في 5 أبريل (نيسان) 2025، هزّ المنطقة هجوم إرهابي في سهل غام، أودى بحياة 26 مدنيًّا، منهم 25 هنديًّا ونيبالي واحد. اتهمت الهند جماعة “جيش محمد” المدعومة من باكستان، مما دفع إلى إطلاق “عملية سندور” في 7 مايو (أيار). استهدفت العملية تسعة مواقع في باكستان وكشمير الخاضعة لإدارتها، باستخدام صواريخ “براهموس”، وطائرات “رافال”. الرد الباكستاني جاء سريعًا باستخدام طائرات “جيه- 10” الصينية الصنع؛ مما أدى إلى اشتباكات جوية محدودة. تدخلت الولايات المتحدة وسيطًا، وبدعم من الأمم المتحدة، تم التوصل إلى وقف إطلاق نار في 10 مايو (أيار) 2025. هذه المواجهة، رغم قصر مدتها، كشفت عن هشاشة التوازن الأمني في المنطقة، وعززت التحالفات القائمة: الهند مع الولايات المتحدة و”الكواد”، وباكستان مع الصين، كما أثرت في الاقتصاد الإقليمي، حيث تقلصت التجارة الثنائية إلى 1.2 مليار دولار عام 2024، مع استمرار التجارة غير الرسمية عبر دول ثالثة.
وسبق في يوليو (تموز) 2024، أن شهدت بنغلاديش “ثورة”، وهي انتفاضة شعبية قادها الشباب ضد حكومة شيخ حسينة، التي حكمت منذ عام 2009 بأسلوب استبدادي. أدت الاحتجاجات، التي اندلعت بسبب ارتفاع أسعار الوقود والبطالة، إلى سقوط الحكومة وتشكيل إدارة انتقالية بقيادة محمد يونس. هذا التغيير أثر في العلاقات مع الهند، التي كانت حليفًا وثيقًا لحسينة، وفتح الباب لتقارب مع باكستان، مما أثار قلق دلهي. في نيبال، أدت احتجاجات عام 2025 ضد رئيس الوزراء كي بي أولي، بسبب الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية، إلى استقالته وتشكيل حكومة انتقالية. نيبال، المحاصرة جغرافيًّا بين الهند والصين، أصبحت ساحة للمنافسة بين القوتين، مع اتهامات بتدخل خارجي في الاحتجاجات. هذه الثورات، التي تذكر بأزمة سريلانكا عام 2022، أعادت تشكيل التحالفات السياسية، حيث تسعى الدول الصغيرة إلى التوازن بين القوى الكبرى.
يُعد التنافس الصيني- الأمريكي المحرك الرئيس للتغيرات في جنوب آسيا. الصين، من خلال مبادرة “حزام واحد طريق واحد”، استثمرت بكثافة في باكستان (ممر CPEC بقيمة 60 مليار دولار)، بنغلاديش (موانٍ بقيمة 5 مليارات)، ونيبال (الطاقة الكهرومائية). في المقابل، عززت الولايات المتحدة تحالفها مع الهند من خلال “الكواد”، مع صفقات أسلحة تشمل مروحيات “أباتشي”، وطائرات “إف- 16”. هذا التنافس يعقد الاستقرار، حيث تواجه الدول الصغيرة ضغوطًا للانحياز، في حين تسعى إلى الحفاظ على استقلاليتها. الصراع البحري في بحر الصين الجنوبي يؤثر تأثيرًا غير مباشر في جنوب آسيا، حيث تهدد التوترات طرق التجارة البحرية عبر مضيق ملقا.
تُعد المواجهة العسكرية بين الهند وباكستان في مايو (أيار) 2025 نقطة تحول حاسمة في ديناميكيات الأمن الإقليمي في جنوب آسيا، حيث أعادت تشكيل التحالفات الأمنية والسياسية، وكشفت عن هشاشة التوازن الإقليمي. أثرت هذه الأزمة، التي اندلعت بعد هجوم إرهابي في سهل غام بكشمير، في العلاقات بين الدول الإقليمية والقوى الخارجية، مع تعزيز الاستقطاب بين المحور الهندي- الأمريكي والمحور الباكستاني- الصيني.
في 5 أبريل (نيسان) 2025، أدى هجوم إرهابي في سهل غام، أسفر عن مقتل 26 مدنيًّا، إلى تصعيد غير مسبوق بين الهند وباكستان. اتهمت الهند جماعة “جيش محمد”، المدعومة من باكستان، مما دفع إلى إطلاق “عملية سندور” في 7 مايو (أيار)، التي استهدفت تسعة مواقع في باكستان وكشمير الخاضعة لإدارتها باستخدام صواريخ “براهموس”، وطائرات “رافال”. ردت باكستان بضربات جوية باستخدام طائرات “جيه- 10” الصينية الصنع؛ مما أدى إلى اشتباكات محدودة استمرت ثلاثة أيام. التدخل الأمريكي، بدعم من الأمم المتحدة، أدى إلى وقف إطلاق نار في 10 مايو (أيار)، لكن التوترات بقيت مرتفعة. هذه المواجهة أظهرت التفوق التقليدي للهند، لكنها كشفت أيضًا عن اعتماد باكستان المتزايد على التكنولوجيا العسكرية الصينية، مما عزز التحالف بين إسلام آباد وبكين.
المواجهة أعادت التركيز على الردع النووي بوصفه عاملًا أساسيًّا في التوازن الأمني. الهند، التي تمتلك ترسانة نووية تضم نحو 160 رأسًا حربيًّا بحلول 2025 -حسب تقديرات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (SIPRI)- أكدت سياسة “عدم الاستخدام الأول”، لكنها حذرت من رد “ساحق” في حالة التصعيد. باكستان، بترسانة تقدر بنحو 170 رأسًا حربيًّا، اعتمدت إستراتيجية “الردع الكامل”؛ مما يزيد خطر الحسابات الخاطئة. المواجهة -رغم محدوديتها- أثارت مخاوف دولية من تصعيد نووي، خاصة مع وجود أسلحة تكتيكية لدى الطرفين. هذا الوضع دفع الولايات المتحدة إلى تعزيز دورها بوصفها وسيطًا، مع إجراء مناورات دبلوماسية مكثفة لمنع التصعيد.
أدت المواجهة إلى تعزيز التحالفات القائمة، وظهور استقطاب واضح في المنطقة. الهند، التي أصبحت شريكًا إستراتيجيًّا رئيسًا للولايات المتحدة، استفادت من دعم أمريكي متزايد من خلال تحالف “الكواد” (الهند، والولايات المتحدة، واليابان، وأستراليا). في عام 2024، وقّعت الهند صفقات أسلحة مع الولايات المتحدة بقيمة 20 مليار دولار، تشمل مروحيات “أباتشي”، وطائرات “إف- 16″، وأنظمة دفاع جوي متقدمة. كما تعاونت الهند مع إسرائيل في تطوير أنظمة الدفاع الصاروخي مثل “باراك- 8″؛ مما عزز قدراتها في مواجهة التهديدات الجوية. هذا التعاون يعكس إستراتيجية الهند لتحقيق التفوق العسكري الإقليمي، مع التركيز على مواجهة النفوذ الصيني في المحيط الهندي.
في المقابل، عززت باكستان تحالفها مع الصين، التي زودتها بصواريخ “HQ-9” مضادة للطائرات، وطائرات “جيه- 10” في صفقات بلغت قيمتها 10 مليارات دولار بين عامي 2024 و2025. الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني (CPEC)، باستثمارات تجاوزت 60 مليار دولار، أصبح العمود الفقري للعلاقات الثنائية، حيث يوفر لباكستان دعمًا اقتصاديًّا وعسكريًّا. الصين، التي ترى في باكستان حصنًا ضد الهند، زادت وجودها العسكري في بحر العرب؛ مما أثار مخاوف الهند من “إستراتيجية التطويق”. هذا الاستقطاب أدى إلى تقسيم المنطقة إلى معسكرين: المحور الهندي- الأمريكي، والمحور الباكستاني- الصيني. الدول الصغيرة في جنوب آسيا، مثل بنغلاديش ونيبال، تبنت سياسة “التوازن الدقيق” لتجنب الانحياز الكامل. بنغلاديش، بعد ثورتها عام 2024، قللت اعتمادها على الهند، وحافظت على علاقات مع الصين والولايات المتحدة. نيبال، التي تواجه ضغوطًا جغرافية لأنها محاصرة بين الهند والصين، وقّعت اتفاقيات مع الصين في الطاقة الكهرومائية، في حين حافظت على تعاون أمني مع الهند لمكافحة الإرهاب. هذا التوازن يعكس إستراتيجية الدول الصغيرة للاستفادة من المنافسة بين القوى الكبرى، لكنه يزيد عدم الاستقرار بسبب الضغوط الخارجية.
سياسيًّا، أدت المواجهة إلى تعليق عمل منظمة التعاون الإقليمي الجنوب آسيوي (SAARC)، التي كانت بالفعل تعاني الجمود منذ عام 2016. الهند، التي علّقت التجارة الرسمية مع باكستان بعد الهجوم، ركزت على تعزيز التعاون مع دول مثل سريلانكا والمالديف ضمن إطار “إندو-باسيفيك”. باكستان حصلت على دعم من دول إسلامية مثل تركيا والسعودية، التي أدانت العمليات الهندية في كشمير. روسيا، التي حافظت على حيادها، عرضت وساطة، لكن نفوذها في المنطقة ظل محدودًا مقارنة بالولايات المتحدة والصين.
اقتصاديًّا، أثرت المواجهة سلبًا في التجارة الإقليمية. في عام 2024، انخفضت التجارة الهندية- الباكستانية إلى 1.2 مليار دولار، مقارنة بـ2.5 مليار دولار في عام 2020، حسب تقارير غرفة التجارة الدولية. التجارة غير الرسمية، التي تقدر بنحو 10 مليارات دولار، عبر دول ثالثة مثل الإمارات، واجهت تحديات بسبب العقوبات المتبادلة. الدول الصغيرة، مثل نيبال وبنغلاديش، عانت ارتفاع تكاليف الطاقة والنقل بسبب التوترات؛ مما أدى إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 15% في المنطقة خلال عام 2025.
عزّزت المواجهة دور الولايات المتحدة بوصفها وسيطًا رئيسًا، حيث نجحت في احتواء الأزمة، لكنها أثارت تساؤلات عن استدامة الدبلوماسية الأمريكية في ظل التنافس مع الصين. الأمم المتحدة دعت إلى حوار بشأن كشمير، لكن الانقسامات في مجلس الأمن، خاصة بين الصين والولايات المتحدة، حدّت من فعالية هذه الجهود. في المستقبل القريب، من المتوقع أن تستمر التحالفات الأمنية في الاعتماد على التوازن بين القوى الكبرى، مع خطر تصعيد إذا فشل وقف إطلاق النار. التطورات التكنولوجية، مثل استخدام الطائرات بدون طيار والأسلحة السيبرانية، تزيد تعقيد المشهد الأمني، حيث أظهرت الهند وباكستان قدرات متقدمة في هذا المجال خلال المواجهة. أدت المواجهة الهندية- الباكستانية إلى تعزيز الاستقطاب الأمني في جنوب آسيا، مع تقوية التحالفات بين الهند والولايات المتحدة، وباكستان والصين. الدول الصغيرة تسعى إلى التوازن، لكنها تواجه ضغوطًا متزايدة. التداعيات الاقتصادية والسياسية تشير إلى حاجة ماسة إلى دبلوماسية إقليمية فعالة لمنع التصعيد وتعزيز الاستقرار.
شهدت منطقة جنوب آسيا تحولات سياسية كبيرة نتيجة الثورات الشعبية في بنغلاديش (يوليو/ تموز 2024) ونيبال (سبتمبر/ أيلول 2025)، التي أعادت تشكيل المشهد السياسي والأمني في المنطقة. هذه الثورات، التي قادتها حركات شبابية ضد الفساد وسوء الإدارة، لم تغير فقط الأنظمة الحاكمة في هذين البلدين؛ بل أثرت أيضًا في التحالفات الإقليمية والدولية، مع تداعيات على التوازن بين القوى الكبرى، مثل الهند، والصين، والولايات المتحدة.
في يوليو (تموز) 2024، اندلعت في بنغلاديش “الثورة الموسمية”، وهي انتفاضة شعبية قادها الشباب ضد حكومة شيخ حسينة، التي حكمت البلاد منذ عام 2009 بأسلوب اتُّهم بالاستبداد. جاءت الثورة نتيجة ارتفاع أسعار الوقود، البطالة (التي بلغت 12% بين الشباب حسب تقارير البنك الدولي)، وتزايد الفساد في القطاع المصرفي. بدأت الاحتجاجات في دكا، حيث تجمع عشرات الآلاف في ميدان “شاباغ”، مطالبين بإصلاحات اقتصادية وديمقراطية. تصاعدت الاحتجاجات إلى أعمال عنف، أسفرت عن مقتل 150 شخصًا، واعتقال الآلاف؛ مما دفع شيخ حسينة إلى التنحي والفرار إلى الهند في 15 يوليو (تموز) 2024. شُكلت حكومة انتقالية بقيادة محمد يونس، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، لإدارة البلاد حتى إجراء انتخابات جديدة في 2026.
التداعيات السياسية والأمنية: أثرت الثورة على العلاقات الإقليمية، خاصة مع الهند، التي كانت حليفاً وثيقاً لحسينة. الهند، التي استضافت حسينة بعد فرارها، عبرت عن قلقها من صعود قوى إسلامية في بنغلاديش، خاصة مع تقارب دكا مع باكستان. في ديسمبر (كانون الأول) 2024، زار رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف بنغلاديش، وهي أول زيارة من نوعها منذ عقود؛ مما أثار مخاوف الهند من “محور إسلامي” إقليمي. أمنيًّا، واجهت الحكومة الانتقالية تحديات في السيطرة على الجماعات المتشددة، حيث زادت الهجمات الإرهابية بنسبة 20% عام 2024، حسب تقارير الأمم المتحدة؛ مما دفع بنغلاديش إلى تعزيز التعاون الأمني مع الولايات المتحدة، التي قدمت مساعدات عسكرية بقيمة 500 مليون دولار.
التداعيات الاقتصادية: عانت بنغلاديش أزمة اقتصادية حادة بعد الثورة، حيث انهارت كثير من البنوك بسبب الفساد، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3% في الربع الأخير من عام 2024. ومع ذلك، أسهمت الإصلاحات الانتقالية، بدعم من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، في استعادة الثقة تدريجيًّا، مع توقعات بنمو اقتصادي بنسبة 5% عام 2026. استفادت بنغلاديش من استثمارات صينية في المواني، بقيمة 5 مليارات دولار؛ مما قلّل اعتمادها على الهند. ومع ذلك، أدت التوترات مع الهند إلى نزاعات بشأن تقاسم مياه نهر غارغا؛ مما أثّر في الزراعة شمال بنغلاديش.
في سبتمبر 2025، شهدت نيبال انتفاضة شعبية ضد حكومة رئيس الوزراء كي بي أولي، بسبب اتهامات بالفساد، وسوء إدارة اقتصادية أدت إلى ارتفاع التضخم إلى 9%، والبطالة إلى 15%. بدأت الاحتجاجات في كاتماندو، حيث خرج الشباب إلى الشوارع مطالبين بالإصلاح. تصاعدت الأحداث مع حرق مبانٍ حكومية؛ مما أدى إلى استقالة أولي في 20 سبتمبر (أيلول) 2025، وتشكيل حكومة انتقالية بقيادة ائتلاف من الأحزاب المعارضة. الثورة، التي أُطلق عليها اسم “انتفاضة الهمالايا”، كانت مدفوعة بحركات طلابية، لكنها أثارت اتهامات بتدخل خارجي، خاصة من الولايات المتحدة والصين، التي اتهمت كل منهما الأخرى بدعم “ثورة ملونة”.
التداعيات السياسية والأمنية: عززت الثورة الديمقراطية في نيبال، لكنها أدت إلى فوضى واسعة النطاق -حتى الآن- حيث شهدت كاتماندو أعمال شغب وانقطاعات في الخدمات الأساسية. أمنيًّا، واجهت الحكومة الانتقالية تحديات في السيطرة على المناطق الحدودية، حيث زادت عمليات تهريب الأسلحة بنسبة 10%، حسب تقارير الشرطة النيبالية. عززت نيبال تعاونها الأمني مع الهند لمكافحة الإرهاب، خاصة في مواجهة الجماعات المتمردة في تيراي، لكنها وقّعت في الوقت نفسه اتفاقيات مع الصين لتطوير مشروعات طاقة كهرومائية بقيمة ملياري دولار. هذا التوازن جعل نيبال ساحة للمنافسة بين الهند والصين، حيث تسعى كل منهما إلى تأمين نفوذها في هذه الدولة الإستراتيجية.
التداعيات الاقتصادية: أدت الثورة إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 20% في 2025، مع تراجع السياحة، وهي مصدر رئيس للدخل في نيبال. ومع ذلك، أسهمت الإصلاحات الانتقالية في جذب دعم دولي، حيث قدمت الولايات المتحدة مساعدات اقتصادية بقيمة 300 مليون دولار، في حين عززت الصين استثماراتها في البنية التحتية. التوترات مع الهند، التي فرضت قيودًا تجارية مؤقتة بسبب مخاوف أمنية، أثرت في إمدادات الوقود؛ مما زاد التضخم إلى 11% في أكتوبر (تشرين الأول) 2025.
أعادت الثورات في بنغلاديش ونيبال تشكيل التحالفات الإقليمية، حيث تبنت الدولتان سياسة “التوازن الدقيق” لتجنب الانحياز الكامل إلى الهند أو الصين. في بنغلاديش، أدى التقارب مع باكستان إلى توترات مع الهند، خاصة بشأن قضايا مثل إدارة الحدود ومياه الأنهار. ومع ذلك، حافظت دكا على علاقات مع الولايات المتحدة لضمان الدعم الاقتصادي، مما جعلها لاعبًا إستراتيجيًّا في المنافسة الصينية- الأمريكية. في نيبال، أدت الثورة إلى صعود قوى يسارية؛ مما قد يعزز النفوذ الصيني على المدى الطويل، لكن الاعتماد على الهند في التجارة والطاقة يحد من هذا التحول.
على المستوى الإقليمي، أثارت الثورات مخاوف من انتشار الاحتجاجات إلى دول أخرى، مثل سريلانكا أو المالديف، تعاني تحديات اقتصادية مماثلة. منظمة التعاون الإقليمي الجنوب آسيوي (SAARC) فشلت في استيعاب هذه التغييرات، حيث يعوق التوتر الهندي- الباكستاني التعاون الإقليمي. دوليًّا، أثارت الثورات نقاشات بشأن “الثورات الملونة”، مع اتهامات أمريكية للصين، واتهامات صينية للولايات المتحدة بدعم الاحتجاجات. تقارير سرية، نشرتها منظمات مثل “ويكيليكس” عام 2025، أشارت إلى تمويل أمريكي لمنظمات مثل “النداء الوطني للديمقراطية” في نيبال؛ مما زاد التوترات.
تشكل الثورات فرصة لتعزيز الديمقراطية في بنغلاديش ونيبال، لكنها تواجه تحديات، مثل الفوضى السياسية، والتهديدات الأمنية، والضغوط الاقتصادية. على المدى القصير، يمكن أن تعزز هذه الثورات دور الشباب في صنع القرار، لكنها قد تؤدي إلى عدم استقرار إذا فشلت الحكومات الانتقالية في تحقيق الإصلاحات. على المستوى الإقليمي، تعزز هذه التغييرات الحاجة إلى دبلوماسية إقليمية فعالة لمنع التصعيد، وتعزيز التعاون في قضايا مثل إدارة المياه والطاقة. أعادت الثورات في بنغلاديش ونيبال تشكيل المشهد السياسي والأمني في جنوب آسيا، مع تعزيز سياسة التوازن بين القوى الكبرى. التداعيات الاقتصادية والسياسية تتطلب جهودًا مشتركة لضمان الاستقرار، وتحقيق الإصلاحات، مع تجنب الوقوع في فخ الصراعات الخارجية.
التنافس بين الصين والولايات المتحدة، الذي وُصف بـ”الحرب الباردة الجديدة”، يمتد إلى مختلف المناطق، ومنها منطقة جنوب آسيا، التي تشكل ساحة إستراتيجية بسبب موقعها الجغرافي، وعدد سكانها، وإمكاناتها الاقتصادية. الصين تسعى إلى توسيع نفوذها من خلال مبادرة “حزام واحد طريق واحد” (BRI)، التي تهدف إلى ربط آسيا بأوروبا وإفريقيا من خلال استثمارات في البنية التحتية. في المقابل، تعزز الولايات المتحدة إستراتيجيتها في “إندو- باسيفيك” لمواجهة الصين، مع التركيز على تحالفات مثل “الكواد” (الولايات المتحدة، والهند، واليابان، وأستراليا)، ودعم الديمقراطيات الإقليمية. في جنوب آسيا، تتجلى هذه المنافسة في التنافس على النفوذ في دول مثل الهند، وباكستان، وبنغلاديش، ونيبال، حيث تتبنى كل دولة إستراتيجيات مختلفة للاستفادة من هذا الصراع مع الحفاظ على استقلاليتها.
اقتصاديًّا، أدى الصراع الصيني- الأمريكي إلى إعادة توجيه الاستثمارات والسلاسل التوريدية في جنوب آسيا. الصين استثمرت بكثافة في المنطقة من خلال BRI، حيث بلغت استثماراتها في باكستان 62 مليار دولار عام 2025 ضمن الممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني (CPEC)، الذي يشمل ميناء جوادر ومشروعات الطاقة. في بنغلاديش، ضخت الصين نحو 5 مليارات دولار في تطوير موانٍ مثل شيتاغونغ؛ مما عزز القدرات اللوجستية للبلاد. تلقت نيبال استثمارات صينية بقيمة ملياري دولار في مشروعات الطاقة الكهرومائية؛ مما قلل اعتمادها على الهند في مجال الطاقة. هذه الاستثمارات جعلت الصين شريكًا اقتصاديًّا رئيسًا، لكنها أثارت مخاوف من “فخ الديون”، خاصة في باكستان، حيث بلغت ديونها للصين 30% من إجمالي ديونها الخارجية خلال عام 2025.
في المقابل، سعت الولايات المتحدة إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي من خلال دعم الهند لتكون مركزًا للتصنيع البديل عن الصين. في إطار إستراتيجية “إندو- باسيفيك”، قدمت الولايات المتحدة قروضًا ومنحًا بقيمة 10 مليارات دولار للهند في 2024- 2025 لتطوير الصناعات التقنية، مما أسهم في نمو الناتج المحلي الهندي بنسبة 6.5% عام 2025. بنغلاديش ونيبال استفادتا أيضًا من المساعدات الأمريكية، حيث تلقت دكا 1.5 مليار دولار لدعم الإصلاحات الاقتصادية بعد الثورة، في حين حصلت نيبال على 300 مليون دولار لإعادة الإعمار. هذه الاستثمارات عززت المنافسة، لكنها وضعت الدول الصغيرة في موقف صعب، حيث يتعين عليها التوازن بين قبول المساعدات وتجنب الانحياز الكامل.
أمنيًّا، أدى الصراع إلى تصعيد التوترات في جنوب آسيا، حيث عززت كل من الصين والولايات المتحدة وجودها العسكري. الصين، من خلال دعمها لباكستان، قدمت أسلحة متقدمة، مثل صواريخ “HQ- 9” المضادة للطائرات، وطائرات “جيه- 10″؛ مما عزز القدرات الدفاعية الباكستانية خلال المواجهة مع الهند عام 2025. كما زادت الصين وجودها البحري في المحيط الهندي، حيث أقامت قواعد لوجستية في باكستان (جوادر) وسريلانكا (هامبانتوتا)؛ مما أثار مخاوف الهند من “سلسلة اللؤلؤ”، وهي إستراتيجية لتطويق الهند عن طريق قواعد بحرية.
في المقابل، عززت الولايات المتحدة تحالفها مع الهند من خلال “الكواد”، حيث أجرت مناورات بحرية مشتركة في المحيط الهندي عامي 2024 و2025، بمشاركة الهند، اليابان، وأستراليا. صفقات الأسلحة الأمريكية للهند، التي تضمنت مروحيات “أباتشي”، وأنظمة “إف- 16″، بلغت قيمتها 20 مليار دولار؛ مما عزز التفوق العسكري الهندي. هذا الدعم جعل الهند قوة مضادة للصين في المنطقة، لكنه زاد التوترات مع باكستان، التي ترى في “الكواد” تهديدًا لأمنها القومي. الصراع البحري في بحر الصين الجنوبي، رغم بعده الجغرافي، أثّر تأثيرًا غير مباشر في جنوب آسيا، حيث تهدد التوترات التجارة البحرية عبر مضيق ملقا، الذي يمر من خلاله 80% من نفط الهند.
سياسيًّا، أدى الصراع إلى استقطاب التحالفات في جنوب آسيا. الهند، بوصفها جزءًا من “الكواد”، عززت علاقاتها مع الولايات المتحدة واليابان؛ مما جعلها محورًا للدبلوماسية الأمريكية في المنطقة. في المقابل، عززت باكستان تحالفها مع الصين، مع دعم دبلوماسي من دول مثل تركيا في القضايا المتعلقة بكشمير. بنغلاديش ونيبال، بعد ثوراتهما، تبنتا سياسة “عدم الانحياز النشط”، حيث حاولتا الاستفادة من الدعم الاقتصادي والعسكري من كلتا القوتين دون التزام كامل. على سبيل المثال، وقّعت بنغلاديش اتفاقيات تجارية مع الولايات المتحدة بقيمة ملياري دولار في 2025، في حين حافظت على استثمارات صينية في البنية التحتية.
دبلوماسيًّا، أدى الصراع إلى تعقيد الجهود الإقليمية للتعاون. منظمة التعاون الإقليمي الجنوب آسيوي (SAARC) ظلت مشلولة بسبب التوترات الهندية- الباكستانية؛ مما حدّ من الجهود لمعالجة قضايا مثل تغير المناخ ،وإدارة المياه. الولايات المتحدة حاولت تعزيز الدبلوماسية المتعددة الأطراف من خلال مؤتمرات مثل “قمة إندو- باسيفيك” عام 2024، لكن الصين ردت بتعزيز نفوذها في إطار منظمة شنغهاي للتعاون، التي تضم باكستان بصفتها عضوًا كاملًا.
الصراع الصيني- الأمريكي يشكل خطرًا كبيرًا على جنوب آسيا، حيث يمكن أن يؤدي إلى “حرب باردة إقليمية” تعمق الانقسامات. الدول الصغيرة -مثل بنغلاديش ونيبال- تواجه ضغوطًا متزايدة للانحياز؛ مما قد يهدد استقلاليتها. على سبيل المثال، تعرضت بنغلاديش لانتقادات من الهند بسبب تقاربها مع الصين، في حين واجهت نيبال ضغوطًا أمريكية للحد من التعاون مع الصين. كما أن التوترات في بحر الصين الجنوبي قد تؤثر في طرق التجارة؛ مما يزيد تكاليف الشحن بنسبة 15% في عام 2025، حسب تقارير غرفة التجارة الدولية.
التكامل الإقليمي
في هذا السيناريو التخيلي- المثالي، تنجح دول جنوب آسيا في التغلب على التوترات الإقليمية، خاصة الصراع الهندي- الباكستاني، من خلال إحياء منظمة التعاون الإقليمي الجنوب آسيوي (SAARC) بوصفها منصة للحوار والتعاون. بحلول عام 2030، يمكن أن يؤدي الضغط الدولي، بقيادة الولايات المتحدة والصين، إلى اتفاق سلام بشأن كشمير، يتضمن منطقة منزوعة السلاح على خط السيطرة، وآلية مشتركة لإدارة النزاع. الهند وباكستان، بدعم من الأمم المتحدة، تبدآن حوارًا مباشرًا؛ مما يعيد تنشيط التجارة الثنائية إلى 50 مليار دولار بحلول عام 2030، مقارنة بـ1.2 مليار دولار عام 2024. هذا التكامل يشمل مشروعات مشتركة في الطاقة المتجددة، مثل شبكة كهرباء إقليمية تربط بين الهند وباكستان وبنغلاديش.
في بنغلاديش ونيبال، تنجح الحكومات الانتقالية في إجراء انتخابات ديمقراطية بحلول عام 2026؛ مما يؤدي إلى حكومات مستقرة تعزز الإصلاحات الاقتصادية. تستفيد بنغلاديش من استثمارات صينية وأمريكية لتصبح مركزًا للتصنيع الإقليمي، في حين تطور نيبال قطاع السياحة والطاقة الكهرومائية. هذه الإصلاحات تقلل الاعتماد على القوى الخارجية؛ مما يسمح للدول الصغيرة بالمشاركة في تحالفات إقليمية دون الوقوع في فخ الانحياز. على المستوى الدولي، تصبح جنوب آسيا جزءًا من نظام “إندو- باسيفيك” المتعدد الأقطاب، حيث تتعاون الهند مع الولايات المتحدة واليابان، في حين تحافظ باكستان على علاقات مع الصين، دون تصعيد عسكري.
التعاون الإقليمي يمتد إلى قضايا مثل تغير المناخ، حيث تقود الهند مبادرات لتطوير الطاقة الشمسية، في حين تشارك بنغلاديش ونيبال في اتفاقيات إقليمية لإدارة المياه، مثل نهر غارغا. هذا السيناريو يعتمد على دبلوماسية فعالة، ودعم دولي، وإرادة سياسية قوية لتجاوز العداوات التاريخية؛ مما يجعل جنوب آسيا قوة اقتصادية عالمية بناتج إجمالي متوقع يصل إلى 6 تريليونات دولار بحلول عام 2030.
التوازن الهش
بقراءة الواقع، تستمر المنافسة الصينية- الأمريكية في تشكيل التحالفات في جنوب آسيا، مع بقاء التوترات الهندية- الباكستانية تحت السيطرة، ولكن دون حل نهائي. وقف إطلاق النار على خط السيطرة يستمر، لكن الحوار بشأن كشمير يظل متعثرًا بسبب عدم الثقة. الهند تعزز تحالفها مع الولايات المتحدة من خلال “الكواد”، مع صفقات أسلحة تصل إلى 30 مليار دولار بحلول 2030، في حين تعتمد باكستان على الصين لتطوير ترسانتها العسكرية، بما في ذلك الطائرات بدون طيار، والأسلحة السيبرانية. الدول الصغيرة، مثل بنغلاديش ونيبال، تواصل سياسة “التوازن الدقيق”، حيث تستفيد بنغلاديش من استثمارات صينية وأمريكية، في حين تحافظ نيبال على علاقات متوازنة مع الهند والصين.
اقتصاديًّا، تنمو المنطقة بنسبة 5% سنويًّا، مدفوعة بنقل السلاسل التوريدية إلى الهند وبنغلاديش، لكن التكامل الإقليمي يظل محدودًا بسبب تعليق عمل (SAARC). أمنيًّا، تزداد التوترات بسبب المناورات العسكرية، حيث تجري الهند والولايات المتحدة مناورات بحرية في المحيط الهندي، في حين تعزز الصين وجودها في ميناء غوادر. هذا الوضع يحافظ على استقرار نسبي، لكنه يحمل خطر تصعيد نووي في حالة وقوع هجوم إرهابي جديد، كما حدث عام 2025.
دوليًّا، يصبح جنوب آسيا مركزًا للدبلوماسية المناخية، حيث تستضيف الهند قمة COP30 عام 2030؛ مما يعزز دورها كقائد إقليمي في مكافحة تغير المناخ، في حين تشارك بنغلاديش ونيبال في مبادرات إقليمية لإدارة الكوارث الطبيعية، لكن التوترات الهندية- الباكستانية تعوق التعاون الكامل. هذا السيناريو يعكس استمرار الوضع الراهن، مع تحسينات طفيفة في الاقتصاد والديمقراطية، لكنه يحمل خطر عدم الاستقرار إذا فشلت الدبلوماسية.
التصعيد
في هذا السيناريو التصادمي، تفشل جهود الدبلوماسية في احتواء التوترات؛ مما يؤدي إلى تصعيد عسكري وسياسي في جنوب آسيا. إذا انهار وقف إطلاق النار على خط السيطرة قد تندلع حرب جديدة بين الهند وباكستان، مع استخدام أسلحة تقليدية متقدمة، مثل الطائرات بدون طيار، والصواريخ الباليستية القصيرة المدى. هذا التصعيد قد يجذب تدخلًا خارجيًّا، حيث تدعم الولايات المتحدة الهند، في حين تقدم الصين دعمًا عسكريًّا لباكستان؛ مما يحول المنطقة إلى ساحة لـ”حرب بالوكالة”.
في بنغلاديش ونيبال، تفشل الحكومات الانتقالية في تحقيق الاستقرار؛ مما يؤدي إلى فوضى سياسية، وصعود جماعات متشددة. تواجه بنغلاديش نزاعات حدودية مع الهند بشأن نهر غارغا، في حين تشهد نيبال تمردات في المناطق الحدودية، مدعومة جزئيًّا من قوى خارجية. اقتصاديًّا، تنهار المنطقة بنسبة 3% بحلول عام 2030 بسبب العقوبات الدولية، وتوقف التجارة؛ مما يؤدي إلى أزمات إنسانية، خاصة في باكستان وبنغلاديش، حيث يرتفع عدد اللاجئين إلى 5 ملايين.
دوليًّا، يؤدي التصعيد إلى انقسام في مجلس الأمن، حيث تعرقل الصين والولايات المتحدة جهود الوساطة. التوترات في بحر الصين الجنوبي تنعكس على جنوب آسيا؛ مما يهدد طرق التجارة البحرية ويزيد تكاليف الشحن بنسبة 20%. هذا السيناريو يجعل جنوب آسيا ساحة للحرب الباردة، مع انعكاسات كارثية على الاستقرار الإقليمي.
التوصيات
لتجنب السيناريوهات الأسوأ، وتعزيز فرص التكامل الإقليمي، يجب على دول جنوب آسيا اتخاذ خطوات إستراتيجية:
ما ورد في المقال يعبر عن رأي الكاتب، ولا يعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير.